أركان الهبة وشروطها
ذهب الحسن البصري والحنفية إلى أن الهبة تنعقد بالإيجاب فقط، فهو الركن عندهم، وتتم بالقبول والقبض، فإذا قال الواهب مثلًا: قد وهبت؛ تم العقد بهذا الإيجاب وحده, وهذا هو ركن الهبة عند الحنفية والحسن البصري.
والقبول غير معتبر في عقد الهبة؛ لأن الهبة عقد تبرع، فيتم عقد التبرع بالمتبرع وحده، كالوصية والإقرار، لكن لا يملك الموهوب له الشيء الموهوب إلا بالقبول والقبض.
ويذهب الجمهور إلى أن أركان الهبة أربعة: الصيغة التي تتكون من الإيجاب والقبول, والواهب, والموهوب له, والشيء الموهوب.
أما الركن الأول عند الجمهور وهو الصيغة, فقد اتفق الجميع على أن لفظ الهبة يكون بالإيجاب والقبول، فيصح إيجاب الواهب بقوله أو بلفظ: وهبتك هذا الشيء، أو ما يفيد معناه؛ لأن كل ما يفيد معنى تمليك الشيء الموهوب بغير عوض، كقول الواهب: أعطيتك هذا الشيء، أو نحلته لك, أو أهديتكه، أو أطعمتك هذا الطعام، أو غير ذلك مما يراد به الهبة، وهذا باتفاق الجميع.
حكم المعاطاة في الهبة:
المعاطاة: تسليم العين من الواهب إلى الموهوب له دون تلفظ, لا بإيجاب ولا بقبول، فهل هذه الهبة تصح؟ أو هل هذا العقد، وهو الهبة يصح بالمعاطاة؟
قال جمهور العلماء: تصح الهبة بالمعاطاة؛ لأن الهبة في حقيقتها عَطِية، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي ويعطى له من غير ألفاظ.
أما القبول فإنه يصح بكل قول أو فعل يدل على ما يشعر بالقبول والرضا من الموهوب له، كأن يقول الموهوب له: قبلت أو رضيت, أو يأخذ الشيء الموهوب دون لفظ، وهو معنى المعاطاة؛ فإذا أعطي له الشيء يأخذه ويسكت دون لفظ.
ما حكم تراخي القبول عن الإيجاب؟ بمعنى أن الواهب إذا قال: وهبتك, فتراخى القبول من الموهوب له عن الإيجاب، فما حكم ذلك؟
المالكية يرون أن تراخي القبول عن الإيجاب في الهبة جائز.
أما الحنابلة فيرون صحة تراخي القبول ما دام العاقدان في المجلس -أي: بشرط أن يكون العاقدان في المجلس- فهنا يجوز التراخي بين القبول والإيجاب الصادر قبله، ما دام العاقدان في المجلس ولم يثبت ما يفيد قطعه والإعراض عنه، أي: ما دام أن الواهب والموهوب له جالسان أو في مجلس العقد، ولم يثبت منهما أن أحدهما قطع هذا، كأن الموجب قدم إيجابه والموهوب له انصرف وأعرض عن قبول الهبة، فإذا تراخى القبول عن الإيجاب عند الحنابلة في هذه الصورة يعتبر صحيحًا، فلو قبل بعد مدة جاز.
أما الشافعية فيرون اتصال القبول بالإيجاب كالبيع، ويشترط في القبول عندهم أن يكون موافقًا للإيجاب، فيقع القبول على ما كان إيجاب الواهب عينه هبة؛ بمعنى أن يقول: أعطيتك هذا الشيء, فيكون قبوله موافقًا للإيجاب؛ بمعنى: أن ما عينه الواهب يقول له: قبلت هذا الشيء.
هذا بالنسبة للجمهور؛ لأنهم هم الذين يرون أن أركان الهبة تتكون من الصيغة التي هي الإيجاب والقبول، ومن الواهب, والموهوب له, والشيء الموهوب.
الركن الثاني عند الجمهور وهو الواهب، والواهب يشترط فيه شروط لا تصح الهبة إلا بتوافرها فيه، وهذه الشروط هي:
الشرط الأول: أن يكون للواهب أهلية التبرع، وتتحقق هذه الأهلية بالبلوغ والعقل، والبلوغ يكون مع الرشد؛ لأن الهبة تبرع، فلا تجوز هبة الصبي والمجنون؛ لأنهما لا يملكان التبرع لأن التبرع بالمال يعتبر ضررًا محضًا، وهذا غير جائز في حق الصبي والمجنون.
الشرط الثاني من شروط الواهب: أن يكون هذا الواهب مالكًا للشيء الذي يهبه، فإن كان غير مالك له كالغاصب والسارق، فلا تجوز الهبة لأنه هنا يهب مال غيره.
