Top
Image Alt

إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة، وأثر ذلك

  /  إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة، وأثر ذلك

إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة، وأثر ذلك

أ. إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة:

إذا كان نصر الله عز وجل على هذا النحو الذي رأينا خلال هذا الأمر كله، فإنه كان هناك أمر سيزداد الإسلام به قوة، ويزداد الكفر به ضعفًا وهو إسلام رجال كان لهم خطرهم في الإسلام من بعد ذلك، كما كان لهم أمرهم في خدمة الكفر والشرك، ونعني بهؤلاء الوليد بن الوليد بن المغيرة، كذلك عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة وغيرهم من الذين هداهم الله للإسلام بعد صلح الحديبية.

دخل هؤلاء الثلاثة على رسول الله صلى الله عليه  وسلم المسجد بالمدينة مسلمين في يوم واحد؛ فقد جمع الله عز وجل بينهم على غير ميعاد، فعمرو بن العاص خرج بعد أن ظهر أمر الإسلام إلى الحبشة ليقيم بها، وبعد أن سمع من النجاشي ما يؤكد صدق النبي صلى الله عليه  وسلم، عزم على أن يسلم مع النبي صلى الله عليه  وسلم فخرج من الحبشة قاصدًا المدينة.

يقول عمرو: خرجت أريد المدينة حتى مررت على مر الظهران ومضيت حتى إذا كنت بالهدة، فإذا رجلان قد سبقاني بغير كثير يريدان منزلًا، فلما نظر إليهما فإذا هو خالد بن الوليد، قلت: أين تريد؟ قال: محمدًا، دخل الناس في الإسلام، والله لو أقمت لأخذ محمد برقابنا كما يُؤخذ برقبة الضبع في مغارتها، قلت: وأنا والله قد أردت محمدًا وأردت الإسلام، ثم مضى الجميع في طريقهم حتى أتوا المدينة. يقول عمرو: فلما أتينا المدينة فما أنسى قول رجل لقيناه يصيح: يا رباح فتفاءلنا بقوله وسررنا، ثم نظر إلينا فأسمعه يقول: قد أعطت مكة المقادة بعد هذين وظننت أنه يعنيني ويعني خالد بن الوليد، ثم ولّى مدبرًا إلى المسجد سريعًا فظننت أنه يبشر رسول الله صلى الله عليه  وسلم بقدومنا، فكان كما ظننت، وقد أنخنا بالحرة ولبسنا من صالح ثيابنا، ثم نودي بالعصر فانطلقنا حتى دخلنا على النبي صلى الله عليه  وسلم وإن لوجهه تهلّلًا والمسلمون حوله قد سُروا بإسلامنا، ثم تقدم خالد بن الوليد فبايع، وتقدم عثمان كذلك، ثم تقدم عمرو بن العاص فبايع النبي صلى الله عليه  وسلم يقول: فوالله ما هو إلا أن جلست بين يديه فما استطعت أن أرفع طرفي حياءً منه، ثم بايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي ولم يحضرني ما تأخر فقال صلى الله عليه  وسلم: ((إن الإسلام يجب ما قبله والهجرة تجب ما كان قبلها))، قال: فوالله ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه  وسلم وبخالد بن الوليد أحدًا من أصحابه في أمر حزبه منذ أسلمنا.

ب. أثر إسلامهم:

كان لإسلام هؤلاء الرجال وبخاصة عمرو وخالد؛ لما لهما من دور كبير في أعمال الجهاد التي سوف يباشرها المسلون بعد ذلك، وبخاصة في الشام وغيرها من البلاد التي كانت تحت الروم بعد ذلك في عهود الخلفاء الراشدين، وكان لخالد خاصة أثرٌ في أول الأعمال التي خرج فيها المسلمون على هذه الكثرة منهم، وكان ذلك في غزوة مؤتة التي كانت فيها الصحابة ثلاثة آلاف، فكان اشتراك خالد في هذه الغزوة بعد إسلامه ومجيئه المدينة بقليل، فقد جاء المدينة مسلمًا في سفر، وخرج مجاهدًا في هذه الغزوة في جمادى الأولى.

وكان من حكمة النبي صلى الله عليه  وسلم أن استمال أمثال هذه الشخصيات النادرة من المسلمين؛ ولذلك فإنه صلى الله عليه  وسلم لما كان في المدينة معتمرًا عمرة القضية وقد أسلم الوليد بن الوليد أخو خالد، سأل النبي صلى الله عليه  وسلم عن خالد، فبعث الوليد إلى أخيه خالد بكتاب فيه: “بسم الله الرحمن  الرحيم، أما بعد: فإنى لم أَرَ أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وَعَقْلُك عَقْلُك، ومثل الإسلام جهله أحد، وقد سألني رسول الله صلى الله عليه  وسلم عنك وقال: ((أين خالد؟))، فقلت: يأتي الله به إن شاء الله فقال: ((مثله جهل الإسلام، ولو جعل نكايته وجده مع المسلمين كان خيرًا له، ولقدمناه على غيره))، فاستدرك يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة”.

