الأسباب الحقيقية لأحداث الأمصار في عهد عثمان واستشهاده رضي الله عنه
إن هناك أسباب عدة لموضوع الفتنة ولأحداث الأمصار، وبعض هذه الأسباب نستطيع أن نعتبرها أسبابًا ثانوية؛ ولكن هناك أسباب أخرى تُعدُّ أسبابًا حقيقية هي التي حركت الفتنة:
أولًا: الأسباب الثانوية:
- أ. لين عثمان رضي الله عنه وعدم شدته ورقته، وخاصة أن خلافته كانت عقب خلافة عمر المعروف بشدته، هذه فكرة من بين الأفكار يتبعها الحديث عن خروج الصحابة للأمصار.
- استجابته لرغبات المفتونين بعزل بعض الأمراء وتولية بعضهم، و هذا كان تسكينًا للفتنة، وما ترتب على استجابته لهذه الطلبات، ويؤكد هذا مقولته لأهل الكوفة.
- تولية أقاربه، وهناك مناقشة حول هذا الموضوع كانت مع علي رضي الله عنه.
- د. دعوة أبي ذر وأثر هذه الدعوة.
كل هذه الأفكار تدور في إطار الأسباب الثانوية، لنعود بعد ذلك نتحدث عن الأسباب الحقيقية…
بالنسبة لهذه الأسباب الثانوية نقول:
إن لين عثمان، وسهولة تعامله مع الناس… هذه الأمور كانت مصدر ترحيب من الناس، خاصة أن هذه المرحلة -مرحلة خلافة عثمان- جاءت عقب خلافة عمر الفاروق الذي عرف بالشدة والحزم؛ فلم يمنع أحدًا من الصحابة من الخروج والانتقال إلى بلد آخر، ومزاولة أي نشاط من النشاطات التي يريد أن يزاولها، ويمتلك ما يشاء من أموال وخلافه.
يقول الطبري: “كان عمر بن الخطاب قد حجر على أعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان إلا بإذن وأجل، وعابوا عليه ذلك؛ فقام خطيبًا وقال: ألا وإن قريشًا يريدون أن يتخذوا مال الله معونات دون عباده، ألا فأما وابن الخطاب حيٌّ؛ فلا. فلما ولي عثمان لم يأخذهم بالذي كان يأخذهم به عمر فانساحوا في البلاد؛ فلما رأوا الدنيا ورأتهم ورآهم الناس؛ انقطع إليهم من لم يكن له مزية ولا أمر في الإسلام؛ فالناس أملوهم وطمعوا فيهم وجاوروهم، وقالوا: يملكون -يعني: صحابة رسول الله- فنكون قد عرفناهم وتقدمنا في التقرب إليهم والانقطاع لهم، فكان ذلك أول وهن دخل على الإسلام، وأول فتنة كانت في العامة ليس إلا ذلك”.
ويقول الطبري: “لم يمت عمر رضي الله عنه حتى ملته قريش، وكان قد حصرهم بالمدينة، وكان يقول: إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد، وإن الرجل كان يستأذنه في الغزو وهو ممن حبس بالمدينة من المهاجرين، وكان عمر يقول لصحابة رسول الله الذين يريدون أن يخرجوا: “خير لك من الغزو اليوم ألا ترى الدنيا ولا تراك”. فلما ولي عثمان خلى عنهم؛ فاضطربوا في البلاد وانقطع إليهم الناس؛ فكان أحب إليهم من عمر.
ترتب على خروج الصحابة بدايات لبعض الفتن؛ لأن الصحابة سرعان ما كونوا أرستقراطية دينية أساسها المال ولحمتها السبق إلى الإسلام، ومن المعروف أن هذه الشخصيات كانت شخصيات تاريخية عظيمة، وصارت موضع إعجاب؛ بل وصارت موضع افتنان العامة بهم وبماضيهم العريق، وصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم التف حول كل واحد منهم مجموعة من الأنصار، ورغبت كل مجموعة في أن تتحول الخلافة إلى أحد هؤلاء.
وتقول الروايات: لو عثمان أبقى الأمر على ما كان عليه الوضع في عصر عمر قد يكون هذا الأمر خفف من حدة الفتنة، خاصة وأن حركات الثوار التي خرجت، والخارجون الذين خرجوا على عثمان، والذين نادوا بوجوب خلع عثمان وتولية غيره، كان لكل منهم هدف يتمثل في محاولة تولية أحد هؤلاء بدلًا من عثمان، وهم لا يتفقوا على شخصية واحدة: أهل البصرة يريدون تولية الزبير، أهل الكوفة يريدون تولية طلحة، أهل مصر يريدون تولية علي… وهكذا.
