Top
Image Alt

أسباب الشفعة

  /  أسباب الشفعة

أسباب الشفعة

أسباب الشفعة ثلاثة:سبب متفق عليه، وسببان مختلف فيهما:

– أما السبب المتفق عليه: فهو الشركة على الشيوع، والشريك على الشيوع؛ الذي لم يقاسم.

وأما المختلف فيهما فهما:

– الجوار بالملاصقة.

– والجوار في المنفعة في المبيع، يعني الجار الملاصق غير الشريك، كما لو أن لي دارًا وجاري ملاصق لداري، فإذا ما أردت أن أبيع داري، فمن حق هذا الجار أن يتشريها هو أولًا، وكذلك الجوار في المنفعة، وإن كان في هذين الأمرين الأخيرين، الجوار الملاصق، والجوار في المنفعة في المبيع، أو حق من حقوق المبيع فيهما خلاف، فالمنفعة مثل الإجارة، يعني: لو استأجرنا شقة واحدة، وأنت تريد أن تترك لي الشقة أو تؤجر نصيبك، فأنا أولى، فلو لم أخذه بالرضا؛ أخذته بالشفعة رغمًا عن المشتري، أو عن المستأجر الجديد.

وكذلك لو كان لي حق من الحقوق على المبيع؛ كأن تريد أن تبيع دارًا وأنا لي حق على هذه الدار، وليكن مثلًا حق الطريق؛ حق الوصول بيني وبين داري ودارك طريق واحد؛ فهذا يعطيني الحق والأولوية في أن أخذ بالشفعة، فيه خلاف.

إذًا اتفق الفقهاء على جواز الشفعة للشريك الذي له حصة شائعة في ذات العقار المبيع، ما دام لم يقسم أو لم يقاسم؛ كأن اشترينا حديقة له نصفها و لي نصفها، لكن على المشاع؛ بلا تحديد؛ إذا أراد هو أن يبيع نصفه فأنا أولى أن أشتريه؛ لأنه من الممكن أن يبيعه لشخص أنا أتضرر به، وهذا في الغالب الأعم؛ إذًا فهذا أمر متفق عليه، واستدلوا على ذلك بحديث جابر السابق الذي ذكرناه في أدلة مشروعية الشفعة، وقد رواه البخاري، والآخر الذي رواه مسلم.

لكن اختلفوا في الشركة التي تكون محلًّا للشفعة إلى اتجاهين:

أولًا: أن ما لم ينقسم كالبئر الصغير، والحمام الصغير، والطريق الصغير لا شفعة فيه عند بعض العلماء -الفريق الأول- يعني: أن الشفعة تكون في ما ينقسم، لكن إذا كان لا يمكن قسمته، لا يمكن دخول الشفعة فيه كالبئر الصغير؛ لأن البئر الصغير لو كان ينقسم؛ جازت فيه الشفعة، لكن إن لم ينقسم فلا شفعة فيه، هكذا رأى الفريق الأول؛ لأن إثبات الشفعة فيه يضر بالبائع؛ لأنه لا يمكنه القسمه حتى يعطى نصيبه.

الاتجاه الثاني: أن الشفعة في العقار ولو لم يقبل القسمة جائز، واستدلوا بعموم حديث: ((قضى رسول الله صلى الله عليه  وسلم بالشفعة في ما لم يقسم))، لكن قوله: ((في ما لم يقسم))، معناه: إنه ممكن قسمته؛ لكن هذا الاتجاه الثاني، فهم من كلمة: ((في ما))، لفظ عام يشمل كل شيء يملكه اثنان، سواء قسم أو لم يقسم.

لكن النبي صلى الله عليه  وسلم ذكر ما لم يقسم؛ للإشارة إلى أن ما لا يقبل القسمة من باب أولى؛ لأن الشفعة شرعت لدفع الضرر، ودفع الضرر عن أحدهما، يعني: الشريك الأول أو الشريك الثاني، أو حتى من اشترى بعد ذلك من أحد الشريكين، ليس بأولى من دفع الضرر عن الآخر، بل إنها في ما لا يقسم أبلغ من الضرر في العقار الذي يقبل القسمة؛ فالذي يقبل القسمة يمكن أن يقسم إن لم تكن هناك شفعة، لكن الذي لا يقبل القسمة إذا تعذرت الشفعة؛ ماذا يصنع الشريك الذي يريد أن يخرج من هذه الملكية؟ ولأنه إذا كان الشارع يريد رفع الضرر الأدنى فدفع الضرر الأعلى والأكثر من باب أولى، والضرر في ما لا يقسم ضرر أشد.

والشفعة إنما ثبتت بالاتفاق في شركة الملك، أي: ملك الرقبة، يعني: الشفعة ثبتت باتفاق الفقهاء فيمن يملكون رقبة الشيء، يعني: ذات الشيء، يملكون حقيقة الأرض، ويملكون رقبة الحديقة، يملكون رقبة أيّ شيء من الأشياء الثابتة كالأرض، أو الدار.

أما ملك المنفعة، كالإجارة والإعارة؛ فلا شفعة فيها إلا في قول عند الإمام مالك، فإنها تجوز، يعني: لو استعرنا شيئًا من الأشياء لننتفع به، فإذا أنت أردت الاستغناء عن هذه الإعارة؛ فهل لي أن آخذ النصيب الذي تركته أنت، أوتعطيه لمن شئت؟.

