Top
Image Alt

أبواب موجبات الغُسل: باب الغُسل من المَني، وباب في إيجاب الغُسْل من التقاء الخِتانيْن، باب الغُسْل من الحَيض

  /  أبواب موجبات الغُسل: باب الغُسل من المَني، وباب في إيجاب الغُسْل من التقاء الخِتانيْن، باب الغُسْل من الحَيض

أبواب موجبات الغُسل: باب الغُسل من المَني، وباب في إيجاب الغُسْل من التقاء الخِتانيْن، باب الغُسْل من الحَيض

. باب الغسل من المَني:

1. حديث علي في المَذي:

قال الإمام مجد الدين ابن تيمية -رحمه الله-: عن علي عليه السلام قال: كنت رجلًا مذّاءً، فسألت النبي صلى الله عليه  وسلم فقال: ((في المَذي الوضوء، وفي المَني الغُسل))، رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي وصححه. ولأحمد قال: ((إذا حذَفت الماء فاغتسلْ من الجَنابة، فإذا لم تكن حاذفًا فلا تغْتسل)).

أحكام الحديث:

فهو يدلُّ على عدم وجوب الغُسل من المَذي، وأن الواجب الوضوء؛ وقد تقدم الكلام في ذلك في باب ما جاء في المَذي من أبواب تطهير النجاسات. ويدلُّ على وجوب الغُسل مِن المَني، قال الترمذي: وهو قول عامة أهل العلْم من أصحاب النبي صلى الله عليه  وسلم، والتابعين، وبه يقول سفيان، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.

قوله ((حذَفت)) يُروى بالحاء المهملة، والخاء المعجمة، بعدها ذال معجمة مفتوحة، ثم فاء وهو: الرّمي -أي: حذفت، وخذفت- وهو لا يكون بهذه الصفة إلا للشهوة، ولهذا قال المصنف: وفيه تنبيه على أن ما يخرج لغير شَهوة، إما لمَرض أو أبردة، لا يُوجِب الغُسل. انتهى.

2. حديث أم سَلمة في المرأة إذا رأت الماء.

عن أم سَلمة أن أم سُليم قالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة الغُسل إذا احتلمت؟ قال: ((نعم، إذا رأت الماء)). قالت أم سَلمة: وتحتلم المرأة؟ قال: ((تَربَتْ يداك! فبما يشبهها ولدها؟)) متفق عليه.

قولها: “إن الله لا يستحيي”، جَعلت هذا القول تمهيدًا لعذْرها فيما ذكر ما يُستحيا منه، والمُراد بالحياء هنا معناه اللغوي، إذ الحياء الشرعي خيرٌ كله. والمُراد: أن الله تعالى لا يأمر بالحياء في الحق، أو لا يمْنع من ذكر الحق؛ لأن الحياء تغيّر وانكسار، وهو مستحيل عليه سبحانه وتعالى، إلّا إذا قلنا إن الصفة الإلهية في مثل هذا تختلف عن صفات المخلوقين، فإذا كان الحياء في صفات المخلوقين يقتضي تغيرًا وانكسارًا فهو ليس كذلك في صفات الخالق سبحانه وتعالى، لأن الخالق منزّه سبحانه وتعالى عن النقص، وعن التغير، وعما هو نقص عند المخلوقين. وقيل: إنما يحتاج إلى التأويل في الإثبات -يعني: إذا أثبتنا أن لله عز وجل حياء، لكن الذي ورد هو النفي فلا يحْتاج إليه في النفي.

وقولها: “احتلمت”، الاحتلام: “افتعال” من الحُلم، وهو ما يراه النائم في نومه. والمُراد به هنا أمر خاص وهو: الجِماع. وفي رواية أحمد مِن حديث أم سُليم أنها قالت: “إذا رأت أن زوجها يجامعها في المنام أتغتسل؟”.

قوله صلى الله عليه  وسلم : ((إذا رأت الماء))، أي: المني بعد الاستيقاظ.

وقولها: “وتحتلم المرأة؟” بحذف همزة الاستفهام، وفي بعض نسخ البخاري بإثباتها.

وقوله: ((تربت يداك)) أي: افتقرت وصارت على التراب، وهو من الألفاظ التي تُطلق عند الزجر، ولا يراد بها ظاهرها.

وقوله: ((فبما يشبهها ولدها؟)) -بالباء الموحدة، وإثبات ألف ((ما)) الاستفهامية المَجرورة، وهو لغة.

