أوزان الأسماء الثلاثية التي يدخلها التفريع، وما يتفرع عليها
البناء الأول: (فَعِل) بفتحٍ فكسرٍ هذا البناء على الرغم من أنه ثلاثي إلا أن العرب قد استشعروا فيه بعد الثقل نتيجة كسر عينه، وجدوا أن العين في بناءٍ وُضِعَ أساسًا على الخفة؛ فأحدثوا فيه مزيدًا من التخفيف، ثم وجدناهم يقسمون هذا البناء قسمين:
القسم الأول: فهو هذا البناء ما ورد منه حلقي العين، وحروف الحلق: الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء. هذه الأحرف تتطلب مزيدًا من الخفة ليتمكن المتكلم من النطق بها نطقًا كاملًا سليمًا؛ ولذلك وجدوا أن بناء فاعل إذا كانت عينه حرفًا من أحرف الحلق الستة، فقد زاد هذا البناء -من وجهة نظرهم- زاد ثقلًا على ثقلٍ؛ فأحدثوا فيه مزيدًا من التخفيف؛ ولذلك وجدنا أنهم فرعوا على هذا البناء ثلاثة أبنية أخرى.
أما مثال هذا البناء وهو حلقي العين ككلمتي: فَخِذٍ، ونَهِمٍ، أجازوا فيه ثلاثة تفريعات باطراد قالوا فيه (فَعْل) بفتح الفاء فسكون العين، فَخْذ، نَهْم في فَخِذٍ ونَهِمٍ، قالوا فيه أيضًا: (فُعْل) بكسر الفاء فسكون العين، بل أحدثوا فيه تخفيفًا آخر ثالثًا فقالوا فيه: (فِعِل) وكأنهم نقلوا كسرة العين إلى الفاء، أو كأنهم أبقوا للعين كسرتها، ثم كسروا الفاء اتباعًا بكسرة الفاء، والاتباع يُحدث شيئًا من الانسجام الصوتي والخفة في النطق واللفظ، فقالوا: (فِعِل) بكسرتين؛ ولذلك كلمة فَخِذ، وكلمة نَهِم جاءوا بها على أربعة أوجه:
الوجه الأول: وهو البناء الأصلي: فَخِذٌ ونَهِمٌ.
الوجه الثاني: فَخْذٌ ونَهْمٌ -بتسكين العين المكسورة.
الوجه الثالث: فِخْذٌ ونِهْمٌ، وكأنهم نقلوا كسرة العين إلى الفاء وسكنوا العين.
الوجه الرابع: فِخِذٌ ونِهِمٌ بكسر الفاء والعين معًا.
هذا بالنسبة للبناء على وزن (فَعِل) إذا كان حلقي العين.
فإذا لم يكن هذا البناء حلقي العين مثلًا كلمة كَبِدٌ وكلمة كَتِفٌ هاتان الكلمتان كل منهما على وزن (فَعِلٌ) بفتح الفاء وكسر العين، إلا أن العين ليست حلقية، أو ليست حرفًا من أحرف الحلق هذه أو هذا مثل هذه الكلمات ذكروا فيها تفريعين اثنين فقط؛ لأنها أخف من الكلمات الأخرى حلقية العين، فقالوا: أجازوا التفريع الأول والتفريع الثاني ولم يجيزوا فيه التفريع الثالث، التفريع الأول هو الفتح فالسكون قالوا في كَبِدٍ: كَبْدٍ، وقالوا في كَتِفٍ: كَتْفٍ، التفريع الثاني الذي أجازوه في مثل هذه الكلمات التي على وزن (فَعِلٍ) وليست حلقية العين الذي هو (فِعْلٌ) قالوا: كِبْدٌ وكِتْفٌ، ولم يذكروا التفريع الثالث؛ لأن هذه الكلمة من وجهة نظرهم قد اكتفت بهذين التخفيفين.
