إبطال التوارث بين المتآخين من المهاجرين والأنصار بنص القرآن الكريم
لا شك أن التوارث بين المتآخين كان لمعالجة ظروف استثنائية مرت بها الدولة الناشئة، فلما ألف المهاجرون جو المدينة، وعرفوا مسالك الرزق فيها، وأصابوا من غنائم بدر الكبرى ما كفاهم- رجع التوارث إلى وضعه الطبيعي المنسجم مع الفطرة البشرية، على أساس صلة الرحم، وأبطل التوارث بين المتآخين، وذلك بنص آيات القرآن الكريم؛ حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ } [الأنفال: 75]. هذه الآية -كما هو واضح منها. نسخت التوارث بموجب نظام المؤاخاة، ويرى ابن عباس أن آية: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] هي التي نسخت التوارث بالمؤاخاة، فالموالي في رأيه هم الورثة بالرحم، {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} هم المهاجرون الذين كانوا يرثون بنظام المؤاخاة، وذكر ابن عباس: أن ما ألغي من نظام المؤاخاة هو الإرث، أما النصر والرفادة والنصيحة فباقية، يمكن أن يوصى ببعض الميراث بين المتآخين، ودون وصية لا يرث، وهذا ما قد وردت الإشارة إليه في (صحيح البخاري).
وذهب الإمام النووي أيضًا إلى أن الميراث لا يكون بين المتآخين دون وصية، فقال: “أما ما يتعلق بالإرث فيستحب فيه المخالفة عند جماهير العلماء، وأما المؤاخاة في الإسلام، والمحالفة على طاعة الله سبحانه وتعالى، والتناصر في الدين، والتعاون على البر والتقوى، وإقامة الحق، فباقٍ لم يُنسخ”.
إذًان فالمؤاخاة التي شرعت بين المؤمنين باقية لم تُنسخ، اللهم إلا ما يترتب عليها من توارث، فإنه منسوخ، وبوسع المؤمنين في كل عصر أن يتآخوا بينهم على المواساة والارتفاق والنصيحة، ويترتب على مؤاخاتهم حقوق أخص من المؤاخاة العامة بين المؤمنين المقررة بقول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
وتتمثل استجابة المسلمين لأوامر الله سبحانه وتعالى في انخلاعهم عن علاقاتهم الاجتماعية والمكانية إذا اقتضت ذلك مصلحة العقيدة.