والحديث يدلّ على وجوب الغُسل على المرأة بإنزالها الماء.

وفيه أيضًا رد على مَن قال: “إن ماء المرأة لا يبرز”.

ب. باب في إيجاب الغُسْل من التقاء الخِتانيْن.

حديث أبي هريرة: ((إذا جَلس بين شُعَبها الأربع…)):

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه  وسلم، قال: ((إذا جَلس بين شُعَبها الأربع، ثم جَهَدها، فقد وجَب عليه الغُسْل))، متفق عليه -أي: رواه الشيخان وأحمد، ولمسلم وأحمد: ((وإن لم يُنزل)).

قال الشوكاني: “قوله: ((إذا جلس))، الضمير المستتر فيه للرجل، والضمير البارز في قوله ((شُعَبها)) و((وجَهَدها)) للمرأة.

قوله: ((شُعَبها)) الشُعَب، جَمع “شُعْبة” وهي: القِطعة من الشيء، قيل: المراد هنا يداها ورجلاها، وقيل: رجلاها وفخذاها، وقيل: ساقاها وفخذاها، وقيل غير ذلك…

قوله: ((ثم جَهَدها)) -بفتح الجيم والهاء، يقال: جَهَد وأجهد، أي: بلغ المشقة. قيل: معناه كدّها بحركته، أو بلغ جُهْده في العمل بها، والمراد به هنا: المعالجة، كنَى به عنها.

والحديث يدلُّ على أن إيجاب الغُسْل لا يتوقف على الإنزال، بل يجِب بمُجرد الإيلاج، أو ملاقاة الخِتان الخِتان كما سيأتي.

وجعلوا أحاديث الباب ناسخة لحديث: ((الماء مِن الماء))، يعني: إذا أنزل وجَب الغُسْل، وإذا لم يُنْزل لا يجِب عليه الغُسْل؛ وهذا معنى: ((الماء من الماء)). وخالف في ذلك: أبو سعيد الخُدري، وزيد بن خالد، وابن أبي وقاص، ومعاذ، ورافع بن خديج. وروي أيضًا عن علي، ومن غير الصحابة عمر بن عبد العزيز، والظاهرية. وقالوا: لا يجب الغُسْل إلّا إذا وقع الإنزال، وتمسّكوا بحديث: ((الماء من الماء)) المتفق عليه. ويُمكن تأييد ذلك بحمل الجُهْد المذكور في الحديث على الإنزال، ولكنه لا يتمّ بعد التصريح بقوله: ((وإن لمْ يُنزل)) في رواية مسلم وأحمد، وأصرح من ذلك: حديث عائشة الآتي بعد هذا، لتصريحه بأنّ مجرد مَسّ الخِتان الخِتان موجب للغُسل. ولكنها لا تتم دعوى النسخ التي جَزم بها الأوّلون، إلّا بعد تسليم تأخّر حديث أبي هريرة وعائشة وغيرهما.

قال النووي: وقد أُجمع على وجوب الغُسل متى غابت الحشفة في الفرج، وإنما كان الخِلاف فيه لبعض الصحابة ومَن بعدَهم. ثم انعقد الإجماع على ما ذكرناه. وهكذا قال ابن العربي وصرح أنه لم يخالف في ذلك إلا داود -أي: الظاهري.

قوله: ((فقد وجَب عليه الغُسل)) -هو بضم الغين المعجمة-: اسم للاغتسال، وحقيقته: إفاضة الماء على الأعضاء.

جـ. باب وجوب الغُسْل على الكافر إذا أسلم:

عن قيس بن عاصم: ((أنه أسلم، فأمره النبي صلى الله عليه  وسلم أن يغْتَسل بماء وسِدر))، رواه الخمسة، إلا ابن ماجه -يعني: رواه أصحاب السنن الأربع وأحمد. إلا ابن ماجه، من السنن الأربع.

حديث قيس بن عاصم: ((أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه  وسلم أن يغْتسل بماء وسِدر)).”رواه الخمسة إلّا ابن ماجه”.

وقال الشوكاني: “الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان، وابن خزيمة، وصحّحه ابن السكن؛ وهو يدلُّ على مشروعية الغُسْل لمَن أسلم. وقد ذهب إلى الوجوب مُطلقًا: أحمد بن حنبل. وذهب الشافعي إلى أنه يُستحبّ له أن يغْتَسل، فإن لم يكن جُنبًا أجزأه الوضوء.

