Top
Image Alt

أقسام الحديث المُعلَّل

  /  أقسام الحديث المُعلَّل

أقسام الحديث المُعلَّل

ينقسم الحديث المُعلَّل إلى قسمين:

القسم الأول: مُعلَّل السند.

والقسم الثاني: مُعلَّل المتن.

أولًا: مُعلَّل السند: ينقسم مُعلَّل السند إلى ثلاثة أنواع:

النوع الأول: ما تقدح علَّة إسناده في إسناده ومتنه.

قال الحافظ ابن حجر: فمثال ما وقعت العلَّة في الإسناد ولم تقدح مطلقًا ما يُوجد مثلًا من حديث مدلس بالعنعنة، فإن ذلك علَّة تُوجب التوقف عن قبوله، فإذا وُجد من طريق أخرى قد صُرّح فيها بالسماع، تبين أن العلَّة غير قادحة.

قال الحافظ ابن حجر: وكذا إذا اختلف في الإسناد على بعض رواته، فإن ظاهر ذلك يُوجب التوقف عنه، فإن أمكن الجمع بينهما على طريق أهل الحديث بالقرائن التي تحفّ الإسناد، تبين أن تلك العلَّة غير قادحة.

النوع الثاني: ما وقعت العلَّة في الإسناد وتقدح في الإسناد دون المتن، وذلك إذا أُبدل راو ثقة بثقة آخر، فيكون الإسناد مقدوحًا فيه، أما المتن فيكون معروفًا صحيحًا، وكذلك إذا كان للحديث أكثر من طريق، أحد الطريقين معلولٌ والآخر سالمٌ من هذه العلَّة؛ وذلك لأن الحكم على المتن إنما هو بأعلى الأسانيد.

النوع الثالث: ما تقدح علَّة إسناده في إسناده ومتنه، ومن ذلك الاختلاف بالوصل والإرسال في رواية حديث واحد، مع ترجيح الإرسال على الوصل، فإن الإسناد المرسل الذي ترجّح على المتصل يكون قادحًا في متن الحديث مانعًا من صحته والاحتجاج به، ومن ذلك أيضًا الاختلاف بالرفع والوقف، مع ترجيح الموقوف على المرفوع، فإن الحديث الموقوف الذي ترجح على المرفوع يمنع أن يُعامل الحديث المرفوع على أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك أيضًا إذا أُبدل راوٍ ضعيف براوٍ ثقة وتبين الوهم فيه استلزم القدح في المتن أيضًا، إن لم يكن للمتن طريق أخرى صحيحة.

ثانيًا: مُعلَّل المتن: ينقسم مُعلَّل المتن إلى ثلاثة أنواع:

النوع الأول: ما وقعت العلَّة في متنه دون إسناده، ولا تقدح فيهما.

مثال ذلك: ما وقع من اختلاف ألفاظ كثيرة من أحاديث “الصحيحين” إذا أمكن رد الجميع إلى معنى واحد، فإن القدح ينتفي عنها.

النوع الثاني: ما وقعت العلَّة في المتن واستلزمت القدح في الإسناد، مثال ذلك: ما يرويه راوٍ بالمعنى الذي ظنه يكون خطأ، والمراد بلفظ الحديث غير ذلك، فإن ذلك يستلزم القدح في الراوي فيُعلَّل الإسناد.

النوع الثالث: ما وقعت العلَّة في المتن ولم تستلزم القدح في الإسناد. مثال مُعل المتن: حديث نفي قراءة البسلمة في أول سورة الفاتحة في الصلاة: أخرج الإمام مالك في “موطئه” عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك أنه قال: “قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم كان لا يقرأ {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم} [الفاتحة: 1] إذا افتتح الصلاة”.

أما عن حديث الإمام مالك الذي رواه عن حميد، عن أنس، فهو حديث معلول، أعلَّه الحفاظ بما يأتي: مخالفة مالك للحفاظ الأكثرين، فلقد خالف مالك عددًا من الحفاظ المتقنين يبلغ عددهم سبعة أو ثمانية، والعدد الكثير أولى بالحفظ والإتقان من واحد، وإن كان حافظًا متقنًا كما قال الشافعي وغيره.

الرواية الثانية: قال الإمام مسلم  رحمه الله : وحدثنا محمد بن مهران الرازي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، عن عبدة: أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: “سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك”.