الشرط الثالث من شروط الواهب: أن يكون مالكًا لأمر نفسه؛ أي: يكون جائز التصرف، فإذا لم يكن جائز التصرف أو لم يكن مالكًا لأمر نفسه، فلا يكون مطلق اليد؛ كالسفيه والذي له ولي، فإن هبتهما غير نافذة؛ لأن هبة الذي له ولي تكون موقوفة على إذن وليه، كذلك السفيه لأنه محجور عليه في المال، والهبة تبرع بمال، لكن المحجور عليه للإفلاس هبته تكون غير نافذة عند من يقول بالحجر عليه، وتكون نافذة عند من لا يقول بالحجر عليه، وتفصيلات ذلك مذكورة في باب الحجر على المفلس.
الشرط الرابع من شروط الواهب: أن يكون الواهب صحيحًا, أي: ليس مريضًا، فإن كان مريضًا فقد اختلف أهل العلم في حكم هبته؛ فذهب الجمهور إلى أن هبته التامة المستوفية للشروط تكون في ثلث تركته تشبيهًا بالوصية، فإذا وهب ومات كانت الهبة من ثلث التركة، فإن صح من مرضه صحت الهبة بلا خلاف بين الجمهور وغيرهم.
واستدل الجمهور على أن الواهب إذا كان مريضًا تكون هبته أشبه بالوصية، فتكون في حدود الثلث؛ بما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن عمران بن حصين, أن رجلًا من الأنصار أعتق ستة أعبد له عند موته، ولم يكن يملك غيرهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال له قولًا شديدًا، كأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرضه هذا التصرف من هذا الرجل, الذي لم يكن له غير هؤلاء العبيد الستة وأعتقهم.
فقال له النبي قولًا شديدًا, أي: لامه وعاتبه على ما فعل كأنه غير راضٍ عما فعل, وأمره صلى الله عليه وسلم فأعتق اثنين وأرقّ أربعة. فالنبي صلى الله عليه وسلم كأنه صيره هنا في تصرفه على منهج الوصية، فأعتق اثنين أي: الثلث من الستة، وأرق أربعة فجعلهم عبيدًا كما كانوا؛ لأن هذين هم الثلثان، وهذا حق الوارث.
وعلى ذلك, لو وهب رجل لآخر هبة في مرض موته ومات؛ كان للموهوب ثلثها فقط، ولورثة الواهب ثلثاها، إذا كانت هي كل تركته، ولم يتعلق بها حقوق أخرى، لكن إذا كان هناك أموال أخرى، فهي تدخل ضمن هذه الأموال وتكون من ثلث الجميع.
هذا بالنسبة للجمهور الذين رأوا أن هبة المريض تكون من الثلث, وما استدلوا به.
أما الرأي الآخر، وهو لبعض أهل العلم ومعهم الظاهرية فقالوا: إن هبة المريض كالصحيح, تخرج من رأس ماله إذا مات استصحابًا لحالة الصحة إلا بدليل, فكأنه إذا وهب، وهو مريض فكل ما وهبه لا يرتبط بثلث ولا غيره، ولا له علاقة بالوصية استصحابًا لحالة الصحة؛ أي: كأن حالته الصحية ما زالت مستمرة إلا بدليل، وعن الحديث المذكور، وهو هذا الرجل من الأنصار الذي أعتق ستة أعبد قالوا فيه: إن هذا الحديث محمول على الوصية. أما إذا صح صحت الهبة عندهم، كما عند الجمهور.
فالخلاف في حالة المرض، لكن إذا صح حتى ولو كان قد وهب في مرضه, وصح ولم يمت فلا خلاف عندهم كما هو عند الجمهور؛ أن الهبة تكون صحيحة أيًّا كانت, فلا علاقة لها بثلث ولا غيره.
والأمراض التي يُحجَر فيها على المريض من التصرف في أكثر من الثلث هي الأمراض المخوفة، أي: يخاف منها عليه الموت أو يكون على إثرها الموت، ويأخذ حكمها, أي: في اعتبار المريض مرض الموت هنا كل ما يخاف منه الموت، كوجود الواهب في ساحة القتال أو ميدان المعركة، وكقرب الحامل من الوضع أو من الولادة ونحو ذلك، فهذه كلها تعتبر في حكم المرض أو مرض الموت الذي قال عنه العلماء: إن له أحكامًا ترتبط به؛ كالهبة في مرض الموت، والوصية في مرض الموت, إلى آخره.
لكن هناك أنواع من الأمراض المزمنة -والمزمنة هي التي صاحبها يعيش بها زمنًا، فهي مزمنة من الزمن- وهذه ليس فيها حجر على المريض بها, في التصرف بالهبة ونحوها.
