Top
Image Alt

أساليب الزنادقة للطّعن في السُّنّة

  /  أساليب الزنادقة للطّعن في السُّنّة

أساليب الزنادقة للطّعن في السُّنّة

تعريف كلمة “زندقة”:

الزندقة: لفظة فارسية مُعرّبة، قيل: أصلها: “زندوين”، أي: دِين المرأة.

وقيل: “زَند”، معناها: التفسير أو التأويل. فالزندقة معناها: التفسير الخارج عن الحدود الطبيعية للتأويل. وقد أطلقت عند تعريبها على: تأويل نصوص القرآن أو الحديث تأويلًا يُخالف المعنى المقصود مخالفة غير معقولة، أو تأويلًا مُنافيًا للأصول الاعتقاديّة.

وقيل: الزنادقة هم: الذين يُبطنون الكفْر ويُظهرون الإسلام، أو الذين لا يتديَّنون بدِين، يفعلون ذلك استخفافًا بالدِّين يتّقون به الناس.

لقد تعدّدت أساليب وطُرق هؤلاء الزنادقة في كيفيّة بثّ سمومهم ونشْر مفترياتهم؛ فمنهم مَن اتّخذ التشيُّع ستارًا ينْشر مِن ورائه مُفترَياته، كما فعل ابن سبإ، وكما نُقل عن بيان بن سمعان: أنه ادَّعى إلهية عليّ، وأنّ فيه جزءًا إلهيًّا مُتَّحدًا بناسوته، وأنّ ذلك في محمد بن الحنفيّة بعْدَه، ثم في أبي هاشم بن محمد بن الحنفيّة مِن بَعْد أبيه. ثم انتقل الأمر مِن بعْدهم إلى بيان نفسه. ثم ادعى النبوة في كتاب كَتَبَه إلى ابن جعفر الباقر.

ومنهم مَن كان يَدُسّ الأباطيل السّخيفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاصدين بذلك تشويه صورة الإسلام الناصعة، في عقائده وعباداته ومقاصده؛ فقد وضعوا أحاديث تتعلّق بذات الله وصفاته، تتناقض مع عقيدة الإسلام الصحيحة، وهي تنمّ عما تنطوي عليه بواطنُهم، بالإضافة إلى ما يقصدون مِن وراء ذلك مِن تنفير العامّة عن الإسلام، وإظهاره بمظهر الدِّين المتناقِض الذي يشتمل على كثير من الأمور المتناقضة وغير المعقولة. ومن أمثلة ما وضعوا في ذلك.

ما روى ابن الجوزي بسنده، من طريق الحاكم، إلى أبي هريرة، قال: “قيل: يا رسول الله، مِمَّ ربّنا؟ قال: من ماء مرور، لا مِن أرض ولا مِن سماء. خلَق خيلًا فأجراها، فعرقت، فخلَق نفسه من ذلك العرَق”.

وكذلك ما أخرجه أيضًا بسنده، من طريق الخطيب والعقيلي وغيرهما، من حديث معاذ: “أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لمّا بعثه إلى اليَمن، قال: إنهم سائلوك عن المجرّة. فقل: إنها مِن عرَق الأفعى التي تحت العرْش”. قال أبو القاسم البلخي: وما يستجيز أن يَروي مثْل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ مَن لا يبالي بدِينه. ومتى قال المسلمون: إنّ تحت العرش أفعى؟! وهل يجوز أن يكون هذا إلا مِن دسيس الزنادقة لِيُقبِّحوا الإسلام.

وممّا تجدر الإشارة إليه: أنّ هؤلاء الزنادقة كثيرًا ما نراهم يُقرّون بالوضْع؛ بل إنّ غالبهم كان يقرّ بأنه وضَع أحاديث كثيرة ترَكَها تجول بأيدي العامّة مِن الناس.

فهذا عبد الكريم بن أبي العوجاء، لمّا أراد محمد بن سليمان بن علي ضرْب عُنُقه، قال: والله لقد وضعْتُ فيكم أربعة آلاف حديث، أُحرِّم فيها الحلال، وأُحِلّ فيها الحرام. ولقد فطَّرتُكم في صومكم، وصوَّمْتُكم في يوم فِطْركم.