وأوضح من ذلك، ما لو استأجرنا دارًا أنا لا أملك رقبتها ولا أنت أيضًا، إنما نملك المنفعة في مدة الإجارة؛ إذا أنت أردت أن تترك هذه الإجارة في المدة التي أجيز فيها الإجارة فأنا أولى؛ هذا في قول الإمام مالك، لكن جمهور العلماء على أن الشفعة إنما تثبت في شركة الملك ملك الرقبة، أما ملك المنفعة كالإجارة، والإعارة؛ فلا، إلا قولًا عند الإمام مالك، وحتى الذين أخذوا بقول مالك في هذه النقطة، وقالوا: تجوز الشفعة في المنافع وفي الحقوق؛ اشترطوا لجوازها في الكراء في الأمور المستأجرة، أن تكون في ما ينقسم، وأن يطلب الشفعة؛ ليسكن بالفعل، يعني: للسكن لا لليبيع أو ليؤجرها؛ فهو أولى على هذا القول عند المالكية.  

واختلفوا كذلك في شفعة الجار والشريك في حق من حقوق المبيع، ولهم في ذلك اتجاهان أيضًا بالنسبة للجار وبالنسبة لمن له حق من الحقوق على الأمر للمبيع:

الاتجاه الأول: لا يجوز للجار الشفعة؛ إنما تجوز للشريك في الملك، وهذا قول الجمهور، واستدلوا على ذلك، بحديث جابر: ((فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة))، وقال النبي صلى الله عليه  وسلم: ((فلا شفعة))، لا شفعة إذا وقعت الحدود، يعني إذا عرف كل منا حدود داره أو حدود بستانه وصرفت الطرق، يعني: حددت الطرق، وهذا يكون بالنسبة للجيران، والجار عرف مكان بيته، وحددت الطرق؛ فلا؛ ولأنه لو أجيزت للجار كأن يريد شخص أن يبيع داره، فجاره أولى بالشفعة يأخذها بالشفعة؛ لتعذر على من يريد شراء دار أن يتم له مقصوده، وهذا يؤدي إلى الضرر بالذي يريد أن يبيع، يعني: بصاحب الدار الذي يريد أن يبيعها، ولا يجد أو قلما يجد من يريد شراءها، وأيضًا فيه ضرر على من يريد شراء دار؛ لأنه قلما يجد دارًا وليس لها جار، وإذا كان كل جار له الحق في الشفعة؛ فهذا يؤدي إلى الضرر.

والاتجاه الثاني: اتجه بعض الفقهاء، إلى القول بالجواز، فتجوز الشفعة بسبب الجوار وهو قول الحنفية، واستدل هؤلاء بحديث عمرو بن الشديد، وفيه أن سيدنا رافع مولى النبي صلى الله عليه  وسلم كانت له حجرة في دار، وأراد سعد أن يشتريها، وأراد رافع أن يبيعها لسيدنا سعد بن أبي وقاص، لكن سيدنا سعد عرض عليه ثمنًا قليلًا، وأراد أن ينجمه على أقساط، فقال له رافع مولى رسول الله صلى الله عليه  وسلم: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه  وسلم يقول: ((الجار أحق بصقبه))، ما بعتها لك بهذا الثمن القليل، وقد أعطيت فيها ثمنًا أكبر، والصقب، يعني: القرب، فالجار بالقرب، أولى بأن يأخذ بالشفعة بسبب القرب، وهو حديث صحيح، أخرجه البخاري.

وحديث جابر أيضًا: ((الجار أحق بشفعته، ينتظر به وإن كان غائبًا ما دام الطريق واحدا))، أخرجه الترمذي، وقال: حسن غريب.

وهذا الحديث الحسن الغريب يشهد للجوار، ويشهد أيضًا لمن كان له حق على المبيع؛ ولأن الجوار قد يؤدي إلى الضرر، يعني: الجار في حاجة إلى أن يشتري دار جاره، إذا كانت معروضة للبيع؛ لأن البائع يمكن أن يبيعها لجار سيئ يتأذى به صاحب الدار؛ فأعطاه الشرع هذا الحق في أن يشتريَ هذه الدار حتى يدفع الضرر والأذى عن نفسه، وما زلنا نسمع أن الدار قد يرتفع ثمنها وقد ينخفض بسبب حسن خلق الجار، أو بسبب سوء خلق الجار.

ولكن الذين أجازوا للجار أن يأخذ بالشفعة بسبب هذا الجوار أو صاحب الحق على الأمر المبيع أن يأخذ بسبب هذا الحق اشترطوا شروطًا بالنسبة للجار؛ منها أن تتحقق الملاصقة، يعني: الجار الملاصق، ونعرف أنه الجار الملاصق إذا اشتركت داره مع دار الأول الذي يريد أن يبيعها في جزء منها، نقول عنها: إنها دار ملاصقة، وذلك لدفع الضرر وتحقيق المصلحة.

وشرط آخر أن يكون الجار مالكًا، أما الجار المستأجر فلا يجوز، إلا في رواية عن مالك؛ لأن الشفعة بالجوار إنما تكون بالنسبة لمن يملك، فتكون للجار المالك وليس الجار المستأجر.

وتجوز الشفعة بالجوار في ملاك أو أملاك الطبقات عند الحنفية، والمراد بالطبقات، يعني: أنه لو أن شخصًا اشترى الطابق الثاني، وشخص آخر اشترى الطابق الثالث وشخص ثالث اشترى الطابق الرابع وهكذا، أيضًا عند الحنفية إذا أراد صاحب الطابق الثاني أن يبيعه يأخذه بالشفعة من كان أقرب إليه؛ خصوصًا إذا كان معه في نفس الطابق أو أقرب إليه الطابق الذي يليه مباشرة، فإن لم يكن فمن فوقه وهكذا. إذًا فإثبات الشفعة بالجوار، هو سبب من أسباب الشفعة، لكن ليس عند جمهور الفقهاء إنما عند الحنفية.

error: النص محمي !!