كذلك من الأسباب التي تعد أسبابًا ثانوية: استجابة الخليفة عثمان لرغبات المفتونين بعزل هذا وتولية هذا، وكانت هذه الأمور تسكينًا للفتنة… من المعروف أن أهالي هذه الأمصار كانوا يتحركون إلى الخليفة عثمان رضي الله عنه ويطلبون منه عزل ولاتهم بحجج مختلفة وتولية غيرهم؛ فكان يوافقهم على ذلك ولا يمنعهم من ذلك، ولا يرفض مثل هذه التحركات، وترتب على ذلك أنهم طمعوا في الخليفة ذاته بعد ذلك، وتجرءوا عليه لما رأوا من رقته ولينه وعدم الضرب على أيديهم بشدة، ومن ثم طالبوه في نهاية الأمر بعزل نفسه.
يقول عثمان لأهل الكوفة: “أما بعد، فقد أمرت عليكم من اخترتم، وأعفيتكم من سعيد بن العاص، والله لأفرشنكم عرضي، ولأبذلن لكم صبري، ولأستصلحنكم بجهدي”، لكنهم لم يحاولوا الاستجابة لرغبات الخليفة في درء الفتنة وجمع الشمل، واستمروا على دأبهم في الشقاق والنفاق والمخالفة.
كذلك من الأسباب العامة: موضوع تولية أقاربه، ويذكر في هذا الصدد أن عثمان وقع لكبر سنه؛ حيث ولي وهو في السبعين من عمره تحت تأثير ذوي القربى؛ فأسند إليهم ولايات الدولة: مصر، والكوفة، والبصرة، فضلًا عن الشام، ومن المعروف أنه كان يليها معاوية منذ عصر الفاروق عمر رضي الله عنه ومن ثم أدى ذلك إلى أن بعض هؤلاء الولاة كان يقطع في الأمور دون الرجوع إلى رأي الخليفة.
وتقول المصادر: أنه حدثت هناك مناقشة بين الخليفة عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول عثمان لعلي: لم تلومني أن وليت ابن عامر في رحمه وقرابته؟ -عبد الله بن عامر هذا ابن خال عثمان ولاه البصرة عام تسعة وعشرين- فقال علي: سأخبرك: إن عمر بن الخطاب كان كل من ولي؛ فإنما يطأ صماخه -وهذا كناية عن شدة المراقبة له- وأنت لا تفعل -يعني: عمر فعلًا يولي هؤلاء ولكنه كان شديدًا في محاسبتهم ومراقبتهم والوقوف على تصرفاتهم وأعمالهم، لا يدع شاردة ولا واردة، وأنت لا تفعل- ويقول له: أنك رفقت ورحمت أقرباءك. فقال عثمان: هم أقرباؤك أيضًا! فقال علي: لعمري، إن رحمهم مني لقريبة. فقال عثمان: هل تعلم أن عمر ولى معاوية طول مدة خلافته، وأنا وليته؟ فقال علي: أنشدك الله، هل تعلم أن معاوية كان أخوف من عمر من يرفأ غلام عمر منه؟ -يعني: أنه كان يخشى حتى غلام عمر- قال: نعم. فقال علي: إن معاوية يقتطع الأمور دونك، ويقول: هذا أمر عثمان.
كل هذه الأمور تُعدُّ أسبابًا ثانوية ذهب بعض المؤرخين، وذهبت بعض المصادر للاعتداد بها. كذلك دعوة أبي ذر الغفاري الصحابي الجليل، والذي نادى إلى تطبيق مبدأ له خطورته الاجتماعية والسياسية، وتمثل هذا المبدأ في دعوة اقتسام أموال المسلمين بينهم جميعًا واشتراكهم في ملكية هذه الأموال، وهذه وجهة نظر حاول أن يروج لها أبو ذر، ومن الطبيعي أن تجد هذه الدعوة لأبي ذر تأييدًا عظيمًا من الفقراء؛ لأنها صدًى وتعبير عما يجيش في صدورهم؛ فتحمسوا لها وتابعوه عليها، وحاولوا أن يوجبوا على الأغنياء هذه المشاركة؛ حتى لقي منهم هؤلاء الأغنياء عنتًا شديدًا، وشكوه إلى معاوية؛ فسيره إلى المدينة بطلب من عثمان.
وعندما ذهب أبو ذر لعثمان رضي الله عنهما فقال أبو ذر: لا ينبغي أن يقال مال الله، ولا ينبغي للأغنياء أن يقتنوا مالًا.
