Top
Image Alt

أحاديث قال الحاكم: إنًَّها على شرطهما أو أحدهما، وليست كما قال

  /  أحاديث قال الحاكم: إنًَّها على شرطهما أو أحدهما، وليست كما قال

أحاديث قال الحاكم: إنًَّها على شرطهما أو أحدهما، وليست كما قال

وقال الزَّركشيُّ في (نُكَته): اعلمْ، أنَّ ما اعتمده الحاكم في تخريجه أن يرى رجلًا قد وُثِّق وشُهد له بالصِّدق والعدالة، أو حديثُه في (الصَّحيح)، فيجعل كلَّ ما رواه هذا الرَّاوي على شرط الصَّحيح؛ وإنَّما يكون على شرط الصحيح إذا انتفت عنه العلل والشُّذوذ والنَّكارة، وتوبع عليه؛ فأمَّا مع وجود ذلك أو بعضه فلا يكون صحيحًا ولا على شرط الصَّحيح.

ومَن تأمّل كلام البخاريِّ، ونظر في تعليله أحاديثَ جماعةٍ أخرج حديثهم في (صحيحه) علِم إمامته وموقعه من هذا الشأن، وتبيّن له ما ذكرنا، وأنَّ الحال ليس مطَّردًا على قانون واحد. ونظير هذا من يرى الرجل قد تُكُلِّم في بعض حديثه، وضُعِّف في شيخ أو في حديثٍ، فيجعل ذلك سببًا لتعليل حديثه وتضعيفه، أيَّ حديث وجده، كما يفعله كثير من المتأخِّرين من الظَّاهريَّة وغيرهم؛ وهو غلط، فإنَّ تضعيفه في رجلٍ أو في حديثٍ ظهر فيه غلطٌ لا يوجبُ ضعفَ حديثه مطلقًا.

قال: ثم العجب منه -أي: من الحاكم- في شيئيْن:

أحدهما: أنه يخرج الحديث ويقول: “على شرط الشيخيْن”، أو أحدهما، ولم يخرجاه؛ ويكون الحديث بذلك اللفظ فيهما أو في أحدهما. وقد وقع له ذلك في أحاديث، وسنذكر هذه الأحاديث بعد قليل.

الثاني: ما يدَّعي أنه على شرط البخاري، وقد ذكره البخاري على خلافه؛ منها ما أخرجه عن سعيد بن عامر، عن شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من وجد تمرًا فليُفطرْ عليه، ومن لا فليُفطر على الماء؛ فإنَّه طَهور)). وقال: “على شرط الشَّيخيْن”، وليس كما قال. فإنَّ الترمذيَّ في (العلل) قال: سألت محمدًا عنه، فقال: حديث سعد بن عامر وهمٌ. والحديثُ رواه أحمد وأبو داود والتِّرمذيُّ وابن ماجه وغيرهم… كلُّهم من طريق حفصة بنت سيرين، عن الرَّباب الضبّية، عن سلمان بن عامر الضَّبِّي مرفوعًا.

وزاد الترمذي: ((فليُفطر على تمر؛ فإنَّه بركة))، ورواه التِّرمذيُّ من طريق سعيد بن عامر: حدثنا شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، الحديث. وقال: حديث أنس لا نعلم أحدًا رواه عن شعبة مثل هذا غير سعيد بن عامر، وهو حديث غير محفوظ، ولا نعلم أصلًا من حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس.

والحديثُ فيه: الرَّباب الضَّبِّيَّة، ذكرها ابن حبان في (الثِّقات)، وقال عنها ابنُ حجر: مقبولة، وقال الذَّهبيُّ: لا تُعرف إلا برواية حفصة بنت سيرين عنها. فالرَّباب على هذه الحالة مجهولة، ولا يُعبأ بذكر ابن حبان لها في الثِّقات، لما عُرف من منهجه في ذلك.

وعلى الرَّغم من ذلك، فقد صحَّح الحديثَ التِّرمذيُّ فقال: حسن صحيح، وابنُ حبان، والحاكم، والسُّيوطي، وغيرُ هم…

والحديث في (المستدرك) (1/431) في كتاب: الصوم، وقال: هذا حديث صحيح، على شرط الشَّيخيْن ولم يُخرّجاه.

