آثار المضاربة الصحيحة أو الفاسدة، وفسخ عقد المضاربة
آثار المضاربة الصحيحة، أو الفاسدة:
النتيجة التي تنتهي إليها المضاربة سواء أكانت هذه المضاربة صحيحة أم كانت فاسدة:
فنبدأ أولًا بآثار المضاربة الصحيحة التي توافرت أركانها، وتوافرت شروط صحة كل ركن، اسمها مضاربة صحيحة، وتنتج نتائج متعددة، أهم هذه النتائج ما يلي:
يستحق المضارب في المضاربة الصحيحة شيئين:
الشيء الأول: النفقة.
والشيء الثاني: هو الربح المسمى.
والفقهاء اختلفوا بالنسبة للنفقة، نفقة المضارب؛ فأوجبها الحنفية للعامل في مال المضاربة.
يعني العامل يأخذ ما ينفقه على التجارة؛ لأن الربح في المضاربة يحتمل الوجود والعدم، والعاقل لا يسافر بمال غيره لفائدة تحتمل الوجود والعدم، مع تعجيل النفقة، يعني: يدفع من ماله الخاص أجرة السفر، وما يستلزمه هذا السفر، فلا بد أن تكون نفقاته إذا سافر، وانتقل من البلد الذي تم فيه التعاقد، بل ونفقات من يعاونونه، يجب عند الحنفية أن تكون في مال المضاربة؛ إذ لو لم تجعل نفقته في مال المضاربة، لامتنع الناس من قبل هذه المضاربات مع الحاجة الماسة إليها.
بشرط خروجه من المِصر الذي يقيم فيه، ويأخذ هذا المال معه أثناء هذا السفر ويكون سفره من أجل التجارة، كذلك كل من كان معه ممن يعاونه على التجارة كأن يأخذ مثلًا خادمًا؛ فنفقة هذا الخادم عليه، فإن ركب دابة، فعلف هذه الدابة على صاحب المال، يعني: من مال المضاربة.
وتحسب النفقة من الربح أولًا، إذا كان هناك ربح، فإذا لم يكن هناك ربح بأن كانت هناك خسارة، فتحسب من رأس المال؛ لأن النفقةَ جزء هالك من المال.
المراد بالنفقة، حتى لا يبالغ العامل فينفق على هواه:
المراد بالنفقة الطعام، والشراب، وما يلزم من ثياب، وأجر الأجير الذي يحمل البضاعة، ويزنها… إلخ، وأجر فراش ينام عليه، أو ما يدفعه في فراش ينام عليه كل هذا يدخل في النفقة، وعلف الدابة يدخل في النفقة، وغسل الثياب، وما يستلزم هذا الغسل، دهن السراج، يعني: ثمن الكهرباء التي سيدفعها في الإضاءة، أو في التدفئة، نفقة ذلك كله تدخل في لفظ النفقة، وواجبة في مال المضاربة، فتؤخذ أولًا من الربح إن كان، وإلا فمن رأس المال؛ لأن المضارب لا يد له فيها أو لا بد له منها.
وأما ثمن الدواء، يعني: إن كان أصابه مرضٌ أثناء التجارة، أو ما يصلح البدن كحلاقة، أو ما يصلح بدنه من أنواع الرياضيات مثلًا، فهذا كله من ماله الخاص.
وقدر النفقة يكون بالمعروف بين التجار؛ لأنه لو ترك هذا الأمر بلا تحديد، فمن الممكن أن يطلب صاحب المال أمورًا فيها تقتير على العامل، ولو ترك بلا تحديد قد يبالغ العامل؛ فالأمر يخضع للعرف.
والشيء الثاني: الربح المسمى، فالعامل يستحق الربح المسمى، الثلث، أو الربع، أو ما إلى ذلك مما تمت الموافقة عليه، إن كان في المضاربة ربح، وهذا ما لا خلاف فيه، ولكنهم اختلفوا في وقت الاستحقاق لذلك الربح، متى يحين هذا؟.
وقد ذهب جمهورهم: إلى أن وقت الاستحقاق يكون بالقسمة، لا بظهور الربح، وذلك يكون بشرط قبض المالك رأس المال، فلا تصح قبله.
وقيل في قول ضعيف: بمجرد ظهور الربح، يجوز للعامل أن يحصل على نصيبه قياسًا على المساقاة، لكنه قول ضعيف.
ولا يستقر ملك العامل للربح إلا بتنضيد رأس المال، وفسخ العقد، يعني: يتحول المال إلى أن يصبح نقودًا مرة أخرى، وينض، يعني: يوضع على المائدة أو المنضدة، ويفسخ العقد أو ينتهي العقد، في هذه الحالة يستقر نصيب العامل في الربح إن كان هناك ربح.
وأما ربُّ المال؛ فإنه يستحق في المضاربة الصحيحة شيئًا واحدًا فقط، وهو الربح المسمى، إذا كان في المال ربحٌ، وإن لم يكن فلا شيء له على المضارب، وبالطبع معلوم أنه إذا كان هناك ربح، فإن صاحب المال يسترد ماله، ويأخذ نصيبه في الربح.
