أهمية مرحلة ما قبل المدرسة في تكوين شخصية الطفل
فكما أن هناك مناهج للعاديين ومناهج للفائقين أو الموهوبين، ومناهج خاصة بكل فئة من فئات المتعلمين، فكذلك فإن هناك أسسًا ومعايير وثقافة خاصة بمناهج أطفال ما قبل المدرسة، حيث إن هذه الفئة من المتعلمين، وهم في مرحلة الروضة وغيرها من المراحل فيما قبل المدرسة، وإن اختلفت مسمياتها وتسمياتها إلا أنهم جميعًا يدرسون في مرحلة ما قبل المدرسة، وما قبل الالتحاق الفعلي بالمدرسة.
وتُعد هذه المرحلة ذات أهمية بالغة في إعداد وتكوين وبناء شخصية الطفل في هذه المرحلة، ويمكن إعطاء دلالات ومؤشرات بالغة الأهمية تفيد التربويين والمربين أثناء إعداد مناهج الأطفال في تلك المرحلة.
وهناك عدة خصائص جسمية وانفعالية لأطفال ما قبل المدرسة توجب على المصممين والمطورين وواضعي المناهج أن ينظروا إليها بعين الاعتبار؛ حيث إن الأطفال ينمون نموًّا ملحوظًا في هذه المرحلة من مراحل النمو، ويمكن تشكيل القدرات والطاقات والعمليات، وتعويد هؤلاء الأطفال على عادات وممارسات معرفية وتفكيرية سليمة؛ إذا ما تم التخطيط المقصود لمناهج الأطفال فيما قبل المدرسة.
ونتيجة لأهمية هذا الموضوع فقد تناولته العديد من الأدبيات والبحوث والدراسات، كذلك العديد من المحافل والندوات والمؤتمرات العلمية؛ نظرًا لأن بعض التربويين يرجع بعض نتائج التعليم في مرحلة التعليم الجامعي إلى مرحلة ما قبل المدرسة.
وهناك معايير وأسس وأساليب وجوانب ومحددات خاصة بأطفال ما قبل المدرسة، ومناهج أطفال ما قبل المدرسة، وتذهب التربويات والأدبيات والفكر التربوي، وكذلك المتخصصون في مجال المناهج وطرق التدريس إلى ضرورة اعتبار المحددات والخصائص والصفات الخاصة بأطفال ما قبل المدرسة.
وتُعد مرحلة رياض الأطفال أو ما قبل المدرسة من الأهمية بمكان؛ لذلك فإن التعليم يحقق عددًا من مظاهر نمو الطفل في هذه المرحلة، ويؤدي ذلك إلى إحداث فوائد عديدة عند التخطيط السليم والقويم للمناهج وبيئة التعلم، وكافة الأمور والعوامل والجوانب الخاصة بمنظومة العملية التعليمية في مرحلة ما قبل المدرسة.
ومن هذه الفوائد الخاصة بالإعداد والتخطيط السديد والقويم والسليم للمناهج وبيئة التعلم في مرحلة رياض الأطفال، من بين هذه الفوائد ما يلي:
العمل على رعاية النمو في كافة مظاهره ومراحله المختلفة، بغرض تنشئة جيل من الأطفال يتمتع بالصحة الجسمية والنفسية، والسعادة الاجتماعية، والقدرة على الإنتاج في مرحلة الرشد، كذلك الاهتمام بنمو شخصية الطفل بكل أبعادها الجسمية والعقلية والانفعالية، وجعل الأنشطة التربوية ملائمة لمراحل النمو ونجاح ذلك في مرحلة ما قبل المدرسة وملائمته لقدرات وحاجات واستعدادات وخصائص النمو المختلفة لأطفال ما قبل المدرسة.
والاهتمام بعملية التوجيه والإرشاد النفسي والتربوي والمهني والأسري لطفل ما قبل المدرسة، والعمل على اعتبار أن الطفل طفل، وليس راشدًا صغيرًا، وأن النضج في الرعاية يساوي التطور في النمو.
كذلك مراعاة إشباع حاجات الطفل بالنسبة لنموه النفسي، وتبصير وتعريف التربويين بحقيقة ارتباط مشكلات السلوك للطفل بنمط النمو، ومساعدة التربويين على تعديل برامج التربية لتتفق مع أنماط النمو إذا كنا نريد أن نجنب الطفل مشكلات السلوك، وتأخر النمو.
أيضًا العمل على تحقيق أكبر درجات النمو، والتوافق في هذه المرحلة في ضوء مطالبها.
ومن هنا، فإن نمو الطفل ومظاهره في مرحلة الطفولة المبكرة بما فيها مرحلة رياض الأطفال له عدة مطالب أساسية، تتناسب مع هذه المظاهر، والتي من المهم التعرف عليها؛ كي تتحقق الفائدة لمعلم الروضة، والقائم على إعداد المناهج لمرحلة رياض الأطفال أو ما قبل المدرسة، والقائمين على تربية الأطفال في هذه المرحلة، ولعل من أهم هذه المطالب ما يلي:
مراعاة الحفاظ على الحياة، وما يتصل بذلك من تعلم المشي، وتعلم استخدام العضلات الصغيرة، وتعلم الأكل، وتعلم الكلام، وتعلم ضبط الإخراج وعاداته، وتعلم الفروق بين الجنسين.