والواقع أن رأي الجمهور هنا بالنسبة لتصرف الواهب بالهبة في مرضه، واعتبار ذلك من الثلث هو الأولى بالقبول؛ لقوة دليله، وأيضًا فيه مراعاة لحق الورثة من تهور بعض المورثين في بعض الحالات، وفي بعض الأحيان كأن يتهور بعضهم ويهب ماله كله، أو يكون ليس له أولاد وله أقارب يرثونه، فيريد أن يكيد لهم، فيهب ماله في مرضه؛ فمراعاة لكل ذلك الأولى بالقبول هو رأي الجمهور، واعتبار الهبة في مرض الموت كالوصية تخرج من الثلث.
الركن الثالث من أركان الهبة عند الجمهور: الموهوب له, والموهوب له هو كل من صح أن يحكم له بالملك فصح أن يكون موهوبًا له، وهذا التحديد ينطبق على من كان موجودًا؛ لأن من شروط تمام الهبة القبض، والمعدوم لا يصح منه القبض، وعلى هذا لا تصح الهبة للجنين؛ لأنه لا يملك أن يقبض بنفسه، وكذا البهيمة لا يصح أن تكون موهوبًا لها.
وعلى ذلك نقول: إن الموهوب له هو كل إنسان عدا ما ذكرنا، فيجوز أن يهب الإنسان ماله كله الهبة المستوفية للشروط للأجنبي اتفاقًا، وأما هبة جميع ماله لبعض ولده دون بعض أو تفضيل بعض ولده على بعض، فهذا له أحكام خاصة به.
الركن الرابع من أركان الهبة عند الجمهور: الشيء الموهوب, وهو كل شيء صح بيعه، وكل ما صح بيعه صحت هبته.
ويشترط في الموهوب له شروط لا تصح الهبة إلا بتوافرها، وهذا الركن هو أهم أركان الهبة؛ ولذلك تنقسم شروط الشيء الموهوب إلى شروط صحة، وشروط نفاذ، وشروط تمام الملك.
أما بالنسبة لشروط صحة الشيء الموهوب, فهي خمسة شروط: أن يكون مالًا متقومًا, وموجودًا، ومستقلًّا بنفسه ولا يكون ضمن غيره، ومعلوم القدر أو معينًا بشخصه، ومملوكًا في نفسه. هذه هي الشروط الخمسة، يشترط وجودها وعقد العقد على سبيل الإجمال.
أما النفاذ فله شرط واحد، فشرط النفاذ في الشيء الموهوب هو أن يكون الشيء الموهوب مملوكًا للواهب وقت العقد.
وأما تمام الملك, فله شرطان وقت القبض لا وقت العقد: أولهما: ألا يكون متصلًا بغيره. وثانيهما: أن يكون مفرزًا.
هذه هي شروط الشيء الموهوب بشيء من الإجمال؛ شروط صحة وشرط واحد للنفاذ وشرطان لتمام الملك، نفصل القول في أنواع هذه الشروط:
أولًا: شروط صحة الشيء الموهوب:
الشرط الأول: أن يكون الموهوب مالًا؛ وذلك لأن الهبة تمليك العين، والتمليك لا يكون مفيدًا إلا إذا كان موضوعه المال، فلا تجوز هبة ما ليس بمال أصلًا كالحر, فالإنسان الحر الذي ليس بعبد لا يباع، وكذلك الميتة والدم وصيد الحرم ونحو ذلك؛ فالميتة لا قيمة لها، والدم محرم ولا قيمة له، وصيد الحرم أيضًا، هذه الأمور ليست بمال لاعتبارات معينة رعاها الشارع الحكيم.
الشرط الثاني: أن يكون الموهوب متقومًا, وكلمة المقوم هو ما له احترام في نظر الشارع، فاعتبر الشارع أن له قيمة، إذًا: لا تصح هبة شيء غير متقوم، كالخمر بالنسبة للمسلمين؛ فلا يجوز أن يكون الخمر محل هبة في التواهب والتوادّ والتحابّ بين المسلمين بالهبة.
الشرط الثالث بالنسبة للشيء الموهوب, أو من شروط صحته: أن يكون موجودًا وقت العقد، فلا تنعقد هبة ما ليس بموجود وقت العقد، مثل: أن يهب ما يثمر شجره في هذا العام, أي: هناك أشجار في الحديقة يقول الواهب فيها: وهبتك ما تثمر هذه الأشجار, فهذا العقد لا ينعقد؛ لأن هبة ما ليس بموجود وقت العقد لا تصح. أو يقول له مثلًا: أهبك ما تلد أغنامي في هذا العام, فهو كذلك نفس المعنى؛ لأن ذلك يعتبر من المعدوم، وتمليك المعدوم لا يجوز؛ فيكون عقد الهبة باطلًا.
