أبواب الأغسال المستحبة: باب غسل الجمعة، وباب الغسل للإحرام، وللوقوف بعرفة، ولدخول مكة
. باب: غسل الجمعة:
حديث ابن عمر:
قال مجد الدين ابن تيمية -رحمه الله-: عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاء أحدكم إلى الجُمعة، فلْيغْتَسِل!))، رواه الجماعة، أي: أصحاب الكتب السّتة جميعًا، وأحمد. ولمسلم: ((إذا أراد أحدكم أن يأتي الجُمعة، فلْيغتسلْ!)).
وفي الغُسل في يوم الجُمعة أحاديث غير ما ذكَره المصنّف، منها: عن جابر عند النسائي، وعن البراء عند ابن أبي شيبة في (المصنف)، وعند أنس عند ابن عدي في (الكامل)، وعن بُريدة عند البزار، وعن ثوبان عند البزار أيضًا، وعن سهل بن حُنيف عند الطبراني، وعن عبد الله بن الزبير عند الطبراني أيضًا، وعن ابن عباس عند ابن ماجه، وعن عبد الله بن عمر حديث آخر عند الطبراني، وعن ابن مسعود عند البزار، وعن حفصة عند أبي داود. وفي الباب عن جماعة من الصحابة يأتي ذكرهم في أبواب الجُمعة إن شاء الله تعالى.
أحكام هذا الباب:
فهو يدلُّ على مشروعية غُسل الجُمعة. وقد اختلف الناس في ذلك:
فحُكي وجوبه عن طائفة مِن السلف، حَكَوْه عن بعض الصحابة. وبه قال أهل الظاهر. وحكاه ابن المُنذر عن مالك. وحكاه الخطّابي عن الحسن البصري ومالك. وحكاه ابن المُنذر أيضًا عن أبي هريرة، وعمّار، وغيرهما… وقد حكى الخطّابي وغيره: الإجماع على أن الغُسل ليس شرطًا في صحّة الصلاة، وأنها تصحّ بدونه. وذهب جمهور العلماء من السلف والخَلف وفقهاء الأمصار إلى أنه مستحب.
ب. باب: غُسْل العيديْن.
حديث الفاكه بن سعد:
قال مجد الدين بن تيمية -في هذا الباب: عن الفاكه بن سعد -وكان له صحبة-: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغْتسل يوم الجُمعة، ويوم عَرفة، ويوم الفِطر، ويوم النَحر”، وكان الفاكه بن سعد يأمر أهله بالغُسْل في هذه الأيام، رواه عبد الله بن أحمد في (المسند)، وابن ماجه، ولم يذكر الجُمعة.
ورُوي عن عروة بن الزبير: أنه اغتسل يوم عيد وقال: إنه السُّنة. وقال البزار: لا أحفظ في الاغتسال للعيد حديثًا صحيحًا. وقال ابن النحوي -المعروف بابن المُلقّن- في (البدر المُنير): “أحاديث غُسْل العيدين ضعيفة، وفيه آثار عن الصحابة جَيّدة”.
والحديث استُدلّ بها على أنّ غُسْل يوم العيد مَسنون، وليس في الباب ما ينتهض لإثبات حكمٍ شرعي.
د. باب: الغُسْل للإحرام، وللوقوف بعرفة، ولدخول مكة.
حديث زيد بن ثابت:
عن زيد بن ثابت: ((أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرّد لإهلاله، واغتسل)).
أحكام هذا الباب:
فهو يدلُّ على استحباب الغُسْل عند الإحرام؛ وإلى ذلك ذهب الأكثر. وقال الناصر: إنه واجب. وقال الحسن البصري، ومالك: محتمِل. وأخرج الحاكم، والبيهقي، من طريق يعقوب بن عطاء، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: ((اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لبس ثيابه، فلما أتى ذا الحُليفة صلّى ركعتيْن. ثم قَعد على بعيره. فلما استوى على البيداء، أحرم بالحج))
ويعقوب ضعيف -قاله الحافظ. وفي الباب نفسه عن ابن عمر: ((أنه كان لا يقدم مكة إلاّ بات بذي طُوَى، حتى يصْبح ويغْتسل. ثم يدخل مكة نهارًا. ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعَله))، أخرجه مُسلم. وللبخاري معناه، ولمالك في (الموطأ) عن نافع: “أن عبد الله بن عمر كان يغْتسل لإحرامه قَبل أن يُحرم، ولدخول مكة، ولوقوفه عَشية عَرفة”.
أحكام الحديث:
فيدلُّ على استحباب الاغتسال لدخول مكة، قال في (الفتح): قال ابن المنذر: الاغتسال عند دخول مكة مُستحب عند جميع العلماء، وليس في ترْكه عندهم فدْية. وقال أكثرهم: يُجزئ عنه الوضوء. وفي (الموطأ): أنّ ابن عمر كان لا يغْسل رأسه وهو مُحرم، إلاّ مِن احتلام. وظاهره أنّ غُسْله لدخول مكة كان لجَسده دون رأسه. وقالت الشافعية: إن عجز عن الغُسْل تيمّم. وقال ابن التين: لم يذكر أصحابنا الغُسْل لدخول مَكة، وإنما ذكروه للطواف، والغُسْل لدخول مكة هو في الحقيقة للطواف.
وقوله: “بذي طَُوى” -بضم الطاء وفتحها. وفهمنا مِن بعض الأحاديث أنها أدنى الحَرم -أي: بعد الدخول في الحرم.
هـ. باب: استحباب نقْض الشعر لغُسْل الحَيْض، وتتبّع أثر الدّم فيه.
حديث عائشة رضي الله عنه:
قال مجد الدين ابن تيمية: عن عروة، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها -وكانت حائضًا: ((انقضي شعْرك واغتسلي!))، رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.
قال الشوكاني: “الحديث هو عند الستة، إلاّ الترمذي، بلفظ: إنها قدمت مكة وهي حائض ولم تَطف بالبيت، إلاّ بين الصفا والمروة، فشكت إليه صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: ((انقضي رأسك، وامتشطي، وأهلِّي بالحج!))، وليس فيه ذِكر الغُسْل. وقد ثبت عند ابن ماجه كما ذكره المصنف، وقال: بإسناد صحيح؛ وهو دليل لمَن قال بالفَرق بين الغُسْل للجَنابة والحَيض والنِفاس. يعني: في غُسل الجَنابة لا تنْقض شعرها، أمّا في الحَيض والنِفاس -كما في هذا الحديث- قال لها: ((انقضي شَعرك))؛ وهو رأي الإمام أحمد –أي: بالفَرق- والهادوية. وأجيب بأن الخبر ورد في مندوبات الإحرام، والغُسْل في تلك الحال للتَّنظيف لا الصلاة، والنِزاع في غُسْل الصلاة كغُسْل الجَنابة، الذي لا تصح الصلاة إلاّ به