Top
Image Alt

إجازة خبر الواحد الصدوق في الفرائض والأحكام

  /  إجازة خبر الواحد الصدوق في الفرائض والأحكام

إجازة خبر الواحد الصدوق في الفرائض والأحكام

. “باب ما جاء في إِجازةِ خِبرِ الواحدِ الصّدوق في: الأذان، والصلاة، والصوم، والفرائض، والأَحكام”:

مراد البخاري بهذا الكتاب وبهذا الباب خاصة: أنّ الأحاديث تدلّ على جواز قَبول خبر الواحد الصدوق في الأحكام، وأورد في هذا الباب أحاديث يَشمَلها شيء واحد، وهو: جواز قبولِ خبَر الواحد الصّدوق في: الأذان، والصلاة… إلخ.

أ. أحاديث جواز قبول خبر الواحد الصدوق:

قال الإمام البخاري: حدثنا محمد بن المثنّى قال: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، قال: حدثنا مالك بن الحويرث قال: ((أتيْنا النبيَّ صلى الله عليه  وسلم ونحن شَبَبة متقارِبون، فأقَمنا عندَه عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه  وسلم رقيقًا، فلما ظَنّ أنْ قد اشتهيْنا أهلَنا أو قد اشتقْنا، سألَنا عمَّن تَركْنا بعدَنا، فأخبرناه، قال: ارجِعوا إلى أهلِيكم، فأَقيموا فيهم، وعلِّموهُم ومُروهُم))، وذَكرَ أشياءَ أحفَظها ولا أحفَظها: ((وصَلُّوا كما رأيتُموني أُصلّي، فإذا حضَرَت الصّلاة، فلْيؤذِّن لكم أحدُكم، ولْيؤمّكم أكبرُكم)).

وقال الإمام البخاري حدثنا مسدّد، عن يحيى، عن التيمي، عن أبي عثمان، عن أبي مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((لا يَمنعَنّ أَحدَكم أذانُ بِلال مِن سَحورِه، فإنّه يُؤذِّن -أو قال: ((يُنادِي بِلَيل))- ليَرجعَ قائِمُكم، ويُنبِّه نائمَكم، وليس الفجر أن يقول هكذا -وجَمعَ يَحيى كفَّيه- حتى يقول هكذا))، ومَدّ يحيى إصبَعَيْه السبّابتَيْن.

إن ما ذكرناه من أحاديث إنما تُثبِت العمَل بخَبر الواحد؛ ففي كلٍّ منها ما يُبيِّن: أنّ هناك واحدًا قد أَخبَر بأمر فعمِل به الصحابة رضي الله  عنهم عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم. 

 وقبل أن نُبيِّن ذلك في كلِّ حديث، نُبيِّن أنّ خَبر الواحد هو: ما رواه واحدٌ أو أكثر، ولكن لا يَبلُغون حدَّ التواتر؛ فخَبر الواحد هنا يقابِل: خَبر المتواتِر.

وقول الإمام البخاري: “باب: إجازة خبر الواحد”، والمراد بالإجازة: جوازُ العمل به، والقول بأنه حُجّة، وبالواحد هنا حقيقة الوِحدة، وأمّا في اصطلاح الأصوليِّين، فالمُراد به: ما لم يَتواتر، وقصْدُ الترجمة: الردُّ على مَن يقول: إنّ الخبر لا يُحتجُّ به، إلاّ إذا رواه أكثرُ مِن شخص واحد حتى يَصير كالشهادة، ويَلزم منه الردُّ على مَن شَرط أربَعةً أو أكثر.

وقد نَقل بعضُ العلماء: أنّ بعضَهم اشترَط في قبَول خبر الواحد: أن يروِيه ثلاثةٌ عن ثلاثة إلى مُنتهاه، واشتَرَط بعضُهم أربعةً عن أربعة، وبعضُهم خمسةً عن خمسة، وبعضُهم سبعةً عن سبعة؛ واشتَرط بعضُهم اثنيْن عن اثنيْن كالشَّهادة على الشهادة.

وقوله: “خبر الواحد الصّدوق”: قيْدٌ لا بدّ مِنه، وإلاّ فمُقابِله -وهو: الكذوب- لا يُحتجّ به اتفاقًا، وأمّا مَن لم يُعرَف حالُه فثالثها، يجوز إن اعتَضَد.

