أول ما أُلف من كتب التخريج
في القرن الأول وما يليه من القرون الأولى لم يكن العلماء بحاجة إلى هذا العلم؛ فلقد كانت ذاكرتهم قوية وحافظتهم متوقدة، بحيث كان إذا سئل أحدهم عن حديث ما أشار في التو إلى أصله ومصدره، والكتاب الذي جاء فيه، والباب الذي ناسب ذكره لهذا الحديث، وكانوا على علم كامل بكيفية تأليف كتب الحديث وغيرها، حتى إذا تقدم الزمن وقل اطلاع الناس على كتب الحديث ومصادر السنة الأصلية، وأصبح الكثير لا علم له بكيفية تأليف مصادر السنة، صَعُب على الناس -حتى على الكثير من العلماء غير المتخصصين في الحديث- معرفة مواضع الأحاديث التي استشهد بها المصنفون في العلوم الشرعية وغيرها كالفقه والتفسير والتاريخ وغير ذلك؛ فقام بعضُ العلماء وشمروا عن ساعد الجد؛ فخرَّجوا أحاديث بعض الكتاب المصنفة في غير الحديث، وعزوا تلك الأحاديثَ إلى مصادرها من كتب السنة الأصول، وذكروا طرقها، وتكلموا على بعضها أو كلها بالتصحيح والتضعيف حَسْب ما يقتضيه الحال، فظهر ما يسمى بكتب التخريج.
وكان من أوائل تلك الكتب التي خرَّج الخطيب البغدادي المتوفى سنة 493 هجرية أحاديثها وأشهرها:
1. (تخريج الفوائد المنتخبة الصحاح والغرائب) للشريف أبي القاسم الحيسيني.
2. (تخريج الفوائد المنتخبة الصحاح والغرائب) لأبي القاسم المهراني.
3. (تخريج أحاديث المهذب) تصنيف محمد بن موسى الحازمي الشافعي المتوفى سنة 584 هجرية، وكتاب (المهذَّب) هو كتاب في الفقه الشافعي تصنيف أبي إسحاق الشيرازي.
ثم توالت كتب التخريج بعد ذلك، وكان منها أسفار في ذلك الفن كتب مطولة؛ فمن هذه الكتب المطولة:
1. (نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية) للزيلعي.
2. (تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير) لابن حجر العسقلاني.
وكتاب (نصب الراية) في تخريج الأحاديث التي وردت عند الأحناف في (الهداية)، و(تلخيص الحبير) هو تخريج الأحاديث التي وردت في كتاب (الرافعي الكبير) في الفقه الشافعي.
3. ثم جاء كتاب (الشافِ الكافِ في تخريج أحاديث الكشاف) لابن حجر العسقلاني، والمراد به كتاب (الكشاف) في التفسير للزمخشري، به أحاديث الإمام ابن حجر العسقلاني خرج هذه الأحاديث في ذلك الكتاب، وسماه (الشافِ الكافِ في تخريج أحاديث الكشاف).
4. والإمام أبو حامد الغزالي له كتاب عظيم يعرف بـ(إحياء علوم الدين) به الكثير من الأحاديث الضعيفة؛ بل والموضوعة، قيض الله سبحانه وتعالى مَن خدم ذلك الكتاب؛ فيقرأ فيه بلا خوف؛ إذ حكم العراقي على أحاديثه وبين الصحيح منها من الضعيف، وسمى الكتاب (المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار) للحافظ العراقي.
ثم تباعدت الأيام ووصل الأمر ببعض الباحثين أن يعلم أن الحديث في (صحيح البخاري) مثلًا أو في (مسند الإمام أحمد) ومع ذلك لا يستطيع أن يهتدي إليه ليقوم بتوثيقه؛ فجاء دور علماء الحديث المحدِّثين؛ فقاموا في “جامعة الأزهر” بعمل موسوعة في السنة التي كان الهدف منها تخريج كل حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم كالأحاديث التي يمكن الوصول إليها؛ فحولوا أحاديثَ السنة إلى رسائلَ في تخصص الماجستير، والعالمية، والدكتوراه، وقاموا بتخريج كم كبير من الأحاديث؛ فخرجوا (مسند الإمام أحمد بن حنبل) وهو يشتمل على حوالي أربعين ألف حديث تقريبًا بالمكرر، وبدون المكرر حوالي ثلاثين ألف حديث تقريبًا، وخرجوا كتاب (السنن الكبرى) للبيهقي، ويشتمل على أكثر من عشرين ألف حديث، وخرجوا (المعجم الكبير) للطبراني و(الأوسط) و(الصغير)، وبهذه المعاجم ما يزيد على خمسين ألف حديث.
كما أنهم يقومون الآن بتخريج الكثير من كتب السنة، وكان عملهم في تلك الموسوعة الحديثية عزوَ الحديث إلى مصدره الأصلي، مع بيان اسم الكتاب، والباب، والجزء، والصفحة التي بها هذا الحديث، ودراسة أسانيد كل حديث، ثم الحكم على هذا الإسناد بالصحة أو الحسن أو الضعف، وهذا العمل قائم على قواعد وأصول وضعها العلماء السابقون، وزاد عليها المحدثون.
بهذه القواعد استطاعوا أن يخرجوا الكثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أشهر كتب التخاريج:
لقد نَمَا ذلك العلم واشتد سوقه نتيجة لإعمال الفكري في هذا المجال، ظهرت عشرات الكتب من كتب التخريج وهي مشهورة كثيرة، منها:
– (تخريج أحاديث المهذَّب) لأبي إسحاق الشيرازي، تصنيف محمد بن موسى الحازمي 584 هجرية.
– و(تخريج أحاديث المختصر الكبير) لابن الحاجب، تصنيف محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي المتوفى 744 هجرية.
– ثم كتاب (نصب الراية لأحاديث الهداية)، تصنيف عبد الله بن يوسف الزيلعي سنة 762 هجرية.
– (تخريج أحاديث الكشاف للزمخشري) للحافظ ابن حجر 852 هجرية.
– ثم كتاب (البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير للرافعي) تصنيف عمر بن علي بن الملقن 804 هجرية.
– (المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار) تصنيف عبد الرحمن بن الحسين العراقي 806 هجرية.
– (تخريج الأحاديث التي يشير إليها الترمذي في كل باب) للحافظ العراقي.
– (التلخيص الحبير في تخريج أحاديث شرح الوجيز الكبير للرافعي) تصنيف أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى 852 هجرية.
– (الدراية في تخريج أحاديث الهداية) للحافظ ابن حجر.
– (تحفة الراوي في تخريج أحاديث البيضاوي) تصنيف عبد الرءوف المناوي المتوفى 1031 هجرية.