أركان عقد المساقاة، وشروط صحة كل ركن
أركان المساقاة:
1. العاقدان؛ يعني العامل الذي سيعمل في البستان، والمالك الذي يملك ذلك البستان، وقد اشترط الفقهاء في كليهما أو في كل منهما أن يكون جائز التصرف، يعني بأن يكون عاقلًا، وأن يكون حر التصرف، وألا يكون مكرهًا؛ فهذه هي شروط كل من المتعاقدين، وأجازوا أن يكون العامل صبيًّا دون البلوغ، يعني أقل من سن البلوغ قد ناهز البلوغ أو حولها أو حول هذا البلوغ؛ فمن الممكن أن يكون عاملًا في المساقاة للحاجة إلى ذلك أحيانًا.
2. من أركان عقد المساقاة أيضًا: الصيغة: وهي الإيجاب والقبول، وتصح المساقاة بأيِّ لفظ يفيد هذه المعاملة أو حتى بدون لفظ كالكتابة أو الإشارة؛ فإن الكتابة أو الإشارة، أو أيّ وسيلة من وسائل العصر الحديث كالتليفون أو الفاكس، أو أيّ وسيلة أخرى يمكن أن تقوم مقام الكلام وتفيد هذا المعنى الذي يقصده الطرفان ويوافقان عليه وتتم بذلك أصول العقد.
3. المحل الذي سيكون فيه العمل؛ والمراد به ما يتعلق العمل به؛ أي: العمل الذي سيقوم به العامل، يتعلق بشيء كالشجر، فهذا الشجر هو محل العقد.
– ويشترط في المحل الذي يكون موضعًا لعقد المساقاة أن يكون مما تصح المساقاة عليه، واتفق الفقهاء على أنه يجوز أن يكون محل العقد النخيل، واختلفوا في غيره خصوصًا الأشجار غير المثمرة؛ فالحنفية أجازوا المساقاة في كل أنواع الشجر، وأما المالكية فقسموا الشجر قسمين ما له أصول ثابتة، ويشترط فيه أن يكون مما يثمر في عامه، وأن يكون مما لا يخلف، يعني إذا جززناه لا يظهر له ثمر مرة أخرى في نفس العام، والذي يخلف هو: الذي إذا قطعت ثمرته يثمر.
ويشترط عند المالكية أن يكون الشجر الذي له أصول مما يثمر مرة واحدة في عامه ولا يثمر مرة أخرى.
والقسم الآخر ما ليست له أصول ثابتة كالمقاثي، وتصح المساقاة فيه بشروط منها؛ أن يكون العقد بعد ظهورها، يعني: بعد ظهور الثمرة وأن يكون قبل بدو صلاح ثمارها وأن يعجز رب الأرض عن رعايتها، وأن يكون مما لا يخلف بعد قطعه وأن يخاف صاحبها موتها لو تركت بلا عمل فيها.
وأما الشافعية، فذهبوا إلى جوازها؛ أي: المساقاة في النخيل والكروم أشجار العنب دون غيرها، لكن في جواز المساقاة على الشجر، قولان عندهم: الجواز وهو قول الإمام الشافعي في القديم؛ قياسًا على النخيل والكروم، والقول الآخر: البطلان.
لا شك أن المذهب الذي يوسع بحيث يجوز في كل الأشجار مثمرة أو غير مثمرة، وهو مذهب الحنفية، مذهب جيد وموسع، وهو الذي يناسب ظروف عصرنا الحاضر.
– الشرط الثاني في محل العقد: أن يكون محل هذا العقد معلومًا، أي: هذا الشجر معينًا؛ لأن المساقاة إجارة ابتداءً وشركة انتهاءً، بمعنى: أنها في البداية قبل ظهور الثمار تكون إجارة؛ إجارة من صاحب الشجر للعامل على أن يعمل في هذا الشجر، لكن في النهاية بعد أن يظهر الثمر وينضج ويصلح للأكل تصبح مشاركة فيشترك العامل مع صاحب الشجر باقتسام هذه الثمار، بالشرط الذي اشترطاه ووافقا عليه.