ويعتبر من المعدوم ما كان له وجود في ذاته؛ لكنه داخل ضمن غيره، كهبة دقيق في قمح، أو زيت في زيتون, أو سكر في قصب؛ لأنه معدوم الآن، فصحيح أن له وجودًا في ذاته، فالقمح فيه الدقيق، والزيتون فيه الزيت، والقصب فيه السكر أو المادة السكرية، لكنه معدوم الآن باعتبار أنه لم يفرز أو لم يخرج، فيعتبر من المعدوم الذي لا يصح هبته ما كان له وجود في ذاته؛ لكنه داخل ضمن غيره, وهذا ليس بمحل للملك، فيقع العقد باطلًا ولا بد من تجديد العقد، بمعنى أنه إذا قال له: وهبتك الدقيق في القمح, أو الأمثلة التي ذكرناها فعقد الهبة الآن باطل، وعندما يخرج الدقيق من القمح يحتاج إلى تجديد آخر لعقد الهبة.
الشرط الرابع من شروط الشيء الموهوب: أن يكون معلومًا لا مجهولًا؛ بأن يكون معينًا أو معلوم القدر مثلًا، وهذا حتى لا يكون هناك نزاع عند التسليم، ولأن الشيء المجهول أو غير المعين أو المجهول القدر عند التسليم أو تسليم الهبة يحدث نزاع؛ لأنه قال له شيئًا موهوبًا، والموهوب له إذا تسلم ربما نازع أو قال له: أنت تقصد غير هذا, فقال له: أنا أقصد هذا؛ فيحدث نزاع.
مثال ذلك: لو قال الواهب للموهوب له: وهبت لك جزءًا من هذه الأرض, أو وهبت لك شاة من غنمي؛ فلا تصح الهبة لجهالة الموهوب، وهو الجزء من الأرض أو جهالة قدره؛ لأن هذا الجزء قد يكون قيراطًا وقد يكون أكثر, إلى آخره, أو شاة من غنمي غير معينة، فيشترط في الشيء الموهوب أن يكون معلومًا لا مجهولًا, أي: معينًا أو معلوم القدر.
وعن هذا الشرط -وهو أن يكون الشيء الموهوب معلومًا لا مجهولًا- قال الحنفية والشافعية والحنابلة فيه: كل ما صح بيعه صحت هبته. فما دام الأمر كذلك، وهذه الأشياء لا يصح بيعها, إذًا لا يصح هبتها.
أما المالكية فقد تخففوا قليلًا وقالوا: تجوز هبة ما لا يصح بيعه كالمجهول، والثمرة قبل بدوّ صلاحها، فهذا نوع من التخفيف بين البيع والهبة؛ لأن الهبة نوع من التواد والتحاب بين الناس، فيجوز التخفيف فيها، وعلى ذلك يجوز أن يهب ثمرة قبل أن يبدو صلاحها، ويصح أن يهب المجهول، لكن لا يصح بيعه عند الجميع.
الشرط الخامس من شروط صحة الشيء الموهوب: أن يكون مملوكًا في نفسه، فيخرج بذلك الأموال المباحة, فلا تنعقد هبة الشيء المباح أو المباحات التي لا يد لمالك عليها؛ لعدم الإحراز، أي: هي ليست محرزة أو محوزة تحت يد مالك. مثال ذلك: لو قال شخص لآخر: وهبت لك هذه السمكة العائمة في البحر, وأشار إليها, أو وهبت لك الطير الطائر في الهواء, وأشار إليه -فالهبة هنا باطلة؛ لأن هذا من المباحات، والمباحات لا تكون محلًّا لعقد الهبة.
قال الفقهاء: يتفرع على هذا الشرط -أن يكون الشيء الموهوب مملوكًا في نفسه- الكلام في حكم هبة الدَّيْن لمن هو في ذمته، أو أن يهب الإنسان دينًا له على شخص للمدين نفسه أو لغيره، فمثلًا بالنسبة لهبة الدين لمن هو عليه، لو كان لشخص على آخر دين فوهبه له صح ذلك، وبرئت ذمة المدين منه؛ لأن هبة الدين لمن عليه الدين, أي: لو قال شخص دائن لآخر: وهبتك ما لي عليك من دين, فهذا صحيح وتبرأ ذمة المدين من الدين؛ لأن الذي حدث بالهبة من صاحب الدين أو الواهب هنا كأنه بمثابة إبراء حصل من الدائن للمدين، أو إسقاط للدين عنه. ولو رد ذلك فلم يقبل الهبة, أي: حتى لو قال الموهوب له: أنا لا أقبل ذلك، فالهبة هنا صحيحة؛ لأنها بمثابة إسقاط، والإسقاط لا يحتاج إلى قبول كإسقاط القصاص، والشفعة بعد ثبوتها، فهنا لا يحتاج هذا الأمر إلى قبول، فهبة الدين لمن عليه صحيحة، وهذا أمر متفرع على كون الشيء الموهوب مملوكًا في نفسه.
