Top
Image Alt

أنواع الشجاج، ودياتها

  /  أنواع الشجاج، ودياتها

أنواع الشجاج، ودياتها

الجنايات على ما دون النفس قسمان: جروح، وأطراف.

أما الجروح، فهي ضربان: شجاج، وغير شجاج.

أما عن التصور للشجاج، فلنا أن نقول: “هو ما كان من الجراحات في الرأس، والوجه فقط”، أي: الجراح التي تقع في الرأس، والوجه تصنَّف على أنها من الشجاج.

وكنا قد أعطينا لمحة عن تصور الشجاج هذا، ونُتم -بمشيئة الله- الحديث عن الشجاج فنقول: أن الشجاج إحدى عشرة شجة، هي: الحارصة، والباضعة، والدامية، والدامعة، والمتلاحمة، والسمحاق، والموضحة، والهاشمة، والمنقلة، والآمة، والدامغة.

وقد أعطينا تصورًا عن كل شجة من تلك الشجاج، هكذا اعتبرها الحنفية إحدى عشرة شجة مضيفين إلى ذلك الدامغة.

أما عند غيرهم من الفقهاء، فالشجاج عشر، فقد استثنوا من ذلك الدامغة.

لكن أيّ شجاج من ذلك فيه أرش مقدر، وأي من ذلك ليس فيه أرش مقدر. أرش مقدر، أي: تقدير معين من قبل الشارع الحكيم، كأن تكون عشرة من الإبل مثلًا، أو خمسًا من الإبل، أو كذا أو كذا، أي: أن فيها تقدير مقدر، أو حد مقدر.

من تلك الشجاج التي فيها أرش مقدر: الموضحة، والهاشمة، والمنقلة، والمأمومة.

أما الدامغة، فغير مذكورة في الديات المقدرة؛ لأنها تفضي إلى الموت لا محالة.

لكن من أين لنا هذا التقدير في تلك الشجاج الأربع؟

هذا التقدير جاء في حديث عظيم جامع ومانع وشامل، يتضمن عامة أوجه الديات في النفس، وما دونها من الجروح والأطراف، ونص هذا ما كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن، وبعث به مع عمرو بن حزم، وفيه: ((أن من اعتبط مؤمنًا -أي: من مات مؤمنًا- قتلًا عن بينة، فإنه القود -أي: تستوجب العقوبة عليه القود؛ وهو القصاص- إلا أن يرضى أولياء المقتول، وإن في النفس الدية مائة من الإبل، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرِّجل الواحدة نصف الدية، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل، وأن الرجل يُقتل بالمرأة، وعلى أهل الذهب ألف دينار)).

يستفاد من ذلك: أن الشجاج التي قدرت فيها الديات أربع:

أولها: الموضحة، ويجب فيها خمس من الإبل، وذلك لما جاء في الخبر، وفي الموضحة خمس من الإبل.

ولكن هل يختلف الأمر فيما لو كانت الموضحة صغيرة أو كبيرة، أو ظاهرة أو مستورة بالشعر؟

الواقع أنه يستوي في ذلك ما لو كانت الموضحة صغيرة أو كبيرة، ظاهرة أو مستورة بالشعر، فمتى تمت الجناية، وصنِّفت على أنها موضحة، يجب فيها خمس من الإبل مطلقًا؛ لأن اسم الموضحة يقع على الجميع، على الصغيرة والكبيرة، والظاهرة والمستورة.

وتأسيسًا على هذا نقول: لو أوضح رجلًا أكثر من موضحة، كما لو أوضحه اثنين، أو ثلاثًا، أو أربعًا، هل يتعدد الموجب؟ أو يجب خمس من الإبل فقط حتى مع هذا التعدد؟

قال الفقهاء: نظرًا لعموم الخبر الذي يقول: “وفي الموضحة خمس من الإبل”، فمقتضى هذا العموم يستوجب أن يكون لكل موضحة خمس من الإبل، حتى وإن زادت عن واحدة، أو اثنين، أو ثلاث.

