Top
Image Alt

أصل اللغة من الناحية الاشتقاقية

  /  أصل اللغة من الناحية الاشتقاقية

أصل اللغة من الناحية الاشتقاقية

أصل كلمة “لغة”: “لغو” أو “لُغية”، يجوز فيها الاثنان بأن نغلق حركة الواو؛ لأن حركة الواو ضعيفة؛ لأنها حرف علة، والحركة تكون ثقيلة على حرف العلة، فننقل حركةَ الواو إلى الغين حرف صحيح؛ لأن الواو صوت ضعيف، لا يتحمل الحركة، فنُقلت حركة الواو إلى الساكن الصحيح قبلها -وهذا ما نسميه “الإعلال بالنقل”- ثم حذفت الواو.

والعرب قد يَحذفون وقد يعوضون، وقد يحذفون ولا يعوضون، وهنا عوضوا الواو فأصبحت ساكنةً، فحذفوها، وعوضنا عنها الهاء فقلنا: “لغة” على وزن “فُعة”. وجمع لغة: لغات، أو لُغًى، أو لغون، من الفعل: لغِي، يلغَى، فعِل يفعل، أو من: لغَى يلغَى: فعل يفعَل، أو من لغى يلغو: فعل يفعُل.

كلمة “لغة” تدل في كثير من اللغات على عضو من أعضاء التكلم، وعلى اللغة.

ويجوز أن تكون كلمة “لغة” مأخوذة من اللهاة، وقلنا بأن اللهاة هذه هي قطعة اللحم المشرفة على الحلق، وهي تسمى في علم الأصوات “لسان المزمار”.

مما يقوي هذا الرأي -كما قلنا- أن كلمة “لغة” وكلمة “لهاة” مشتركتان أو متشابهتان في الحروف، فعندنا كلمة “لغة” و”لهاة” اللام مشتركة بين الكلمتين، والغين والهاء من حروف الحلق التي يصح حلول بعضها محل بعض؛ فنقول: مدح ومَدَهَ، بمعنى واحد، و”أراق دمه” و”هراق دمه”، الاثنان أيضًا بمعنى واحد.

ومما يرجح هذا الرأي ويقويه أن الكلمة الدالة على اللغة تدل في الوقت نفسه على عضو من أعضاء التكلم في كثير من اللغات؛ ففي العبرية -والعبرية أخت العربية؛ لأنها من اللغات السامية- تستعمل كلمة “سافاه” بمعنى لغة وبمعنى شفة، وكلمة “ليشون” هي “لسان” وهي “لغة” أيضًا في العبرية، والشفة واللسان عضوان من أعضاء التكلم، والعبرية أخت العربية. وفي الفارسية -والفارسية طبعًا من اللغات الهندية الأوربية- تستعمل كلمة “زبان” بمعنى لغة، وبمعنى لسان أيضًا، وفي الإنجليزية تستعمل كلمة “تونجو” بمعنى لغة وبمعنى لسان أيضًا، وفي الفرنسية تستعمل كلمة “لانجو” بمعنى لغة وبمعنى لسان أيضًا.

إذن هناك تشابه بين كلمة “لغة” وكلمة “لهاة”، تشابه من حيث الحروف، اللام فيهما، والغين في لغة، والهاء في لهاة، والغين والهاء من حروف الحلق التي يصح حلول بعضها محل بعض.

فالشفة لها حالات معينة: حالة الانفراج، وحالة التدوير، وحالة كذا… إلى آخره، يبقى إذن الشفة عضو من أعضاء التكلم.

نأتي بعد ذلك إلى رأي آخر يقول بأن كلمة “لغة” ليست عربية أصيلة؛ لا نبحث في اشتقاقها من الفعل لغِي يلغى أو من لغا يلغو؛ لأنه ما دامت كلمة غير عربية؛ ليس لها اشتقاق من كلمة عربية؛ لأن الذي يقول بأن الكلمة الأجنبية مشتقة من كلمة عربية يكون كالذي يقول بأن الإنسان ولد قردًا أو كذا إلى آخره؛ لأن الاشتقاق نتاج وتوليد ولا يحدث إلا بين أمور متجانسة؛ فلا يمكن أن تلد المرأة إلا إنسانًا، ولا يمكن أن تلد القردة إلا قردًا. كما يقول السيوطي في (المزهر).

وهناك رأي الذي يقول بأن كلمة “لغة” ليست كلمة عربية أصيلة؛ ولكنها معربة -يعني مترجمة- ومأخوذة من كلمة أخرى هي كلمة “لوغوس” الإغريقية، يعزز أيضًا هذا الرأي ويقويه التشابه الكبير بين كلمة “لغة” والكلمة الإغريقية.

أيضًا يقوي هذا الرأي عدم ورود كلمة لغة بمعناها المعروف لنا في القرآن الكريم؛ فلم ترد كلمة “لغة” في القرآن الكريم، وقد عبر عنها في القرآن الكريم بكلمة “لسان”؛ قال تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [مريم: 97] و{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195] أي بلغة عربية مبينة {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [مريم: 97]، يعني بلغتك.

أيضًا مما يعزز هذا أن كلمة “لغة” لم ترد في الشعر الجاهلي أو الأدب العربي المأثور عن أدباء ما قبل الترجمة عن الإغريقية.

error: النص محمي !!