أما هبة الدين لغير من عليه الدين، كأن يقول الدائن للمدين: وهبت الدين الذي عليك لفلان -شخص آخر- فهذه الهبة غير صحيحة عند الجمهور؛ لعجز الواهب عن تمكين الموهوب له من الشيء الموهوب؛ لأن الأصل في الهبة تسلُّمها فيقبضها الموهوب له، لكن الدين الذي له على شخص آخر, هو عاجز عن أن يمكن الموهوب له من هذا الشيء الموهوب؛ لأنه ما زال في ذمة المدين.
لكن الحنفية يقولون: إنها تصح إذا أخذت الهبة صورة الوكالة بالقبض، أي: إذا أمره بقبضه له وكالة؛ بأن يقول له: وكلتك بقبض الدين الذي لي على فلان، ثم يقول له: بعد أن تقبضه منه وهبته لك. فهو يأخذه بصفة أنه وكيل عن الدائن، ثم يأخذه لنفسه بعد ذلك على سبيل الهبة, هذا جائز عند الحنفية لزوال المانع.
وذهب بعضهم إلى أن ذلك يجوز استحسانًا، وإذا جاز استحسانًا فلا بد من الإذن له صراحة بالقبض، ولا يكفي الإذن له دلالة؛ لأن التصريح له بالإذن يقوم مقام قبض الواهب، فكأنه إذا أذن وصرح له بالقبض فقال: اقبضه منه ثم أهبه لك، فهذا التصريح منه يقوم مقام قبض الدائن نفسه أو الواهب، فيصير المقبوض ملكًا للواهب أولًا بهذا التصريح، ثم يصير الموهوب له كأنه قابض لنفسه من الواهب.
هذا توضيح للحنفية بصورة هذا الأمر على سبيل الاستحسان.
ثانيًا: شرط النفاذ بالنسبة للشيء الموهوب:
لنفاذ عقد الهبة شرط واحد, وهو أن يكون مملوكًا للواهب وقت العقد، فلو وهب شخص مال غيره كانت الهبة موقوفة على إجازة المالك إن كان أهلًا للتبرع, أي: الواهب هنا كأنه فضولي، فلأجل النفاذ هنا ينفذ العقد بالنسبة للشيء الموهوب بأن يكون هذا الشيء الموهوب له مملوكًا للواهب, فلو كان هذا المال مال الغير كانت الهبة موقوفة على إجازة مالك هذا المال إن كان أهلًا للتبرع؛ لأن الهبة تبرع, والتبرع لا يجوز إلا من أهله.
ثالثًا: شرطا تمام الملك للشيء الموهوب:
أولهما: ألا يكون الشيء الموهوب متصلًا بغيره، فإن كان متصلًا به، فهذا الاتصال إما أن يكون اتصال ملاصقة أو التصاق مجاورة.
واتصال الملاصقة إما أن يكون خلقيًّا كاتصال الشجر بالأرض أو الثمر بالشجر، فوهب له هذا الشجر، وهذا الشجر ملتصق بالأرض اتصال ملاصقة وخلقيًّا في نفس الوقت. وإما أن يكون اتصال الملاصقة صناعيًّا، كاتصال البناء بالأرض، فلو قال له: وهبت لك هذه الدار, وهذه الدار ملتصقة بالأرض؛ لكان اتصالًا صناعيًّا وليس خلقيًّا؛ لأن هناك بناءين قاموا ببنائهما.
واتصال المجاورة: ما لا يكون الشيء فيه ملاصقًا لغيره, بل يكون مجاورًا له كاتصال الدار بالمتاع الموجود فيها، أي: لو قال مثلًا لشخص: وهبتك المتاع الذي في هذه الدار أو وهبتك الدار التي فيها هذا المتاع، فالدار والمتاع متصلان ببعضهما اتصال مجاورة، وليس اتصال ملاصقة، أو اتصالًا خلقيًّا.
والهبة في كل ما ذُكر على سبيل التمثيل صحيحة، لكن لا يتم ملك الشيء الموهوب للموهوب له في العين الموهوبة, إلا إذا فُصل الموهوب من غيره وسُلِّم إلى موهوب له وحده, أي: منفصلة, أو أذن له الواهب في قبضه كذلك. أي: ألا يكون الشيء الموهوب متصلًا بغيره، فإذا كان متصلًا بغيره تكون الهبة صحيحة بشرط أن يفصل من هذا الغير ويسلم للموهوب له وحده, أو يأذن له بقبضه كذلك، أي: يقبضه على حالته متصلًا بغيره.
