أحكام الكفالة
من أحكامها: بيان حدود علاقة المكفول له -وهو الدائن- بالكفيل، وحدود علاقة الكفيل بالمكفول عنه -وهو المدين- إذا كانت الكفالة مالية.
فما حدود العلاقة بين المكفول له والكفيل في الكفالة المالية؟ بمعنى: أنه أمامنا مكفول عنه -وهو مدين- وكفيل, نقول: اتفق الفقهاء على أن المضمون أو الشخص المكفول عنه أو المدين إذا افتقر, وأصبح لا مال له أو غاب يكون الضامن هنا هو الكفيل أو الغارم بالمال للمكفول له، وهو الدائن، باتفاق الفقهاء. فإذا أعثر المدين وكان له كفيل وافتقر, وأصبح ليس له مال أن يتجه الدائن لمطالبة الكفيل، ويكون الكفيل غارمًا، لكن الفقهاء اختلفوا في حالة ما إذا حضر الضامن والمضمون وكلاهما موسر، فأمامنا ثلاثة أشخاص: الضامن والمضمون أو الكفيل والمكفول عنه، وكل منهما قادر أن يدفع للدائن، فاختلف الفقهاء لمن يتوجه المكفول له أو الدائن بطلب دينه؛ هل للكفيل أو المكفول عنه؟
الرأي الأول: ذهب إليه الأئمة الثلاثة أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وأحد قولين لمالك، وهو أن للطالب أو الدائن أو المكفول له أن يطالب من شاء منهما، أي: إن الكفالة عند الأئمة الثلاثة تعطي للمكفول له الحق في مطالبة الكفيل بما كفل به؛ لكن هذا الحق لا يسقط حقه الآخر في مطالبة المضمون أيضًا، أي: له مطالبة من شاء منهما أو مطالبة الاثنين هذا أو ذاك، لكن في النهاية ليس له أن يأخذ أكثر من حقه، أي: إذا أخذ من أحدهما فليس له مطالبة الآخر، هذا الدائن.
الرأي الثاني: ذهب إليه الإمام مالك في أحد قوليه؛ لأن الإمام مالكًا منضم إلى الأئمة الثلاثة في الرأي السابق، وهو الذي قال به جمهور المالكية، وهو: أنه لا يطالب الضامن إلا إذا تعذرت مطالبة المضمون أو استحالة مطالبة المضمون، أي: لا يطالب الكفيل في حالة ما إذا كان المال الذي داين به الدائن المدين متيسر الأخذ منه، أي: إذا كان موسرًا وغير ظالم، ولا مماطل يتبع فيه هذا الرأي, لا يطالب الكفيل أو الضامن في حالة التعذر, أما إذا تيسر الأخذ منه فليس للدائن مطالبة الكفيل في هذا الرأي.
الرأي الثالث: ذهب إليه جماعة من فقهاء السلف، والذي أشار إليه أئمة العلماء أشاروا لابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وداود الظاهري, حيث قالوا: إن الكفالة تسقط الحق عن المكفول عنه، أي: لم يقولوا بالرأي الأول ولا بالثاني، بل قالوا: لا, كأنهم أبرموا ذمة المدين الأصلي، والكفالة تسقط الحق عنه، ويتحول الدين بمجرد الكفالة إلى ذمة الكفيل، وعليه لا يكون للدائن أو المكفول له أي حق في مطالبة المدين الأصلي، وإنما يتجه بالمطالبة، فصاحب الحق ليس له إلا مطالبة الكفيل فقط، سواء كان المكفول عنه أو المضمون عنه الذي هو المدين الأصلي حاضرًا، أو غائبًا، أو غنيًّا، أو فقيرًا؛ وذلك لأنهم يعتبرون أن الكفالة كالحوالة, تنقل الدين من ذمة الأصيل إلى ذمة الضامن، وعليه تبرأ ذمة الأصيل. وهذا الرأي مخالف لرأي جمهور أهل العلم؛ لأن الحوالة والكفالة معاملتان مختلفتان في الاسم وفي المعنى.