أحكام المساقاة الفاسدة
وتفسد المساقاة بعدة أمور منها:
– اشتراط جزء معين من الثمرة بالكيل، أو بالوزن، أو بالعدد، أو بغيرها يقول: لي مائة ثمرة أو ألف ثمرة أو نحو ذلك بالعدد؛ فهذا غير جائز؛ لما في ذلك من الغرر؛ كما في حديث رافع ابن خديج، وهو وإن كان واردًا في المزارعة؛ لكن المعنى واحد، ومعناه كما في (صحيح مسلم): أنهم كانوا يزارعون ويشترط صاحب الأرض على العامل أن له زرع مكان معين ما على الماذينيات، يعني: على ضفاف القنوات، أو ما كان حول البئر الذي يستقى منه، يعني: أماكن فيها الثمرة أكثر أو أحسن، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عن هذا؛ لما فيه من الغرر؛ فقد لا تثمر الحديقة إلا هذا الجزء؛ فيأخذه المالك ولا يؤخذ العامل شيئًا، وقد تثمر الحديقة كلها إلا هذا الجزء؛ فيأخذه العامل ولا يأخذ المالك شيئًا، وهذا أيضًا مرفوض؛ لأن المساقاة مبنية على المشاركة؛ فلكل منهما نصيبه المشاع بنسبة الربع أو الثلث، يعني: نسبة معينة وللآخر الباقي؛ لكن اشتراط كيل معين، أو اشتراط الوزن المعين، أو العدد المعين؛ يؤدي إلى الغرر.
– وتفسد المساقاة أيضًا: بأن يشترط المالك على العامل عملًا يبقى أثره، يعني يظل موجودًا حتى بعد تقسيم الثمار، بأن يقول له: بشرط أن تشق لي ترعة، أو تحفر لي بئرًا، أو تنصب لي عرائش -والعرائش، تنصب في الحدائق وفي الحقول، جمع عريش، وهي: عبارة عن حجرة أو بيت مصنوع من الحطب، أو من أغصان الأشجار، أو ما إلى ذلك، وجمعه: عرائش- فإذا اشترط صاحب الشجر على العامل أن يشق له قناةً، أو ينصب له عرائش، أو يغرس له أشجارًا؛ فسدت المساقاة؛ لأن هذا خارج عن عمل العامل، بدليل أنه يبقى في الأرض بعد المقاسمة.
أما الخامس اشتراط العمل، والحمل، والحفظ، بعد قسمة المحصول، يعني: يشترط المالك على العامل أن يحمل الثمار، وينقلها، أو يحفظها، أو يخزنها، أو يسوقها، فكل هذا مرفوض؛ لأنه خارج عن عمل العامل، فالعامل عمله خاص بالشجر، وخاص بإنضاج الثمرة، أما ما عدا ذلك فليس مكلفًا به.
أمر سادس: تحديد مدة لا يثمر الشجر في خلالها، فإذا كان مثلًا هذا النوع من الشجر يثمر بعد ستة أشهر، واشترط المالك على العامل أن يثمر خلال ثلاثة أشهر؛ فتصبح المساقاة فاسدة.
أمر سابع: اشتراط أن يكون كل الثمر لأحدهما للعامل أو المالك، فهذا غير جائز، فليست مساقاة على هذا، إذ المساقاة أن تكون الثمرة بينهما على نسبة معينة.
ومما يفسد المساقاة أيضًا، مشاركة العامل في عمله بالحديقة؛ كأن يعمل المالك مع العامل في الشجر في البستان، أو أن يأتي له بعامل آخر يساعده، فهذا خطأ كبير؛ لأن رعاية الشجر أصبحت مسئولية العامل فقط، وهو الذي يقوم بذلك كله أو يستعين بمن شاء بطريقته الخاصة، أما اشتراط أن يشارك المالك العامل في عمله؛ فهذا مفسد للمساقاة؛ فتصبح أمر آخر غير المساقاة، فقد تصبح إجارة أو أيّ عقد آخر.
الأمور المترتبة على فساد المساقاة:
هناك عدة أمور ترتبت على فساد المساقاة منها:
الامر الأول: المالك يأخذ كل الثمرة، والعامل يأخذ أجر المثل، الثمرة كلها في حال الفساد تكون للمالك، وأما العامل فيأخذ أجر المثل.
الثاني: أيضًا من أحكامها، أنه لا يجبر العامل على العمل، يعني: لا يجبر على العمل، لأنه لو أجبر على ذلك؛ لم يصح العقد.
الثالث: أيضًا أجر المثل لا يجب في المساقاة الفاسدة إلا إذا وجد العمل، لكن إذا كان قبل العمل، أو لم يعمل؛ فليس من حقه أن يأخذ الثمر ولا الأجر.
