Top
Image Alt

الأساس النفسي، أو السيكولوجي

  /  الأساس النفسي، أو السيكولوجي

الأساس النفسي، أو السيكولوجي

إن هذا الجانب قد تمخَّضت عنه أو عن الاهتمام به نظريات عدة؛ من بينها ما يعرف بنظريات التعلم، سواء كان هذا التعلم عامًّا أو كان خاصًّا باللغة الأم أو الأصلية، أو بتعليم وتعلم اللغات الثانية -أعني: الأجنبية- كما عني المختصون في هذا الجانب بتطبيقات مختلفة لهذه النظرية؛ لذلك قسم علماء النفس نظريات التعلم إلى ثلاث:

النظريات الارتباطية: والتي تربط بين الأحداث البيئية والسلوك.

النظريات الوظيفية: والتي تؤكد على وظائف السلوك التي تميز الإنسان عن الكائنات الحية الأخرى، من حيث ما يظهره من توجه نحو الهدف ومن نية وغرض… إلى غير ذلك.

النظريات المعرفية: ونظرًا لارتباط النظريات الارتباطية بالوظيفية وقوة الصلة بينهما، فقد اصطُلح على تسميتهما بالنظريات السلوكية؛ حيث تعتمد النظريات الارتباطية والوظيفية على المثيرات واستجاباتها والارتباط فيما بينها وعلى أشكال التشجيع والتعزيز المختلفة، معنى ذلك: أنه يمكننا أن نتحدث عن نظريتين نفسيتين في هذا الجانب، ونبين مدى الإفادة منهما في تعلم وتعليم اللغات الثانية، النظرية الأولى هي النظريات السلوكية بشقيها الارتباطي والوظيفي، والنظرية الأخرى النظريات المعرفية.

النظريات السلوكية، وما تشتمل عليه من ارتباط وظائفي:

إن النظرية الارتباطية، أو بمعنى أدق: إن النظرية السلوكية الارتباطية هي التي تهتم بالعلاقات بين الأفكار والأفعال، ولهذا الارتباط أشكال عديدة كالاقتران والتشابه والتضاد والسببية، ولكن الاقتران أبرزُ أشكال هذا الارتباط، والمقصود به وقوع خبرتين متقاربتين في الزمن عند إنسان ما، ووقووع إحدى الخبرتين في وقت لاحق يجعل هذا الإنسان يتذكر خبرة أخرى، ولا يزال هذا الشكل الارتباطي -أعني: الاقتران- مهمًّا في تعلم اللغات، وقد أطلقوا عليه قانون الاقتران.

أبرز فروع النظرية السلوكية الارتباطية:

ومن أبرز فروع هذه النظرية السلوكية الارتباطية:

أ. الارتباط بين الموقف والاستجابة التي يقوم بها الإنسان في ذلك الموقف.

ب.الارتباط بين المثير والاستجابة.

المثير: هو العامل الخارجي الذي يتعرض له الكائن الحي.

الاستجابة: هي ردود الفعل الظاهرة، وغير الظاهرة.

وعوامل هذا الارتباط، هي الاستعداد والظروف التي تجعل المتعلم يميل إلى الاستزادة من التعلم والتدريب.

النظرية الوظيفية:

وهو الشق الآخر من النظرية السلوكية، والمسمى بالنظرية الوظيفية، إن النظرية السلوكية الوظيفية، تحاول تضمين بعض المفاهيم المعرفية في التحليل السلوكي، ولا تستبعد الأحداث العقلية مثل التفكير والتخيل، وتعتبرهما أنواعًا من السلوك، هذه النظرية السلوكية الوظيفية، تسمى أيضًا النظرية الإجرائية، ولهذه النظرية تطبيقات عملية عديدة؛ حيث لها دور في قياس الذكاء، وتعلم القراءة والحساب والخط، ولها دور مهم أيضًا في ميدان الصحة العقلية النفسية، وفي تخفيض حدة الخوف من الكلام والامتحانات والقلق؛ خشيةَ عدم التمكن من الأداء، ونجحت أيضًا هذه النظرية في شقها الإجرائي في العلاج النفسي والتعليم المبرمج وفي إدارة الصفوف الدراسية الابتدائية، وتعليم المتأخرين عقليًّا، واهتم “سكنر”، بصفة خاصة بموضوع السلوك اللغوي، وأهميته في فهم التعلم الإنساني.

ومن وجهة نظرهم -أي: نظر الذين انتهجوا الفكر السلوكي الإجرائي، كالعالم “سكنر”- أنه لا فرقَ بين تعلم اللغة، وبين أي شكل آخر من أشكال التعلم.

ومن الجدير بالذكر: أن هذه النظرية السلوكية، لها جذور في تراثنا الإسلامي أيضًا، فإذا كان المحدثون ينسبون ظهورها إلى القرن العشرين الميلادي، فإن جذورها حقيقة تمتد إلى القرن الثامن الهجري، تمتد إلى العلامة ابن خلدون، المتوفى: سنة (سبع وعشرين وسبعمائة)؛ حيث نظريته المسماه: “الملكة اللسانية”، وتقوم على أسس ثلاث:

أولًا: أن السمع أبو الملكات اللسانية.

