Top
Image Alt

إرث الغير من المفقود

  /  إرث الغير من المفقود

إرث الغير من المفقود

المفقود بالنسبة لمالديه يعتبر حيًّا، فلا يقسم ماله ولا يرثه أحدٌ أثناء غيبته، بل يبقى ماله على ملكه حتى يتبين أمره استصحابًا لحال الحياة قبل فقده؛ لأن من شروط الإرث موت المورث حقيقة أو حكمًا، وهذا ليس كذلك فلم نعلم موته حقيقة بأن خرجت روحه من جسده، كما لم يمت حكمًا حيث لم يحكم القاضي بموته؛ لذلك فإن ماله يبقى على ملكه ويحفظ له؛ فإن جاء حيًّا أخذه، وإن ثبت موته بالبينة القاطعة أو حكم القاضي بموته اعتبر ميتًا من تاريخ الموت بالبينة أو من تاريخ حكم القاضي بموته، وحينئذٍ توزع تركته على من كان حيّا من ورثته قبل ثبوت الموت بالبينة أو قبل تاريخ صدور الحكم بموته من القاضي، حتى لو أسند القاضي تاريخ الوفاة في وقت سابق على صدور الحكم؛ فالعبرة بتاريخ الوفاة لا يوم صدور الحكم؛ لأن من شروط الإرث تحقق حياة الوارث عند موت المورّث.

هذا؛ وقد كان المعمول به في الميراث هو المفتى به في المذهب الحنفي وهو انتظار المفقود 90 سنة من تاريخ مولده، حتى صدور القانون رقم 25 لسنة 1929 من الميلاد الذي أخذ بمذهب الحنابلة فيمن يغلب هلاكه وبرأيٍ في مذهب الحنفية ومذهب الحنابلة فيمن تغلب سلامته، فقد نصت المادة 21 من القانون على أنه يحكم بموت المفقود الذي يغلب عليه الهلاك بعد 4 سنوات من تاريخ فقده، وأما في جميع الأحوال الأخرى فيفوّض أمر المدة التي يحكم بموت المفقود بعدها إلى القاضي، وذلك كله بعد التحري عنه بجميع الطرق الممكنة الموصّلة إلى معرفة إن كان المفقود حيّا أو ميتًا وإذا حكم القاضي بالوفاة بعد التحريات وغلبة الظن بوفاة المفقود- انتقلت أمواله إلى ورثته الموجودين وقت الحكم؛ لأنه وقت وفاته حُكمًا، فلا يرث من مات قبل الحكم ولو أثناء نظر القضية، ولم يتعرض قانون المواريث لذلك اكتفاء بما نصّ عليه القانون رقم 25 لسنة 1929 في المادة 22 منه؛ حيث تقول بعد الحكم بموت المفقود بالصفة المبينة في المادة السابقة: تعتد زوجته عدة وفاة وتقسّم تركته بين ورثته الموجودين وقت الحكم، ولقد صدر بعد ذلك القانون رقم 102 لسنة 1958 من الميلاد، والذي عدّل هاتين المادتين واكتفى بالنسبة للمفقودين من أفراد القوات المسلحة أثناء العمليات الحربية بصدور قرار وزير الحربية باعتبارهم موتى بعد مضي 4 سنوات، قيام هذا القرار مقام الحكم.

فنصت مادته الأولى على أنه يُستبدل بنص الفقرة الأولى من المادة الأولى 21 والمادة 32 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المشار إليه النصان الآتيان مادة 2 فقرة أولى: يحكم بموت المفقود الذي يغلب عليه الهلاك بعد 4 سنوات من تاريخ فقده، على أنه بالنسبة إلى المفقودين من أفراد القوات المسلحة أثناء العمليات الحربية يصدر وزير الحربية قرارًا باعتبارهم موتى بعد مضي الـ4 سنوات، ويقوم هذا القرار مقام الحكم، مادة 22: بعد الحكم بموت المفقود أو صدور قرار وزير الحربية باعتباره ميتًا على الوجه المبين في المادة السابقة تعتد زوجته عدة الوفاة وتقسّم تركته بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم أو القرار.

