Top
Image Alt

أثر مخالفة الرماة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإدارة المعركة ساعة المحنة

  /  أثر مخالفة الرماة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإدارة المعركة ساعة المحنة

أثر مخالفة الرماة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإدارة المعركة ساعة المحنة

أ. نزول البلاء والمحنة بالمسلمين، وإشاعة مقتل النبي صلى الله عليه  وسلم:

تغير الحال بعد نزول الرماة من أماكنهم، فبعد أن كان المسلمون في جانب القوة، فإذا بالدائرة تنقلب عليهم نتيجة هذه المخالفة، وهنا تنادى المشركون لينتهزوا هذه الفرصة السانحة حتى يثأروا من المسلمين، وتجمعت فلولُ قريشٍ لترجع لتكتسح هذا الموقف وهذا الموقع للمسلمين الذين عَرِيَ ظهرهم من الحماية بالقضاء على الحماة الذين نزلوا لطلب الغنيمة، ومن بقي منهم فوق الجبل، وهكذا وقع الاضطراب والخلل في صفوف المسلمين، وسار كل واحد منهم يلقي بما في يده من مغنم، ويحاول أن يعود إلى سيفه ليقاتل به، ولكن في غير نظام للمعركة؛ وهكذا اختلط الحابل بالنابل، ووقع الخلط في صفوف المسلمين، حتى إن بعضهم قتل بعض المسلمين، كما قُتِلَ اليمانُ أبو حذيفة بن اليمان، وفي هذه الحال التي اختلط فيها الأمر على المسلمين شاعت شائعة أن رسول الله صلى الله عليه  وسلم قد قُتِلَ؛ ذلك أن رجلًا من المشركين اسمه عمرو بن قمئة قتل المصعب بن عمير  رضي الله  عنه لما تصدى له فقال: قتلت محمدًا، وأعلن ذلك فصار الخلل أكثر في صفوف المسلمين.

كان لإعلان مقتل النبي صلى الله عليه  وسلم أثره البالغ في نفوس  المسلمين، فمنهم من ولى هاربًا، ومنهم من انطلق صاعدًا في الجبل ملقيًا بسلاحه من هول الفاجعة، ثم لم يلبثوا أن فاءوا إلى الرسول صلى الله عليه  وسلم بعد أن أفاقوا من أثر هذه الصدمة الشديدة، وفي هؤلاء نزل قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيم} [آل عمران:155].

ب. بطولات فذة للمسلمين رجالًا ونساءً:

وفي غضون هذه المعركة ظهرت بطولات فذة للمسلمين، فهذا أَبو دجانةَ الذي أخذ السيف من رسولِ الله صلى الله عليه  وسلم، فكان لا يلقى أحدًا من المشركين إلا قتله، وقد رأى إنسانًا يُخمش الناس خمشًا شديدًا، ويقول: فتصديت له فلما حملت عليه بالسيف وَلولَ فإذا هو امرأة، وهي هند بنت عتبة، قال: فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه  وسلم أن أضرب به امرأة. كذلك فقد قاتل عليّ، والزبير، وطلحة بن عبيد الله، وأبو طلحة الأنصاري، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم.

ج. استشهاد حمزة أسد الله وأسد رسوله:

كان حمزة عليه السلام من أبطال أحد، كَمنَ له رجلٌ حبشيٌّ خرج يطمع في عتقه بعد أن كان عبدًا لجبير بن مطعم الذي قُتِلَ عمه طعيمة بن عدي في بدر، فقال لوحشي: إن قتلت حمزة عم محمد بعمي طعيمة بن عدي فأنت حر، هنا خرج هذا العبد طامعًا في عتقه بقتل هذا الرجل العظيم حمزة بن عبد المطلب، يقول: خرجت مع الناس وكنت رجلًا أقذف بالحربة قذف الحبشة قلما أخطئ بها، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته في الناس كأنه الجمل الأورق، يهد الناس بسيفه هدًّا ما يقوم له شيء، فوالله إني لأتهيأ أريده، وأستتر منه بشجرة، أو بحجر  ليدنو مني فلما دنا هززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته، أي: تحت سرته  رضي الله  عنه حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي فغلب وتركته وإياها حتى مات، ثم ذهبت إليه فأخذت حربتي ورجعت، ولم يكن لي بغيره حاجة، إنما قتلته لأعتق.