حديث: “من أذّن اثنتيْ عشرة سنة وجبتْ له الجنّة”:

ومن هذه الأحاديث: ما أخرجه الحاكم وقال: “على شرط البخاري”، ونُقِل عن البُخاريِّ تضعيفُه لهذا الحديث. منها: حديثُ عبد الله بن صالح، عن يحيى بن أيوب، عن ابن جُُرَيج، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا: “مَن أذَّنَ اثنتَيْ عشرةَ سنةً وجبتْ لهُ الجنَّة”.

قال الحاكم: “على شرط البخاري”. ونقل البيهقيُّ عن البخاري أنَّ يحيى بن المتوكل رواه عن ابن جريج، عمَّن حدَّثه عن نافع، وأنَّ هذا أشبه، فصحَّح انقطاعه. والحديث رواه ابن ماجه والبيهقي من طريق الحاكم والبغوي في (شرح السُّنَّة) وغيرُهم… كلُّهم من طريق عبد الله بن صالح: حدثنا يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا.

قال المنذريُّ -بعد أن ساق حُكم الحاكم عن الحديث بالصحة على شرط البخاري- قال: وهو كما قال، فإنَّ عبد الله بن صالح كاتبُ الليث -وإن كان فيه كلام- فقد روى عنه البخاري في (الصحيح)؛ فالحديث بهذا الإسناد مُتكلَّمٌ فيه، إلا أنَّ الحاكم في (مستدركه) (1/205) ذكر شاهدًا للحديث من طريق ابن وهب، قال: أخبرني ابنُ لَهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن نافع، عن ابن عمر، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الحديث. وهذا السَّند صحيح ورجاله ثقات، وهو شاهدٌ قويٌّ للحديث، ولا يؤثر الكلام في ابن لهيعة مع رواية ابن وهب، فهو من العبادلة الأربعة الذين أخذوا عن ابن لهيعة قبل اختلاطه، كما هو مقرر عند المحدِّثين.

وقد صحَّح الحديث الحاكمُ والمنذري والذهبيُّ، وهو في (المستدرك) في كتاب الصلاة، في باب فضل الصلوات الخمس (1/205)، ووافقه الذهبي في (التلخيص).

حديث: ((رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ينزل من المنبر، فيعرض له الرجل في الحاجة، فيقوم معه حتى يقضي حاجته)):

ومن هذه الأحاديث: ما أخرجه الحاكم، من طريق جرير بن حازم، عن ثابت، عن أنس، قال: ((رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ينزل من المنبر، فيعرض له الرجل في الحاجة، فيقوم معه حتى يقضي حاجته)).

قال الحاكم: “صحيح على شرط الشَّيخيْن ولم يخرجاه”.

وهذا الحديث في (المستدرك) (1/290).

وقال الذَّهبيُّ: على شرطهما، أي: وافق الحاكمَ.

وقد قال التِّرمذيُّ: سمعتُ محمدًا -أي: البخاريَّ- يقولُ: وهمَ جرير في هذا؛ والصَّحيح ما رُوي عن ثابت، عن أنس، قال: ((أُقيمت الصَّلاة، فأخذ رجلٌ يدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم…)) الحديث هو هذا، وجرير ربَّما يَهِمُ في الشيء، وهو صدوقٌ.

والحديث:

– رواه أبو داود، في كتاب: الصَّلاة، في باب: الإمام يتكلَّم بعدما ينزل من المنبر، وقال: الحديث ليس بمعروف عن ثابت، وهو مما تفرَّد به جرير بن حازم.

– ورواه الترمذي، في كتاب: الصلاة، في باب: ما جاء في الكلام بعد نزول الإمام من المنبر، وقال: حديثٌ لا نعرفُه إلا من حديث جرير بن حازم، وفي (تحفة الأشراف): غريب، يعني: قال الترمذي: غريب، لا نعرفه إلا من حديث جرير بن حازم.

– وكذلك رواه النَّسائي، في كتاب: الجمعة، في باب: الكلام والقيام بعد النزول عن المنبر.