ظهور المفقود حيًّا بعد توزيع ماله: إذا ظهر المفقود حيًّا بعد الحكم القضائي بموته، وبعد توزيع ماله على ورثته؛ فإنه يأخذ منهم ما هو موجود بأيديهم من ماله، ويُلغى الحكم القضائي بموته؛ لأنه قد ثبتت حياته، وملكيته لماله ثابتة تبعًا لثبوت حياته، أما ما أنفقوه أو هلك أو استُهلك فلا حق له في الرجوع عليهم بشيء؛ لأنهم قد تصرفوا فيه بناء على حكم قضائي، فكان تصرفهم فيه صحيحًا ومن ثمَّ فلا ضمان عليهم فيما أنفقوه، وهذا قدر متفق عليه بين الأئمة الأربعة، بينما يرى الحنابلة في الصحيح في المذهب: أن المفقود يأخذ الموجود من ماله من أيدي من أخذه، ويعود عليهم فيما أنفقوه فيأخذ بدله، وعن أحمد: لا يرجع عليهم بشيء لأنه قسم بحق لهم، هذا وقد بينت المادة الـ45 من قانون المواريث هذه الأحكام حيث تقول: يوقف للمفقود من تركة مورثه نصيبه فيها فإن ظهر حيًّا أخذه، وإن حكم بموته رُد نصيبه إلى من يستحقه من الورثة وقت موت مورثه، ثم تقول المادة: فإن ظهر حيّا بعد الحكم بموته أخذ ما بقي من نصيبه بأيدي الورثة. هذه الفقرة الأخيرة من المادة واردة بالنسبة لنصيب المفقود الموقوف له من تركة مورثه؛ من أنه إذا ظهر حيّا بعد الحكم بموته وتوزيع نصيبه على الورثة، فإنه يأخذ ما بقي من أيديهم، فإذا كان ذلك كذلك فلأن يأخذ ماله من أيدي الورثة بعد الحكم بموته وظهوره حيّا، يكون من باب أولى.

إرث المفقود من الغير: المفقود بالنسبة لميراثه هو من غيره يعتبر ميتًا من تاريخ فقده، فإذا مات له قريب خلال مدة الانتظار فإن المفقود لا يرثه؛ لأن من شروط الإرث كما سبق أن بيّنا تحقق حياة الوارث عند موت المورث، والمفقود هنا بصفته وارثًا فإن حياته خلال مدة الانتظار غير متحققة، ومن ثم فإنه لا يرث لكن حياته ثابتة معه بالاستصحاب إبقاءً لما كان على ما كان حتى يثبت خلافه؛ لأن موته لم يثبت بالبينة الشرعية أو بحكم القاضي، ولما كانت حياته محتملة فإنه يرث مورثه ويُوقف له نصيبه من التركة حتى يتضح الأمر؛ فإن جاء حيّا أخذه وإن ثبت موته بدليل قاطع كالبينة الشرعية أو حكم القاضي بموته اجتهادًا أو لانتهاء مدة الانتظار إذا ثبت موته بواحدة من هذه الأمور في تاريخ معين فإنا ننظر إذا كان تاريخ موته قبل موت مورثه فإنه لا حق له في هذا النصيب المفقود؛ لأنه لم يكن حيّا وقت موت مورثه، ومن ثمّ فإن هذا النصيب يُوزع على بقية الورثة الذين كانوا معه، كما سنبينه خلال شرحنا لتوريث المسائل التي يكون أحد ورثتها مفقودا، وإذا كان تاريخ موته بعد موت مورثه فإنه يستحق النصيب الموقوف له لثبوت حياته وقت موت مورثه، وبناء عليه فإن نصيبه هذا يُعتبر تركة له بعد ثبوت موته، ويوزع على ورثته هو والذين كانوا موجودين وقت تاريخ موته.

موقف الورثة الذين مع المفقود: ما ذكرناه هو موقف المفقود نفسه بالنسبة لميراثه من غيره، أما من معه من الورثة فإننا نعامله بالأسوأ والأقل ونعامل المفقود بالأحسن والأكثر، ويجري على الورثة الذين مع المفقود الأحوال الثلاثة الآتية:

الحالة الأولى: إذا كان الوارث الذي مع المفقود يرثُ في حال دون حال؛ فإنه لا يُعطى شيئًا، وإنما يُوقف نصيبه حتى يتضح حال المفقود إما لحياته وإما لموته.

