Top
Image Alt

أحكام شركة الملك

  /  أحكام شركة الملك

أحكام شركة الملك

الأصل المستقر عند الفقهاء أن كل واحد من الشريكين أو الشركاء في شركة الملك أجنبي بالنسبة لنصيب الآخر، يعني: كأن ورثنا دارًا، ونصف هذه الدار لي، ونصفها له، وكل منا بالنسبة لنصيب الآخر أجنبي، يعني: ليس من حقي أن أتصرف في نصيب أخي، وليس من حق أخي أن يتصرف في نصيبي، فكذلك شركة الملك.

فشركة الملك، الأصل فيها أن كل واحد من الشريكين، أو الشركاء أجنبي بالنسبة للآخرين؛ لأن هذه الشركة لا تتضمن وكالة ما، ثم لا ملك لشريك ما في نصيب شريكه، ولا ولاية له عليه من أيِّ طريق من طرق الولاية، والمسوغ للتصرف، إنما هو الملك أو الولاية، وهذا ما لا يمكن تطرق الخلاف إليه.

هذا هو الأصل، ويترتب على ذلك أمور عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر:

1. ليس لشريك الملك في نصيب شريكه شيء من التصرفات التعاقدية، كالبيع والإجارة، والإعارة، وغيرها، إلا أن يكون ذلك بإذن شريكه، ولو كان هناك إذن فإن تصرف هذا الطرف لا يكون بسبب الشركة في الملك، إنما يكون بسبب التوكيل له، وبناء عليه فإنه إذا تعدَّى، فأجر أو أعار العين المشتركة فتلفت في يد المستأجر أو المستعير فلشريكة تضمينه حصته، وهذا أيضًا مما لا خلاف فيه .

وإذا أجرت نصيب أخي دون أذنه، وتلف هذا النصيب؛ عليَّ الضمان، أو أعرته لمن يسكنه، أو يستعمله فتلف؛ فعليَّ أن أضمن نصيب أخي.

2. لكل شريك في شركة الملك أن يبيع نصيبه لشريكه أو أن يخرجه إليه عن ملكه على أيِّ نحو، ولو بوصيَّة، أي: يحق لي أن أبيع نصيبي لأخي أو شريكي هذا، أو أخرج إليه نصيبي، أنقله إلى ملكه على أيِّ نحو، تنازل بالبيع، أو بالمقايضة، أو بالإجارة، إلا أن المشترك لا يوهب دون قسمه، يعني: إذا قسمنا الشيء المشترك يمكن هبته، لكن الشيء المشترك لا يوهب دون قسمه، ما لم يكن غير قابل لها، لكن إذا كان يقسم؛ فلا تصح فيه الهبة قبل أن يقسم.

وهناك حالة واحدة اسمها حالة الضرر، تستثنى من هذا الأصل؛ هكذا قرره الحنفية، وهو -في الجملة- محل وفاق، إلا أن هبة المشاع سائغة عند جماهير أهل العلم بإطلاق.

كما قرره المالكية، والشافعية، والحنابلة، يعني: لا يمنع هبة المشاع إلا الحنفية، أما غيرهم فيجيزون هبة المشاع، والحنفية على أن هبة المشاع لا تجوز بمعنى عدم إثبات ملك ناجز، يعني: عدم إثبات ملك في الحال فالهبة عندهم صحيحة، ولكن يتوقف الملك على الإقرار، يعني: البيع موقوف غير ناجز، حتى نأخذ أو حتى يتم التسليم.

3. ذهب الحنفية، والشافعية، إلى أن للشريك أن يبيع نصيبه لغير شريكه في غير حالة الضرر الآتية بدون إذن منه، فمن حقه أن يبيع نصيبه الذي أشترك في تملكه دون أخذ إذن شريكه إلا في حالة الضرر، وهي حالة اختلاط المالين دون شيوع؛ لبقاء كل مال على ملك صاحبه.

وإن عثر تمييزه أو تعذر، سواء كان اختلاطًا عفويًّا، يعني: نتج عفويًّا، أو نتيجة خلط مقصود من جانب الشركاء، ففي هذه الحالة، أي: حالة اختلاط المالين دون شيوع، لا بد من إذن الشريك لشريكه؛ ليصح بيعه لغيره ما دام المِلك شركة بينهما لم يقسم بعد.