وقولُ البخاري: “والفرائض” بعد قوله: “يجوز في الأذان والصلاة والصوم”، مِن عطْف العام على الخاص، وأفرد الثلاثةَ بالذِّكر، وهي: الأذان والصلاة والصوم، للاهتمام بها.

والمُراد بقَبول خَبره في الأذان: أنه إذا كان مؤتَمَنًا فأذَّن، تَضمَّنَ دخول الوقت، فجازت صلاةُ ذلك الوقت، وفي الصلاة: الإعلام بجهة القِبلة، وفي الصوم: الإعلام بطلوع الفجر أو غُروب الشمس.

وقوله: “والأحكام”، بعد قوله: “والفرائض”، مِن عَطفِ العامّ على عامٍّ أخَصَّ منه؛ لأنّ الفرائض فرْدٌ مِن الأحكام، والأخبارُ كثيرة بأنّ أهلَ كلّ بَلد مِنهم كانوا يَتحاكَمون إلى الّذي أُمِّر عليهم، ويَقبَلون خَبره، ويَعتمِدون عليه مِن غيرِ التفات إلى قرِينَة.

ب. الشرح:

قوله في الحديث الأول: “حدثنا عبد الوهاب”، هو: ابن عبد المجيد الثقفي، وأيوب هو: السختياني.

وقوله: “أتيْنا النبيَّ صلى الله عليه  وسلم”، أي: وافدِين عليه سَنة الوُفود.

وقوله: “ونحن شَبَبَة” -بمعجَمَة وموحَّدتَيْن وفتْحات-: جَمْع شَباب، وهو مَن كان دون الكُهولة.

وقوله: “متقاربون”، أي: في السِّن، بل في أعمَّ منه.

وقوله: ((رقيقًا))، بقافَيْن، وبفاء ثم قاف: ((رفيقًا))، ثبتَ ذلك عند رواة البخاري على الوجهيْن، وعند رواة مسلم بقافيْن فقط، وهما متقارِبان في المعنى المقصود هنا. 

وقوله: “اشتهَيْنا أهلنا”، والمراد بأهل كلٍّ منهم: زوجته، أو أعمّ مِن ذلك.

وقوله: ((سَأَلَنا عمّن تركْنا بعدنا))، أي: سألَنا النبي صلى الله عليه  وسلم وقال صلى الله عليه  وسلم: ((ارجِعوا إلى أهليكم))، إنما أَذِن لهم في الرجوع لأنّ الهجرة كانت قد انقطعَت بفتح مكة، وكانت الإقامة بالمدينة باختيار الوافد؛ فكان مِنهم مَن يَسكنها، ومنهم من يرَجِع بعد أن يتعلَّم ما يَحتاج إليه.

وقوله: ((وعَلِّموهم ومُروهم))، بصيغة الأمر ِضّد النّهْي، والمُراد به أعَمّ مِن ذلك؛ لأن النّهي عن الشيء أمْر بفِعل خِلاف ما نُهي عنه اتفاقًا، وعَطْف الأمرِ على التعليم لكونه أخَصَّ منه، أو هو استئناف، كأنّ سائلًا قال: ماذا نُعلِّمُهم؟ فقال: ((مُروهُم))، بالطّاعات وكذا وكذا.

قال: “وذَكَر أشياءَ أَحفَظُها ولا أحفظها”، قائل هذا هو: أبو قلابة راوي الخبر.