الشرط الثاني من شرطي تمام الملك للموهوب: أن يكون الشيء الموهوب مفرزًا أو محوزًا، فإذا كان مشاعًا, أي: متصلًا بغيره اتصالًا غير واضح المعالم، كالشركة في الأرض الزراعية، والشركة في المبنى، وهذا كل واحد له ملكيته في هذه العين، سواء كانت دارًا أو أرضًا شائعة أو ملكية شائعة، فيشترط لتمام الملك في الشيء الموهوب أن يكون مفرزًا، فإذا لم يكن مفرزًا بأن كان مشاعًا، فإما أن يكون فيه علة تقبل القسمة كسيارة -أي: يقول لشخصِ: وهبت لك نصف هذه السيارة- أو دار صغيرة لا تقبل القسمة كغرفة واحدة أو غير ذلك, فيقول له: وهبت لك نصف هذه الغرفة.
وإما إن يكون الشيء الموهوب عينًا كبيرة تقبل القسمة كأرض زراعية، فيمكن أن تقسّم إلى أقسام وأجزاء وقِطَع، أو دار كبيرة يمكن أن تقسم إلى عدد شقق… إلى آخره، وهبة المشاع في العين التي لا تقبل القسمة كالدار الصغيرة والسيارة جائزة بالإجماع، فإذا وهب شخص لآخر نصف سيارة على سبيل الشيوع جاز للموهوب له أن يقبضها شائعة، ويكون شريكًا للمالك الآخر، والدار الصغيرة أيضًا يكون شريكًا بالنسبة التي منحها له الواهب، كأن قال له: وهبتك نصف الدار، أو ربعها… إلى آخره.
أما هبة المشاع فيما يقبل القسمة، فالحنفية اختلفوا مع الجمهور في هذا النوع, حيث قالوا: إنها تكون صحيحة وقت العقد، فلا يضر الشيوع حينئذٍ، ونحن نتكلم في تمام الملك، لكن يشترط لتمام الملك فيها أن تقسم العين، ويفرد الشيء الموهوب على حدة، ويسلم إلى الموهوب له مقسومًا مفرزًا.
فإن سلم له شائعًا فلا يتم ملكه فيه، ولا يترتب على الهبة حكمها؛ لأن الحصة الموهوبة تظل وتبقى على ملك الواهب بعد ذلك الملك الناقص, كما كان عليه الحال قبل القبض؛ فلا يصح أن يقول له: وهبتك جزءًا من هذه الأرض الزراعية أو جزءًا من هذه الدار الكبيرة. الحصة الموهوبة هنا الحنفية يقولون فيها: يشترط لتمام الملك -أي: ملك الموهوب له لها- أن تقسّم هذه العين ويفرز الموهوب له على حدة, ويسلم إلى الموهوب له مقسومًا مفرزًا، فيمكن أن يحوزه.
فإن سلم له على سبيل الشيوع, بأن يقول له: لك جزء أو لك شقة شائعة، فهنا تبقى الحصة الموهوبة له على حال الشيوع ملكًا ناقصًا، ويكون الحال كما كان عليه قبل القبض، والملكية هنا للموهوب له ليست تامة، فلا تكون صحيحة.
وللحنفية دليلٌ على توقف تمام الملك فيما يحتمل القسمة على قسمة الشيء الموهوب وإفرازه، وذلك في حديث ((لا تجوز الهبة إلا مقبوضة)), وما دام الحنفية يستندون إلى هذا الحديث، وما دام القبض منصوصًا عليه في هذا الحديث؛ وجب أن يكون القبض كاملًا، وتمام القبض لا يكون إلا بالإفراز والقسمة فيما يحتمل ذلك، وما دامت العين تحتمل ذلك، فلماذا لا يفرز نصيب الموهوب له من هذه الملكية الشائعة حتى يتمكن من القبض؟
فالتصرف في الجزء الشائع هنا بدون أن يفرز ويقبض لا يتصور، لأنه عندما يهب لشخص نصف الدار على سبيل الشيوع، ففي أي مكان يسكن؟ فإن سكنى نصف الدار على الشيوع محال، ولا يمكن أن يتمكن الموهوب له من التصرف فيه إلا إذا حدث التصرف في الكل، والعقد لم يتناول كل الدار، وإنما العقد الهبة، وإنما الهبة وقعت على النصف أو على الربع، فعدم القسمة والإفراز يمنع صحة القبض وتمامه، والحديث يقول: ((لا تجوز الهبة إلا مقبوضة)) وهذا الحديث أخرجه عبد الرزاق في “المصنف” موقوفًا على إبراهيم النخعي، ولفظه: ((الهبة لا تجوز حتى تقبض)).
لكن: ما المراد بما يحتمل القسمة, وما لا يحتمل القسمة؟
المراد بما لا يحتمل القسمة: أن التبعيض والقسمة يضران الشيء إذا تبعض وقسم، وهذا التبعيض يوجب نقصانًا في ثمنه، فلا يصير منتفعًا بأجزائه بعد القسمة، والذي لا يحتمل القسمة كالسيارة, فلو وُهب نصفها لشخص ضرّها التبعيض والتقسيم، وهذا يوجب النقصان في الثمن، بل لو بِيعت أجزاء نقص ثمنها أو لا تصير منتفعًا بها أصلًا أو لا ينتفع بأجزائها، وكذلك الدار الصغيرة ونحو ذلك. أو يمكن أن ينتفع بها انتفاعًا غير الانتفاع الأصلي، كأن تقسم السيارة إلى أجزاء فيحصل الانتفاع بأن تكون قطع غيارات لغيرها… إلى آخره.
