Top
Image Alt

أدلة وجوب الإيمان بالكتب السماوية

  /  أدلة وجوب الإيمان بالكتب السماوية

أدلة وجوب الإيمان بالكتب السماوية

الأدلة على وجوب الإيمان بالكتب, مع التعريف بالوارد منها في القرآن الكريم:

أولًا: حُكم الإيمان بالكتب المنزلة:

معنى كون الإيمان بكتب الله المنزلة من أركان الإيمان؛ أن الركن هو الأساس الذي يقوم عليه الشيء كركن البنيان، فإنه لا يستقيم إلا على أركانه، فإذا سقَطَ ركن البنيان تهدَّمَ البناء بأكمله، وكذلك أركان الإيمان فإنها بمجموعها يحصل الإيمان، وبتخلف ركن من تلك الأركان يبطل الإيمان المزعوم.

فالإيمان بالكتب المنزلة ركن واجب، وأمر لازم؛ لأن مَن آمَن بالله تعالى ربًّا، وآمن برسله المصطفَين, وأثبت أن أولئك الرسل حملوا رسالاتٍ إلى أممهم، وجب عليه أن يؤمن بأن الله تعالى أوحى إلى رسله وحيًا، وأنزل كتبًا عن طريق واسطة الوحي وهو الملك جبريل عليه السلام, وأن كل رسول كان يبين لقومه ما نُزِّل إليهم من تعاليم ذلك الكتاب المنزل عليه؛ فيأمرهم بعبادة الله تعالى، وينهاهم عن الشرك وعن وسائله، كما يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر, وأن كل رسول كان يُبعث إلى قومه برسالة خاصة بهم، وبكتاب لا يتعداهم، حتى ختَمَ الله تلك الرسالات السماوية بخاتمة الكتب، وهو القرآن الكريم الذي نسخ ما سبقه من الكتب وهيمن عليه، كما ختم الله الرسل بخاتمهم وهو نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.

يقول صاحب كتاب (الإيمان: أركانه – حقيقته – نواقضه):

ومن أركان الإيمان: أن نؤمن بالكُتُب التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله، فكما أن الله عز وجل قد أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم فقد أنزل كتبه من قبل على سائر الرسل.

ومن هذه الكتب ما سماه الله لنا في القرآن الكريم، ومنها ما لم يسمِّ، والذي أخبرنا به عز وجل منها: التوراة التي نزلت على موسى عليه السلام، والإنجيل الذي نزل على عيسى عليه السلام، والزَّبور الذي نزل على داود عليه السلام، والصحف التي أنزلها الله على إبراهيم وموسى.

وأما الكتب الأخرى التي نزلت على سائر الرسل، فلم يخبرنا الله تعالى عن أسمائها، وإنما أخبرنا سبحانه أن لكل نبي أرسله الله رسالةً بلغها قومَه، فيجب علينا أن نؤمن بهذه الكتب التي لم تسمَّ إجمالًا، ولا يجوز لنا أن ننسب كتابًا إلى الله تعالى سوى ما نسبه إلى نفسه مما أخبرنا عنه في القرآن الكريم.

كما يجب أن نؤمن بأن هذه الكتب نزلت بالحق والنور والهُدَى، وتوحيد الله سبحانه في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته، وأن ما نُسِبَ إليها مما يخالف ذلك إنما هو من تحريف البشر وصُنعِهم. انتهى.

فوجوب الإيمان بكتب الله تعالى المنزلة أمر متفق عليه في شريعة الإسلام، وقد جعله الله تعالى ركنًا أساسيًّا من أركان الإيمان التي يشترط في المرء الإيمان بها جميعًا؛ حتى يظفرَ بلقب المؤمن، وينتظمَ في سَلك المؤمنين.

وقد كان الإيمان بالكتب السماوية أمرًا واجبًا على الأمم السابقة، ركزت عليه تلك الرسالات السماوية.

يقول الشيخ حافظ الحكمي -رحمه الله- وهو يتحدث عن الكتب المنزلة, ووجوب الإيمان بها:

والإيمان بكل ما فيها من الشرائع، وأنه كان واجبًا على الأمم الذين نزلت إليهم الصحف الأولى- الانقياد لها، والحكم بما فيها، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُون} إلى قوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُون * وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِين * وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون * وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون * وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 45: 49]. انتهى. 