– وابن ماجه في كتاب: إقامة الصَّلاة والسنة فيها، بابُ: ما جاء في الكلام بعد نزول الإمام عن المنبر.

كلُّهم من حديث جريرٍ عن ثابت، عن أنس به.

قال العراقيُّ: فيما علَّ به البخاري وأبو داود الحديث، من أنَّ الصَّحيح كلامُ الرَّجل له بعدما أقيمت الصلاة لا يقدح ذلك في صحة حديث جرير بن حازم؛ بل الجمعُ بينهما ممكنٌ، بأن يكون المرادُ بعدَ إقامة صلاة الجمعة، وبعد نزوله من المنبر. فليس الجمع بينهما متعذرًا، كيف وجرير بن حازم أحدُ الثِّقات المخرَّج لهم في (الصَّحيح)؟ فلا تضُرُّ زيادتُه في كلام الرَّجل له أنَّه كان بعد نزوله عن المنبر.

قال الشيخ أحمد شاكر: والحقُّ ما قاله العراقي من صحة حديث جرير؛ بل قد يكون حديثه حديثًا آخَر، فتكون الواقعةُ التي روى غيرَ الواقعة التي روى غيرُه. انظر تعليقه على (جامع الترمذي) (2/395).

أرأيت كيف أنَّ الأمر يتراوحُ ما بين آخِذ على الحاكم وما بين مبرِّر له صحةَ ما يرويه؟!

وقال عبد الله بن زيد بن السَّكَن: أملى عليَّ الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي، سنة (595هـ)، قال: نظرتُ إلى وقت إملائي عليك هذا الكلام، فلم أجدْ حديثًا على شرط البخاري ومسلم لم يخرجاه، إلا ثلاثةَ أحاديث:

– حديث أنس: ((يَطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة)).

– وحديث الحجاج بن عِلاط لمَّا أسلم.

– وحديث عليٍّ: ((لا يؤمنُ العبدُ حتَّى يؤمن بأربع)).

ولا شكَّ أنَّ هذه أيضًا مغالاةٌ، في ضوء ما ذكر الحفاظ من أنَّه قد سلم للحاكم الكثير في (مستدركه) ممّا هو على شرط الشَّيخيْن، أو على شرط أحدهما.

الحاكم لم يشترط رواة الشيخيْن بل مثْلهم:

والحقُّ: أنَّ الحاكم َلم يشترطَ عين رواة الشَّيخيْن، بل مثلَهم، ولهذا لمَّا وصل إلى باب: الدُّعاء والذِّكر، قال: سوف أجري في الدَّعوات على مذهب ابن مهدي؛ فإنَّه قال: إذا رويْنا في الحلال والحرام تشدَّدنا في الرِّجال، وإذا رويْنا في الفضائل والمباحات تساهلنا في الأسانيد.

ولمَّا وصل الحاكم إلى التاريخ من (المستدرك) والسِّير، قال: لابدَّ لنا من نقل كلام ابن إسحاق والواقدي، وهذه أمثلةٌ من ذلك:

– أخرج من طريق اللَّيث، عن عيَّاش القدباني، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أنَّ عمر خرج إلى المسجد، فوجد مُعاذًا عند قبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يبكي، فقال: ما يُبكيك؟ قال: حديثٌ سمعتُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اليسيرُ من الرِّياء شركٌ. ومن عادى أولياءَ اللهِ فقد بارز اللهَ بالمحاربة. إنَّ الله يُحبُّ الأبرار الأتقياء الأخفياء، الَّذين إذا غابوا لم يُفتقَدوا، وإذا حضروا لم يُعرفوا؛ قلوبُهم مصابيحُ الدُّجى، يخرجون من كل غبراءَ مظلمة)). وقال: “صحيحٌ لا علَّة له”.

وتعقَّبه الذَّهبيُّ، فقال: فيه جهالةٌ.

والحديث في (المستدرك) (1/4)، والذي فيه -في: النُّسخة التي بين أيدينا- هو موافقته للحاكم في التَّّصحيح على كلِّ حال، إنصافًا للحاكم.