مثلًا: إذا اشترطنا في العقد أن العامل له الثلث، وربح المال، فصاحب المال يتسلم شيئين، يتسلم أصل رأس ماله الذي دفعه، إضافة إلى أمر آخر، وهو ما اتُّفِقَ عليه، إذا كان اتفاقنا على الربع؛ فثلاثة أرباع للمالك، أو اتفقنا على الثلث؛ فثلثان للمالك، وهكذا، هذا بالنسبة للمضاربة الصحيحة.
المضاربة الفاسدة:
وتفسد المضاربة إذا اختل شرط من شروط الأركان، التي تكلمنا عنها منذ قليل. فذهب الجمهور: إلى أنه في حال فساد المضاربة؛ فإن الربح كله يصير إلى المالك، ويستحق المضارب أجر مثله، خَسِرَ المال، أو ربح؛ لأن المضاربة الفاسدة فيها معنى الإجارة الفاسدة، والإجارة إذا فسدت يكون للعامل الذي عمل أجر المثل فقط، والأصل عند المالكية: أن كل مسألة خرجت عن حقيقةِ المضاربَةِ من أصلها، ففيها أجرةُ المثل، لكن إن شملتها المضاربة، واختل منها شرط، فإن رَبِحَ، فإن المضارب يستحق أجْرَ مثله، ومضاربة مثل المال في ربحه إن ربح.
وقد يستحق أحيانًا مضاربة مثل المال فقط، وقد يستحق العامل أجر المثل فقط، فللمالكية في ذلك تفصيل، وفرق المالكية بين ما فيه مضاربة المثل، وما فيه أجر المثل، من المضاربات الفاسدة من وجوه عديدة؛ خصوصًا في كتبهم التي عنوا فيها بالتفصيل، وهي تفصيلات لا أرى الخوض فيها، بل على من أراد المزيد أن يرجع إلى كتب المالكية المبسوطة التي فيها الكلام المتفرع عن هذه الأمور بالتفصيل.
فسخ عقد المضاربة:
تنفسخ المضاربة بأسباب عديدة:
منها موت رب المال، أي: صاحب المال، أو إذا مات المضارب، عند جمهور الفقهاء تنفسخ المضاربة، لكن ذهب المالكية إلى أن موت المضارب قبل نض رأس المال، لا يؤدي إلى فسخ العقد، بل على وارثِهِ -يعني: وارث هذا المضارب- إذا كان أمينًا أن يكمل العمل على شرط مورثه، فان لم يكن وارث العامل أمينًا، أتى هذا الوارث بأمين، كالعامل الأول يكمل العمل، ويكون بصيرًا بالتجارة، فإن لم يأتِ الوارث بأمين مسلم، ولم يكن هو نفسه أمينًا، فإنه يجب تسليم صاحب المال ماله، دون أن يأخذ ورثة العامل شيئًا، قياسًا على الجعالة؛ لأن في الجعالة لا يستحق من له الجعل، أي: العامل شيئًا إلا بتمام العمل.
أيضًا من أسباب انفساخ عقد المضاربة، فقدان الأهلية:
فقدان أهلية أحد المتعاقدين أو كليهما، أو حتى نقص هذه الأهلية، فمثلًا إذا جُنَّ أحدُهُمَا، أو جُنَّا معًا جنونًا مطبقًا، أو أغمي على أحدهما إغماء مستمرًّا، أو حُجِرَ حَجْرَ سفهٍ، أو إفلاس على أيٍّ منهما؛ انفسخ العقد؛ انفسخ لفقدان الأهلية؛ لأنه ما انعقد أصلًا إلا من شخصين توافرت في كل منهما صحة التصرف، وذلك باستكمال الأهلية، أما إذا فقدت هذه الأهلية؛ فإن العقد ينفسخ فورًا.
وتنفسخ المضاربة بالفسخ: فإذا اتفق طرفاها على إنهاء العقد انتهى، أو حتى أحدهما فسخه انفسخ؛ لأنه من العقود الجائزة.
وتنفسخ المضاربة بتلف رأس المال: إذا تلف رأس مال المضاربة كله؛ انتهى، وانفسخ العقد كله، لكن إن تلفت بعض المال؛ فالصحيح أنه تستمرُّ المُضَارَبَةُ بِالبَاقِي.
وتنفسخ باسترداد رب المال لرأس ماله: يقول: أعطني رأس مالي؛ فيسترده، واسترداد رب المال لماله معناه: إنهاء هذه المعاملة؛ لعدم وجود المال الذي تقوم عليه المضاربة، وهو ركنٌ أساسيٌّ في هَذِهِ المعاملة.
وتنفسخ بِرِدَّةِ صاحبِ رأس المال، أو المضارب -والعياذ بالله-: والمضارب إن كان مسلمًا وارتد؛ فإن العقد ينفسخ؛ لأنه في هذه الحالة يستتاب، فإن تاب، وإلا أقيم عليه حد الردة.