لكن ماذا إن كثرت المواضح في المجني عليه، حتى زاد أرشها على دية النفس؟

لو فُرض أن الدية مائة من الإبل، وزادت المواضح عن عشرين موضحة، فماذا يكون الحكم؟

في ذلك وجهان:

أولهما: لا يجب على العاقلة أكثر من دية النفس، أي: مائة من الإبل، حتى وإن زادت الموضحة إلى عشرين، أو خمسة وعشرين.

ووجه ذلك: أن هذه المواضح ليس لها حرمة أكثر من حرمة النفس.

الوجه الثاني: يجب بكل موضحة من هذه المواضح خمس من الإبل؛ وهو الراجح، حتى وإن تجاوزنا دية النفس؛ استنادًا إلى ظاهر النص: “وفي الموضحة خمس من الإبل”، فالنَّص لم يفرق في وجوب الدية بين المواضح قلة وكثرة، بل إن إطلاق النص يوجب أن يكون لكل موضحة أرش مقدر قلّت أو كثرت، حتى وإن زادت في مجموعها على دية النفس، تمامًا كما لو قطع يديه ورجليه، أي: لو جنى جانٍ على يدي إنسان ورجليه، فإن لكل واحدة منها نصف دية، فيكون مجموع الديات في اليدين والرجلين دية نفسين، ولو أوضحه موضحتين وكان بينهما حاجز، ثم أزال الجاني هذا الحاجز لم يجب عليه أكثر من دية موضحة واحدة؛ وذلك لأن فعل الإنسان يبنى بعضه على بعض.

وماذا لو أوضح جميع الرأس، وكان رأسه -أي: المجني عليه- أكبر من رأس الجاني، فاقتص منه في جميع رأسه؟

يجب للمجني عليه أرش في ما بقي؛ لأنه لم يستوف قدر موضحته.

لكن كم مقدار الرش؟

قولان للفقهاء:

أحدهما: يجب للمجني عليه أرش موضحة.

والثاني: يجب له بنسبة ما فاته من حقه، مما لم يستوفه.

ثانيًا: الهاشمة، والهاشمة فيها عشر من الإبل؛ لما ورد عن زيد بن ثابت أنه قال: “وفي الهاشمة عشر”، أي: عشر من الإبل، وهي عُشر الدية الكاملة للنفس، ولو هشمه هاشمتين، وكان بينهما حاجز، وجب عليه أرش هاشمتين، وهما عشرون من الإبل.

ثالثًا: المنقلة، ويجب فيها خمس عشرة من الإبل؛ وذلك لما جاء في الحديث: ((وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل))، والمنقلة: هي الشجة التي تنقل العظم بعد الكسر.

رابعًا: المأمومة، وفيها ثلث الدية؛ لما جاء في الحديث: ((وفي المأمومة ثلث الدية))، والمأمومة: هي التي تصل إلى أُم الدماغ؛ وهي جلدة تحت العظم فوق الدماغ.

تلك هي الشجاج الأربع، التي ورد في خصوصها نصوص لتقدير أروشها، ومن ثم كانت الدية فيها معلومة ومقدرة.

أما الدامغة، فقيل: سميت بذلك؛ لأنها تخرق تلك الجلدة، وتصل إلى الدماغ، وليس فيها دية مقدرة في الشرع، ومن ثم فلم يذكرها الشافعية، والحنابلة، في الشجاج، وقالوا: “لا معنى لبيان حكم الشجة فيها؛ لأنها لا يعيش معها الإنسان عادة”، كأنهم يريدون أن يقولوا: إن تلك الشجة قد تستوجب الدية كاملة.

ننتقل بعد ذلك إلى أنواع من الشجاج فيما دون الموضحة، والمقصود بتلك الشجاج: هي الشجاج التي لم يرد فيها تقدير، ولا تحديد للدية، وصنَّفها الفقهاء واعتبروها ست:

الحارصة، والدامعة، والدامية، والباضعة، والمتلاحمة، والسمحاق.

مع ملاحظة أن بعض العلماء، لم يذكر الحارصة؛ لأنها لا يبقى لها أثر عادة، والشجة التي لا يبقى لها أثر، لا حكم لها في الشرع.

