Top
Image Alt

احتياط المسلمين في قبول السنة النبوية

  /  احتياط المسلمين في قبول السنة النبوية

احتياط المسلمين في قبول السنة النبوية

لا شك أن ما يتعلق من كلام الرسول صلى الله عليه  وسلم بالدين كله وحي، وكله ذكر، وكله محفوظ بحفظ الله تعالى له.

أما القرآن فكله -كما تعلمون- محفوظ ومنقول بنقل التواتر، قال الله تعالى: {إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].

وأما السنة -التي هي بيان القرآن، وشرح له، ومخصص لعمومه، ومقيد لمطلقه…- فقد قيض الله لها علماء في كل عصر ومصر؛ دافعوا عنها، واهتموا بها، ودونوها، وكتبوها، وبوبوها، ودرسوها، وعمموها، ولا يوجد أبدًا لعلم من العلوم في تاريخ العلوم: أن اهتم الناس بعلم مثل اهتمام المسلمين بالسنة النبوية المطهرة.

ولا شك أن حفظ الكتاب لا يتم إلا بحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه  وسلم وذلك لأن معاني القرآن تمثلت في أخلاقه صلى الله عليه  وسلم وتجسدت في أعماله؛ لذلك يقول تعالى: {لّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الاَخِرَ وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً} [الأحزاب: 21]، فهو الأسوة الحسنة، ولما سئلت السيدة عائشة رضي الله  عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه  وسلم قالت: ((كان خلقه القرآن)).

فإنكار شيء من السنة الثابتة، أو إهماله، أو هجره، أو تحريفه، أو تأويله بغير ما قُصد وحمله على ما لا حجة فيه من الشرع؛ هو -في الواقع- ترك للقرآن وهجر له.

أهمية السنة في القرآن:

نص الكتاب العزيز على تحكيم السنة في آيات كثيرة والعمل بها والرجوع إليها:

  • قال تعالى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ} [النساء: 59].
  • قال تعالى: {وَمَآ آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ} [الحشر: 7].
  • قال تعالى: {إِنّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوَاْ إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51].
  • قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً} [الأحزاب: 36].
  • قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرّسُولَ فإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32]. هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، وهذه الآية فيها تهديد ووعيد عظيم لمن يتولى عن سنة النبي صلى الله عليه  وسلم ويعرض عنها، أو يحاربها.
  • قال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرّسُولَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132].
  • قال تعالى: {فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّىَ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لاَ يَجِدُواْ فِيَ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مّمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء: 65]. إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة في القرآن الكريم التي تدل على وجوب العمل بالسنة، وتحكيم السنة على ما سيأتي إن شاء الله عند بيان حجية السنة.

أهمية السنة من السنة:

نص الرسول صلى الله عليه  وسلم على أهمية السنة في الدين؛ فقال صلى الله عليه  وسلم:

  • ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)) رواه البخاري.

((من أطاعني دخل الجنة)) يعني: من عمل بسنتي ((ومن عصاني)) يعني: أهمل سنتي وتركها، ((فقد أبى)) والذي يأبى يدخل النار والعياذ بالله.

  • –         ((تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يفترقا))..
  • ((تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض)).

اهتمام الأمة الإسلامية بالسنة:

قام أصحاب الرسول صلى الله عليه  وسلم ومن بعدهم من أتباعهم، وقام محدِّثو الأمة ومفسروها وفقهاؤها -بل الأمة الإسلامية كلها- بالاحتكام إلى السنة الصحيحة، وبذل علماؤها ما استطاعوا من الجهود لخدمة السنة حفظًا ودراسةً وبحثًا وتحقيقًا واستنباطًا وتمسكًا.

فقد اهتم الصحابة رضي الله  عنهم بالسنة اهتمامًا كبيرًا، واحتاطوا في قبولها احتياطًا شديدًا، يدلنا على ذلك هذه النماذج:

– رُوي أن الجدة جاءت إلى الخليفة الأول أبي بكر رضي الله  عنه تسأله عن نصيبها في الميراث، فقال لها: ما أجد لك في كتاب الله شيئًا، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه  وسلم ذكر لك شيئًا، وسأل الناس فقام المغيرة بن شعبة فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه  وسلم يعطيها السدس. يعني: من التركة. فقال أبو بكر: هل معك أحد؟ يعني: هل معك أحد يشهد على ما تقوله به. فقام محمد بن مسلمة وشهد بمثل ما شهد به المغيرة؛ فقضى أبو بكر رضي الله  عنه بذلك.

فأبو بكر رضي الله  عنه لم يقبل حديث المغيرة بن شعبة إلا بعد أن تأكد له هذا الحديث بشهادة محمد بن مسلمة.

– رُوي أن أبا موسى الأشعري حدث حديثًا أمام عمر رضي الله  عنه يقال: إنَّه حديث الاستئذان. فطلب عمر من أبي موسى أن يأتي بشاهد معه يشهد بما رواه من الحديث، فيقوم أبو سعيد الخدري ويشهد بسماع هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه  وسلم وعندئذ يصدق عمر بن الخطاب، ويقول لأبي موسى: إني لم أتهمك، ولكنه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم هذا دليل على احتياط الصحابة واهتمام الصحابة بسنة النبي صلى الله عليه  وسلم.

– كان علي بن أبي طالب رضي الله  عنه يستحلف الراوي حتى يقبل منه، يعني: إذا قال الراوي: سمعت رسول الله صلى الله عليه  وسلم يقول كذا، أو قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم كذا، كان علي بن أبي طالب يستحلفه يقول له: تحلف بالله أنك سمعت هذا، أو هذا قاله رسول الله صلى الله عليه  وسلم.

لا اجتهاد مع النص:

هذا كله من أجل المحافظة على السنة حتى لا يكذب على رسول الله صلى الله عليه  وسلم، والصحابة رضي الله  عنهم كانوا يعملون بالسنة الصحيحة، ولا يتركونها إلى الرأي أبدًا ما دام النص قائمًا وموجودًا، فإذا وجد النص يقدم النص ولا يلتفت إلى رأي ولا اجتهاد ولا عقل ولا غير ذلك؛ ولهذا قال الفقهاء: “لا اجتهاد مع وجود النص” يعني: إذا وجد النص وثبت وصح وكانت دلالته على الحكم دلالة قطعية فلا اجتهاد مع وجوده، وقد يكون النص موجودًا ويعمل الصحابي بخلافه؛ وذلك لضعف ثقته بالراوي الذي رواه، وهذا أيضًا احتياط في سنة النبي صلى الله عليه  وسلم.

– رد عمر بن الخطاب رضي الله  عنه حديث فاطمة بنت قيس الذي قالت فيه: بتَّ زوجي طلاقي -يعني: طلقني طلاقًا بائنًا فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه  وسلم نفقة ولا سكنى- فحديث فاطمة بنت قيس يثبت أن المطلقة طلاقًا بائنًا لا نفقة لها ولا سكنى، فعمر بن الخطاب رد هذا الحديث، وعلل رده بقوله: “لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه  وسلم لقول امرأة لا ندري حفظت أم نسيت” والكتاب الكريم فيه قوله تعالى في شأن المطلقات: {أَسْكِنُوهُنّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم} [الطلاق: 6] إلى آخر الآية.

فهذه نموذج يدل على أن الصحابة رضي الله  عنهم كانوا يحتاطون في قبول سنة النبي صلى الله عليه  وسلم لعلمهم أنها تشريع، وأنها تبنى عليها الأحكام الشرعية.

error: النص محمي !!