أبواب المسح على الخفّيْن: باب في شرعيّته، وباب المَسْح على الموقَيْن وعلى الجَوربيْن
. باب في شرعيّته:
“عن جرير: أنه بال، ثم توضّأ ومَسَح على خُفّيْه. فقيل له: تفعل هكذا؟ قال: نعم؛ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال، ثم توضأ ومَسَح على خُفّيْه”.
قال إبراهيم النخعي: فكان يعجبهم هذا الحديث؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول (المَائِدة)؛ أي بعد نزول آية (المَائِدة)، وهي الآية السادسة من سورة (المَائِدة). وهذا الحديث متفق عليه، أي رواه أحمد والشيخان.
وفي الحديث مشروعية المَسْح على الخُفّيْن. وقد نقل ابن المنذر عن ابن المبارك، قال: “ليس في المَسْح على الخُفّيْن عن الصحابة اختلاف؛ لأن كلّ مَن رُوي عنه منهم إنكاره فقد روي عنه إثباته”. وقال ابن المنذر: “اختلف العلماء: أيهما أفضل: المَسْح على الخُفّيْن، أو نزعهما وغسل القدمين؟ والذي أختاره: أن المَسْح أفضل، لأجْل مَن طعن فيه من أهل البِدع مِن الخَوارج والرَّوافض، وإحياء ما طعن فيه المخالفون مِن السّنن أفضل مِن ترْكه”. انتهى.
قال النووي في (شرح مسلم): “وقد روى المَسْح على الخُفّيْن خلائق لا يُحصَوْنَ من الصحابة. قال الحسن: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمْسَح على الخُفّيْن” أخرجه عنه ابن أبي شيبة”.
والخُف نعْل من أدم يُغطي الكعبين، والجُرموق أكبر منه يلبس فوق، والجَورب أكبر مِن الجُرموق، والله تعالى أعلم.
ب. باب المَسْح على الموقَيْن وعلى الجَوربيْن والنَّعْليْن جميعًا:
حديثا بلال والمغيرة:
عن بلال، قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمْسَح على الموقَيْن والخِمار” رواه أحمد. ولأبي داود: “كان يخرج يقضي حاجته، فآتيه بالماء فيتوضأ، ويمْسَح على عِمامته وموقَيْه”. ولسعيد بن منصور في (سننه) عن بلال قال: سَمِعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((امسحوا على النّصيف والموق)).
وعن المُغيرة بن شعبة: “أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضّأ ومَسَح على الجَوربيْن والنَّعْليْن” رواه الخَمسة إلّا النسائي، وصححه الترمذي.
قال الإمام الشوكاني -رحمه الله-: “حديث بلال أخرجه أيضًا الترمذي، والطبراني. وأخرجه الضياء في (المختارة) باللفظ الأول. وحديث المُغيرة، قال أبو داود: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدِّث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المُغيرة: “أن النبي صلى الله عليه وسلم مَسَح على الخفين”.
والحديث بجميع رواياته يدلُّ على جَواز المَسْح على الموقَيْن – وهما ضرب مِن الخِفاف.
قال ابن سيدة والأزهري: “وهو مقطوع الساقيْن -أي الموق- قاله في (الضياء). وقال الجوهري: “والموق: الذي يُلبس فوق الخُفّ”. وقيل: فارسي معرّب، وعلى جواز المَسْح على الخِمار -وهو العِمامة- كما قاله النووي. وقد تقدم الكلام على ذلك في “باب جواز المَسْح على العِمامة”- وعلى جواز المَسْح على النصيف -وهو الخِمار؛ قاله في (الضياء)- وعلى جواز المَسْح على الجَورب – وهو لفافة الرِّجْل؛ قاله في (الضياء) و(القاموس)، وقد تقدم أنه الخُف الكبير.
وينبغي أن نلتفت إلى هذه العبارة لمَن يُجوِّزون المَسْح على الخُفّيْن؛ فهذه العبارة تصف الجَورب بأكثر ممّا عليه الجَوارب التي نلبسها الآن. وكذلك ما يأتي عن الشافعي، أنه اشترط أن يكون الجَوربان منعّليْن. وقد قال بجواز المَسْح على الجَوربيْن من ذكره أبو داود من الصحابة، وزاد ابن سيد الناس في (شرح الترمذي): عبد الله بن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وأبا مسعود البدري عقبة بن عام. وقد ذُكر في الباب الأول أن المَسْح على الخُفّيْن مجْمع عليه بين الصحابة، وعلى جَواز المَسْح على النَّعْليْن؛ قيل: وإنما يجوز المَسْح على النَّعْليْن إذا لبسهما فوق الجَوربيْن. قال الشافعي: ولا يجوز مَسْح الجَوربيْن إلّا أن يكونا منعّليْن -يعني: لهما نعل، أو لبِس فوقهما النّعل- بحيث يمكن متابعة المشي فيهما.