فما لا يحتمل القسمة هو ما يضره التبعيض ويوجب نقصانًا في ثمنه، فلا يصير منتفعًا بأجزائه بعد القسمة أصلًا, أو ينتفع بهذه الأجزاء انتفاعًا آخر غير الانتفاع الذي كان من قبل.
أما المراد بما يحتمل القسمة، فهو ما لا يضره التبعيض، ولا يوجب نقصانًا في ثمنه، ويبقى منتفعًا بكل جزء من أجزائه بعد القسم والإفراز. والانتفاع الأول كما في الأرض الزراعية وصنفناها فيما يحتمل القسمة، وهذه لا تجوز هبتها إلا بعد القسم والإفراز.
فما يحتمل القسمة هو ما لا يضره التبعيض، فنستطيع أن نقسم الأرض الزراعية إلى أجزاء، وأن نقسم العمارة الكبيرة إلى عدة شقق أو إلى عدد من الأدوار، فالتبعيض هنا لا يضر العين، ولا يوجب نقصانًا في الثمن إذا قسمت، فليس قسمًا بالهدم والإزالة، وإنما هو قسم انتفاع, أي: هذه الشقة وهذا الدور، فيبقى ما يحتمل القسمة منتفعًا بكل جزء من أجزائه بعد القسم والإفراز نفس الانتفاع الأول، فلو وهب لشخص شقة أو دورًا في هذه العمارة؛ تظل الأدوار الأخرى والدور الذي وهب منتفعًا بكل جزء من أجزاء العمارة، الانتفاع الأول.
ذكرنا رأي الحنفية، وكان رأيهم أن ما يحتمل القسمة يتوقف تمام الملك في الشيء الموهوب الذي يحتمل القسمة على القسم والإفراز، واستدلوا بحديث ((لا تجوز الهبة إلا مقبوضة)).
أما المالكية والشافعية والحنابلة, فذهبوا إلى أن هبة المشاع جائزة، سواء في ذلك ما أمكن قسمته وما لا يمكن قسمته، وقالوا: إن الهبة كالبيع، فالقبض في هبة المشاع يصح كالقبض في المبيع المشاع، والمبيع المشاع يصح, وصفة القبض في الهبة هنا إذا كانت مشاعة, أو في عين على سبيل الشيوع أن يسلم الواهب جميع الشيء الموهوب إلى الموهوب له، فيستوفي منه حقه، ويكون نصيب شريكه في يده كالوديعة, والحقيقة أن هذا عند التوزيع يمكن أن يكون غير واقع.
ورأي الحنفية أصوب هنا؛ لأنه يرفع المنازعة التي يمكن أن تحدث، فما معنى عند المالكية أن يسلم الواهب جميع الشيء الموهوب يستوفي منه حقه، ويكون نصيب شريكه في يده كالوديعة؟
والجمهور هنا استدلوا بما جاء في السنة, من أن وفد هوازن عندما جاءوا يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد لهم ما غنمه منهم، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم)), فكأنهم طلبوا أن يرد الرسول عليهم الغنيمة التي غنمها منهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم تنازل عما كان له ولبني عبد المطلب على سبيل الهبة، وهذا هبة مشاع.
ويتفرع على هذا الشرط، وهو أن يكون الشيء الموهوب مفرزًا شرط القبض، وهذا الذي يحتويه هذا العنصر في الكلام، هو خلاف ما حدث للفقهاء حول اشتراط قبض الهبة.
واختلف الفقهاء حول لزوم الهبة؛ هل يملكها الواهب -وتملك الواهب لها بالعقد أي: بالإيجاب والقبول- وإن لم يحصل القبض، أو لا تلزم وتملك إلا بالقبض؟ فخلاف الفقهاء في: هل الهبة تلزم بالإيجاب والقبول وإن لم يحصل القبض -أي: لزمت الواهب ويجب أن يسلمها للموهوب له- أو لا تلزم إلا حينما تخرج من يد الواهب وتملك للموهوب له؟
والفقهاء هنا على رأيين:
الأول: ذهب إليه الجمهور -الحنفية والشافعية والحنابلة- حيث قالوا: القبض شرط للزوم الهبة، فلا يلزم الملك للموهوب له قبل قبضها, أي: لا يتملكها الموهوب له إلا إذا قبضها، فلا تتحقق الهبة إلا بالقبض، ولا توجد الهبة إلا بالقبض، فهو شرط للزومها ولتمامها.