وسر التفرقة في الحكم بين هذه الحالة -حيث تتوقف صحة البيع لغير الشريك على إذنه- وبين غيرها حيث لا يوجد هذا التوقف؛ أنه في حالة شيوع المال بين الشريكين بسبب إرثهما إياه أو وقوع شركتهما فيه بسبب آخر يقتضي هذا الشيوع؛ كشرائهما إياه معًا أو إشراك أحدهما صاحبه فيه بحصة شائعة يكون كل جزء في المال المشترك مهما دق وصغر مشتركًا بين الشركاء، وبيع نصيب الشائع دائن للشريك ولغيره إلا مانع من تسليمه وتسلمه؛ فإن الإفراز ليس من شرائط التسليم، ومن ثم فلا نزاع في صحة بيع الحصة الشائعة فيما لا يقبل القسمة ذاتًا، كالدابة، والبيت الصغير، إلا أنه إذا سلم البائع العين المشتركة كلها دون إذن شريكه، كان كالغاصب، والمشتري منه، كغاصب الغاصب بالنسبة لحصة الشريك الذي لم يبع، حتى إذا تلفت العين؛ كان للذي لم يبع، حق الرجوع بضمان حصته على أيِّ الشخصين شاء -البائع أو المشتري- ثم إذا رجع على المشتري، يرجع المشتري على البائع.

أما النصيب غير الشائع في شركة الملك؛ فباق على ملك صاحبه، إلا أنه التبس بغيره أو تعثر فصله، وهذا الالتباس أو التعثر لا يمنع القدرة على تسليمه إلى الشريك إذا باعه إياه، ولكن يمنع هذه القدرة وينافيها، إذا باع النصيب لأجنبي عن الشركة دون إذن شريكه؛ إذ لا يمكن تسليمه أو تسلمه إلا مخلوطًا بنصيب هذا الشريك، فيتوقف على إذنه.

وماذا عن حالة الضرر التي استثنيت؟

وحالة الضرر؛ بيع الحصة الشائعة في البناء، أو الغراس، أو الثمر، أو الزرع؛ هذه الحصة الشائعة لا يجوز بيعها، ويعنون بيع الحصة في ذلك منفردة عن الأرض التي هي فيها.

أما بالنسبة للبناء، والغراس، فإنه إن شرط هدم البناء، وقطع الغراس؛ فلا يتأتى دون هدم، وقلع لحصة الشريك الذي لم يبع لمكان الشيوع، وذلك ضرر لا يجوز؛ ولأن شرط بقائهما، إنما هو شرط منفعة لأحد المتعاقدين، وهذه المنفعة الزائدة عن مقتضى البيع، فيكون شرطًا فاسدًا في نفسه، ومفسدًا للعقل أيضًا؛ لمكان الربا؛ إذ هي زيادة خالية عن العوض.

وأما بالنسبة للثمر، أو الزرع، فإذا لم يبلغ، أو إن قطعه دون إذن الشريك؛ فلا يصح بيع الحصة لأجنبي؛ للحوق الضرر به حينئذ؛ إذ سيطالب المشتري بقطع ما اشتراه ولا سبيل إليه إلا بقطع حصة هذا الشري؛ فهذه حالة تسمى حالة الضرورة.

وقد ذهب الفقهاء، إلى أنه في حضور الشريك لا ينتفع شريكه الآخر بالمال المشترك إلا بإذنه، كأن نكون شريكان في دار، ولا أنتفع بالجزء المشترك إلا بعد استئذانك ما دمت حاضرًا؛ لأنه بدون الإذن يكون غصبًا.