ونلحظ أيضًا عند حديثنا عن هذا البناء أنه على الرغم من أن هذه التفريعات الثلاثة التي حدثت في فعلٍ حلقي العين، والتفريعتين أو التفريعين الاثنين الذين حدثا في فعل وليس حلقي العين وجدنا أن هذه التفريعات أحيانًا قد تمتد إلى الأفعال التي على هذا البناء، وكأنهم كانوا يشعرون في هذه الأفعال على الرغم من أن الأفعال ثقيلة بذاتها كانوا يشعرون فيها أيضًا أنها تحتاج إلى شيء من التخفيف، فوجدناهم مثلًا في الأفعال التي على هذا البناء على وزن (فَعِلٌ) (فعلة) إذا كانت حلقية العين مثل: شهد، ومثل: فهم، وجدناهم يذكرون التفريعات الثلاثة التي أوردوها في الأسماء التي على هذا البناء يطبقونها أيضًا على هذه الأفعال، فيقولون في شهد: شَهْدَ وشِهْدَ وشِهِدَ، وفي فهم: فَهْمَ وفِهْمَ وفِهِمَ كما فعلوا في نحو: فَخِذٍ ونَهِمٍ من الأسماء.
والفعل الذي على وزن (فَعِل) وهو غير حلقي العين مثل: عَلِمَ أجازوا فيه التفريع الأول فقط، وهو فتح الفاء وتسكين العين فقالوا: عَلْمَ، هذا البناء يُعدُّ أشهر الأبنية التي أحدثت فيها هذه القبائل العربية شيئًا من التفريع.
بعض الأبنية الأخرى التي أحدثوا فيها شيئًا من التفريع لكنها أقل من هذا البناء:
- الاسم الثلاثي المجرد ووزنه (فَعُلٌ) بفتح الفاء وضم العين مثل كلمة: رَجُلٌ، وعَضُدٌ، وكأنما استشعروا في هذا البناء شيئًا من الثقل لوجود العين مضمومة؛ فأجازوا فيه تفريعًا واحدًا فقط وهو إسكان عينه، فقالوا في رجل: رَجْل، وفي عضد عَضْد.
- الفعل الذي على وزن (فَعُلَ) مثل: كَرُمَ، فقالوا فيه: كَرْمَ فلانٌ أي كَرُمَ.
- الثلاثي المجرد على وزن: (فُعُلٌ) بضمتين مثل: عُنُقٌ، رُسُلٌ، أجازوا فيه تفريعًا واحدًا أيضًا، وهو إسكان عينه، فقالوا في الكلمتين السابقتين مثلًا ونحوهما: عُنْقٌ، رُسْلٌ.
- (فِعِلُ) بكسرتين مثل: إِبِلٌ، إِبِطٌ، أجازوا فيه تفريعًا واحدًا وهو إسكان عينه كذلك، فقالوا في الكلمتين السابقتين ونحوهما: إِبْلٌ إِبْطٌ.
- (فَعْلٌ) بفتحٍ فسكون إذا كان حلقي العين، وهذا البناء قد اختلف فيه العلماء، أولًا أمثلته إذا كان حلقي العين وهو على وزن (فَعْل): نَهْرٌ، بَحْرٌ، فَخْرٌ، شَعْرٌ، وجد العلماء أن العرب قد أوردوا هذه الكلمات مفتوحة العين أيضًا، فقالوا: نَهَرٌ في نَهْر، وبَحَرٌ في بَحْر، وفَخَر في فَخْر، وشَعَر في شَعْر.
وقد اختلف العلماء حيال ذلك على رأيين:
البصريون: قالوا: إن هذين البناءين يعني نَهْر ونَهَر (فَعْل) و(فَعَل)، إنما هما أصلان وليس أحدهما متفرعًا عن الآخر.
الكوفيون: قالوا: إن مفتوح العين وهو نَهَرٌ، وبَحَرٌ، وفَخَرٌ، وشَعَرٌ، فرعٌ على ساكن العين، وكأن الأصل عند الكوفيين نَهْرٌ وفُرعَ على نَهَرٌ، بَحْرٌ وفُرعَ إلى بَحَرٌ، شَعْرٌ وفَرِعَ إلى شَعَرٌ، طبعًا الراجح إنما هو رأي البصريين أنهما لغتان وليس، أو أي بناء من هذين البناءين مفرعًا عن الآخر؛ لأن كون فتح العين فرعًا على ساكنها ينافي الغرض من التفريع أساسًا، فالغرض من التفريع هو إحداث تخفيف في بنية الكلمة التي بُنِيتْ أساسًا على شيء من الخفة وهو البناء الثلاثي، فكيف يتصور أن هذه الكلمات التي وُضِعَتْ ساكنة العين تُخفف بفتح العين؟! والمفترض إذا حدث فيها التخفيف أن يحدث التخفيف عكسيًّا كأن تكون هذه الأبنية وَضِعَتْ في بداية أمرها مفتوحة العين ثم خففت بتسكينها؛ ليتم التخفيف الذي يهدف إليه التفريع.