الرابع: يجب أجر المثل مقدرًا بالمسمى إن كان هناك مسمى، يعني، إذا كان مسمى الربع، أو الثمن، أو الثلث، وفسدت المساقاة وانتقلنا إلى أجر المثل؛ ينبغي أن يكون أجر المثل هذا في حدود ما قدر، أو ما سمي بحيث لا يزيد عليه؛ فإن زاد رجعنا إلى المسمى.
لكن إذا لم يكن في العقد الفاسد مسمى؛ وجب أجر المثل كاملًا، يعني: مثل هذا العمل إذا قام به عامل آخر لشخص آخر في بستان آخر، ماذا يأخذ على سبيل المؤاجرة وليس على سبيل المساقاة؟ يأخذ أجرًا كذا؛ فيأخذه كاملًا ما دام لم يُسمَّ.
انفساخ العقد:
وإنهاء هذا العقد وفسخه يكون بعدة أمور منها:
الموت وذلك عند الحنفية قياسًا على الإجارة؛ فالحنفية عندهم إذا مات طرفا العقد العامل والمالك، أو مات أحدهما انفسخ العقد كالإجارة؛ فالإجارة أيضًا تنتهي بالموت، ويترتب على ذلك بعد الانفساخ إن كان ذلك قبل الشروع في العمل والبدء فيه، فلا شيء على أيٍّ منهما ولا لأيٍّ منهما؛ لأن العمل لم يبدأ؛ فلا شيء من الأجر ولا الثمار لأيٍّ منهما، لكن إذا كان قد شرع العامل في العمل، ونضج الثمر وانفسخ العقد، قسم الثمر بينهما على حسب شرطهما، فإن ماتا حلَّ ورثتهما محلهما، فإن لم ينضج الثمر، حكم ببقاء العقد حكمًا فقط، وبطل قياسًا، بخلاف موت صاحب الأرض، ولما ينضج الثمر فيجوز للعامل أن يقوم به حتى ينضج ليحصل على نصيبه، ويكون الباقي لورثة المالك.
وأما المالكية، فرفضوا فسخها بالموت؛ قياسًا على عدم الفسخ بالفلس، فلو أفلس أحدهما في الإجارة، يعني: أفلس المؤجر أو أفلس المستأجر لا تنتهي الإجارة، قالوا: فكذلك المساقاة؛ لأن المساقاة إجارة ابتداءً وأما الشافعية، فقالوا: لا تفسخ بالموت إلا في حالات خاصة، وفرقوا بين موت المالك وموت العامل؛ فموت المالك لا تنفسخ به المساقاة، لكن تنفسخ بموت العامل، وقيل: لا تنفسخ، وعلى وارث هذا العامل أن يقوم مقامه، أو يأتي بمن يقوم مقامه.
وتنفسخ المساقاة أيضًا بمضي المدة؛ فإذا كانت المدة سنة أو أكثر أو أقل وانتهت هذه المدة التي اتفقوا عليها، نضجت الثمرة أو لم تنضج؛ انفسخ العقد.
وإن انقضت المدة ولم تثمر الأشجار فلا شيء للعامل؛ لأنه وافق منذ البداية على العمل في هذه المدة.
ومن أسباب الفسخ أيضًا، الاستحقاق، وذلك إذا استحق الشجر المساقى عليه؛ فإن استحق الشجر بعد ظهور الثمر؛ فللعامل أجر المثل، وإن كان قبل ظهور الثمر، فلا شيء له عند الحنفية، وأما المالكية فإنه إذا استحق بعد ظهور الثمر، خير المستحق بين أمرين: إبقاء العمل كما هو، أوفسخه؛ وذلك لأنه اكتشف أن العمل لم يتم حسب العقد؛ فإن الغيب قد كشف أن العاقد ليس مالكًا، والعامل تعاقد مع غير المالك؛ فيأخذ العامل أجر المثل، وأما المستحق، وهو صاحب الشجر؛ فإنه هو الذي يستحق الثمار.
وقال الحنابلة: إن ظهر الشجر مستحقًّا بعد العمل؛ أخذ الشجر ربّه وأخذ ثمرته؛ لأنه عين ماله ولا حق للعامل في ثمرته ولا أجر له، ولكن أجرته على الذي تعاقد معه وهو الرافض؛ لأنه خدعه وغرر به.
وتنفسخ أيضًا، بالإقالة وبالعذر: إن كان ذلك العذر مقبولًا، ولما كان عقد المساقاة عقدًا لازمًا عند جمهور الفقهاء؛ ولذلك فهي تنفسخ عندهم بأحد أمرين: الاتفاق الصريح على الفسخ، أوالإقالة، ولا يخالف في هذا أحد ما دام فيه اتفاق صريح.
وأيضًا الفسخ للعذر؛ وفيه خلاف، جوَّزه الحنفية، وقريب منهم مذهب المالكية.
وأما عدم الجواز، فهو مذهب الشافعية، أما الحنابلة، فمعروف عندهم منذ البداية أن عقد المساقاة عقد جائز، فمن حق أيٍّ من طرفيه أن يفسخه في أيِّ وقت، حتى ولو لم يوافق الطرف الآخر.