Top
Image Alt

إذا تعارض الجرح والتعديل في راوٍ، أيهما يقدم؟

  /  إذا تعارض الجرح والتعديل في راوٍ، أيهما يقدم؟

إذا تعارض الجرح والتعديل في راوٍ، أيهما يقدم؟

قد يختلف كلام إمامين من أئمة الحديث في الراوي الوحيد فيجرحه أحدهما ويعدله الآخر وبالمثال يتضح المقال، قال الإمام مالك -رحمه الله- في محمد بن إسحاق: إنه دجال، وفي رواية أنه قال: أشهد أنه كذاب. بينما قال شعبة في محمد بن إسحاق: إنه أمير المؤمنين في الحديث. إذن كلام مالك الآن يتعارض تمامًا مع كلام شعبة، مالك يجرح محمد بن إسحاق ويصفه بالدجل وبالكذب، وشعبة يصف محمد بن إسحاق بأنه أمير المؤمنين في الحديث، ومعلوم أن إمامة الإمام مالك -رحمه الله- في الدين معلومة لا تحتاج إلى دليل، كما أن شعبة -رحمه الله- إمام كبير لا خلاف في ذلك، وقد اختلفا -يعني: الإمام مالك وشعبة- في رجل من رواة الأحاديث، ففي الوقت الذي يجرحه فيه مالك يعدله فيه شعبة، فما هو الموقف في مثل هذه الصورة أيهما يقدم الجرح أم التعديل؟

اختلف أهل العلم فيما إذا تعارض الجرح والتعديل في راوٍ واحد على ثلاثة أٌقوال:

القول الأول: إن الجرح يُقدم على التعديل، وبناء عليه في الصورة التي معنا كلام الإمام مالك مقدم على كلام شعبة، وبالتالي فحديث محمد بن إسحاق لا يكتب ولا يلتفت إليه، قال أصحاب هذا القول: ولو كان المعدلون أكثر؛ لأن مع الجارح زيادة علم لم يطلع عليه المعدل ولأن الجارح مصدق للمعدل فيما أخبر به عن ظاهر حاله إلا أنه يخبر عن أمر باطن خفي عن المعدل.

وقد نقل هذا القول الخطيب البغدادي عن جمهور العلماء، وصححه ابن الصلاح -رحمه الله- ونص عليه الغزالي والقرافي وغيرهما.

لكن ينبغي التنبيه على أن الجرح الذي يقدم على التعديل إنَّما هو الجرح المفسر وليس المبهم، فإذا قال: الراوي فلان غير عدل لأسباب كذا وكذا وكذا وكذا قدمنا الجرح على التعديل.

ويرى ابن حجر أن الجرح الذي يُقدم على التعديل إنما هو الجرح المفسر، وذلك بالنسبة للشخص الذي ثبتت عدالته، وإنَّما يقبل الجرح المجمل بالنسبة للشخص الذي لم تثبت عدالته ما دام هذا الجرح قد صدر من جارح عارف بأسباب الجرح.

القول الثاني: يقدم التعديل على الجرح إذا كثر المعدلين -يعني: إذا كان عدد المعدلين أكثر؛ لأنَّ كثرة العدد تقوي حالهم وقلة الجارحين تضعف خبرهم، وفي هذا يقول الرازي -رحمه الله: وعدد المعدل إن زاد قيل: إنه يقدم على الجرح وهو ضعيف؛ لأن سبب تقديم الجرح اطلاع الجارح على زيادة، فلا ينتفي ذلك بكثرة العدد.

القول الثالث: التوقُّف وعدم تقديم أحدهما على الآخر إلا بمرجّح، والذي يكون بزيادة العدد في أحد الجانبين جانب التجريح، أو جانب التعديل، أو بشدة الورع فيمن يعدل ويجرح، أو بزيادة البصيرة فيه. وقد حكى هذا القول ابن الحاجب وجلال الدين السيوطي -رحمهما الله.