أيضًا تعلم المهارات الجسمية الحركية اللازمة للألعاب، وألوان النشاط العادية، والمهارات التي تحقق التوازن الفسيولوجي، وتعلم المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب، وتعلم المهارات العقلية المعرفية الأخرى اللازمة لشئون الحياة اليومية، وتعلم الطرق الواقعية في دراسة البيئة والتحكم فيها، وتعلم قواعد الأمن والسلامة.
وأيضًا تعلم الأمور اللازمة للنمو الاجتماعي الصحيح مثل تعلم ما ينبغي توقعه من الآخرين عند أداء أفعال معينة، وبخاصة الوالدين والرفاق، وتعلم التفاعل الاجتماعي مع الرفاق، وتكوين الصداقات والاتصال بالآخرين، والتوافق الاجتماعي، وتكوين الضمير، وتعليم التمييز بين الصواب والخطأ، والخير والشر، ومعايير الأخلاق والقيم، والتوحد مع أفراد الجنس، وتعلم الدور الجنسي في الحياة.
وتعلم تكوين اتجاهات سليمة نحو الجماعات والمؤسسات والمنظمات الاجتماعية، وتكوين المفاهيم البسيطة، والمدركات الخاصة بالحياة اليومية، والواقع الاجتماعي، وتنمية مفهوم الذات، واكتساب اتجاه سليم نحوها، والإحساس بالثقة في الذات وفي الآخرين، وتعلم المشاركة في المسئولية، وممارسة الاستقلال الشخصي للطفل في هذه المرحلة.
أيضًا تعلم ما يتصل بتحقيق الأمن الانفعالي، من تعلم الارتباط الانفعالي والعاطفي بالوالدين والإخوة الآخرين، وتعلم ضبط الانفعال وضبط النفس وعدم العدوانية، وعدم مبادأة الآخرين بالاعتداء.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال أنه إذا كانت هذه مطالب النمو عند علماء النفس المحدثين التي ينبغي أيضًا وضعها في الاعتبار أثناء بناء المناهج لأطفال ما قبل المدرسة، وضرورة أن تراعي هذه المناهج لأطفال ما قبل المدرسة على تناول هذه الأمور، وهذه المهام، فإنه ينبغي أيضًا الإشارة إلى أن الإسلام الحنيف قد اهتم بهذه المطالب، وبالذات في هذه المرحلة مرحلة ما قبل المدرسة.
وأهم أوجه هذا الاهتمام بالإسلام لأطفال ما قبل المدرسة أو ما قبل الالتحاق بالتعلم في مؤسسات التعلم، منها تحقيق الأمن النفسي وإحاطة الطفل بكل ما يحقق له ذلك من محبة وعطف وحنان، وحسن معاملة له، واهتمام به؛ مما يضع في نفسه الثقة، ويساعده على تكوين مفهوم إيجابي للذات، ويظهر ذلك جليًّا وواضحًا أيضًا من فعل النبي صلى الله عليه وسلممع حفيديه الحسن والحسين، وما تركه لنا الرسول الأعظم من أقوال وأفعال في ذلك الأمر.
كذلك اعتبار أن الأطفال زينة، ومعاملتهم من هذا المنطلق، كما قال القرآن الكريم: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف: 46]، كذلك أيضًا اهتم الإسلام في أطفال ما قبل المدرسة، وفي هذه المرحلة على وجه التحديد باكتساب المهارات العقلية، وتحصيل المعرفة والثقافة، وتنمية المكنات الجسمية واستثمارها، وتحقيق الصحة البدنية عن طريق اللعب بأنواعه المختلفة.
كما اهتم الإسلام أيضًا بأطفال تلك المرحلة في تعلم العادات الحسنة في الغذاء والشراب وغير ذلك من ممارسات الحياة اليومية، وأيضًا أداء العبادات منذ الصغر حتى يعتاد الطفل على أدائها بانتظام، وتعلم القيم الدينية والخلقية، وضبط الغرائز والتحكم في الدوافع والانفعالات. وكل تلك الأمور التي رعاها الإسلام ينبغي أن تراعيها، وأن تحيط بها مناهج أطفال ما قبل المدرسة.
كما يجب على المخططين والتربويين والقائمين على التعليم في مؤسساتنا التعليمية، في دولنا العربية الاهتمام البالغ بإعداد مناهج على مستوى عال يشارك فيها المتخصصون والباحثون في مجال أطفال ما قبل المدرسة؛ من أجل الخروج بمنهج يقترب كل الاقتراب من الكمال، في مراعاة خصائص هؤلاء الأطفال، وأيضًا في مراعاة تعلم ما ينبغي تعلمه لأطفال ما قبل المدرسة، وفي المعايير الخاصة بمناهج أطفال ما قبل المدرسة وفق المعايير العالمية، ووفق معايير الجودة التي ينبغي توفرها ومراعاتها في أطفال ما قبل المدرسة.
وهكذا كانت عناية الرسول صلى الله عليه وسلمواهتمامه في تربية الأطفال بتحقيق مطالب النمو الأساسية من وجهة نظر الإسلام، وذلك قبل أن يتكلم أو يتحدث عنها أو يتناولها علماء النفس في العصر الحديث بأربعة عشر قرنًا، حتى كان سبق الإسلام والرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلموتفرده في الكثير من هذه المطالب الأساسية للطفل كإنسان، بل وتميز الإسلام عن المعاصرين من علماء علم النفس في ذلك.