Top
Image Alt

أركان البيع، وكيفيته

  /  أركان البيع، وكيفيته

أركان البيع، وكيفيته

ركن البيع عند الحنفية، هو الإيجاب والقبول الدالان على التبادل، أو ما يقوم مقام الإيجاب والقبول كالإشارة مثلًا بالنسبة للأخرس، أو الكتابة مثلًا، أو أيِّ وسيلة من الوسائل القديمة أو الحديثة كما هو الآن بعد انتشار المخترعات الحديثة، فكل ما من شأنه أن يعبر عن الإيجاب أو القبول؛ فهو ركن البيع.

وللبيع عند الجمهور أربعة أركان هي:

– البائع: يعني: الذي يملك السلعة.

– والمشتري: الذي يرغب في الحصول على السلع، ويملك الثمن.

– والصيغة: التي هي الإيجاب والقبول اللذان يعبران عن الإرادة الخفية لكل من طرفي العقد.

– ثم المعقود عليه، والمعقود عليه: هو الشيء المطلوب شراؤه.

جمهور الفقهاء على أن أركان البيع يمكن أن تكون أربعة، ويمكن أن تكون خمسة، ويمكن أن تكون ثلاثة؛ فالبائع، والمشتري، والصيغة، والمعقود عليه، هذه أربعة.

والبائع، والمشتري، والإيجاب، والقبول، والمعقود عليه؛ وتلك خمسة، ويمكن أن تكون أركانه أكثر من ذلك: البائع، والمشتري، والإيجاب، والقبول، والمعقود عليه، والثمن.

والإيجاب عند الحنفية هو: الفعل الدال على الرضا الواقع أولًا، والقبول ما ذكر ثانيًا من كلام أحد المتعاقدين، يعني: الإيجاب والقبول عند الحنفية، كلاهما فعل يدل على الرضا والقبول والموافقة، غير أن ما يصدر أولًا من أيٍّ من المتعاقدين، يسميه الحنفية: إيجابًا، أي: التزامًا، وما يصدر ثانيًا؛ كرد على هذا الإيجاب، يسمى: قبولًا، بصرف النظر عمن صدر عنه هذا القبول، وما صدر أولًا، يسمى: إيجابًا، وما صدر ثانيًا، يسمى: قبولًا، والواقع أن الإيجاب، والقبول، كلًّا منهما يصدر عن إرادة قابلة للالتزام، والطرف الآخر يقبل الالتزام، فكل منهما يلتزم أمام الآخر بشيء ما، وهو أن البائع يسلِّم السلعة للمشتري، وأن المشتري يسلِّم الثمن للبائع.

وعند الجمهور، يختلف الإيجاب عن القبول، فالإيجاب عند الجمهور: هو ما يصدر من مالك السلعة ويريد أن يملكها للآخر -الممَلك- أما القبول: فهو صادر عمن ينتقل إليه الملك، فيسمى كلامه، قبولًا.

صيغة البيع عند الحنفية: إما أن تكون بلفظين من غير نية، وذلك بصيغة الماضي، مثل: بعت واشتريت، أو تكون بلفظين مع النية للحال، وذلك إذا كانت بصيغة المضارع، كأن يقول: أبيع لك؛ لأن المضارع يفيد الحال أو الاستقبال؛ فالنية حتى تدفع احتمال الحال والاستقبال ويتمحض الفعل للحال.

وقد تكون بثلاثة ألفاظ وذلك بلفظ الاستفهام، مثل أن يقول المشتري: أتبيع مني هذا الثوب -يعني: تشتريه- فلا ينعقد العقد إلَّا إذا قال الآخر: بعتُ، أو اشتريت.

وقال المالكية، والشافعية، والحنابلة: ينعقد البيع بلفظ الاستدعاء، يعني: بعني، فيقول الآخر: قبلت؛ لأن أساس العقد هو التراضي وقد حصل منهما، فما دام قد تم التراضي، فقد حصل الوفاق، وحصل أهم بل الركن الوحيد عند الحنفية للعقد، وتم بحمد الله، قال الله سبحانه وتعالى: {إِلاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ} [النساء: 29].

