أنواع الموصول الاسمي
نوعان:
الأوّل: (نصٌّ) في معناه، لا يتجاوزه إلى غيْره.
الثّاني: (مشترك) بيْن معانٍ مختلفة بلفظ واحد.
ألفاظُ الموصول الاسميّ النّصّ: ثمانية، هي:
(1) (الّذي): للمفرد المذكّر العاقل وغيْره، نحو: {الْحَـمْدُ للّهِ الّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزُّمَر: 74]، ونحو: {هَـَذَا الّذِي كُنتُم بِهِ تَدّعُونَ} [المُلك: 27].
(2) (الّتي): للمفردة المؤنّثة العاقلة وغيْرها، نحو: {قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة: 1]، ونحو: {مَا وَلاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا} [البقرة: 142].
(3، 4) (اللّذان، اللّتان) لِمثنّى (الّذي) و (الّتي)، وهما بالألف رفعًًا، وبالياء نصبًًا وجرًًّا؛ وهذا أصح الآراء فيهما. وتميم وقيْس يُشدّدان النون فيهما، تعويضًًا مِن المحذوف منهما، وهو: (الياء) في (الّذي) و(الّتي)، أو تأكيدًًا للفرْق بيْن تثنية المبنيّ والمُعرَب، الحاصل بحذف الياء.
ولا يختصّ ذلك التشديد بحالة الرّفع، بل يكون فيها، وفي حالتَي الجرّ والنّصْب، خلافًًا للبصريِّين؛ وفي زعمهم أنّ التشديد مختص بحالة الرّفع؛ لأنه قرئ في السّبع: {رَبّنَآ أَرِنَا اللّذَيْنِ أَضَلاّنَا} [فُصِّلَت: 29]، {إِحْدَى ابْنَتَيّ هَاتَيْنِ} [القصص: 27]، بالتشديد فيهما في حالتَي: النصب في {اللّذَيْنِ}، والجرّ في {هَاتَيْنِ}، كما قُرئ في حالة الرّفع: {وَاللّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ} [النساء: 16]، بتشديد النون؛ فتجويز إحداهما، ومنْع الأخرى تحكّم.
وبلحرث بن كعب، وبعض ربيعة، يحذفون نون (اللّذان) و(اللّتان)، في حالة الرّفع، تقصيرًًا للموصول لِطوله بالصّلة، لكونهما كالشيء الواحد. وقال الفرزدق:
أبَني كُليْب إنَّ عميَّ اللَّذَا | * | قَتلا الملوكَ وفكّكَا الأغلاَلاَ |
أراد (اللّذان)، فحذف النون. وهو مرفوع على الخبرية لـ(إنَّ).
وقال الأخطل:
هما اللّتا لوْ وَلَدتْ تميمُ | * | …. …. …. ….. |
أراد (اللّتان)، فحذف النون، وهو مرفوع على الخبرية للمبتدأ: (هما).
(5) (الأُلَى): لجمْع المذكّر العاقل كثيرًًا، ولغيره قليلًًا، وقد يُمَدّ، فيقال: (الأُلاء)، قال كُثير عزّة:
أبى اللهُ للشُّمِّ الأُلاء كأنهمْ | * | سيوفٌ أجادَ القينُ يومًا صِقَالَهَا |
وهي (هنا) للعاقل.
ومِن وقوعها لغيْر العاقل قوله:
تُهيِّجُني للوصْلِ أيامُنا الأُلًى | * | مَرَرْن عليْنا والزّمان وريقُ |
و(الذين) بالياء مُطلقًا، في الأحوال الثلاثة، وهي مبنيّة، نحو: {إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ} [البقرة: 62].
وقد يقال: جاء (اللّذُونَ) بالواو رفعًًا، ورأيتُ (اللَّذِين)، ومررت بـ(اللَّذِين)، بالياء نصْبًًا وجرًًّا؛ وهي حينئذٍ مُعرَبة؛ لأنّ شَبَه الحرْف عارضَه الجمع، وهو من خصائص الأسماء. وهذا الإعراب لغة هذيل، أو عقيل، قال شاعرهم:
نحن اللّذون صبّحوا الصَّبَاحَا | * | …. …. …. ….. |
فـ(اللّذون): خبر المبتدأ (نحن)، مرفوع بالواو.