الثانية: إذا كان الوارث الذي مع المفقود يرث في حال أكثر منه في حال آخر، أي يختلف نصيبه قلة وكثرة بحسب حياة المفقود أو موته؛ فإن هذا الوارث يعطى الأقل ويوقف الباقي حتى يتضح الحال بحياة المفقود أو موته.

الثالثة: إذا كان الوارث الذي مع المفقود لا يختلف نصيبه ولا يتأثر بحياة المفقود ولا بموته، فإن هذا الوارث يعطى نصيبه كاملًا.

كيفية حل مسألة المفقود: المسألة التي يكون أحد ورثتها مفقودًا يتبع في حلها الخطوات الآتية:

1- نجعل للمسألة حلين: الأول باعتبار المفقود حيًّا، والثاني باعتباره ميتًا ويكون كل حل منهما مسألة مستقلة بذاتها.

2- ننظر بين المسألتين بالنسب الأربع: التماثل والتداخل والتوافق والتباين، فما نحصل عليه بعد النظر يكون جامعة للمسألتين.

3- نقسّم الجامعة على أصل كل مسألة أو عولها أو مصحها فما يخرج يكون هو جزء السهم لها نضربه في سهام كل وارث يخرج نصيبه صحيحًا من الجامعة.

4- نقارن بين المسألتين ونطبق الأحكام الآتية:

أ- من يرث في حال دون حال لا يُعطى شيئا.

ب- من يكون نصيبه متفاضلًا أي يختلف قلة وكثرة فإنه يعطى الأقل.

جـ- من لا يختلف نصيبه يأخذه كاملًا.

د- يُوقف الباقي حتى يتضح الحال بحياة المفقود أو بموته؛ فإن جاء حيّا أخذه كله فهو حقه وإن ثبت موته رد الموقوف إلى مستحقه كما يتضح في الشرح الآتي.

مثال ذلك: مات عن زوجة وابن مفقود وأم وابن ابن: فللزوجة الثمن لوجود الفرع الوارث وهو الابن المذكور، وللأم السدس لوجود الفرع الوارث وابن الابن محجوب، وهذا على مسألة حياة المفقود، وأصل هذه المسألة من 24 كما هو واضح في المربع رقم 3 للزوجة 3 أسهم وللابن المفقود 17 سهمًا وللأم 4 أسهم، فهذا على اعتبار حياة المفقود، وأما على اعتبار موته فللزوجة الثمن أيضًا لوجود الفرع الوارث وهو ابن الابن، وللأم السدس أيضًا لوجود الفرع الوارث وهو ابن الابن، وأصل هذه المسألة على اعتبار موت المفقود أيضًا 24 فللزوجة 3 أسهم وللأم 4 أسهم ولابن الابن على اعتبار موت المفقود 17 سهمًا.

شرح صفة العمل في هذه المسألة:

1- بالنظر بين المسألتين نجد أن مسألة الحياة من 24 وأن مسألة الموت كذلك من 24 بينهما تماثل، فاكتفينا بأحدهما.

2- تكون الجامعة 24 وبقسمتها على أصل كل من المسألتين فيكون جزء السهم 1 لكل مسألة، ثم نضربه في سهام كل وارث يخرج نصيبه صحيحًا من الجامعة.

3- للزوجة الثمن وعدد سهامها 3 وهذا ثابتٌ لها على اعتبار حياة المفقود وعلى اعتبار موته، فنظرا لعدم اختلاف نصيبها فإنها تأخذه كاملًا.

4- للأم السدس وعدد سهامها أربعة، وهذا ثابت لها على اعتبار حياة المفقود وعلى اعتبار موته، فنظرًا لعدم اختلاف نصيبها فإنه تأخذه كاملا.

5- ابن الابن لا يُعطى شيئا؛ لأنه يرث في حال دون حال.

6- الابن المفقود يُوقف له نصيبه وهو 17 سهمًا فإذا جاء حيّا أخذه لأنه هو العاصب، وإن ثبت موته كان ابن الابن هو العاصب حينئذ فيأخذ الموقوف كله وهو الـ 17 سهمًا.

error: النص محمي !!