د. باب الغُسْل من الحَيض:

عن عائشة: أن فاطمة بنت أبي حُبيش كانت تُستحاض، فسألت النبي صلى الله عليه  وسلم، فقال: ((ذلكِ عِرْق وليست بالحَيضة؛ فإذا أقبلت الحَيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلِّي))، رواه البخاري.

قال الشوكاني: الحديث متفق عليه بلفظ: ((فاغسلي عنك الدَّم، وصلِّي)).

وقوله: ((ذلكِ)): بكسر الكاف.

وقوله: ((وليست بالحَيضة))، الحَيضة: بفتح الحاء -كما نقله الخطابي عن أكثر المحدِّثين، أو كلِّهم، وإن كان قد اختار الكسر على إرادة الحالة: “الحِيضة”، لكنّ الفتحة هنا أظهر؛ قاله الحافظ.

قال النووي: “هو متعيّن، أو قريب من المتعيّن”.

وأما قوله: ((فإذا أقبلت الحَيضة))، فيجوز فيه الوجهان معًا جوازًا حسنًا”. انتهى.

قال الحافظ: “والذي في روايتنا بفتح الحاء في الموضعيْن، يعني: ((فإذا أقبلت الحَيضة))، وفي قوله قبلها: ((وليست بالحَيضة)).

قوله: ((وصلِّي))، أي: بعد الاغتسال. وقد وقع التصريح بذلك في بعض روايات البخاري، في “باب إذا حاضت في شهر ثلاث حِيَض”.

والحديث يدلُّ على أن المرأة إذا ميّزتْ دم الحَيض من دم الاستحاضة، تعتبر دم الحَيض وتعمل على إقباله وإدباره؛ فإذا انقضى قدْره اغتسلت عنه. ثم صار حُكم دم الاستحاضة حُكم الحَدث؛ فتتوضأ لكل صلاة، لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فَريضة واحدة مؤداة أو مَقضيّة، لظاهر قوله صلى الله عليه  وسلم ((توضَّئي لكلّ صلاة)).

د. باب تحريم القراءة على الحائض والجُنُب.

عن علي -كرم الله وجهه، قال: “كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم يقضي حاجته، ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم، ولا يحْجُبه، وربما قال: لا يحجُزه من القرآن شيء ليس الجَنابة”، رواه الخمسة، لكن لفظ الترمذي مختصرٌ: “كان يقرئنا القرآن على حال ما لم يكن جُنُبًا”، وقال: حديث حسن صحيح.

قال الشوكاني: في حديث علي -كرم الله وجهه-: “كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم يقضي حاجته، ثم يخرج فيقرأ القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولا يحْجُبه من القرآن شيء ليس الجَنابة”، قال: الحديث أيضًا أخرجه ابن خزيمة، وابن حبان -أي: مع الخمسة الذين نصّ عليهم مجد الدين ابن تيمية، والحاكم، والبزار، والدارقطني، والبيهقي. وصححه أيضًا ابن حبان، وابن السَّكَن، وعبد الحق الإشبيلي، والبغوي في (شرح السنة).

قال ابن خزيمة: هذا الحديث ثلث رأس مالي. قُلت: الذي أعلمه: أن الذي قال: “هذا الحديث ثلث رأس مالي” إنما هو: شُعبة بن الحجاج. وقال شُعبة: ما أحدِّث بحديث أحسن منه. قال الشافعي: أهل الحديث لا يثُبتونه. قال البيهقي: إنما قال ذلك لأن عبد الله بن سلِمة راويه كان قد تغيّر، وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر -قاله شعبة. وقال الخطابي: “كان أحمد يوهِّن هذا الحديث”. وقال النووي: “خالف الترمذيَّ الأكثرون فضعّفوا هذا الحديث”.

أحكام الحديث:

فهو يدلُّ على أنّ الجُنُب لا يقرأ القرآن. وقد ذهب إلى تحريم قراءة القرآن على الجُنُب: القاسم، والهادي، والشافعي من غير فرْق بين الآية وما دونها وما فوقها. وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز له قراءة دون آية إذ ليس بقرآن. وقال المؤيد بالله، و يحيى، وبعض أصحاب أبي حنيفة: يجوز ما فعل لغير التلاوة كـ {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي} [آل عمران:43]، لا لقصد التلاوة.

error: النص محمي !!