أبواب نواقِض الوضوء: باب الوضوء بالخارج من السبيل، وباب الوضوء من النوم لا اليسير
. باب الوضوء بالخارج من السبيل:
قال الإمام مجد الدين ابن تيمية: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقبل الله صلاة أحدِكم إذا أحْدث حتّى يتوضّأ))، فقال رجل من أهل حضرموت: ما الحَدث يا أبا هريرة؟ قال: “فُساء أو ضُراط”، متفق عليه. وفي حديث صفوان في المَسْح: ((لكن من غائط وبول ونوم)).
قال الإمام الشوكاني: قوله: ((لا يَقبل الله)): المُراد بالقَبول هنا: وقوع الطاعة مُجزئة رافعة لما في الذِّمّة، وهو معنى الصحة، لأنها تُرتِّب الآثار أو سقوطَ القضاء -على الخِلاف، وترتب الآثار موافقة الأمر. ولما كان الإتيان بشروط الطاعة مظِنّة إجزائها، وكان القبول من ثمراته، عبّر عنه مجازًا، فالمراد بـ”لا تُقبَل”: “لا تُجزئ”.
قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين} [المائدة:27].
وقوله: ((إذا أحدث)): المُراد بالحَدَث: الخارج من أحد السبيليْن.
فقه الحديث:
استُدلّ بالحديث على أنّ ما عدا الخارج مِن السبيليْن، كالقيء، والحِجامة، ولمْس الذَّكَر، غير ناقضٍ، ولكنه استدلال بتفسير أبي هريرة، وليس بحجّة على خِلاف في الأصول. واستُدلّ به على أنَّ الوضوء لا يجب لكلّ صلاة؛ لأنه جعل نفي القَبول ممتدًّا إلى غاية هي الوضوء، وما بعد الغاية مخالف لِما قبْلها، فيقتضي ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقًا، وتدخل تحته الصلاة الثانية قبل الوضوء له ثانية؛ قاله ابن دقيق العيد.
واستدلّ به على بطلان الصلاة بالحَدَث؛ سواء كان خروجه اختياريًّا أو اضطراريًّا.
ب. باب الوضوء من الخارج النّجس من غير السبيليْن.
حديث أبي الدرداء: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ)):
عن معْدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ)). فلقيتُ ثَوبان في مسجد دمشق، فذكرت له ذلك، فقال: “صدق. أنا صببتُ له وضوءه”، رواه أحمد، والترمذي وقال: هو أصحّ شيء في هذا الباب.
قال الشوكاني: الحديث هو عند أحمد، وأصحاب السنن الثلاث، وابن الجارُود، وابن حبان، والدارقطني، والبيهقي، والطبراني، وابن منده، والحاكم بلفظ: ((أن رسول صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر)). قال معْدان: فلقيت ثَوبان في مسجد دمشق، فقلت له: إن أبا الدرداء أخبرني… فذَكَره، فقال: “صدق. أنا صببت عليه وضوءه”.
والحديث استُدل به على أن القيء مِن نواقض الوضوء؛ وقد ذهب إلى ذلك: العِترة، وأبو حنيفة وأصحابه، وقيّده بقيود:
الأول: كونه مِن المعدة.
الثاني: كونه مِلء الفم.
الثالث: كونه دَفعة واحدة.
3. باب الوضوء من النوم، لا اليسير:
قال الإمام مجد الدين ابن تيمية: عن صفوان بن عسّال، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرًا ألّا ننزع خِفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلّا مِن جَنابة، لكن من غائط وبول ونوم))، رواه أحمد، والنسائي، والترمذي وصححه.
قال الشوكاني: الحديث روي بهذا اللفظ، وروي بالشرط الذي ذكره المصنف في “باب اشتراط الطهارة”.
ومعنى قوله: ((لكن من غائط وبول))، أي: لكن ننزع خِفافنا من غائط وبول.
((ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم، ولا نخلعهما إلا من جَنابة))، فذكر الأحداث التي يُنزع منها الخُفّ، والأحداث التي لا يُنزع منها. وعدّ من جملتها: النوم؛ فأشعر ذلك بأنه من نواقض الوضوء، لا سيما بعد جعله مقترنًا بالبول والغائط اللّذيْن هما ناقضان بالإجماع.
في هذا الحديث ذكر النوم من نواقض الوضوء، وقد اختلف العلماء في النوم هل هو ناقض للوضوء أم لا، على أقوال منها:
القول الأول: أن النوم ناقض مطلقا يسيره وكثيره، وعلى أي صفة كان، وهو قول اسحاق والمزني والحسن البصري وأبي المنذر.
القول الثاني: ليس بناقض مطلقًا وهو قول أبي موسى الأشعري وسعيد بن المسيب.
وهذان القولان متقابلان كل منهما قد أخذ بطرف من الأدلة. أما جمهور العلماء فقد جمعوا بين هذه الأدلة، فقالوا: إن النوم ينقض الوضوء في حالات معينة، ولا ينقض في أخرى .
القول الثالث: إن نام ممكنا مقعدته من الأرض لم ينتقض، وإن لم يكن ممكنا نقض وضوؤه على أي هيئة كان. وهو المختار عند الشافعية والحنفية.
القول الرابع: أن النوم ناقض للوضوء إلا النوم اليسير من القاعد والقائم. وهو مذهب الحنابلة