Top
Image Alt

اختلاف روايات الصحابة في مضمونها

  /  اختلاف روايات الصحابة في مضمونها

اختلاف روايات الصحابة في مضمونها

وقد تختلف الروايات عن الصحابة في مضمون عمل معين من العبادات؛ فلا نلجأ إلى الإقرار بالتعارض إلا بعد استقراء الروايات، ثم نبحث عن المنسوخ إذا ورد النص عليه، وقد يترجح القول بالنسخ عند بعض العلماء كالشافعي إذا وجدت أَمَارات تدل عليه؛ فإذا لم يروَ نص يدل على النسخ بحثنا عن العمل المختلف فيه, أن يقبل التعدد بصيغ مختلفة أو لا يقبل؛ فإن قبل فلا إشكال، وإن لم يقبل لجأنا للترجيح بين الروايات، ونادرًا ما يسكت الصحابة والتابعون عن بيان مثل ذلك والتنبيه عليه بما لا يدع مجالًا للقول بالتخمين أو الادعاء بغير علم؛ كما يحدث من بعض الناس، ومن ذلك ما ورد في صلاة الكسوف؛ فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أنه صلى في كسوف أربع ركعات في أربع سجدات، أي: يركع ثم يقوم فيقرأ، ثم يركع، ثم يتم الركعة بسجدتين، ثم يقوم فيقرأ، ثم يركع، ثم يرفع من الركوع فيقرأ، ثم يركع، ثم يتم الركعة الثانية بسجدتين”.

وقد ورد ذلك في رواية عائشة وأسماء وابن عباس، وورد في رواية طاوس عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أنه صلى في كسوف: قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم سجد، قال: والأخرى مثلها؛ فذكر ثلاثة ركوعات مع سجدتين في الركعة”. وقد ذكر كل راوٍ في روايته ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد الصلاة بحسب ما حصَّله من كلامه -صلى الله عليه وسلم-, وما قاله كل واحد يكمِّل ما قاله الآخر، وأوسع ما ورد في ذلك رواية سمرة بن جندب.

ورواية طاوس عن ابن عباس مجملة ومخالفة لما روي عن ابن عباس تفصيلًا من الصفة، وما روته عائشة وأسماء وغيرهما هو المتفق عليه من صفة هذه الصلاة، وهو أولى بالاعتبار.

ومن خصائص رواية الزهري من التابعين: جمع روايات شيوخه للحديث في رواية واحدة، يصوغها من روايات الجميع، وهو تأليف للروايات المختلفة حول حديث واحد ييسر على الحافظ وعلى مَن يتحمل الحديث, ويعطي جميع جوانب الحديث؛ فعن هجرة الحبشة مثلًا يقول الزهري: أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعبد الله بن وهب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود من أخبار مهاجرة الحبشة، كل امرئ منهم قد سمعنا منه ناحيةً حفظها من أخبارهم لم نسمعها من صاحبه؛ فسمعنا منهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال للمهاجرين حين ابتلوا وشطت بهم عشائرهم بمكةَ: ((تفرقوا))، وأشار قِبل أرض الحبشة، وكانت أرضًا دفيئة برية, يرحل إليها قريش رحلة الشتاء… وذكر الحديث.

وروى الزهري أيضًا عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير؛ أن الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة هاجر جعفر بامرأته أسماء بنت عميس، ثم يقول بعد ذلك: “بعض من هاجر بامرأته، وبعض من هاجر وحده”.

ويقول: “فهاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، ورجع رجال من الحبشة حين سمعوا بذلك؛ فهاجروا إلى المدينة, فمنهم عثمان بن عفان بامرأته، وأبو سلمة بامرأته، وحُبس بأرض الحبشة جعفر وخالد وحاطب بن الحارث، ومعمر بن عبد الله العدوي, وعبد الله بن شهاب”.

وفي حديث عائشة < يقول: حدثني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن مسعود عن عائشة < زوج النبي-صلى الله عليه وسلم-, حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، وكلهم حدثني طائفة من حديثها, وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت له اختصاصًا، وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديثَ الذي حدثني عن عائشة، وبعض حديثهم يصدق بعضًا وإن كان بعضهم أوعى له من بعض، قالوا: قالت عائشة <: “كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إذا أراد سفرًا, أقرع بين أزواجه…” وذكر الحديث بطوله.

وفي روايته لحديث عمر عن الرجم, يروي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس؛ أن عمر خطب فقال: “إن الله بعث محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بالحق، وأنزل عليه الكتاب؛ فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجمنا من بعده، وإني خشيتُ إن طال بالناس الزمان أن يقول قائل: ما نجد آية الرجم في كتاب الله؛ فيضل بترك فريضة أنزلها الله تعالى؛ فالرجم حق على من زنَى من الرجال والنساء إذا كان محصنًا إذا قامت البينة، أو كان حمل أو اعتراف؛ وايم الله، لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله U لكتبتها”.

وهذه الرواية مقتطعة من رواية طويلة، ذكر فيها سبب الخطبة وما اشتملت عليه من بيعة أبي بكر -رضي الله عنه- بالتفصيل، وفي أولها يقول عن ابن عباس: “انقلب عبد الرحمن إلى منزله بمنًى في آخر حجة حجها عمر بن الخطاب، فقال: إن فلانًا يقول: لو قد مات عمر بايعت فلانًا، قال عمر: إني قائم العشية في الناس وأحذّرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرَهم، قال عبد الرحمن: فقلت: لا تفعل يا أمير المؤمنين؛ فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وإن أولئك الذين يغلبون على مجلسك إذا أقمتَ في الناس؛ يطّيرون بمقالتك ولا يضعونها مواضعها، أمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة، فتخلص بعلماء الناس وأشرافهم، وتقول ما قلتَ متمكنًا، ويعون مقالتك ويضعونها مواضعها، فقال عمر: لئن قدمت المدينة سالمًا إن شاء الله، لأتكلمن في أول مقام أقومه. فقدم المدينة في عقب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجّلتُ الرواح في شدة الحر؛ فوجدت سعيد بن زيد قد سبقني، فجلس إلى ركن المنبر الأيمن، وجلست إلى جنبه تمس ركبتي ركبته، فلم أنشب أن طلع عمر، فقلت لسعيد: أما إنه سيقول اليوم على هذا المنبر مقالةً لم يقلها منذ ولي الخلافة…” وذكر الحديث.

فهذه هي رواية الزهري للحديث عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس، وفي رواية أخرى ذكر تفاصيلَ مِن إقراء ابن عباس عبد الرحمن بن عوف القرآن؛ مما يدل على تعليم الصغار للكبار.

لكن هناك رواية أخرى للحديث عن هشيم قال: أنبأنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: “خطب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فحمد الله وأثنى عليه, فذكر الرجم فقال: لا تخدعن عنه؛ فإنه حدّ من حدود الله تعالى؛ ألا إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد رجم ورجمنا بعده، ولولا أن يقول قائلون: زاد عمر في كتاب الله ما ليس منه؛ لكتبتُ في ناحية من المصحف: شهد عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وفلان وفلان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد رجم ورجمنا بعده” وذكر الزيادة، ورواية الزهري محكمة، وهذه الرواية في حاجة إلى التثبت.

error: النص محمي !!