وعن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك، أنه حدثه، قال: «صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بـ {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} [الفاتحة: 2] لا يذكرون {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم} في أول القراءة ولا في آخرها)) أخرجه مسلم في “صحيحه”.

أجناس المُعلَّل:

ذكر الحاكم بن عبد الله النيسابوري في كتابه (معرفة علوم الحديث) أن أجناس المُعلَّل عشرة، غير أنه ما قصد الاستيعاب، بل ذكر أمثلة يهتدى بها، وهذه الأجناس هي:

الجنس الأول: أن يكون السندُ ظاهره الصحة، وفيه من لا يُعرف بالسماع ممن روى عنه.

الجنس الثاني: أن يكون الحديث مرسلًا من وجه، رواه الثقات الحفّاظ، ويُسند من وجه ظاهره الصحة.

الجنس الثالث: أن يكون الحديث محفوظًا عن صحابي، ويُروى عن غيره، لاختلاف بلاد رواته، كرواية المدنيين عن الكوفيين.

الجنس الرابع: أن يكون الحديث محفوظًا عن صحابي، فيروى عن تابعي، يقع الوهم بالتصريح بما يقتضي صحته، بل ولا يكون الحديث معروفًا من جهته.

الجنس الخامس: أن يروى الحديث بالعنعنة ويسقط من إسناده رجلٌ دل عليه طرق أخرى محفوظة.

الجنس السادس: أن يُختلف على رجل بالإسناد وغيره، ويكون المحفوظ عنه ما قابل الإسناد، كأن يُروى الحديثُ بإسناد متصل وآخر منقطع، ويكون المحفوظ هو الإسناد المنقطع.

الجنس السابع: الاختلاف على رجل في تسمية شيخه أو تجهيله.

الجنس الثامن: أن يروي الحديث عن شيخه الذي أدركه وسمع منه بالفعل أحاديث لم يسمعها منه، وذلك كأن يسمع الراوي من شيخه مائة حديث ويحدث عنه بمائة وخمسين حديثًا، فعِلّة هذه الأحاديث الخمسين التي حدّث بها عن شيخه من غير واسطة أنه لم يسمعها منه، وإنما سمعها عن رجل عنه، فأسقط هذا الرجلَ الذي حدثه بهذه الأحاديث الخمسين عن شيخه، وحدّث بها عن شيخه مباشرة.

الجنس التاسع: أن تكون طرق الحديث معروفة، يروي أحد رجالها حديثًا من غير تلك الطرق، فيقع من رواه من تلك الطرق بُناءً على الجادة في الوهم.

الجنس العاشر: أن يُروى الحديث مرفوعًا من وجه، وموقوفًا من وجهٍ آخر، مع ترجيح الموقوف على المرفوع.

الطريق إلى معرفة العلل:

لا يستطيع الباحث الوقوف على علَّة الحديث إلا إذا خرّج الحديث وجمع طرقه، عند ذلك يتمكن صاحب الملكة القوية، والمعرفة التامة بالحديث وعلومه، الذي رزقه الله بصيرة نافذة، الوقوف على علَّة الحديث.

قال الخطيب البغدادي: السبيل إلى معرفة علَّة الحديث أن يُجمع بين طرقه، ويُنظر في اختلاف رواته، ويُعتبر بمكانهم من الحفظ، ومنزلتهم في الإتقان والضبط. قال علي بن المديني: الباب إذا لم تُجمع طرقه لم يتبين خطأه.

قال ابن الصلاح: ويُستعان على إدراك العلة بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له، مع قرائن تنضم إلى ذلك، تُنبِّه العارف بهذا الشأن على إرسالٍ في الموصول، أو وقفٍ في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهمِ واهم، لغير ذلك، بحيث يغلب على ظنه ذلك فيَحكم به، أو يتردد فيتوقف فيه، وكل ذلك مانعٌ من الحكم بصحة ما وُجد ذلك فيه.

قال الحافظ بن حجر: وتحصل معرفة ذلك بكثرة التتبع وجمع الطرق.

