Top
Image Alt

أنواع الربا

  /  أنواع الربا

أنواع الربا

اتفق فقهاء المذاهب على أن الربا يقع على نوعين:

النوع الأول: يسمي ربا النسيئة على وزن “فعيلة”، والنسيئة في اللغة، معناها: الأجل والتأخير، ومنه قوله تعالى: {إِنّمَا النّسِيَءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37]، والنسيء، يعني: تأخير بعض الشهور عن بعض، حتى يتيح العرب لأنفسهم فرصةً للسلام، أو فرصةً للحرب، وهكذا، وهذا يسمى نسيئًا؛ يعني: تأخيرًا، كتأخير شهر صفر عن موعده مثلًا، حتى يستمر في الحرب، أو تأخير شهر محرم عن موعده، أو تقديم هذا الشهر على هذا الشهر، فهذا نوع من العبث، ويسمى نسيئًا؛ لما فيه من التأخير.. ومنه قول النبي صلى الله عليه  وسلم: ((مَن أراد أن يُنسأ له في عمره، ويبارك له في رزقه، فليصل رحمه))، معنى: ((ينسأ له في عمره))، يعني: يمد له في هذا العمر.

ويقال: ربا النَّساء، بفتح النون والمد، يعني: الربا الذي فيه نوع من التأجيل.

وهو في عرف الفقهاء: زيادة أحد العوضين على الآخر في مقابل الأجل، ومراد الفقهاء من العوضين، يختلف تبعًا لاختلافهم في علة الربا.

فالشافعية يعنون به: العوض من المطعومات، والأثمان خاصة؛ لأن العلة عندهم اتحاد الجنس مع الطعم أو الثَّمَنية.

والحنفية يعنون به: الزيادة في أحد المكيلين أو الموزونين عند اختلاف الجنس، أو في غير المكيلين، أو الموزونين عند اتحاد الجنس، هذا هو الربا عندهم، تبعًا لعلة عندهم وهي التأخير. مثلًا: لو أن شخصًا سيبيع ذهبًا بذهبٍ، ومتساوٍ تمامًا، ولكن سيؤخر تسليم أحد العوضين، فهذا يسمى ربا النَّساء. ومثل أن يبيع دولاراتٍ بدولاراتٍ، ويؤخر أحد العوضين، فهذا اسمه ربا النساء فقط؛ لأنهما متساويان، ومتحقق فيهما التماثل، لكن أحدهما يتأخر قبضه عن الآخر، فيقال: دخله ربا النَّساء؛ يعني: التأجيل.       

حكم ربا النَّساء:

هذا النوع من الربا مجمع على تحريمه من السلف والخلف؛ لأنه من الربا الذي لا شك فيه، وهو ربا الجاهلية الموضوع؛ يعني: الذي أبطله رسول الله صلى الله عليه  وسلم في خطبة الوداع، فقد كانوا يتبايعون إلى أجل مسمى؛ يعني: رجل اشترى من الآخر سلعةً على أن يسدد ثمنها بعد خمسة أشهر مثلًا، فإذا حل الأجل، قال لصاحبه: أتقضي أم تُربي؟ فإن قال له: أربي، يقول له إذًا: أزيدك على الأجل، وأزيدك في المقابل، وهذه هي الفائدة الربوية.

يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: “أما الربا الجلي، فربا النسيئة، لا خلافَ فيه، وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، كأن يؤخر في دَيْنه ويزيده في المال، وكلما أخَّره زاد في المال؛ فهذا هو ربا النسيئة، وهذا صحيح؛ فربا النسيئة أو النَّساء متفق عليه، حتى ليقال: إن سيدنا ابن العباس كان يقول: “إنما الربا في النسيئة”.

ربا الفضل:

الفضل في اللغة: يعني الزيادة، والفاضل: هو الشيء الباقي الزائد عن الحاجة، وعرَّفه الفقهاء: بأنه البيع مع زيادة أحد العوضين عن الآخر؛ كأن يبيع ذهبًا بذهب، ولكن أحد العوضين أزيد من الآخر، فتسمى هذه الزيادة: ربا الفضل.

وتلك الزيادة في أحد العوضين، اختلف الفقهاء فيها تبعًا لاختلافهم في علة الربا أيضًا.

فذهب الشافعية إلى أنها زيادة مطلقة في المطعوم خاصةً عند اتحاد الجنس؛ يعني: الأشياء المطعومة عندما تتحد في الجنس، كالأرز، العدس، والفول، كأن نبيع إردبّ فول بإردب فول، أو إردب فول بإردب فول وكيلة، والكَيلَة هذه تسمى: ربا الفضل؛ لأنها زيادة في معيار الشرع لأحد العوضين، ومعيار الشرع هنا هو أن هذه السلعة من جنس واحد، وأنها من المطعومات.