ثانيًا: أن اللغة هي عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل لساني، فلا بد أن تصير ملكة في العضو الفاعل لها؛ وهو اللسان.

ثالثًا: أن تربية الملكة لا يحتاج إلى النحو؛ الذي هو علم صناعة الإعراب.

وقد عرفت أن السلوكيين لجئوا في محاولتهم تفسير السلوك اللغوي إلى العوامل الخارجية التي تؤثر فيه، والسلوكُ اللغوي في نظرهم عبارة عن مثير، واستجابة، وبِناء الملكة اللغوية، أو بناء الغريزة، يبدأ عند ابن خلدون بالاستماع الجيد إلى النفوس الجميلة، وأهداف تعلم اللغة لا تتحقق إلا إذا اكتسب المتعلم ملكة اللغة؛ لذلك قال ابن خلدون: اللغة عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل لساني، فلا بد أن تصير ملكةً في العضو الفاعل لها؛ وهو اللسان، إنها -أعني: الملكة- تكون بالاستماع، والاستماع الصحيح، وتفسد بالاستماع الفاسد، أو بالاستماع إلى نموذج سيئ، وقد فرق ابن خلدون بين الملكة وقوانينها، أي: بين العلم النظري والممارسة العملية، وقدم تمثيلًا لذلك بمن يجيد علم الخياطة ولا يمارسها عملًا، أو ممن يجيد علم النجارة ولا يقدر على ممارستها، فإذا سألته عنها شرحها لك خطوةً خطوةً، ولو طالبته بما شرح أو شيء منه، لم يتمكن منه.

ويؤكد ابن خلدون رأيه في العلاقة بين النحو والملكة اللسانية، فيقول: إن كثيرًا ممن درسوا النحو وتعمقوا أصوله وفروعه، وأفنوا أعمارهم في البحث عن مسائله ومشكلاته، ولم يجِيدوا هذه الملكة اللسانية، لا يستطيعون التعبير اللغوي الصحيح، بينما كثير من الكتاب والشعراء ممن أجادوا هذه الملكة يعبرون عمن يريدون بطلاقة وإن لم يتعمقوا النحو وقضاياه.

تربية الملكة اللغوية عند ابن خلدون:

فقد رأى أنها كانت تربى سابقًا طبعًا وسليقةً، أما وقد انتهى العهد الذي كان فيه تربية الملكة اللسانية طبعًا وسليقة، فإنه لا بد من اصطناع المناخ اللغوي اصطناعًا متعمدًا، واتخاذ الوسائل التي توصل إلى إجادة الملكة اللسانية، فيقول: ووجه التعليم لمن يبتغي هذه الملكة ويروم تحصيلها أن يأخذ نفسه بحفظ كلام العرب القديم الجاري على أساليبه من القرآن والحديث وكلام السلف، ومخاطبات فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم، وكلمات المولدين أيضًا في سائر فنونهم؛ حتى يتنزل لكثرة حفظه لكلامهم من المنظوم والمنثور منزلةَ مَن نشأ بينهم.

ثم يربط ابن خلدون بين كثرة المحفوظ والاستعمال وبين قوة التعبير بلاغةً ونقدًا، فيقول: وعلى قدر المحفوظ وكثرة الاستعمال تكون جودة المقول المصنوع نظمًا ونثرًا.

لقد أكَّد على تكوين العادات اللغوية حين ذكر أن الملكات لا تحصل إلا بتكرار الأفعال، كما رأى أن النصوص المختارة للدراسة والحفظ، يجب أن يُبث في ثناياها مسائل اللغة والنحو.

بحيث يتعرف الدارس من خلالها على أهم قواعد العربية، وقد أكد أن الملكة لا تربى من خلال نصوص تُحفظ دون فهم، كما أنه لا قيمةَ لقواعد الإعراب وحدها.

لقد قدم ابن خلدون فكرته هذه -وهي فكرة جريئة- كما قدم تصوره في إطار نظرته الاجتماعية للغة على أنها ملكة تكتسب بالتعليم والمران والدربة.

كما رأى أن تربية الملكة اللسانية يمكن أن يستغنَى بها عن حفظ القواعد والعلامات الإعرابية في أداء المعنى بما أسماه: “القرائن الدالة على خصوصيات المقاصد”.

كما رأى أن تربية الملكة اللسانية، لا تتم إلا من خلال حفظ النصوص الأصلية الراقية والشواهد الحية المتطورة، كما أكد أن تناول النصوص يجب أن يكون في شقها المنطوق، وأن تتم دراستها من حيث مستوى الأصوات والحروف وبِنية الكلمة والتركيب والدلالة، على ما هو معروف في المفهوم الحديث للنحو الآن.

كما رأى أن الملكة اللسانية، لا تربى من خلال نصوص تُحفظ دون فهم.

لقد صارت النظريات السلوكية الحديثة في شقيها الارتباطي والوظيفي أساسًا قامت عليه طريقة من طرائق تعليم اللغات الثانية.  

error: النص محمي !!