ويدخل في الإذن؛ الإذن العرفي، يعني: إذا كانت هذه العين المشترك فيها من المال، يعني: أن العرف يسمح باستعمال أيٍّ من طرفيها دون استئذان الآخر رغم حضوره، فمثلًا إذا ركب الشريك السيارة المشتركة، أو حمل عليها دون إذن شريكه، فتلفت؛ ضُمِّن حصة شريكة في حال التلف، وضُمِّن نقص قيمتها في حالة النقص، وإذا زرع الأرض المشتركة، أو بنى فيها، وشريكه حاضر دون إذن منه؛ طبقت أحكام الغصب؛ فتقسم الأرض بينهما، وعليه قلع ما وقع في نصيب شريكه، وعليه ضمان نقص أرضه، إلا أن يكون الزرع قد أدرك أو كاد؛ فليس عليه حينئذٍ إلا ضمان نقص الأرض، دون قلع الزرع، وليس للشريك الآخر أن يدفع إلى الذي زرع الأرض المشتركة نصف البذر، على أن يكون الزرع بينهما؛ لأنه بيع معدوم إن كان الزرع لم ينبت بعد، وإلا؛ فلا بأس بذلك، كما أنه ليس له أيضًا أن يُصر على قلع الزرع متى كانت القسمة ممكنة.

وللشافعية هنا ضابط جيد؛ موجزه: أن الشريك أمين إذا لم يستعمل المشترك، أو استعمله مناوبة؛ لأنها إجارة فاسدة، وإلا فإن استعمله بإذن شريكه؛ فهي عارية، أو بدون إذنه؛ فذلك غصب، ومن الاستعمال حلب الدابة اللبون، فينطبق عليها ما ينطبق على استعمال حصة الشريك، فإن أذن له؛ فلا بأس، وإن لم يأذن؛ فهذا نوع من الغصب، وعليه ضمان ما أخذه أو ثمنه.

أيضًا من المسائل التي تترتب على حق الشركة في الملك:

مسألة ذهب الحنفية فيها إلى أنه إذا احتاج المال المشترك إلى النفقة، سواء للتعمير أو لغيره كبناء ما تخرب، وإصلاح ما وهي، وإطعام الحيوانات، ولكن نشب النزاع بين الشركاء، فأراد بعضهم الإنفاق وأبى الآخرون، ففي الحكم تفصيل؛ لأن المال إما قابل للقسمة أو غير قابل لها، ففي القابل للقسمة كالدار، أو الحوانيت المعدة للاستغلال، والحيوانات المتعددة، لا إجبار على الممتنع، ولكن يقسم المال؛ ليقوم بإصلاح ماله والإنفاق علي من شاء، اللهم إلا أن يكون الممتنع على خلاف المصلحة، وصيًّا أو ناظر وقف، كما في دار مشتركة بين وقفين.

وإذا لم يكن المال المشترك قابلًا للقسمة؛ أجبر الشريك على المشاركة في النفقة؛ لأن امتناعه مفوتٌ لحق شريكه في الانتفاع بماله؛ وذلك كما في نفقة دابة واحدة، أو كرى نهر، أو مرمة قناة، أو بئر، أو إصلاح آلة ري، أو سفينة، أو حائط، لا ينقسم لضيق عرصته، أو لحمولة عليه، إلا أن تكون الحمولة كلها لغير طالب العمارة، إلا أن متأخري الحنفية مالوا إلى القول بأن الجدار الواسع العرصة، ملحق هنا بما لا ينقسم؛ لتضرر الشريك فيه بعدم المشاركة في إصلاحه وترميمه.

والمالكية، يوافقون الحنفية؛ موافقة تكاد تكون تامة، ويزيدون أن الشريك إذا أصر على الامتناع، فإن القاضي يبيع عليه حصته كلها لمن يقوم بالنفقة اللازمة، ولم يجتزأ ببيع ما يكفي لسداد هذه النفقة؛ منعًا لضرر تكثير الشركاء، ولا بإجبار الشريك القادر على النفقة وحده دون لجوء إلى البيع.

ومع ما تقدم فإن المالكية، لا يرون إجبار الشريك إذا امتنع عن الإصلاح.

وذهب الشافعية، والحنابلة، في نفقة الحيوان المشترك إلى نحو ما تقدم عن الحنفية، والمالكية، أما في غير الحيوان، فلكل من الشافعية، والإمام أحمد، قولان: أحدهما: القول بإجبار الشريك على التعمير والإنفاق مع شريكه؛ دفعًا للضرر، وصيانة للأملاك عن التعطيل؛ وهذا هو الذي اعتمده الحنابلة، وكثير من الشافعية، كالغزالي، وابن الصلاح، وغيرهما.

error: النص محمي !!