يقول خالد: فلم جاءه كتاب أخيه نشط للخروج إلى النبي صلى الله عليه  وسلم وزاده ذلك رغبة في الإسلام كما أنه سره سؤال رسول الله صلى الله عليه  وسلم. وكان خالد يلوم نفسه على مواقفه التي وقفها ضد الإسلام، وأن جهده الذي بذله في خدمة الوثنية والمشركين ليس في موضعه، ويقول: لما خرج رسول الله صلى الله عليه  وسلم إلى الحديبية خرجت في خيل المشركين، فلقيت رسول الله صلى الله عليه  وسلم وأصحابه بعسفان فقمت بإزائه وتعرضت له، فصلى بأصحابه الظهر أمامنا فهممنا أن نغير عليهم، ثم لم يعزم لنا وكانت فيه خيرة فاطّلع على ما في أنفسنا من الهمّ به، فصلى بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف فوقع معنا موقعًا، فقلت: الرجل ممنوع فاعتزلنا.

كذلك موقفه في أُحد، وما كان سببًا فيه من تحول الريح ضد المسلمين، ونزول من نزل بهم من القتل والتنكيل، فلعلّ خالدًا كان يرى أن هذا الجهد الذي قدمه للمشركين ما كان يجب عليه أن يكون منه هو. إذًا فالرجل يراجع نفسه ويلومها على مواقف الشرك.

ومن حب الخير في نفس خالد أن دعى أصدقاء له أصفياء أراد أن يعرض عليهم الإسلام قبل أن يسير إلى النبي صلى الله عليه  وسلم،ولكنهم رفضوا. فخرج خالد براحلته، فلقي عثمان بن طلحة، فقال له ما دعاه به إلى الإسلام، وعزمه على المضي إلى محمد صلى الله عليه  وسلم، وتواعد الرجلان، قال خالد: فاتعدت أنا وهو يأجج إن سبقني أقام، وإن سبقته أقمت -وهو وادٍ خارج مكة-، فأدلجنا سحرًا فلم يطلع الفجر حتى التقينا بيأجج فغدونا حتى انتهينا إلى الهده، فنجد عمرو بن العاص بها، وهنا عرفنا بأن الرجال الثلاثة التقوا في هذا المكان من قصة إسلام عمرو بن العاص، وعرف الرجال الثلاثة عزم كل واحد منهم على المضي إلى المدينة، فساروا جميعًا حتى دخلوها، ثم عمدت إلى رسول الله صلى الله عليه  وسلم فلقيه أخوه فقال: أسرع فإن رسول الله صلى الله عليه  وسلم قد أخبر بك فسُرّ بقدومك وهو ينتظركم، قال: فأسرعنا المشي فاطلعت عليه، فما زال يبتسم إليّ حتى وقفت عليه، فسلمت عليه بالنبوة فردّ السلام بوجه طلق، فقلت:إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم لخالد: ((الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلًا رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير))، قلت: يا رسول الله، قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك معاندًا للحق، فادع الله أن يغفرها لي، فقال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((الإسلام يَجُب ما قبله))، وعاد يرجوا الدعاء، فقال النبي صلى الله عليه  وسلم: ((اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيل الله))، ثم تقدّم الرجال فبايعوا رسول الله صلى الله عليه  وسلم، وهنا يذكر خالد أن قدومهم كان في سفر ثمانٍ، ويقول: والله ما كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم يعدل بي أحدًا من أصحابه فيما حزبه من أمر.

وسرور النبي صلى الله عليه  وسلم بهم جميعًا هذا السرور العظيم، وكان حريًّا بأمثال هؤلاء الرجال أن يهديهم الله للإسلام، وأن يدخرهم لقوة المسلمين.

أمَّا عثمان بن طلحة وكان من بيت حملة اللواء -لواء قريش-، وقد قتل منهم الكثير في أحد، وكذلك في بدر، وخالد من بني مخزوم الذين كانوا فرسان قريش في القتال، وكان إليهم أمر القتال كله في قريش كما عرفنا، ونذكر لهذا الرجل الذي كان يُرجى له أن يكرمه الله بالإسلام، نذكر موقفه مع أم سلمة حينما خرج بها من مكةَ يصونها، ويحرسها بأمر الله، ويحفظها حتى أوصلها إلى حيث زوجها أبو سلمة الذي هاجر، وتركها هي وولدها سلمة من قبل ذلك بعام، وكان أمينًا عفيفًا ذكرت أم سلمة ما كان يفعله معها من الأمانة، أمانة الرجال وحفظ الأعراض في هذا الخلاء الذي ما كان فيه إلا عثمان، وأم سلمة وابنها، والله من فوقهم ومن ورائهم عليم.

ولذلك كانت هذه الصحبة، صحبة عثمان لأم سلمة، من الأمور التي ذكرتها بالخير أم سلمة بعد ذلك، وذكرت التي ذكرتها بالخير لعثمان، ولذلك لم يكن غريبًا أن يكرم الله عز وجل مثل هذا الرجل الأمين هذه الكرامة العظيمة، وأن يدخل مكة في صحبة هذه الجماعة المؤمنة التي أعز الله بها الإسلام والمسلمين.

أ. أسباب غزوة مؤتة:

سرية مؤتة من أهم السرايا التي وجّهها النبي صلى الله عليه  وسلم إلى الشام لقتال الروم وأعوانهم، ذلك أنه صلى الله عليه  وسلم لما بعث بكتبه إلى الملوك والأمراء، فإنه بعث بكتاب إلى ملك بُصرى مع الحارث بن عمرو الأزدي، فلما وصل مؤتة عرض له شُرحبيل بن عمرو الغساني فقتله، وكانت الرسل لا تقتل؛ فغضب النبي صلى الله عليه  وسلم لذلك، وكان هذا سببًا في إرسال هذه السرية سرية مؤتة في جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة.

error: النص محمي !!