– الشرط الثالث: أن يكون الشجر مما يزيد ثمره بالسقي والتعهد؛ أي: يكون لعمل العامل فيه فائدة حتى لا يختلفا بعد ذلك؛ لكن إذا كانت الثمار تظهر وبنفس الكمية وبنفس القدر دون جهد من العامل، فلا نحتاج إلى هذه المعاملة وهي المساقاة.
– الشرط الرابع: وهو التخلية؛ بمعنى أن على صاحب الشجر أن يخلي بين العامل والشجر بمعنى أن يسلمه إياه، وينفرد العامل بهذا العمل، ولا يضم إليه غيره حتى لا يحدث شيء من الاختلاف.
الركن الرابع: الثمار: ويعبر الفقهاء عن الثمار بالخارج فيقولون: الخارج ويعنون به الثمار؛ لأنها هي التي خرجت بهذا الجهد الذي قام به العامل من هذه الأشجار التي يملكها المالك.
وفي الثمار شروط حتى يكون العقد صحيحًا:
الأول: اشتراك في هذه الثمرة بين المالك والعامل، لا يستأثر بها أحدهما.
والثاني: أن يكون نصيب كل منهما في هذه الثمار معلومًا على شكل كسر اعتيادي أو نسبة، يعني يكون له الثلث أو الربع أو الثمن، لا يكون له ثمر شجرة أو شجرتين أو له قدر مكيل أو موزون، يكون له ربع الخارج أو نصف الخارج أو ثلثه، أو أكثر أو أقل على حسب ما يتراضيان.
والثالث: أن يكون الاشتراط في الخارج على وجه الشيوع، يعني يقول: له ثلث، أي: ثلث كل خارج، فلا يقول: ذات ثمار هذه الأشجار ولا شجر معين؛ لأنه قد يؤدي ذلك إلى الغرر بأن لا تكون الثمرة إلا في هذه الأشجار التي اتفق عليها؛ فيأخذها العامل ولا يأخذ المالك شيئًا أو العكس.
الركن الخامس والأخير في هذا العقد: هو العمل الذي سيقوم به العامل، ويشترط في هذا العمل ثلاثة شروط حتى يكون عقد المساقاة عقدًا صحيحًا:
الشرط الأول: أن يكون هذا العمل مقصورًا على العامل وحده، يعني لا يقوم به العامل والمالك، أو لا يقوم به أكثر من عامل حتى تتحدد المسئولية.
والشرط الثاني: ألا يشترط على العامل ما لا يدخل في جنس عمله، يعني العمل الذي يقوم به العامل، هو كل ما من شأنه أن ينبت الثمرة وأن يسقي الشجر، وأن ينمي هذا الشجر وينقيه وفيه رعاية له؛ لكن أيّ عمل آخر مثل: الجذاذ، أو التسويق، أو غرس الشجر، فكل هذا خارج عن عمل العامل.
الشرط الثالث: أن ينفرد العامل بالحديقة، أما تحديد العمل نفسه فيرجع فيه إلى العرف، يعني: إذا حدث خلاف من يعمل هذا العمل ومن لا يعمله؛ نرجع في تحديد عمل هذا العامل إلى العرف، فالعرف هنا، عرف الذين يقومون بهذه المعاملة؛ هو الحَكم والفيصل، وكذلك كل ما لا يبقى بعد الثمر بخلاف الباقي في الحديقة بعد الجذاذ فهو على المالك؛ لأنه من مصلحة الأرض، ومن مصلحة الشجر ،وليس من مصلحة هذا العقد الذي اتفق عليه للعمل في هذا الشجر وفي الجذاذ، يعني قطع الثمار وجنيها؛ وفي ذلك خلاف، ولعل الراجح أن جني الثمار يكون عليهما معًا.