منزلة علم علل الحديث:

علم علل الحديث من أدق العلوم وأجلِّها قدرًا، ولا يقف عليه إلا الأئمة المتضلعون من الحديث وعلومه، العارفون بأحوال الرواة ومراتبهم، ولا أدل على ما نقول من أن الذين صارت إليهم الإمامة في هذا العلم ويُعتمد قولهم قليلٌ من المحدِّثين، فليس كل من يشتغل بالحديث وعلومه يتمكن من إدراك هذا العلم، ويقف على أبعاده، ويتمكن من الكلام فيه ويُعتمَد قوله.

بعض المصنفات في علل الحديث:

خصّ بعض الأئمة الحفّاظ الأحاديث المُعلّة بالجمع والتصنيف، وإن كان هؤلاء الأئمة -رحمهم الله تعالى رحمة واسعة، وأجزل لهم العطاء والمثوبة، وحشرهم مع من أحبوا، وعن سنته دافعوا- قد قاموا بهذا العمل الشاق العظيم، الذي لا يَعرف مدى أهميته ومشقته وأنه لا يقوى عليه إلا من تبحّر في الحديث وعلومه، ورُزق فهمًا واسعًا وتوفيقًا من الله تعالى، وأنار الله بصيرته.

إلا أن هؤلاء الأئمة المصنفين في علل الحديث لم ينطلقوا من فراغ، فقد سبقهم إلى الكلام في علل الحديث أئمة متقدِّمون، فهم خير خلف لخير سلف، وهذه المصنفات إنما هي ثمار مبارَكة لجهود أئمة مخلصين، بذلوا النفس والنفيس، وتحملوا في سبيل المحافظة على دين الله وصيانة سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الكثير.

من هذه المصنفات التي صنفت في علل الحديث:

– (علل الحديث ومعرفة الرجال) للإمام الحافظ أبي الحسن علي بن عبد الله بن جعفر السعدي، المعروف بابن المديني. ولد سنة إحدى وستين ومائة، وتوفي في سنة أربع وثلاثين ومائتين من الهجرة.

– (العلل ومعرفة الرجال) للإمام الحافظ أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، المتوفى في سنة إحدى وأربعين ومائتين من الهجرة.

– (العلل) للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، صاحب (الصحيح) المتوفى في سنة ست وخمسين ومائتين من الهجرة.

– (العلل) للإمام الحافظ أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، صاحب (الصحيح) المتوفى في سنة إحدى وستين ومائتين من الهجرة.

– (علل الترمذي الكبير) للإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى المعروف بالترمذي، المتوفى في سنة تسع وسبعين ومائتين من الهجرة، رتّبه على كتاب”الجامع” أي (جامع الترمذي) المعروف بـ(سنن الترمذي أبو طالب القاضي).

– (كتاب العلل) للإمام الحافظ أبي عيسى الترمذي طبع بآخر (سنن الترمذي) ويسمى بـ(علل الجامع) ويسمى أيضًا بـ(العلل الصغير)، شرحه الحافظ زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد البغدادي المعروف بابن رجب الحنبلي، المتوفى في سنة خمس وتسعين وسبعمائة من الهجرة، وطبع عدة طبعات.

– (علل الحديث) للإمام الحافظ أبي يحيى زكريا بن يحيى الضبي البصري الساجي الحافظ، محدث البصرة، المتوفى في سنة سبع وثلاثمائة من الهجرة.

– (علل الحديث) للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن محمد بن هارون البغدادي الحنبلي، المعروف بالخلال، المتوفى في سنة إحدى عشرة وثلاثمائة من الهجرة، وهو في عدة مجلدات.

– (علل الحديث) للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن الإمام أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي، المتوفى في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة من الهجرة، وهو كتاب مرتب على أبواب الفقه، وقد شرع الحافظ بن عبد الهادي في شرحه فاخترَمَته المنية بعد أن كتب منه مجلدًا, وطبع هذا الكتاب.

– (العلل) للإمام الحافظ أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني، المتوفى في سنة خمس وثمانين وثلاثمائة من الهجرة، وهو أجمع كتاب في العلل، مرتب على المسانيد في اثني عشر مجلدًا، وليس من جمعِ الدارقطني؛ بل الجامع له تلميذه الحافظ أبو بكر البرقاني.

– (العلل المتناهية في الأحاديث الواهية) للإمام الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى في سنة سبع وتسعين وخمسمائة من الهجرة.

error: النص محمي !!