وذهب الحنفية إلى أنها زيادة عن مثل شرطت في عقد البيع على المعيار الشرعي، والمعيار الشرعي عند الحنفية هو الكيل أو الوزن؛ يعني: الكيل بالنسبة للذهب والفضة يعتبر الوزن؛ لأن الذهب والفضة كانَا يوزنان، والدراهم والدنانير كانت توزن، فقالوا: الوزن، والكيل في غير ذلك من المكيلات التي كان يُتعامل فيها مثل القمح والذرة وكل ما يُكال، حتى ولو لم يكن طعامًا، المهم أنه يكال، فالحنفية ذهبوا إلى أنها زيادة عن مثل شرطت في عقد البيع على المعيار الشرعي، وهو الكيل أو الوزن في الجنس الواحد.

والمتفق عليه بين أهل العلم أن ربا الفضل لا يجري إلَّا في الجنس الواحد، إلَّا ما روي عن سعيد بن جبير، أنه قال: “كل شيئين يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلًا، كالحنطة بالشعير متقاربان جدًّا، والتمر بالزبيب، فالزبيب أصله العنب وهما متقاربان، وبينه وبين التمر تقارب، لكن لا يبيع التمر بزبيب؛ لجراينهما مجرى الجنس الواحد؛ لأن القمح والشعير كأنهما جنس واحد، وكذلك التمر والزبيب كأنهما جنس واحد؛ نظرًا لتقارب المنفعة فيهما.

حكم ربا الفضل:

لا خلافَ بين الفقهاء في تحريم ربا الفضل إذا اجتمع مع النسيئة، كأن يبيع ذهبًا بذهب وأحدهما أزيد من الآخر مع التأخير، هذا ربا نسيئة وربا فضل، فالعلماء متفقون على أنهما إذا اجتمعَا الاثنان، الفضل والنسيئة، فالجمهور على تحريمه، واستدلوا على ذلك بأحاديث كثيرة؛ منها:

قال صلى الله عليه  وسلم: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثلٍ، يدًا بيدٍ، فَمَن زاد أو استزاد، فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء)).

قوله صلى الله عليه  وسلم: ((مثلًا بمثل))، فالزيادة ليست مثلًا بمثل، إذًا تكون الزيادة في أحد العوضين وتسمى فضلًا.

وقوله صلى الله عليه  وسلم: ((يدًا بيد))، يدل على أن تأخير القبض فيه نوع آخر من أنواع الربا، وهو ربا النسيئة.

وكذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله  عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلًا بمثل، يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، إلا ما اختلفت ألوانُه))، وواضح أن فيه تحريمًا لربا الفضل، وربا النسيئة.

وروى أبو سعيد أيضًا قال: “جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه  وسلم بتمرٍ برْنيٍّ -ضرب من التمر أحمر بصفرة، كثير اللحاء، وهو ما كَسَا النواة قشرةً حمراءَ، وهو، شديد الحلاوة، ونوع جيد جدًّا من التمر- فقال له رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((مَن أين هذا؟ فقال بلال: تمر كان عندنا رديء، فبِعتُ منه صاعين بصاع لمطعم رسول الله -أي: لإطعام رسول الله صلى الله عليه  وسلم -فقال رسول الله صلى الله عليه  وسلم عند ذلك؛ أوَّه عينُ الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردْتَ أن تشتري التمرَ فبِعْه ببيع آخر، ثم اشترِ به)).

فهذه جملة من الأحاديث تدل على تحريم ربا الفضل، إلَّا أنه قد حُكِيَ عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما من الصحابة، أنهم قالوا: “إنما الربا في النسيئة”.

واستدلوا في ذلك إلى حديث أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه  وسلم: أنه قال: ((لا ربا إلا في النسيئة))، وفي رواية: ((لا ربا فيما كان يدًا بيدٍ)). يعني: إنما الربا في النسيئة، لكن ما كان يدًا بيد فليس فيه ربا.

والصحيح أن سيدنا عبد الله بن عباس، رجَعَ عن هذا القول عندما علِمَ بالأحاديث الأخرى الصحيحة أيضًا.

وقد ذهب بعض العلماء للجمع بين هذه الأحاديث، ففسروا حديثَ أسامة بن زيد: ((إنما الربا في النسيئة))، يعني: إنما الربا الواضح الكامل في النسيئة، كما تقول: لا عالِمَ في البلد إلا زيد، تريد أنه أعلم علماء البلد، وهذا لا ينفي أن غيره عالم أيضًا، فرجوع ابن عباس، والجمع بين الأحاديث يدل على أن ربا الفضل أيضًا حرام، كربا النسيئة سواءً بسواءٍ.

error: النص محمي !!