ثانيًا: الأدلة من القرآن الكريم على وجوب الإيمان بالكتب المنزلة:

إذا نظرنا في المصحف الشريف وجدنا جملةً وافرةً من الآيات القرآنية الكريمة التي تحثُّ على الإيمان بالكتب السماوية المنزلة، وتسمي بعضَ تلك الكتب، فبعضها يوصف بالكتاب، وبعضها يوصف بالصحف، وسنجد أيضًا أن هناك بعض الكتب مثل التوراة وصُفت تارة بالكتاب، وسميت باسمها تارة ثانية، ووصفت بالصحف تارةً ثالثة، ووصفت بالألواح تارةً رابعة.

فمن هذه الآيات:

الآية الأولى: قول الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير} [البقرة: 285]. ففي هذه الآية ذكر الله سبحانه وتعالى أن هؤلاء المؤمنين المتبعين للرسول صلى الله عليه وسلم يؤمنون بالله، والملائكة، والكتب المنزلة، والرسل، ولا يفرِّقون بين هؤلاء الرسل.

يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية:

“يخبر تعالى عن إيمان الرسول، والمؤمنين معه، وانقيادهم، وطاعتهم، وسؤالهم مع ذلك المغفرة، فأخبر أنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، وهذا يتضمن الإيمان بجميع ما أخبر الله به عن نفسه, وأخبرت به عنه رسله من صفات كماله ونعوت جلاله، على وجه الإجمال والتفصيل. ويتضمن الإيمان بالملائكة الذين نصت عليهم الشرائع جملةً وتفصيلًا، وعلى الإيمان بجميع الرسل والكتب، أي: بكل ما أخبرت به الرسل، وتضمنته الكتب من الأخبار والأوامر والنواهي” انتهى كلامه.

الآية الثانية: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ} [النساء: 136]. أيضًا في هذه الآية التصريح بدعوة المؤمنين إلى الإيمان بالكتب السماوية المنزلة.

يقول الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية:

“يأمر تعالى عبادَه المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الإيمان، وشُعَبِه، وأركانه، ودعائمه، وليس هذا من باب تحصيل حاصل؛ بل من باب تكميل الكامل، وتقريره وتثبيته، والاستمرار عليه، كما يقول المؤمن في كل صلاة: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم}، [الفاتحة: 6], أي: بصِّرنا فيه، وزدنا هُدًى، وثبتنا عليه، فأمرهم بالإيمان به وبرسوله، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} [الحديد: 28], وقوله: {وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ} يعني: القرآن، {وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ} [النساء: 136], وهذا جنس يشمل جميع الكتب المتقدمة. وقال في القرآن: “نزَّل”؛ لأنه نزل متفرقًا منجَّمًا على الوقائع, بحسب ما يحتاج إليه العباد في معاشهم ومعادهم.

وأما الكتب المتقدمة فكانت تنزل جملةً واحدةً؛ لهذا قال تعالى: {وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ} ثم قال تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء: 136], أي: فقد خرَجَ عن طريق الهدى، وبَعُدَ عن القصد كلَّ البعدِ” انتهى كلامه.

الآية الثالثة: قوله تعالى: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون} [البقرة: 136].

يقول الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية:

أرشد الله تعالى عبادَه المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مفصلًا، وما أنزل على الأنبياء المتقدمين مجملًا، ونَصَّ على أعيانٍ من الرسل، وأجمل ذكرَ بقية الأنبياء، وألا يفرقوا بين أحد منهم، بل يؤمن بهم كلهم.

قال قتادة: أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا به، ويصدقوا بكتبه كلها وبرسله. وقال سليمان بن حبيب: إنما أمرنا أن نؤمن بالتوراة والإنجيل، ولا نعمل بما فيهما، ثم ساق سندَ حديثٍ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آمنوا بالتوراة، والزبور، والإنجيل، وليسعكم القرآن)) انتهى كلامه.

فالآيات التي تحث على الإيمان بالكتب المنزلة على الرسل -عليهم الصلاة والسلام- كثيرة جدًّا، وتبين أنه يجب الإيمان بها -أي: بالكتب جميعًا- من غير تفريق، فكما أنه يجب أن نؤمن بجميع الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- تفصيلًا فيما ورد عنه التفصيل، وإجمالًا فيما ورد الحديث عنه مجملًا، وأنه لا يصح إيمان من يدعي الإيمان ببعض الرسل ويكفر برسول، فإنه يعد كافرًا؛ فكذلك الإيمان بالكتب المنزلة يجب أن يكون شاملًا لجميع كتب الله تعالى السماوية، فَمَنْ آمن بكتاب وكفَرَ بآخر عُدَّ كافرًا بجميع الكتب المنزلة.