واستدلوا على ذلك بإجماع الصحابة، وبما روي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وقصة أبي بكر المعروفة، وهي ما رواه عروة عن عائشة رضي الله عنها “أن أبا بكررضي الله عنه نحلها أو وهب لها جذاذ عشرين وسقًا من ماله”, أي: وهب لها ثمار عشرين وسقًا، والوسق: ستون صاعًا, “من نخله بعد قطعه” أي: من ثمار النخل بعد قطعه، وكانت السيدة عائشة لم تحز هذا، أو لم تقطعه في الوقت الذي حضرت فيه أبا بكر الوفاة، فلما حضرته الوفاة قال: “يا بنية, إن أحب الناس غنى بعدي لأنت، وإن أعز الناس علي فقرًا بعدي لأنت، وإني كنت نحلتُكِ” وهبت لك “جذاذ”, أي: قطع “عشرين وسقًا من مالي، وودت لو كنت حزتيه أو قبضتيه أو أحرزتيه، وإنما هو اليوم مال وارث”.
فدل ذلك من قوله رضي الله عنه على أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض، ولا تتم إلا به.
واستدلوا أيضًا -الجمهور- بما رواه مالك عن عمر رضي الله عنه أنه قال: “ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلًا” أي: يهبون هبات لأبنائهم “ثم يمسكونها” أي: لا يسلمونها لهم, “فإذا مات ابن أحدهم قبل أبيه” الواهب, “قال الأب: مالي في يدي لم أعطه أحدًا، وإن مات هو -أي الأب- قال على فراش الموت: هذا المال لابني كنت قد أعطيته إياه”.
فسيدنا عمر رضي الله عنه يرى أن هذا الأمر لا يصح, وقال: “من نحل نحلة فلم يحزها الذي نحلها، وأبقاها حتى تكون إن مات لورثته، فهي باطلة”, فهذا الأثر أيضًا نص في اشتراط القبض للزوم الهبة.
الرأي الثاني: وذهب إليه المالكية, حيث قالوا: الهبة تصح وتلزم بمجرد العقد، أي: بالإيجاب والقبول الصادر من الواهب تلزم به الهبة، ولا تفتقر إلى قبض في صحتها أو لزومها، لكن القبض شرط في التمام, فكمال الفائدة عند المالكية لا تتحقق إلا بالقبض، بمعنى أنه إذا انعقد العقد فليس للواهب أن يرجع، وللموهوب له أن يطالب الواهب بقبض الهبة، وإذا طلب به الواهب أُجبر الواهب على أن يسلمها للموهوب لهم، فإن تأخر الواهب في الإقباض مع مطالبة الموهوب له حتى مات الواهب، وما زال الموهوب له مصرًّا على المطالبة، ولم يرض بأن تبقَ في يد الواهب؛ لم تبطل الهبة، وله أن يطالب الورثة بها.
أما إذا تراخى الموهوب له, ولم يطالب حتى مات الواهب لم يكن له شيء، واستدلوا لذلك بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1], وبما روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((العائد في هبته كالعائد في قيئه)), كما قالوا: إنها تبرع, والتبرع لا يعتبر فيه القبض كالوصية.
وعلى ذلك يرد السؤال الآتي: هل يشترط لصحة قبض الهبة, أن يكون القبض بإذن الواهب؟
الجمهور يذهبون إلى أنه يشترط لصحة القبض أن يكون بإذن الواهب, فهم يقولون لصحة القبض أن يأذن الواهب للموهوب له بالقبض؛ لأن الواهب ما زال بالخيار قبل القبض، إن شاء أقبض ما وهب، وإن شاء رجع في هبته ومنعها؛ لأن هذا رأيهم، بخلاف رأي المالكية، وما دام الأمر كذلك فلا يصح أن يقبض الموهوب له الهبة إلا بإذنه، فإن قبضها بغير إذن صاحبها فالهبة غير تامة، وقبض الواهب لها هنا بغير إذن صاحبها غير صحيح، ولا يملكها بهذا القبض، بل تدخل في ضمانه إذا أتلفها؛ لأنهم يقولون: الإذن بالقبض شرطٌ لصحة هذا القبض؛ لأن القبض في البيع شرط لصحة البيع، ففي الهبة من باب أولى؛ لأن القبض فيها شرط لصحتها.
والمالكية يقولون: إن القبض يصح ولو بغير إذن الواهب؛ لأنهم يرون أن الإيجاب والقبول تلزم به الهبة، وإنما القبض شرط كمال أو شرط تمام، فما دام الموهوب له تمكن من أن يضع يده على الهبة ولو بغير إذن الواهب فالقبض يصح, ويُجبر هذا الواهب على تمكين الموهوب له من القبض إذا طلب؛ لأن الهبة تملك بالإيجاب والقبول على المشهور عندهم.