هذه الشجاج الست، ليس فيها أرش مقدر؛ لأن تقدير الأرش، إنما يكون بالشرع، ولم يرد الشرع بتقدير الأرش فيما دون الموضحة، وبذلك ينبغي تقدير الأرش لكل شجة من هذه الشجاج بالاجتهاد؛ لعدم ورود حكم توقيفي فيها، أي: لم يرد حكم في الشرع يفيد تقدير أرش لتلك الشجاج.

وعلى هذا، ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والحنابلة، إلى أن في كل واحدة من هذه الشجاج حكومة؛ وذلك لأنه ليس فيها أرش مقدر، أي: يُرجع في تقدير الدية لاجتهاد العلماء والمتخصصين في هذا الفن.

ولا يمكننا أن نهدر الشجة، إذًا لا بد من اعتبارها بحكومة عدل، وهذا مأثور عن النخعي، وعمر بن عبد العزيز -رحمهما الله.

لكن الإمام مالك، قد اشترط في تلك الحالة لإيجاب الحكومة فيما دون الموضحة، أن تبرأ الشجة على شين، أي: على عيب، ومن ثم فإن برأت على غير شين -أي: على غير عيب- فلم تجب حكومة، خلافًا لجمهور العلماء، الذين يقولون بوجوب الحكومة على سبيل العموم، سواء برأت الشجة على شين، أو برأت من غير شين.

أما فقهاء الشافعية فقالوا: إنه ليس من توقيف في الشجاج التي قبل الموضحة بأرش مقدر، وعلى هذا إذا أمكن معرفة قدر الشجة من هذه الشجاج بالنسبة للموضحة، كان في المستطاع تقدير الأرش لهذه الشجة، أي: أنهم يقولون نظرًا لعدم وجود تقدير أرش مقدر لتلك الشجاج، فيمكننا أن نقارنها بشجة فيها أرش مقدر كِبرًا وصغرًا، وعلى القدر تكون القيمة.

فلو كان في رأس المجني عليه موضحة مثلًا، ثم شجه آخر في رأسه دامعة، أو باضعة، فإن عرف قدر العمق بالنسبة لعمق الموضحة التي في رأسه، وجب فيها تقدير ذلك من أرش الموضحة، أما إذا لم يمكن معرفة ذلك، وجب اللجوء إلى حكومة عدل.

هذا فيما يتعلق بالشجاج التي فيها أروش مقدرة، والأخرى التي ليس فيها تقدير من قبل الشارع الحكيم، وتبين لنا أن نقول فيما فيه تقدير بما ورد فيه الشرع، وما لم يرد فيه تقدير، فإنه يُلجأ فيه إلى حكومة عدل، تُقدر كم تساوي تلك الشجة من الدية، ويكون التحديد.

ننتقل بعد ذلك إلى ما يطلق عليه جروح، أو غير الشجاج، قد ميزنا الشجاج عن الجروح، وذكرنا أن الشجاج إنما يكون في الرأس والوجه، أما الجروح فهي ما تكون في سائر البدن، وهي قسمان: الجائفة، وغير الجائفة.

الجائفة: هي الجراح التي تصل إلى الجوف من بطن، أو ظهر، أو صدر، أو نحر، وغير ذلك، فإن كل واحد من هذه الجروح يجب فيه ثلث الدية.

ودليل ذلك: ما ورد في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن: ((في الجائفة ثلث الدية))، ويستوي في ذلك ما لو كانت الجروح صغيرة أو كبيرة.

وتأسيسًا على ذلك نقول: لو أجافه جائفتين، وكان بينهما حاجز، أو طعنه في جوفه فخرج من جانب آخر، فهما جائفتان؛ لما ورد عن أبي سعيد أن رجلًا رمى رجلًا فأصابته جائفة، فخرجت من الجانب الآخر، فقضى فيهما أبو بكر بثلثي الدية، وكذلك لأن هاتين جراحتان نافذتان إلى الجوف؛ فوجب فيهما أرش الجائفتين.

هذا فيما يتعلق بالجروح الجائفة، وغير الجائفة.

error: النص محمي !!