Top
Image Alt

إخبار جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم بتآمر المشركين عليه، والإذن له بالهجرة

  /  إخبار جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم بتآمر المشركين عليه، والإذن له بالهجرة

إخبار جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم بتآمر المشركين عليه، والإذن له بالهجرة

جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه  وسلم وأخبره بتآمر قريشٍ والمشركين وما اتفقوا عليه في دار الندوة، وأعلمه بإذن الله عز وجل له في الهجرة إلى المدينة، وحدّد له وقتها، وطلب منه صلى الله عليه  وسلم ألَّا يبيت في فراشه الذي تعوّد المبيت عليه في هذه الليلة، وأمره ألا ينام في مضجعه، وكشف له عما دبّروه وما أسروه وما أعلنوه، قال عز وجل: {فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُون} [يس: 76].

قالت السيدة عائشة: “فبينما نحن يومًا جلوس في بيت أبي بكر في حرّ الظهيرة قال قائل: لأبي بكررضي الله  عنه هذا رسول الله صلى الله عليه  وسلم متقنعًا في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله، ما جاء في هذه الساعة إلا لأمر”، ثم قالت رضي الله  عنها: “استأذن النبي صلى الله عليه  وسلم فأذن له، ولما دخل تأخر له أبي بكر عن سريره فجلس رسول الله صلى الله عليه  وسلم وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء، فقال رسول الله صلى الله عليه  وسلم لأبي بكر:((أخرج من عندك))، فقال: يا رسول الله، إنما هما ابنتاي، أو قال: إنما هم أهلك، ثم سأل الصديق النبي صلى الله عليه  وسلم قائلًا: وما ذاك فداك أبي وأمي؟، فقال صلى الله عليه  وسلم:((إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة))”.

قالت السيدة عائشة: “إن أبا بكر قال: الصُحبة يا رسول الله، فقال صلى الله عليه  وسلم: ((نعم الصحبة))”، ثم قال رضي الله  عنه: يا رسول الله، إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا، فخُذْ -بأبي أنت يا رسول الله- إحدى هاتين الراحلتين، قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((بالثمن))، فاستأجر عبد الله بن أريقط من بني عدي هاديًا خِرِّيتًا –يعني: ماهرًا.، وكان مشركًا، يدلهما على الطريق؛ فدفع إليه راحلتيهما فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما”.

وبعد هذا الاتفاق على خطة تنفيذ أمر الله عز وجل بالهجرة إلى المدينة عاد النبي صلى الله عليه  وسلم إلى بيته ينتظر مجيء الليل، وعندما حل الظلام كان هناك أحد عشر رئيسًا من زعماء القوم من المشركين، هم: أبو جهل، والحكم بن العاص، وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، وأمية بن خلف، وزمعة بن الأسود، وطعيمة بن عدي، وأبو لهب، وأمية بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، واجتمعوا عند باب النبي صلى الله عليه  وسلم متيقظين متربصّين، يرصدون موعد نومهصلى الله عليه  وسلم؛ ليثبوا عليه -كما اتفقوا في دار الندوة- ويضربوه ضربة رجل واحد، ورأى النبي صلى الله عليه  وسلم مكانهم، فطلب من ابن عمه علي بن أبي طالب أن يبيت على فراشه قائلًا له: ((نَمْ على فراشي، وتسجى –يعني: تغطى- ببردي هذا الأخضر الحضرمي، فنم، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم))، ثم خرج صلى الله عليه  وسلم وسط هؤلاء المشركين المجتمعين، وقد أخذتهم سِنَةٌ من النوم، فأخذ حفنة من تراب في يده صلى الله عليه  وسلم، وأخذ الله على أبصارهم فلم يروه وجعل صلى الله عليه  وسلم ينثر التراب على رءوس القوم وهو يردد: {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيم إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِين عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيم لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُون لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُون وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُون} [يس: 1- 9].