وهذا المهديّ يقول: أقرّ عندي رجلٌ مِن الزنادقة: أنه وضَع أربعمائة حديث، فهي تجول في أيْدي الناس.

ويقول حمّاد بن زيد: وضعَتِ الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألْف حديث.

ويقول ابن لهيعة: دخلت على شيخ وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قال: وضعْتُ أربعمائة حديث أدخلتها في برنامج الناس، فلا أدري كيف أصنع.

ويرى بعضُ الباحثين أنّ إقرار الزنادقة بوضْع الحديث، وإصرارهم على ذلك، إنما هو مِن تحدِّيهم للمسلمين، وإصرارهم على زندقتهم.

ويرى آخرون: أنّ إقرار بعضهم، واعترافهم بالوضْع في الحديث بصُوَر هائلة وأرقام خيالية، هو جزء مِن مُخطَّطِهم الرهيب؛ فقد أبتْ زندقتُهم إلاّ تنفير الناس مِن معتقداتهم والطّعن عليهم في دِينهم. وقد بذلوا جُهدهم في ذلك حال تمتّعهم بحرّياتهم، فلما أخذوا وأيقنوا بالهلاك عملوا على تنفيذ مخطّطاتهم بالتّشكيك فيما في أيدي الناس من الأحاديث والروايات. وليس معنى هذا أنهم لم يكذبوا مطلقًا، بل إنهم كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الأحاديث، وهم بذلك يُعدّون وضّاعِين إلاّ أنه لا ينبغي أن يُسلّم لهم وضع هذه الأعداد الهائلة، لا سيما وأنّ بعضهم حصَرها في تحليل الحرام أو تحريم الحلال. ولو تتبّعنا الكتب التي عنيَتْ بجمع الأحاديث الموضوعة، لم تبلغ هذا العدد، فضلًا عن أن تبلغ أحاديث الأحكام هذا الرقم.

فالزنادقة كما أفسدوا حال حياتهم، أرادوا أن يُفسدوا أيضًا بعد أخذهم وتقتيلهم، فألقوا القول رغبة في تشكيك الناس في سُنّة رسولهم صلى الله عليه وسلم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

وقد أحسن الخلفاء صُنعًا حينما أخذوهم، وقعدوا لهم كلّ مرصد، وأراحوا الأمة الإسلامية منهم، بإنزال أشدّ العقوبة بهم، وكفَوا المسلمين شرّهم. فقد سَنّ الوالي خالد بن عبد الله القسري سُنَّة حسنة فيهم حينما ضحّى بالجعد بن درهم سنة (152هـ). ثم صار خلفاء بني العباس على سُنّته لما أحسوا بخطرهم على كيان الإسلام، فتعقّبوهم قتلًا وتشريدًا. وأشهر مَن أعمل في رقابهم التأديب: الخليفة المهدي، الذي أنشأ ديوانًا خاصًّا للزنادقة، يتتبّع فيه أوكارهم ويقضي على رؤسائهم.

أمّا الأحاديث التي وضَعها الزنادقة، فهي متنوِّعة الأغراض: فمنها ما هو في العقائد، ومنها ما هو في الفقه والسلوك والآداب.

قال ابن قتيبة: “الحديث يَدخله الشوْبُ والفسادُ مِن وجوه ثلاثة، منها الزنادقة، واجتيالهم للإسلام، وتهجينه بدسّ الأحاديث المستشنَعة والمستحيلة، كالأحاديث التي قدّمْنا ذِكْرَها، مِن عرَق الخيْل، وعبادة الملائكة، وقفص الذّهب على جمَل أورق، وزغب الصّدر، ونور الذراعيْن، مع أشياء كثيرة ليست تخفى على أهل الحديث”. وسيأتي ذِكر نماذج منها في العنصر الخامس.

error: النص محمي !!