ثالثًا: الأدلة من السنة المطهرة على وجوب الإيمان بالكتب المنزلة:

لقد اهتمت السنة المطهرة ببيان الركن الثالث من أركان الإيمان؛ ألا وهو الإيمان بكتب الله المنزلة على الرسل المصطفين -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- فكما بينت الآيات السابقة وجوب الإيمان بالكتب السماوية، وأن هذا الإيمان شرط في تحقق الإيمان الكامل؛ كذلك وجدنا الأحاديث النبوية تركز على بيان وجوب الإيمان بالكتب المنزلة، وأن هذا الإيمان ركن أساسي من أركان الإيمان الستة.

فَمَنْ زعمَ أنه يؤمن بالله تعالى، وملائكته، ورسله، واليوم الآخر، ويؤمن بالقدر، ثم يكفر بالكتب المنزلة، فإيمانه باطِلٌ وزعمه كاذب؛ لأن أركان الإيمان كلٌّ لا يتجزأ.

وأول حديث يوضح وجوب الإيمان بالكتب المنزلة، وأنه ركن ثالث من أركان الإيمان الستة -هو حديث جبريل المشهور.

فلقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه, من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فَخِذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام؟ فقال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان, وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا. قال: صدقت. فعجبنا له، يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. فأخبرني عن الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها -أي: علاماتها-؟ قال: أن تلِدَ الأَمَة ربتها، وأن ترى الحُفاة العراة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان. قال: ثم انطلق، فلبث مليًّا، ثم قال لي: يا عمرُ، أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل, أتاكم يعلمكم دينكم)) رواه الإمام مسلم.

ففي هذا الحديث العظيم الذي يسأل فيه جبريل عليه السلام خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، والإيمان، والإحسان، وعن الساعة وأماراتها، ورد فيه جواب النبي صلى الله عليه وسلم في تعريف الإيمان وذِكْر أركانه؛ لأن الإيمان يقوم على ستة أركان، لا يكون المرء مؤمنًا حتى يأتي بها جميعًا، ألا وهي: الإيمان بالله تعالى، والإيمان بملائكته، والإيمان بكتبه المنزلة، والإيمان برسله -عليهم الصلاة والسلام- والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.

فاتضح بذلك أن الإيمان بالكتب السماوية واجبٌ على كل مؤمن، بل هو ركن أساسي لتصحيح إيمانه.

إذًا: فالإيمان بالكتب المنزلة أمر واجب وصريح -كما جاء في هذا الحديث الصحيح.

وفي الحديث الثاني الذي أخرجه الإمام ابن كثير -رحمه الله- عن مَعقِل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آمنوا بالتوراة، والزبور، والإنجيل، وليسعكم القرآن)) رواه في (التفسير).

وفيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان بالكتب المنزلة الأربعة التي صرح القرآن الكريم بأسمائها، وهي: القرآن الكريم، والتوراة المنزلة على موسى -على نبينا وعليه الصلاة والسلام- والزبور وهو الكتاب المنزل على داود -على نبينا وعليه الصلاة والسلام- والإنجيل وهو الكتاب المنزل على عيسى -على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

ثم بعد أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان بهذه الكتب السماوية الأربعة -وضح أنه يجب الاستغناء بخاتمة هذه الكتب السماوية، وهو القرآن الكريم؛ لأنه نسخ كلَّ الشرائع السابقة بحكم كونه جاء خاتمًا للكتب المنزلة السابقة، فإنها كانت تنزل على كل رسول رسالة خاصة موجهة إلى قوم معينين، فلما جاء الإسلام ونزل القرآن على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان عامًّا موجهًا لجميع الناس؛ فلذلك استوعب كل التعاليم التي جاءت بها الكتب السماوية السابقة، ناسخًا لها، ومهيمنًا عليها، فلذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم القرآن؛ لأنه كافٍ عن كل كتابٍ، ومغنٍ عن كل التعاليم التي يمكن أن تُطلب في غيره من الكتب والرسالات. وبهذا يتضح أنه ثبت بالأدلة من السنة المطهرة الإيمان بالكتب المنزلة، كما ثبت ذلك بالكتاب العزيز، وأنه لا يجوز التفريق بين الكتب في الإيمان، إلا أن القرآن الكريم نسخ مَا سبقه؛ فلذلك وجب الاستغناء به.

error: النص محمي !!