وقوله صلى الله عليه  وسلم: ((وصَلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي))، أي: ومِن جُملة الأشياء التي يَحفظُها أبو قلابة عن مالك قوله صلى الله عليه  وسلم هذا، قال ابن دقيق العيد: واستَدلّ كثير مِن الفقهاء في مَواضع كثيرة على الوجوب بالفعل مع هذا القول، وهو: ((صَلّوا كما رأيتموني أصلِّي))، قال: وهذا إذا أُخِذ مُفرَدًا عن ذِكر سببِه وسياقه، أََشعَر بأنه خِطاب للأُمّة بأن يُصَلّوا كما كان صلى الله عليه  وسلم يُصلي، فيَقوَى الاستدلال به على كلّ فِعل ثبَت أنه فَعَله صلى الله عليه  وسلم في الصلاة. لكنّ هذا الخطاب إنما وَقع لمالِك بنِ الحُويرِث وأصحابه، بأن يُوقِعوا الصَّلاة على الوجه الذي رأَوه صلى الله عليه  وسلم يُصلِّيه، نعم يَشركهم في الحُكم جميع الأمّة، بشرط أن يَثبُت استمراره صلى الله عليه  وسلم على فِعل ذلك الشيء المستدَلّ به دائمًا، حتى يَدخُل تحت الأمر ويكون واجبًا، وبعضُ ذلك مقطوع باستمراره عليه صلى الله عليه  وسلم.

وقوله صلى الله عليه  وسلم: ((فإذا حَضَرت الصَّلاة))، أي: دَخل وقتُها.

 وقوله صلى الله عليه  وسلم: ((فليُؤَذِّن لكم أحدُكم)) هو موضِع التَّرجمة، ومعناه: أنّ مَن يُؤذِّن يكون واحدًا يخبِرُكم بدخول الوقت، فيجُوز لكم الصلاةُ بِناء على هذا الأذان؛ وهو خَبَر واحد، واعتَمَده الرسول صلى الله عليه  وسلم.

أمّا الحديث الثاني: فقوله: عن يحيى، هو: ابن سعيد القطان، والتيمي هو: سليمان بن صَرْخان، وأبو عثمان هو: النهدي، والسَّند كلُّه إلى ابن مسعود بَصرِيُّون.

وقوله: ((وليس الفَجْر أنْ يَقول هكذا))، وجَمَع يحيى كَفَّيْه، يحيى هو: القطان راويه، وقد بُيِّن ذلك في حديث آخَر.

وقوله: قال فيه: ((وليس الفجر أن يَقول هكذا))، وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق، يَعني: هنا أَطلَق القول على الفعل، وقال بأصابِعِه ورَفَعها: أي أَشار  إلى فوق، وكذا أسفل يعني: أَشار بهما إلى فوق وإلى أسفَل، وكأنه جَمع بيْن أُصبُعيْه ثم فرَّقهُما ليحكي صفة الفجر الصادق، لأنه يَطلُع معترِضًا ثم يَعمُّ الأُفق ذاهبًا يمينًا وشِمالًا، بخلاف الفجر الكاذب، وهو الذي تسّميه العَرب: “ذَنَبَ السِّرحان”؛ فإنه يَظهَر أعلى السماء ثم يَنخَفِض، ولذلك أشار إلى أعلى ثم إلى أسفَل.

وموضِع الحديث -كما قلنا في التَّرجمة-: أنّ الحديث يتعلَّق بالأذان، والأذان هو إعلامٌ بدخول وقتِ الصلاة بألفاظ مخصوصة، ولكن الأذان الأوَّل يكون قَبل الوقت ليس إِعلامًا بالوقت، وإنما اختَصّت الصبْح بذلك مِن بين الصلوات؛ لأن الصلاة في أوّل وقتها مُرَغَّب فيه، والصّبْح يأتي غالبًا عَقِب نَوم؛ فناسَبَ أن يَنصِب مَن يُوقِظ الناس قَبل دخول وقتِها ليَتأهّبوا ويُدرِكوا فَضيلة أوَّل الوقت؛ وهذا أيضًا خبر واحد، ويؤخَذ به في السَّحور وفي غيرِه.

ج. حديث عمر رضي الله  عنه في أنه كان يَتناوب مع صاحِب له:

قال الإمام البخاري رحمه الله: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن عبيد بن حُنين، عن  ابن عباس، عن عمر رضي الله  عنهم قال: “وكان رَجُل مِن الأنصار إذا غاب عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم وشَهدتُه، أتيتُه بما يكُون مِن رسول الله صلى الله عليه  وسلم. وإذا غِبتُ عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم وشَهِد، أتاني بما يكون مِن رسول الله صلى الله عليه  وسلم”.