قال العراقيُّ في (مستخرجه): علَّته الانقطاعُ بين عيَّاش وزيد بن أسلم؛ فإنَّ بينهما عيسى بن عبد الرحمن بن فروة الزّرقي، كما ثبت عند الطبراني، وسقط عند الحاكم.

وعيسى قال فيه البخاريُّ وأبو حاتم: منكَر الحديث.

وقال ابن حبان: يروي المناكير عن المشاهير.

وقال العراقيُّ: وله طريقٌ أمثلُ من هذه، ثمَّ أخرجه من (معجم الطَّبراني) من وجهٍ آخَر عن معاذ، وقال: هذا حديثٌ حسن، ليس في رواته مجروحٌ، فصحَّ قولُ الحاكم: إنَّه صحيحٌ لأنَّ له طريقيْن: أحدُهما على شرط الحسن. واعتضد بالطَّريق الآخَر، وإن كان فيه مقالٌ. وانضمَّ إليه أنَّه ليس من أحاديث الأحكام، فارتقى إلى درجة الصحة.

والحديث رواه ابن ماجه من حديث عبد الله بن وهب، عن ابن لهيعة، عن عيسى بن عبد الرَّحمن، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب. قال ابن رجب عن السند: ضعيف. قلت: يعني لضعف عيسى بن عبد الرحمن. بل قال عنه ابن حجر: متروك.

وقد رواه الطبراني في (المعجم الصغير) من طريق مجاهد، عن ابن عمر، عن معاذ، والبيهقي في (الأسماء والصِّفات).

وكلُّ هذه الأحاديث: الطرق ضعيفة.

حديث: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائمًا؛ من جُرحٍ كان بمأبضه)):

أخرج الحاكمُ من طريق حمَّاد بن غسَّان، عن معن، عن مالكٍ، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائمًا، من جُرح كان بمأبضه)).

وتعقَّبه الذَّهبيُّ بأنَّ حمَّادًا ضعَّفه الدَّارقطني.

ويُجابُ: بأنَّ شاهدَه حديثُ الصَّحيحيْن، عن حذيفة: ((أتى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سُباطة قوم، فبال قائمًا))، فلم يزد في حديث الحاكم، إلا بيانَ العذر، وليس حكمًا يشدَّد في إسناده -يعني: هذه الزِّيادة- بل فيه موافقة للأحاديث الصَّحيحة عن عائشة وغيرها، في إنكار أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يبول قائمًا.

يعني: هذا الحديث الذي عند الحاكم، يبيِّن أنَّ الأمر كان لعذر؛ أمَّا الأحوال العاديَّة فينطبق عليها قول عائشة  حيث قالت: ((من حدَّثكم أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يبولُ قائمًا فلا تُصدِّقوه، ما كان يبولُ إلا قاعدًا)).

هذا، ونفي عائشة لا يتعارض مع إثبات حذيفة؛ لأنَّها تنفي شيئًا لم ترَه في بيتها، وحذيفةُ يثبت شيئًا رآه خارج البيت.

ولا شكَّ أن أغلبَ أحواله في بوله صلى الله عليه وسلم: ما روته عائشة، وحديثُ حذيفة يدلُّ على الجواز.

والحديث حديث أبي هريرة: ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالَ قائمًا مِن جُرح كان بمأبضه)) هو في (المستدرك) (1/182)، وقال: هذا حديثٌ صحيح، تفرَّد به حمَّاد بن غسّان، ورواته كلُّهم ثقات.

وقال الذَّهبيُّ أيضًا عن الحديث: هذا منكرٌ، ذكره في كتابه (تهذيب السُّنن الكبرى) (1/120).

حديث قراءة الإمام البسملة في الصلاة جهرًا:

وننتقلُ إلى حديثٍ آخَر من هذا، وهو ما أخرجه الحاكم عن أنس، قال: ((صلَّيتُ خلفَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وخلفَ أبي بكرٍ، وخلفَ عُمر، وخلف عثمان، وخلف عليٍّ؛ فكلُّهم كانوا يجهرون بقراءة: “بسم الله الرَّحمن الرَّحيم”)).

