استعراض هاتين الشبهتين
أولًا: استعراض الشبهة الأولى:
يقول أهل الأهواء في تقريرهم لهذه الشبهة: نحن لا نشرك بالله بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا فضلًا عن غيره من المقصودين. ولكن أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله بهم وبتوسيطهم.
وهذه الشبهة من أكبر الشبهات التي يتعلق بها أهل الأهواء -عمومًا-، ويستدلون بها على جواز دعاء غير الله تعالى في الشدائد والاستغاثة به، وزعمهم أنهم إذا توجهوا إلى الأنبياء والصالحين بالدعاء والاستغاثة والتوسل بهم وتوسيطهم في العبادات أنهم لا يعبدونهم بذلك وإنما يعبدون الله تعالى، ويتوجهون بهؤلاء المحبوبين؛ ليقربوهم إلى الله زلفى.
ولهذه الشبهة صورتان:
- صورة فلسفية منطقية كلامية.
- صورة أمية عامية.
أما الصورة الأولى؛ فتقريرها عندهم: أن النفوس التي فارقت أبدانها أقوى من النفوس المتعلقة بالأبدان من بعض الوجوه؛ لأنها حين فارقت تلك الأبدان زال عنها الغطاء والوطاء، وانكشف لها عالم الغيب. فالزائر إذا ذهب إلى قبر إنسان قوي النفس كامل الجوهر شديد التأثير ووقف عند قبره ساعة، وتأثرت نفسه من تلك التربة حصل لنفس الزائر تعلق بتلك التربة التي عرفنا أن لنفس الميت المزور تعلقًا بها أيضًا، فحينئذ يحصل لنفس الحي ولنفس الميت ملاقاة بسبب اجتماعهما على تلك التربة، فصارت هاتان النفسان شبيهتين بمرآتين صقلتين وضعتا بحيث ينعكس الشعاع من كل واحدة منهما إلى الأخرى، وبهذا السبب ينعكس النور من نفس الميت المزور إلى نفس هذا الحي الزائر، وبهذه الطريقة الفلسفية تصير تلك الزيارة سببًا لحصول المنفعة الكبرى، فهذا هو السبب الأصلي في شرعية الزيارة؛ ولهذا يُنتفع بزيارة القبور والاستعانة بنفوس الأخيار من الأموات في استمطار الرحمات، ودفع المضرات. هذه سفسطة المتفلسفة منهم.
وأما الصورة الثانية للواسطة؛ فتقريرها -عند العامة-: على جواز الاستغاثة بالأموات واستمداد الفيوضات منهم، بل وجوبها عندهم. أن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- والأولياء، كما يزعمون واسطة في العون والمدد والإغاثة بين الله تعالى وبين المكروبين المضطرين لعلو شأنهم ورفيع منزلتهم عند الله تعالى، وأن المكروب المستغيث يرى نفسه ملطخًا بالذنوب فهو بعيد عن الله تعالى لا يصل إليه إلا بواسطة أحبابه من الأولياء المقربين الذين يشفعون له عند الله تعالى، فكما أنه لا يمكن للعامة الوصول إلى الملوك إلا بواسطة الأمراء والوزراء والمقربين، كذلك لا يمكن الوصول إلى الله لقضاء الحوائج وتحقيق الآمال إلا بواسطة المعظمين المقربين من الأنبياء والأولياء.
ثانيًا: استعراض الشبهة الثانية:
يقول المدافعون عن الشرك من أهل الأهواء والبدع: إن الشرك لا يقع في هذه الأمة، فكل من شهد بالله ربًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا لا يُتوقع منه الوقوع في الشرك. فمن وجدناه يتلفظ بالشهادتين وهو يعتقد أن الأولياء والصالحين ينفعونه أو يضرونه، فهو يقصدهم بالدعاء والرجاء والاستعانة والاستغاثة طالبًا منهم المدد والعون خاشعًا متذللًا من فعل ذلك ينبغي أن لا نحكم عليه بأنه وقع في الشرك؛ لأن الشرك إنما يحكم به على من قصد الأصنام والأوثان بالدعاء والذبح والنذر وأصناف العبادات الأخرى، أما الأولياء والصالحون فليسوا مثل الأصنام والأوثان، فمن يدعوهم أو يستغيث بهم أو يقصدهم بشيء من تلك العبادات لا يحكم عليه بالشرك؛ لأنه ليس مثل من يدعو الأصنام والأوثان!!