وهذا حديث مختصَر من حديثٍ طويل في قِصّة اعتزال رسول الله صلى الله عليه  وسلم نساءَه شَهرًا وأَتَى به الإمام البخاري هنا ليُبَيَِّن: أنّ بعض الصحابة كان يَعتمِد كلُّ واحد منهم على الآخَر في نَقلِ الخَبر عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم والعملِ به؛ فيُستفاد منه -كما يقول ابن حجر-: أنّ عمر كان يَقبَل خبر الشخص الواحد.

وقوله: “إذا غِبتُ وشَهِد”، أي: حَضَر ما يكُون عند النبي صلى الله عليه  وسلم.

وقد نَقل بعض العلماء لِقبول خبرِ الواحد: أنّ كلَّ صاحِبٍ وتابِع سُئلَ عن نازِلة في الدِّين، فأَخبَر السائل بما عندَه فيها مِن الحُكْم، أنه لم يَشتِرط عليه أَحدٌ مِنهم ألاّ يَعمَل بما أخبره به مِن ذلك حتّى يَسأل غيرَه، فضلًا عن أنْ يسأل الكافَّة؛ بل كان كلٌّ مِنهم يُخبره بما عنده فيَعمل بمقتضاه ولا يُنكِر عليه ذلك؛ فدَلّ على اتّفاقِهم على وجوبِ خَبر الواحد.

د. حديث عليّ  كرم الله وجه في الرّجل الذي أمّرَه:

الحديث الآتي يبَُيِّن أنه ليس العمل بخبر الواحد مطلَقًا، وإنما يوزَن بميزان الصِّدق، كما يُوزَن أيضًا بميزان: أنه لا يُخالِف الشَّرع، ولا يؤدّي إلى معصية. حتى وإن كان معه تفويض مِن رسول الله صلى الله عليه  وسلم فالمعروف أنّ هذا التفويض إنما هو فيما في طاعة الله عز وجل وليس في المعصية.

قال الإمام البخاري: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا غُندَر قال: حدثنا شعبة عن زُبيد، عن سعد بنِ عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن عليّ رضي الله  عنه: ((أنّ النبي صلى الله عليه  وسلم بَعَث جَيشًا وأمّر عليهِم رَجلًا))، فأوقَد نارًا وقال: ادخُلوها، فأرادُوا أن يَدخُلوها، وقال آخرون: إنما فَرَرنا مَنها، فذَكروا للنبي صلى الله عليه  وسلم فقال للّذين أرادوا أن يَدخُلوها: ((لو دَخلُوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة))، وقال للآخَرين: ((لا طاعةَ لِمعصية))، أي: الذين امتنعوا:  ((لا طاعة لمعصية، إنّما الطاعة في المعروف)).

قوله: ((وأمّر عليه رجلًا))، هو: عبد الله بن حذافة، والقَول في وجوب طاعة الأمير إنّما هو فِيما فيه طاعة، لا فيما فيه معصية.

وقوله صلى الله عليه  وسلم: ((لا طاعة في المعصية))، خَفيَت مُطابقَة هذا الحديث للتّرجَمة على ابن التين، فقال: ليس فيه ما بَوّبَ له؛ لأنهم لم يُطيعوه في دخول النار.

قال ابن حجر: لكنَّهم كانوا مُطيعِين له في غَيرِ ذلك، وبه يَتمُّ المُراد في كونِهم اعتمَدُوا طاعتَه فيما فوَّضَه فيه رسولُ الله صلى الله عليه  وسلم.

2. “باب: بعْث النبي صلى الله عليه  وسلم الزبيرَ طَليعةً وَحدَه”:

قال الإمام البخاري رحمه الله: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا ابن المنكدر، قال: سمعت جابر بن عبد الله، قال: ((نَدَب النبي صلى الله عليه  وسلم النّاسَ يوم الخَندَق فانتَدَب الزبير، ثم ندَبَهم فانتَدَب الزبير، ثم ندبهم فانتدَب الزبير، فقال: لِكلّ نبيٍّ حَواريّ، وحوارِيَّ: الزبيرُ))، قال سفيان: حَفظتُه مِن ابن المنكَدِر. وقال له أيوب: يا أبا بَكر –يعني: ابن المنكدر- حَدِّثهم عن جابر؛ فإنّ القوْم يُعجبهم أن تُحدِّثهم عن جابر، فقال في ذلك المَجلِس، فتابَع بين أحاديث: سمِعتُ جابرًا: قُلتُ لسفيان: فإنّ الثَّوريّ يقول: يوم قُريظة، فقال: كذا حَفِظتُه مِنه، كما أنّك جالس يوم الخَندَق، وقال سفيان: هو يومٌ واحد وتبسّم سفيان.