وتعقَّبه الذَّهبيُّ فقال: أما استحيا المؤلِّفُ أن يورد هذا الحديثَ الموضوع، فأشهدُ بالله ولله، إنَّه كذب! والحديث في (المستدرك) ومعه (التَّلخيص) (1/ 234).

واعترض العراقيُّ كلامَ الذَّهبيِّ، بأنَّه ليس في إسناده متَّهم، وأكثرُ ما فيه: مخالفةُ الحديث الثَّابت في ترْك الجهر؛ فيكونُ شاذًّا لا موضوعًا.

والحديث الثَّابت هو: حديث أنس  قال: ((صلَّيتُ خلفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمرَ وعثمانَ، فلم أسمعْ أحدًا منهم يجهر بـ”بسم الله الرَّحمن الرَّحيم”)).

الحديثُ رواه مسلم بلفظ: ((فلم أسمعْ أحدًا منهم يقرأ: “بسم الله الرَّحمن الرَّحيم”…)) الحديث.

وباللفظ المشار إليه أيضًا، رواه أحمد والنَّسائيُّ وابن الجارود، في (المنتقى)، والخطيب في (تاريخ بغداد).

فأمَّا أحمد والخطيب فروياه من طريق شعبة، عن ثابت، عن أنس به.

وأمَّا النَّسائيُّ وابن الجارود، فروياه من طريق شعبة، وابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس به.

وقد أطال الزَّيلعيُّ -رحمه الله تعالى- النَّفَسَ في تخريج هذا الحديث، وبعد أن ساق طُرُقه قال: ورجال هذه الرِّوايات كلِّهم ثقاتٌ، مُخرَّجٌ لهم في الصَّحيح في (نصب الراية) (1/326).

قال بعضُ الحفَّاظ، في هذا الحديث: الحديث صحيحٌ ثابتٌ، سقطت منه لفظةُ “لا”، يعني الحديث: ((صلّيت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر، وخلف عمر، وخلف عثمان، وخلف عليٍّ؛ فكلُّهم كانوا لا يجهرون بقراءة: “بسم الله الرَّحمن الرَّحيم”))؛ وعلى ذلك فيكون الحديث صحيحًا، وليس فيه مخالفة الحديث الثَّابت الَّذي ينفي فيه أنسٌ الجهرَ بالبسملة، أو ينفي سماعه أحدًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، يقرأ: “بسم الله الرَّحمن الرَّحيم”.

ومن جملة الأحاديث التي حُكم بنكارتها فيه: “حديث الطَّير” المتقدِّم ذكْره.

وقد أخرجه التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ في (خصائص عليٍّ)، وقال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ غريب، لا نعرفه من حديث السُّدِّي إلا من هذا الوجه.

وتكلَّم عليه الحافظ أبو سعيد العلائي، فقال: إنَّه ربَّما ينتهي إلى درجة الحَسَن، وهذا شيءٌ يمكن به الدِّفاعُ عن الحاكم، إنَّه ربَّما ينتهي إلى درجة الحسن، أو يكون ضعيفًا يحتمل ضعفه، أمّا إنَّه موضوعٌ فلا.

قال -أي: العلائي-: وقد أخرجه الحاكم برجال كلُّهم ثقاتٌ معروفون، سوى أحمد بن عياض؛ فلم أرَ مَن ذكره بتوثيق ولا جرح. وانظر كلامه هذا في (طبقات الشَّافعيَّة) للسُّبكيِّ(3/71).

حديث: “أنا مدينةُ العلم، وعليٌّ بابها”:

ومن جملة الأحاديث التي حُكم بوضعها في (مستدرك الحاكم): حديث: “أنا مدينةُ العلْم، وعليٌّ بابُها”.

وقد أخرجه الترمذي في (جامعه)، في كتاب: المناقب، في باب: مناقب عليِّ بن أبي طالب. قال: حدَّثنا إسماعيل بن موسى، قال: حدَّثنا محمد بن عمر بن الرُّومي، حدثنا شريك، عن سلمةَ بن كهيل، عن سويد بن غفلة، عن الصَّنابحيِّ، عن عليٍّ  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنا دارُ الحكمة، وعليٌّ بابُها”، وقال: هذا حديثٌ غريبٌ مُنكر، ومحمد بن عمر الرُّوميُّ، قال أبو زُرعة: فيه لينٌ. وقال أبو داود: ضعيف.