وأما بيع المعاطاة، ففيه خلاف.

وبيع المعاطاة: هو بيع، ولكن دون تلفظ بالإيجاب أو القبول، ومثاله: أن يذهب لشراء سلعة ما، فيجد السلعة مكتوبًا عليها الثمن، فينقد البائع الثمنَ ويأخذ السلعة دون أن يتلفظ  أحدهما، لا بالإيجاب ولا بالقبول، أو غير ذلك من الأمثلة الدالة على هذا النوع من البيوع، وهو المسمى ببيع المعاطاة، فهل هذا جائز، أو لا؟

فيه خلاف بين أهل العلم، فجمهور الفقهاء: على أن هذا البيع -بيع المعاطاة- جائز إذا كانت هناك قرائن تدل على حصول الرضا، وليس من الضروري التلفظ، كما مثلنا له آنفًا؛ فهذا بيع جائز عند جمهور الفقهاء، رغم أن البائع والمشتري لم يتلفظَا بلفظٍ أو بصيغة، واستدل الجمهور على هذا: بأن الناس يتبايعون في أسواقهم على المعاطاة في كل عصر، ولم ينقل إنكاره عن أحد، فكان هذا إجماعًا سكوتيًّا، والقرينة -يعني: الموقف الحالي- كافية جدًّا في الدلالة على الرضا.

وقال الشافعية: يشترط أن يقع العقد بالألفاظ الصريحة، أو الكنائية، إيجابًا وقبولًا، فلا يصح عندهم بيع المعاطاة، في أيِّ شيء، سواء أكان المبيع نفيسًا، أو حقيرًا، ودليلهم على هذا: أن النبي صلى الله عليه  وسلم قال: ((إنما البيع عن تراضٍ))، رواه البيهقي، وابن ماجه، وصححه ابن حبان.

والرضا، أمر خفي، فاعتُبِرَ ما يدل عليه من اللفظ خصوصًا عند إثبات الشهود؛ لأن الله تعالى يقول: {وَأَشْهِدُواْ} [البقرة: 282] وإذا كان الشهود سَيَشهدُون، فعلام يشهدون إذا كانوا لم يسمعوا شيئًا؟ فالشهود لا يشهدون إلَّا على ما سمعوه من اللفظ، فقوله: {وَأَشْهِدُوَاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} يتضمن أن البيع لا يتم إلَّا بناءً على لفظ يسمعه هؤلاء الشهود، ويشهدون عليه.

ولكن جماعة من الشافعية كالإمام النووي، والمتولي، وغيرهما، ذهبوا إلى جوازه فيما يجوز عرفًا، يعني: أن العرف يشهد على أن بعض الأشياء يتم بيعها عن طريق المعاطاة، وأنه لو تلفظ المشتري أو البائع بصيغة العقد؛ لكَان ذلك مسار سخرية واستهزاء؛ ولأنه لم يثبت اشتراط اللفظ، يعني: لم يثبت في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه  وسلم صراحةً أنه من الضروري التلفظ، والنبي صلى الله عليه  وسلم وأصحابه، كثيرًا ما كانوا يتبايعون، فلم يصل إلينا أن أحدَهم كان يقول في كل صفقة يشتريها: بعت، و يقول الآخر: اشتريت، لم يرد هذا بالتفصيل.

وما دام لم يثبت اشتراط اللفظ، يرجع في ذلك -يعني: في تفسير الرضا- إلى العرف، مثل كل الألفاظ المطلقة

وبعض الشافعية، أجازه للمحقرات، يعني: ما رخص ثمنه من الأشياء، دون النفائس، يعني: ما غلا ثمنه، فلا بد فيه من العقد؛ وهذا العقد يشتمل على الإيجاب والقبول.

وعلى كلٍّ، فالراجح هو قول الجمهور؛ لأنهم اعتمدوا في ذلك على العرف؛ لعدم وجود نص، ولأنه لم ينقل عن أحد من السابقين، أنه اشترط هذه الألفاظ، واعتبرها أساسًا لصحة العقد.

error: النص محمي !!