Top
Image Alt

أسباب تفرع اللغة إلى لهجات

  /  أسباب تفرع اللغة إلى لهجات

أسباب تفرع اللغة إلى لهجات

يوجد لهجات كثيرة في شبه الجزيرة العربية: الإدغام، والإظهار، والفحفحة، والكشكشة… إلى آخره، هذه اللهجات كانت نتيجة للفواصل في شبه الجزيرة العربية؛ لأن الفواصل في شبه الجزيرة العربية كانت كالحدود السياسية الآن، يعني كانت تشبه الحدود السياسية بين البلدان العربية الآن.

ويمكننا إرجاع تفرع اللغة إلى لهجات إلى الأسباب الآتية:

أولًا: الفواصل الجغرافية: إذا كان المتكلمون باللغة الواحدة يعيشون في بيئة جغرافية واسعة، وتفصل الجبال، أو الوديان، أو غيرها من الفواصل الجغرافية بقعة عن بقعة أخرى؛ فإن هذه الفواصل تعزل هذه البيئات بعضها عن بعضها الآخر، وتؤدي -مع الزمن- إلى تكوين لهجات في اللغة الواحدة.

وهذا ما حدث للغة العربية؛ فقد تفرعت إلى لهجات؛ حيث انتشرت القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية المترامية الأطراف بين سهول وهضاب، وأودية وجبال، وسواحل وصحارٍ؛ فانفصلت كل بيئة عن الأخرى؛ فالذين يعيشون في بيئة صحراوية بادية غير مستقرة، مثلًا: في نجد والعروض يتكلمون لهجة غير التي يتكلمها الذين يعيشون بمناطق الحضارة والاستقرار في الحجاز وتهامة واليمن.

ولم تسلم البيئة العربية من تلك الفواصل في عصرنا الحاضر؛ حيث نجد اختلافًا بين البيئات المتعددة، فضلًا عن الحدود السياسية والتي تقف حاجزًا ليس من اليسير اختراقه.

فعندنا مثلًا الوطن العربي، الفواصل السياسية بين ليبيا ومصر: قبائل أولاد علي ينقسمون بين الدولة الليبية والدولة المصرية؛ والحدود السياسية هي التي تفصل بين الذين يعيشون في ليبيا والذين يعيشون في مصر.

إذن الفواصل السياسية الآن تقوم مقام الفواصل الجغرافية قديمًا: القبيلة الواحدة تفصل الحدود السياسية بين قسميها.

ثانيا: الانعزال الاجتماعي: ونعبر عنه بأنه فواصل الطبقات.

الانعزال الاجتماعي، واختلاف الظروف الاجتماعية بين البيئات المختلفة لهما تأثيرهما الذي لا يستهان به في تفرع اللغة إلى لهجات؛ فكل طبقة من طبقات المجتمع تتخذ لهجة مختلفة عن الطبقة الأخرى تلائمها وتتناسب معها؛ فالطبقة الأرستقراطية مثلًا تتخذ لهجة غير لهجة الطبقة الوسطى، أو الطبقة الدنيا من المجتمع، ولهجة الصناع تخالف لهجة الزراع.

ولذا يقرر فندريس -مؤلف كتاب (اللغة)- أن العاميات الخاصة تتميز بتنوعها الذي لا يحد؛ وأنها في تغير دائم تبعًا للظروف والأمكنة؛ فكل جماعة خاصة وكل هيئة من أرباب المهن لها عاميتها الخاصة بها.

كل طائفة من طوائف المجتمع تستعمل بعض الألفاظ في معاني خاصة لا تدركها غيرها من الطوائف التي تعيش معها، فمثلًا يستعمل النجارون بعض المصطلحات الخاصة بهم، وكذلك الحدادون… حتى اللصوص وطريدو القانون لهم اصطلاحاتهم الخاصة بهم، وهذه اللغات الخاصة أو العاميات الخاصة كاللهجات تمامًا: يقول “فندريس”: “اللغات الخاصة تنشأ من الانفصال الاجتماعي؛ لذلك كانت -من حيث المبدأ- كاللهجات تمامًا؛ ولكنها تقوم دائمًا على مادة لغة مشتركة؛ فالعزلة الاجتماعية هذه إذا انضمت إلى العزلة الجغرافية ساعدت على تفرع اللغة إلى لهجات.ثالثا: احتكاك اللغات واختلاطها نتيجة غزو أو هجرات أو تجاور؛ حيث يعد الصراع اللغوي بين اللغات من العوامل الخطيرة التأثير في انقسام اللغة وتفرعها إلى لهجات؛ بل يقرر “فندريس” أن تطور اللغة المستمر في معزل عن كل تأثير خارجي يعد أمرًا مثاليًّا لا يكاد يتحقق في أية لغة؛ بل على العكس من ذلك فإن الأثر الذي يقع على لغة من لغات مجاورة لها، كثيرًا ما يلعب دورًا هامًّا في التطور اللغوي.

error: النص محمي !!