Top
Image Alt

أن يكون قوي الحجة مستظهرا للأدلة

  /  أن يكون قوي الحجة مستظهرا للأدلة

أن يكون قوي الحجة مستظهرا للأدلة

ومن الصفات التي يجب على الداعية أن يتحلى بها: أن يكون قوي الحجة مستظهرًا للأدلة التي يستدلّ بها على ما يدعو الناس إليه:

إن من أبرز العوامل التي توصّل الداعية إلى قمة النجاح والتوفيق، وتضفي على مستمعيه روح الهيمنة والتأثير- هي قوة إقناعه وظهور استدلاله ونصاعة حجته وبرهانه، وهذا لا يتأتَّى إلا أن يكون الداعية سريع البديهة قوي الملاحظة شديد الحذر عظيم الإحساس بأحوال الحاضرين، فضلًا عن شمول علمه وسعة ثقافته وجاذبية كلامه ومنطقه وسلاسة فصاحته وأسلوبه، وملامح روحانيته وتقواه.

ولكن في الحقيقة لا تكفي قوى الحجة ولا سرعة البديهة ولا سلاسة الأسلوب ولا ملامح التقوى إذا لم يعطِ الداعية كل إنسان على حسب ما يتناسب مع فهمه، وما يتفق مع عقليته، وما يتلاءم مع نزعته؛ تحقيقًا للمبدأ الذي سنَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم للدعاة في كل زمان ومكان: ((أمرنا معاشر الأنبياء: أن نحدّث الناس على قدر عقولهم)) فالداعية مثلًا حين يجتمع مع طبقة من المسلمين الفطريين والمؤمنين الصادقين المطبّقين فيكفيه أن يأتي لهم بشواهد القرآن والسنة، ويذكّرهم بسيرة الصحابة والسلف؛ ليؤثر فيهم ويرفع من مستواهم ويأخذ بأيديهم نحو السلوك الأقوم والكمال المنشود، وهذا يختلف كل الاختلاف حين يلتقي مع طبقة من المسلمين المنحرفين والشباب الشّاذين المتحللين، فعلى الداعية أن يعطي هؤلاء من القناعات العقلية والعلمية مما يدفع أولئك إلى القناعة الوجدانية في تجنب الانحراف وفطم النفس عن الشذوذ والتحلل، فحين يريد إصلاح قوم ارتكبوا موبقات الزنا أو الخمر أو الميسر أو الربا أو غير ذلك من هذه الموبقات، التي تؤدّي إلى التحلل والانحراف- فعليه أن يبين لهم ضرر هذه الموبقات من الناحية الجسمية والخلقية والاقتصادية والاجتماعية والعقلية، فبعد هذا البيان يُمكن أن يولّد فيهم القناعة الوجدانية في الامتناع عن هذه الموبقات؛ لما لها من أضرار بالغة وأخطار ظاهرة لا ينكرها إلا مكابر، ثم ينتقل الداعية بالمدعوين إلى السِّر في تحريم الإسلام لهذه الموبقات، فعندئذٍ يُدركون جيدًا الحكمة التشريعية في تحريم الإسلام للزنا أو الخمر أو الميسر أو الربا، فلا يجدون بُدًّا إن كانوا عقلاء ومنطقيين مع أنفسهم إلا أن يكفّوا عن هذه المحرمات والموبقات.

هذه الطريقة الإقناعية هي طريقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم في إصلاح الأفراد وتربية المجتمع، وإليك أيها الداعية هذا الموقف من مواقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم في إقناع الأفراد في الكفِّ عن الفساد، روى أحمد -رضي الله عنه-عن أبي أمامة -رضي الله عنه-((أن غلامًا شابًّا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله أتأذن لي بالزنا فصاح الناس به، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم وهو الرءوف الرحيم: قرِّبوه، ثم قال للشاب: ادنُ، فدنا، قال: ادنُ، فدنا قال: ادنُ، فدنا، حتى جلس بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم فقال -صلى الله عليه وسلم: أتحبه لأمك؟ قال الشاب: لا، جعلني الله فداك، قال: كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم. أتحبه لابنتك؟ قال: لا، جعلني الله فداك، قال: كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، أتحبه لأختك؟ قال: لا، جعلني الله فداك، قال: كذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم، أتحبه لعمتك أتحبه لخالتك؟ كل ذلك يقول الشاب: لا، جعلني الله فداك، والنبي -صلى الله عليه وسلم يقول: كذلك الناس لا يحبونه، ثم وضع -صلى الله عليه وسلم يده الشريفة الكريمة الطاهرة المباركة على صدر ذلك الشاب ودعا له قائلًا: اللهم طهّر قلبه، واغفر ذنبه، وحصّن فرجه، فلم يكن شيء أبغض إلى ذلك الشاب بعد ذلك من الزنا)).

وهكذا ترفَّق النبي -صلى الله عليه وسلم بالشاب في البدء، ثم أقنعه عقليّا ووجدانيّا بقبح الزنا وأثره على الأخلاق والمجتمع، فبعد أن رأى -صلى الله عليه وسلم انجذاب الشاب إليه وإقباله عليه وقناعته العقلية بالذي حدّثه به، دعا له بهذه الدعوات الكريمات ذات المعنى والمغزى، فقام من بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم وليس شيء أبغض إليه مما جاء يسأل رسول الله أن يرخص له فيه. أما إذا كانت الفئة التي يلتقي معها الداعية من طبقة الملحدين المارقين، ومن فئة الدهريين المنكرين ومن صفة الوجوديين الإباحيين- فإن المناقشة التي يطرحها والقضية التي يعرضها والحجج التي يقدمها تختلف كل الاختلاف عن جماعة المؤمنين المطبّقين وطبقة المسلمين الفاسقين المنحرفين.

error: النص محمي !!