فلم يبق رجلٌ إلا وقد سقط التراب على رأسه، ومضى النبي صلى الله عليه  وسلم إلى حيث أراد، والقوم يتطلعون فيرون عليًّا رضي الله  عنه مسجى على الفراش، مغطًى ببرد رسول الله صلى الله عليه  وسلم الأخضر الحضرمي –من حضرموت- فيقولون: والله، إن هذا لمحمد نائمًا وعليه برده، ولما طال انتظارهم جاءهم رجل ممن لم يكن معهم رآهم من فتحة في بابه، فقال لهم: ما تنتظرون ها هنا؟ قالوا محمدًا، قال: خبتم وخسرتم، قد -والله- مرّ بكم، وذرّ على رءوسكم التراب، قد -والله- خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلًا إلا وقد وضع على رأسه ترابًا، وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم؟ قال: فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب، قالوا: والله، ما مرّ بنا، قال: لقد مرّ بكم، وذر على رءوسكم التراب، قالوا: والله، ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم، ثم تطلعوا من ثقب الباب فرأوا عليًّا نائمًا، فقالوا: إن هذا لمحمد نائمًا عليه بردّه الأخضر، واستمروا كذلك على هذا الحال حتى أصبحوا فإذا بعلي رضي الله  عنه يقوم عن الفراش، فأيقنوا أن رسول اللهصلى الله عليه  وسلم قد نجا من مكرهم، فقالوا: والله، لقد صدقنا الذي كان حدثناه، وتوجهوا إلى علي رضي الله  عنه وأخذوا في ضربه، وسحبوه إلى الكعبة المشرفة، وحبسوه هناك ساعة في محاولة منهم لمعرفة شيءٍ عن محمد صلى الله عليه  وسلم فلم يظفروا منه بشيء، وأكد لهم رضي الله  عنه أنه لا علم له بمحمد صلى الله عليه  وسلم.

وقد سجّل القرآن الكريم هذا في قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين} [الأنفال:30]، وفي قولهعز وجل : {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُون قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِين} [الطور: 30، 31].

وحين خرج رسول الله صلى الله عليه  وسلم لم يعلم بخروجه أحدٌ إلا أبا بكر وآل أبي بكر، وعليَّ بن أبي طالب، أما عليّ فقد أمره النبي صلى الله عليه  وسلم أن يبقى بمكة حتى يؤدّي عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم الوَدَائع التي كانت عنده للناس؛ ذلك أنه لم يكن أحد بمكة عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه وديعة عند المصطفى صلى الله عليه  وسلم؛ لما يعلم إلى درجة اليقين من صدقه صلى الله عليه  وسلم ومن أمانته.

وتوجه رسول الله صلى الله عليه  وسلم وأبو بكر رضي الله  عنه معًا إلى غارٍ بجبل ثور جنوب غربي مكة، وقد دخله المصطفى صلى الله عليه  وسلم وصاحبه الصدِّيق؛ ذلك بعد أن اختبر الصدِّيقُ المكانَ -أي: دخله وحده أولًا، ومسح المكان خشية أن يكون فيه شيء يؤذي رسول الله صلى الله عليه  وسلم.

وقد أمر أبو بكر رضي الله  عنه ابنَه عبد الله أن ينصت لما يقوله الناس من أهل مكة حول رسول الله صلى الله عليه  وسلم وصاحبه في لحظات النهار، ثم يأتيهما إذا أمسى بالأخبار، وكان الصِّدِّيق رضي الله  عنه قد أمر مولاه -أي: العامل عنده- عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه نهارًا، ثم يريحها عليهما ويأتيهما إذا أمسى في الغار؛ ليتزودا بلبنها، كذلك كانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما، وأقام رسول الله صلى الله عليه  وسلم ومعه الصِّدِّيق في الغار ثلاث ليالٍ: ليلة الجمعة، وليلة السبت، وليلة الأحد.

أما عن قريش؛ فتوجهوا إلى منزل الصِّدِّيق رضي الله  عنه، ووقف أبو جهل ببابه في نفر من القرشيين وخاطب ابنته أسماء قائلًا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قالت: والله، لا أدري أين أبي؟ فرفع أبو جهل يده ولطم خدَّها لطمةً شديدة كانت سببًا في طرح قرطها من أذنها، ولم يعد أمام الكفار إلا أن يجعلوا مائة ناقة مكافأة لمن يأتي بالنبي صلى الله عليه  وسلم وبصاحبه، ويردهما حَيِّين أو ميتين إلى القرشيين.

أما عبد الله بن أبي بكر وعامر بن فهيرة، فقد نفَّّذا ما طُلب منهما، وكان عبد الله إذا غدا من عندهما إلى مكة بعد إخبارهما بما عليه الحال هناك اتبع أثره عامر بن فهيرة ومعه الغنم حتى يعفي عليه -أي: يزيل كل أثر-، ولما مضت الليالي الثلاث، وسكن عنهما الناس، أتاهما عبد الله بن أُريقط ببعيريهما اللذين كانا قد تركاهما عنده، بالإضافة إلى بعير له ليستخدمه هو، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بسفرتهما، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق الشعيرة، فإذا بها ليس لها عصام، فحلت نطاقها –شبيه بالإزار- فجعلته اثنين، وجعلت أحد هذين الاثنين عصامًا علقت به – أي: ربطت به- وانتطقت بالنصف الآخر -أي: جعلته نطاقًا لها؛ لذا لقبت بـ: ذات النطاقين.

error: النص محمي !!