Top
Image Alt

أقوال الفقهاء في حكم الوديعة المصرفية

  /  أقوال الفقهاء في حكم الوديعة المصرفية

أقوال الفقهاء في حكم الوديعة المصرفية

أولا: اتفق الفقهاء على جوازها شرعًا بين الناس؛ لأنها نوع من حفظ الأموال وتحقيق البر والتقوى، وهي نوع من الأمانة التي أمر الله سبحانه وتعالى على حفظها وردها إلى أصحابها: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، ((أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك))، {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُون} [المؤمنون: 8].

ثانيًا: هذا بالنسبة للودائع بصفة عامة، أما الوديعة المصرفية اختلفوا في الودائع المصرفية وعوائدها الثانوية، أو الشهرية، أو اليومية، أو عند نهاية المدة؛ فمنهم من قال: بتحريمها واعتبارها قرضًا وربا؛ لأن العائد أي الفائدة زيادة على رأس المال المودع، وقام البنك -المصرف- بإقراض هذه الوديعة وأمثالها لعملاء آخرين في مقابل فائدة أكبر، يحصل المصرف على جزء منها، ويعطي صاحب الوديعة جزءًا آخر بنسبة من رأس مال الوديعة، وعلى هذا تدخل الوديعة في قاعدة: ((كل قَرض جر نفعًا فهو ربا))، وهذا قول جمهور العلماء المعاصرين.

وقالت فئة قليلة من المعاصرين أيضًا: إن الودائع ليست قروضًا، ولكنها للحفظ والاستثمار، وقد جرى العرف والعقد على إذن البنك في استثمارها، فيقوم البنك بالاستثمار في مجالات عدة، ويكون العائد ربحًا تستحق الوديعة نسبة منه بمقدار نسبتها في المال المستثمَر، فهي من باب المضاربة المشروعة، حيث يعطي صاحب المال من يقدر على العمل به، ويكون الربح بينهما بنسبة معينة متفق عليها، وهذا لمنع النزاع والخصومة، وهذا عن البنوك الربوية التي تتعامل وتستثمر في القروض.

أما المصارف الإسلامية التي يشرف على معاملاتها لجان رقابة شرعية، فعوائد الودائع فيها حلال؛ لأنها ليست فائدة؛ لأن المصرف الإسلامي لا يعطي قروضًا، ولكنها أرباح عمليات بيع ومضاربة ومرابحة يأخذ المصرف حقه، ويعطي المودع حقه كما ينص العقد على ذلك، وعن هذا وذاك يقول الدكتور علي السالوس تحت عنوان: “ودائع البنوك عقد قرض شرعًا وقانونًا” يقول: ذهب أكثر من تكلم عن ودائع البنوك إلى أنها تعتبر قرضًا، ويشيع بين آخرين أنها وديعة، حيث يقال: نحن لا نقرض البنك، ولم يطلب البنك منا مالًا، وإنما نحن الذين نذهب إليه ونودع المال لديه، وذهب بعض من أراد أن يستحل فوائد البنوك إلى القول: بأن هذه الفوائد تعتبر أجرًا لاستعمال النقود; أي أن الودائع تدخل تحت عقد التجارة، والوديعة أمانة تحفظ عند المستودع، وإذا هلكت فإنما تهلك على صاحبها؛ لأن الملكية لا تُنقل إلى المستودَع، وليس له -أي: المستودَع- إلا الانتفاع بها؛ ولذلك فهو غير ضامن لها إلا إذا كان الهلاك أو الضياع بسبب منه.

وودائع البنوك سميت بغير حقيقتها; فهي ليست وديعة؛ لأن البنك لا يأخذها كأمانة يحتفظ بعينها؛ لترد إلى أصحابها وإنما يستهلكها في أعماله، ويلتزم برد المثل عند الطلب، وهذا واضح في الودائع التي يدفع البنك عليها فوائد، فما كان البنك ليدفع هذه الفوائد مقابل الاحتفاظ بالأمانات وردها إلى أصحابها، وقد حسم التقنين المدني الجديد الخلاف في طبيعة الوديعة الناقصة، أي: التي تستهلك بالإذن في الاستعمال مع ضمان المثل فكيفها بأنها قرض، تقول المادة (726) مدني في هذا المعنى: إذا كانت الوديعة مبلغًا من النقود، أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال، وكان المودع عنده مأذونًا له في استعماله اعتبر العقد قرضًا.

كذلك يقول الدكتور علي جمال الدين عوض: إذا نظرنا إلى الحالة الغالبة للوديعة المصرفية وجدناها قرضًا; لأن الوديعة تكون بقصد الحفظ والمُودَع لديه يقوم بخدمة للمُودِع في حين أنه في القرض يستخدم المقترِض مال غيره في مصالحه الخاصة، وهذا هو الواقع؛ لهذا نقول: إن ودائع البنوك تعتبر قرضًا في نظر الشرع والقانون، إلا أن الشرع حرم فوائد القرض؛ لأنها ربا وأباح القانون ذلك وسماه فائدة، وهكذا شهادات الاستثمار ثم كانت الخطوة الأخرى نحو دعم البديل الإسلامي وتحسينه.

error: النص محمي !!