Top
Image Alt

أقسام الصحيح واعتراضات بعض العلماء عليها، وأجوبتهم في ذلك

  /  أقسام الصحيح واعتراضات بعض العلماء عليها، وأجوبتهم في ذلك

أقسام الصحيح واعتراضات بعض العلماء عليها، وأجوبتهم في ذلك

قال البخاري في (صحيحه): حديث أنس أَسْنَد، وحديث جرهد أحْوَط.  

ثم إنّ “الصحيح” على أقسام متفاوتة، بحسب تمكّنه من شروط الصّحّة وعدَمها.

– وأعلاها: ما اتّفق عليه البخاري ومسلم.

– ثم مَا انفرد به البخاري. ووجْه تأخّره عمّا اتّفقا عليه: اختلاف العلماء أيّهما أرجح.

– ثم ما انفرد به مسلم.

– ثم صحيح على شرطهما ولم يُخرجه واحد منهما. ووجْه تأخّره عمّا أخرجه أحدُهما: تلقِّي الأمّة بالقبول له.

– ثم صحيح على شرْط البخاري.

– ثم صحيح على شرْط مسلم.

– ثم صحيح عند غيرهما، مستوفًى فيه الشروط السابق ذكْرها.

قال الحافظ ابن حجر: اعتُرض على ابن الصلاح بأن ّالأوْلى أن يكون القسم الأوّل: ما بلغ مبلَغَ التواتر أو قارَبه في الشهرة والاستقامة. والجواب عن ذلك: أنّا لا نعرف حديثًا وُصف بكونه متواترًا ليس أصلُه في “الصحيحيْن” أو أحدِهما.

وقد ردّ الحافظ العراقي اعتراضَ مَن قال: الأوْلى أنّ القسم الأوّل ما رواه أصحاب الكتب السّتّة مَن له فيه نظر. والحق أن يقال: إنّ القسم الأول -وهو ما اتفقا عليه- يتفرّع فروعًا:

الفرع الأول: ما وُصف بكونه متواترًا.

الفرع الثاني: ما كان مشهورًا كثير الطُرق.

الفرع الثالث: ما وافقهما الأئمة الذين التزموا الصّحّة على تخريجه، الذين خرّجوا “السُّنن”، والذين انتقوا المسنَد.

الفرع الرابع: ما وافقهما عليه بعضُ مَن ذُكر.

الفرع الخامس: مَا انفردا بتخريجه.

فهذه أنواع للقسم الأوّل، وهو: ما اتّفقا عليه؛ إذ يصدق على كلّ منهما أنهما اتّفقا على تخريجه. وكذا نقول في ما انفرد به أحدهما: أنه يتفرّع على هذا الترتيب؛ فيتبيّن بهذا: أنّ ما اعتُرض به عليه أولًا وآخِرًا مردود.

قال الحافظ ابن حجر: “وجميع ما قدّمنا الكلام عليه من المتّفق هو: ما اتّفقا على تخرجه من حديث صحابي واحد. أمّا إذا كان المتن الواحد عند أحدهما من حديث صحابي غير الصحابي الذي أخرجه عنه الآخَر، مع اتّفاق لفظ المتن أو معناه، فهل يقال في هذا أنه من المتّفَق عليه؟”.

قال الحافظ ابن حجر: “فيه نظر على طريقة المحدِّثين، والظاهر مِن تصرّفاتهم: أنهم لا يَعُدّونه من المتّفَق عليه؛ إلّا أنّ الجوزقي من المحدِّثين استعمل ذلك في كتاب (المتّفِق) في عدّة أحاديث. وقد قدّمنا حكاية ذلك عنه، وما يتمشّى له ذلك إلّا على طريقة الفقهاء. ولْننظرْ مأخذ ذلك. وذلك أنّ كون ما اتّفقا على تخريجه أقوى ممّا انفرد به واحد منهما له فائدتان:

الفائدة الأولى: أنّ اتّفاقهما على التخريج عن راوٍ من الرواة يزيده قوّة، فحينئذ ما يأتي من رواية ذلك الرواي الذي اتّفقا على التخريج عنه أقوى ممّا يأتي من رواية ما انفرد به أحدُهما.

الفائدة الثانية: أنّ الإسناد الذي اتّفقا على تخريجه يكون متْنه أقوى من الإسناد الذي انفرد به واحد منهما. ومن هنا يتبيّن أنّ فائدة المتّفق إنما تظهر فيما إذا أخرجا الحديث من حديث صحابي واحد. نعم، قد يكون في ذلك الجانب أيضًا قوّة من جهة أخرى، وهو: أنّ المتن الذي تتعدّد طُرُقه أقوى من المتن الذي ليس له إلّا طريق واحدة. فالذي يظهر من هذا: ألّا يُحكم لأحدِ الجانبيْن بحُكم كلِّيّ؛ بل قد يكون ما اتّفَقا عليه من حديث صحابي واحد، إذا لم يكن فردًا غريبًا أقوى ممّا أخرجه أحدُهما من حديث صحابي غير الصحابي الذي أخرجه الآخَر. وقد يكون العكس إذا كان ما اتّفقا عليه من صحابي واحد فردًا غريبًا، فيكون ذلك أقوى منه”.

ثم قال الحافظ ابن حجر: “وهذه الأقسام التي ذكرها الحافظ ابن الصلاح للصحيح ماشية على قواعد الأئمّة ومحقِّقي النقاد، إلا أنها قد لا تضطرد لأن الحديث الذي ينفرد به مسلم مثلًا إذا فُرض مجيئه من طُرق كثيرة حتى تبلغ التواتر أو الشهرة القوية، ويوافقه على تخريجه مُشترطُ الصّحة مثلًا، لا يقال فيه: إن ما انفرد البخاري بتخريجه إذا كان فردًا ليس له إلا مخرج واحد، أقوى من ذلك. فلْيُحمَل إطلاق ما تقدّم من تقسيمه على الأغلب الأكثر”.

error: النص محمي !!