قوله: “باب: بَعْث النبي صلى الله عليه  وسلم الزبير طَلِيعةً وَحدَه”، ذَكَر فيه حديث جابِر وهو مِن إجازة خبر الواحد، وقوْله: “حَفِظتُه مِن ابن المنكدِر” يعني: محمدًا، وقال له أيوب، يعني: السِّختِيانيّ، يا أبا بَكر، وهي: كُنية محمد بن المنكدر، وقوله: ((نَدب))، أي: دعا وطَلب، وقوله: “انتَدب”، أي: أجابَ فأَسرَع.

والحديث واضِح في إجازة خبر الواحد؛ لأنّ الرسول صلى الله عليه  وسلم انتَدَب الزبيرَ وحدَه ليَنقُل خَبرًا منه صلى الله عليه  وسلم.

وقوله: ((وحَواريّ: الزبير))، أي: خاصّتي مِن أصحابي، وناصِري.

قال الأزهري: الحَواريون خُلْصان الأنبياء، أيّ: الذين أَخلَصوا ونُقُّوا مِن كلّ عيب.

وقوله: “قُلتُ لسفيان”، يعني: ابن عُيينة، والقائل هو: عليّ بن المَدينيّ شيخ البخاري فيه.

وقوله: “فإنّ الثوري ّيقول: يومَ قُرَيظة”، نَبّه الإسماعيليّ على ما يوَضّح ذلك، فقال: إنما طَلبَ النبيّ صلى الله عليه  وسلم يومَ الخندق خبَر بَني قُريظة، وعلى ذلك، فالرسول الله صلى الله عليه  وسلم عندما سيأتيه الزبيرُ بخبر بني قريظة سَيعتَمِد خبرَه هذا؛ وهو خبر الواحد.

وقوله: “قال سفيان”، هو: ابن عيينة، و”يوم واحد” يعني: يوم الخندق ويوم قريظة هو يوم واحد، وهذا إنما يصحّ على إطلاق اليوم على الزمان الذي يقع فيه الأمر الكبير، سواء قلّتْ أيّامُه أو كثُرَت، كما يقال: “يوم الفتح”، ويُراد به: الأيام التي أقام فيها النبي صلى الله عليه  وسلم بمكة لَمّا فتَحها.

3- “باب: قول الله –عز وجل-: { لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ}”:

حديث أبي موسى:

قول الله عز وجل: {لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ }[الأحزاب: 53]، فإذا أَذِن له واحد جاز، ثم قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب، قال حدثنا حمّاد بن زيد، عن أيوب عن أبي عثمان، عن أبي موسى: ((أنّ النبي صلى الله عليه  وسلم دَخَل حائِطًا، وأمَرَني بحِفظ الباب، فجاء رَجل يستأذن فقال: ائذَن له، وبَشِّرهُ بالجَنّة، فإذا أبو بكر، ثم جاء عُمر، فقال: ائذن له، وبَشِّرْهُ بالجنة، ثم جاء عثمان، فقال: ائذنْ له، وبَشِّرهُ بالجنة!)).

قول الإمام البخاري في ترجمة الباب: “فإذا أَذِن له واحِد جاز”: وَجْه الاستدلال به: أنّه لم يُقَيِّده بعَدد في قوله: {إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ }؛ فصارَ الواحِد مِن جُملة ما يَصدُق عليه وُجود الإِذن، وهو متَّفَق على العمل به عند الجمهور، حتى اكتَفَوا فيه بخبر مَن لم تَثبُت عدالتُه، لِقيام القرينة فيه بالصِّدق.

وبطبيعة الحال، اعتمد الرسول صلى الله عليه  وسلم إخبار واحد -وهو: أبو موسى- لأبي بكر، ثم لعمر، ثم لعثمان، بأنّهم مَن أهل الجنة رضي الله  عنهم.

error: النص محمي !!