والخلاصة في تعارض الجرح والتعديل: أنَّه إذا وجد في راوٍٍ واحد تعديل وجرح مبهمان قدّم التعديل؛ لجواز أن يكون الدافع على الجرح المبهم حقدًا، أو عداوة، أو تعنتًا، أو ما شاكل ذلك، وكذا إن وجد الجرح مبهمًا والتعديل مفسرًا قدم التعديل، وتقديم الجرح إنَّما هو إذا كان مفسرًا سواء كان التعديل مبهمًا أو مفسرًا، وهذا التفصيل إنما هو في حالة ما إذا جاء الجرح من عالم، والتعديل من عالم آخر، أما إذا جاء الجرح والتعديل من عالم واحد كما اتفق ليحيى بن معين وأحمد وابن حبان وغيرهم -رحمهم الله- فإن العمل على آخر القولين إن علم المتأخر منهما.

فالأقوال الثلاثة السابقة تأتي في مسألة الجرح والتعديل إذا كانا من شخصين: شخص يجرح وآخر يعدل، لكن ما الحكم لو كان التجريح والتعديل صادرين من شخص واحد في راوٍ واحد، فما هو موقفنا؟

العلماء يقولون: يكون العمل بآخر القولين إن علم المتأخر منهما، فكأنه رجع عن قوله الأول، وإن لم يعلم فالواجب في هذه الحالة التوقف، كما ذكر ذلك الزركشي -رحمه الله- في نكته على مقدمة ابن الصلاح.

وقد ذكر الإمام المنذري -رحمه الله- مسألة فقال: هل اختلاف المحدثين في الجرح والتعديل مثل اختلاف الفقهاء في المسائل الفقهية الآن؟

قال الإمام المنذري -رحمه الله: واختلاف هؤلاء كاختلاف الفقهاء، كل ذلك يقتضيه الاجتهاد.

وعدالة الراوي تُعرف وتُثبت بأمرين:

الأمر الأول: هو الاختبار، ويكون بمخالطة الراوي وتتبع أحواله ومعاشرته ومعاملته وذلك حتى يتبين لنا أمره، ونعلم أنه لا يرتكب ولا يفعل ما فيه إخلال بالمروءة، فإن كان كذلك فهو ثقة عدل.

الأمر الثاني: التزكية، وتزكية الراوي تحصل بأمور أربعة:

الأول -وهو أعلاها: أن يحكم الحاكم الذي لا يرى قبول خبر الفاسق بشهادة هذا الراوي، وهذا تزكية له.

الثاني: ثناء العلماء الذين يعرفون بالعدالة عليه، مع كونه عدلًا.

الثالث: أن يروي عنه مَن لا يروي إلا عن العدل أو الثقات، كالبخاري مثلًا ومسلم ومالك ويحيى بن سعيد القطان وشعبة، فهؤلاء جميعًا إذا رووا عن شخص فروايتهم عن هذا الشخص تزكية لهذا الشخص وعليه تحصل العدالة، وهذا الكلام قرره الآمدي وابن الحاجب والبيضاوي وغيرهم، وقيل: إن الرواية عنه تعديل مطلقًا، فلو روى عنه الرواة العدول فهذه الرواية عنه تزكية له مطلقًا، وعليه تثبت عدالته.

الرابع: أن يعمل المزكي بخبر الراوي، وهذا دليل على الحكم بعدالة هذا الراوي، وأن عمله لذلك لا لدليل آخر أو للاحتياط.

هذا، وقد اختلف أهل العلم في اشتراط التعدد أو عدمه في المزكي الذي يحكم بعدالة الراوي، على مذاهب ثلاثة:

المذهب الأول: يشترط التعدد مطلقًا، سواء كانت التزكية لشاهد أو لراوٍ، وهذا احتياطي.

المذهب الثاني: لا يشترط التعدد مطلقًا، بل يكفي واحد؛ لأنَّها خبر والخبر يقبل من الواحد.

المذهب الثالث: يشترط التعدد في تزكية الشاهد دون الراوي؛ وذلك لأن الشهادة لا تثبت بواحد، فكذلك ما هو شرط فيها بخلاف الرواية.

وحاصل ما يقال في كيفية التعديل: أن التعديل يثبت إما بالتصريح بعدالة الشخص، أو العمل بحديثه أو يروي عنه الثقات.

error: النص محمي !!