(6، 7) (اللاّتي، اللاّئي): لجمْع المؤنث، بإثبات الياء فيهما، وقد تحذف اجتزاءً بالكسْرة، فيقال: اللاّتِ، واللاّءِ.
وقد يتعارض (الأُلَى)، و(اللاّئي)، فيقع كلّ منهما مكان الآخر، قال مجنون ليلى:
مَحا حُبُّها حُبَّ الأُلَى كُنّ قبْلَها | * | وحَلّتْ مكانًًا لم يكن حُلَّ مِن قبْلُ |
فأوقع (الأُلى) مكان (اللاّئي)، أي: حُبّ اللاّئي، بدليل عوْد ضمير المؤنث عليها.
وقال رجل مِن بني سليم:
فَما آبَاؤنا بأمنَّ منْه | * | علينا اللاّءِ قد مهَدوا الحجورَا |
فأوقع (اللاّء) مكان (الأُلى) بدليل عود ضمير جمْع المذكّر عليها.
وأمّا ألفاظ الموصول الاسميّ المشترك، فستّة هي:
(مَنْ): وهي في أصل الوضع للعاقل، نحو: { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43]، وتكون لغيْره على سبيل التّطفّل في ثلاث مسائل:
الأولى: أن يُنَزَّل مَن وقعت عليه (مَن) منزلة العاقل، نحو: {وَمَنْ أَضَلّ مِمّن يَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَن لاّ يَسْتَجِيبُ لَهُ} [الأحقاف: 5]؛ فنزَّل الأصنام منْزلة العاقل لما كانت عنده تدعوه، ونحو قول العباس بن الأحنف:
أسِرْبَ القطا هل من يُعيرُ جناحَه | * | لعلِّي إلى مَن قد هويتُ أطيرُ |
فأوقع (مَن) على سرب القطا، وهو غير عاقل، والذي سوّغ ذلك: النداء.
ونحو قول امرئ القيس:
ألا عِمْ صباحًًا أيها الطّللُ البالي | * | وهل يَعَمَنْ مَن كان في العُصُر الخالي |
فأوقع (مَن) على الطّلل، وهو غيْر عاقل، والذي سوّغ ذلك: النداء.
الثانية: أن يجتمع غيْر العاقل مع العاقل فيما وقعت عليه (مَن) الموصولة، نحو: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكّرُونَ} [النحل: 17]، فقوله تعالى: {كَمَن لاّ يَخْلُقُ}، عامّ في العاقل وغيْره؛ لشموله الآدميِّين، والملائكة، والأصنام؛ فإنّ الجميع لا يخلقون شيئًًا، ونحو: {أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ} [الحج: 18]، فإنه يشمل الملائكة، والشمس، والقمر، والنجوم، وغيرها، وقوله: { وَمَن فِي الأرْضِ} [الحج: 18]، فإنه يشمل الآدميّين، والجبال، والشّجر، والدواب، وغيرها، ونحو: {مّن يَمْشِي عَلَىَ رِجْلَيْنِ} [النور: 45]، فإنه يشمل الآدميّ والطائر.الثالثة: أنْ يقترن غيْر العاقل بالعاقل في عموم فُصِّل بـ(مَن) الموصولة، نحو: {مّن يَمْشِي عَلَىَ رِجْلَيْنِ}، و{مّن يَمْشِي عَلَىَ أَرْبَعٍ} [النور: 45] ؛ لاقترانها بالعاقل في عموم {ﭟ ﭠ} من قوله تعالى: {وَاللّهُ خَلَقَ كُلّ دَآبّةٍ مّن مّآءٍ فَمِنْهُمْ مّن يَمْشِي عَلَىَ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مّن يَمْشِي عَلَىَ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مّن يَمْشِي عَلَىَ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللّهُ مَا يَشَآءُ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النور: 45]، فأوقع (مَن) على غيْر العاقل لمّا اختلط بالعاقل.