وذكر الذَّهبي الحديث في (الميزان) ثم قال: فما أدري مَن وضعه؟

لكن تكلَّم على هذا الحديث العلائيُّ أيضًا، وحسَّنه. وسئل عنه الحافظ ابن حجر، فأجاب بأنَّه حسنٌ، لا صحيح كما قال الحاكم، ولا موضوعٌ كما قال ابن الجوزي.

وقد نقل السُّيوطي كلامَيِ العلائي وابن حجر، في (اللآلئ المصنوعة) و(الدرر المنتثرة).

والحديث رواه الحاكم:(3/126)، وقال: صحيحُ الإسناد، ولم يخرجاه.

وتعقَّبه الذَّهبيُّ قائلًا: بل موضوعٌ.

ورواه الخطيب في (تاريخه)، وابن الجوزي في (الموضوعات) وغيرهم من حديث ابن عباس وعليٍّ وجابر.

والحديث حَكَمَ عليه بالوضع: ابنُ معين، وابنُ الجوزيِّ، والذَّهبيُّ.

وقال التِّرمذيُّ: منكر، وكذا قال البخاريُّ، وزاد: إنه ليس له وجهٌ صحيح.

وحسَّن الحديثَ كما رأينا العلائيُّ وابنُ حجر، كما ذكره المؤلف، والزُّرقاني، وقال: حسنٌ من حديث ابن عباس لنفسه، ومن حديث عليٍّ: حسنٌ لغيره.

وقوله: من حديث ابن عباس لنفسه، أي: لذاته، يعني حسن لذاته.

خاتمة:

وهكذا رأينا في هذه الأمثلة: أنَّه ليس هناك قطعٌ بأنَّ هذه الأحاديث التي أُخذت على الحاكم أنَّها موضوعة، بل ليس هناك قطعٌ بأنَّها ضعيفةٌ. فمنهم مَن حسّن هذه الأحاديث حتَّى “حديث الطير”، بعضُُهم قال: إنَّه يصل إلى درجة الحسن، على الرَّغم من أنَّ كثيرًا من العلماء قد ضعَّفه ضعفًا شديدًا، على الرَّغم من أن له طُرقًا كثيرة، قد تصل إلى الأربعين. وفي هذا ما يُطمئن على هذا الكتاب العظيم، وعلى أنه قد حوى الكثير من الأحاديث الصَّحيحة، وعلى أنَّه ليس كما يُقال: إنَّ فيه الكثير من الأحاديث الضعيفة والمنكرة.

فهذه الأحاديث الَّتي ذكرناها، إنَّما هي أمثلة لكثير ممَّا لم نذكره أو لم يذكرْه العلماء.

– كذلك هناك أحاديث تساهل فيها الحاكم، كما في أحاديث الأدعية، وكما في أحاديث الفضائل. وعلَّل ذلك: أنَّه ينهج فيها منهج عليِّ بن المديني، في أنَّه إذا كانت الأحاديث ليست أحاديث أحكام فإنه لا يتشدَّد في رواتها. وأخذوا عليه أحاديث من هذا الجانب.

وأنصف الحاكمَ بعضُ العلماء في روايته هذه الأحاديث.

ونحن نهدف من ذلك إلى: ألا نأخذ المقالات التي تقال عن هؤلاء الأئمة الكبار، والتي ينتجُ عنها الاستخفاف بأحاديثهم. فالترمذي رمَوه بالتَّساهل، والحاكم رموه بالتساهل، وابن حبان رموه بالتَّساهل، وكذا وكذا وكذا… حتى كأنَّنا لن نجدَ مِن العلماء مَن نثق بأحاديثه. و”ابن ماجه” فيه الأحاديث الكثيرة الموضوعة، وكذا وكذا من هذا القبيل…

فنحن نهدف إلى أن نردَّ الثِّقة إلى هذه الكتب العظيمة، التي حفظت وصانت لنا الكثير من الأحاديث الصَّحيحة.

error: النص محمي !!