د. أنس بن النضر من المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه:

أنس بن النضر-عم أنس بن مالك-، كان ممن كانت لهم بسالة وإقدام وثبات على الحق، فقد قدم على جماعة من المسلمين ممن أذهلتهم هذه شائعة قتل النبي عليه السلام فألقوا بسلاحهم، فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه  وسلم، فقال: يا قومي إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله صلى الله عليه  وسلم؟ فَقَاتِلُوا على ما قَاتَلَ عليه، وموتوا على ما مات عليه. ثم لقي سعد بن معاذ فقال: يا سعد والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد، ثم ألقى بنفسه في أتون المعركة، وما زال يقاتل حتى استشهد  رضي الله  عنه، فوجِد به بضع وثمانون جرحًا ما بين ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، فلم تعرفه إلا أخته، وفي هذا وأمثاله نزل قول الله عز وجل: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23].

هـ. إحاطة أمر نجاته صلى الله عليه  وسلم بالسرية، وأثر ذلك:

لم تطل محنة المسلمين بسماعهم لنبأ وفاة النبي صلى الله عليه  وسلم-  فلم يلبثوا حتى رأى النبيَّ صلى الله عليه  وسلم رجلٌ من المسلمين وبشر بحياته صلى الله عليه  وسلم فكان أول من عرف أن رسول الله صلى الله عليه  وسلم حيٌ هو كعب بن مالك الذي رأى عيني رسول الله صلى الله عليه  وسلم تزهران من تحت المِغْفَر، فنادى يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه  وسلم، فأشار إليه الرسول صلى الله عليه  وسلم أن أنصت، وكانت تلك حكمة بالغة من الرسول صلى الله عليه  وسلم حتى لا يحاول المشركون الكر على المسلمين؛ لأنهم طمعوا في وفاة النبي صلى الله عليه  وسلم والله أعلم.

وفي هذا حكمة بالغة تعلم المسلمين أهمية الأخذ بالأسباب على أية حال، فلقد تدافع المسلمون ممن عرف بحياة النبي صلى الله عليه  وسلم مقبلين، وقد قويت عزائمهم بعد الخور الذي نالها، وتجمعوا بعد تفرق، ثم إن النبي صلى الله عليه  وسلم توجه نحو شعاب أُحد حتى ينأى بعيدًا عن المشركين، وقد لحق به المسلمون حتى صعد في أحد هذه الشعاب، ثم تمكن المسلمون من صد المشركين عنه.

و. عدم نزول الملائكة للقتال، ونزول النعاس أمنة للمسلمين:

ثبت أن الله عز وجل بعث جبريل وميكائيل من الملائكة؛ ليقاتلا دفاعًا عنه صلى الله عليه  وسلم تحقيقًا لوعده عز وجل {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: من الآية67] على أن الملائكة لم تقاتل في أحد؛ لأن قتال الملائكة في هذه الغزوة كما وعد الله عز وجل كان مشروطًا على أمورٍ منها هذه الشروط التي جاءت في قوله عز وجل: {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِين} [آل عمران:125] ولكن لم يحدث الصبر في هذا الموقف، ولقد أصاب المسلمين غمٌ بما أصاب النبي صلى الله عليه  وسلم ولما أصابهم؛ ولذلك كان من رحمة الله عز وجل أن أنزل عليهم النعاس، أمنةً منه على المسلمين في مواقف القتال، ونزلت الآية تقول: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران:154]. هذه الطائفة التي أهمتها أنفسها دون أن تفكر في مصاب المسلمين ومصير الإسلام هم المنافقون -والعياذ بالله- وهنا كانت هذه الأمنة من النعاس دافعًا لاسترداد القوة، والاستعداد لما بعد ذلك من المراحل التي كانت تحتاجها ظروف الموقف.

error: النص محمي !!