فقال عثمان رضي الله عنه: يا أبا ذر علي أن أقضي ما علي، وآخذ ما على الرعية ولا أجبرهم على الزهد، وأن أدعوهم إلى الاجتهاد والاقتصاد. فطلب الإذن له بالخروج من المدينة؛ فأذن له الخليفة وزوده ببضعة وعشرين من الإبل، وأعطاه مملوكين، فذهب أبو ذر إلى الربذة إحدى ضواحي المدينة وسكنها حتى توفي بعد عامين، عام اثنتين وثلاثين من الهجرة.
ثانيًا: الأسباب الحقيقية لأحداث الأمصار في عهد عثمان رضي الله عنه:
حقيقة أنا لا أعتد بهذه الأسباب، وأعتبر أن هناك أسبابًا حقيقية هي التي حركت هذه الأمور، وهي السبب في هذه الثورة، وأن أحداث الأمصار هذه لم تأتِ من فراغ، وكان المحرك الرئيسي لها هو شخصية: عبد الله بن سبأ.
كما أود أن أذهب للقول: أنه كانت هناك بداية تحركات لفكر خارجي مثله هؤلاء الثوار، ولا أقصد بفكر خارجي فرقة الخوارج التي عُرِفَتْ بعد ذلك؛ لكن أقول فكر خارجي على منهج السلف وفكر السنة، وما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن دعوة عبد الله بن سبأ هذه هي التي وضعت الأسس لهذا الفكر، ولهذه الحركة، ولتحركات هؤلاء الخارجين والثوار.
عبد الله بن سبأ هذا كان يهوديًّا من حمير، وكانت أمه أَمَة سوداء، وسمي بابن السوداء، وأسلم في عهد عثمان؛ ولكن أحاطت بإسلامه الشكوك؛ لأن الواقع أن إسلام عبد الله بن سبأ كان له هدف، وهو تفريق المسلمين في الدين والسياسة، وهذا يتم بأحد أمرين: إما تفريقهم في الدين، أو تفريقهم في السياسة؛ كان ينادي بأفكار مثل الوصاية والرجعة… من مقتضى الوصاية وجوب الخلافة لعلي دون غيره والوثوب على عثمان رضي الله عنه لنزع الخلافة منه… من مقتضى الرجعة الاعتقاد بأن النبي صلى الله عليه وسلم سيرجع كما سيرجع المسيح #.
هذه هي الأفكار، ولا يخفى أنها أفكار هدامة ومقصودة، والمقصود منها حقيقة هو تحطيم عقيدة الإسلام والدين الإسلامي في نفوس المسلمين، وقد تطورت هذه الفتنة على يد ابن سبأ، وأخذ يبث دعوته وهذه الأفكار الخبيثة بين طوائف الناس، وكان يقول: “كان لكل نبي وصي وعلي وصي محمد”. صلى الله عليه وسلم وكان يقول: “إن عثمان أخذ الخلافة بغير حق؛ فانهضوا في هذا الأمر، وابدءوا بالطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. وبدأ في الخوض في حق الأئمة، وكان أول من خاض وطعن على أبي بكر وعمر رضي الله عنهم- وهنا لا بد أن نتعرض لموقف الإمام علي رضي الله عنه؛ لأنه وقف موقفًا صلبًا أمام ابن سبأ؛ حيث تبرأ منه ورماه بالكذب على الله ورسوله، وقال فيه: “ما لي ولهذا الحميت الأسود الذي يكذب على الله ورسوله!”.
وحقيقة ترتب على ذلك: أن الولاة أسرعوا بطرده من بلادهم؛ حيث أسرع والي البصرة بطرده منها حين علم بأمره، فذهب إلى الكوفة واستأنف فيها نشاطه المخرب، ولم يلبث والي الكوفة حتى طرده منها؛ فخرج إلى الشام، ولكنه كان قد سمم جو العراق بما بث فيه من أفكار بعيدة الخطر شديدة الأثر في نفوس كثير من أهله الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم بعد، وإن كانوا في عداد المسلمين.
تحرك عبد الله بن سبأ بأفكاره هذه إلى الشام؛ ولكنه لم يستطع أن يصنع شيئًا في الشام؛ لأن في الشام رجل قوي: هو معاوية بن أبي سفيان، كان بعيد النظر ويقدم ويحذر من ذلك الخطر حتى قبل أن يقع، ومن ثم لم يجد ابن سبأ أمامه طريقًا سوى مواصلة الرحلة إلى مصر -هذه الرحلة الشيطانية- وفي مصر وجد أرضًا خصبة لتقبل أكاذيبه؛ فأخذ يؤلب العامة على الخليفة ويوغر صدورهم.
كانت هناك مجموعة من الأسباب ساعدته على انتشار أمره في مصر، ورواج هذه الأفكار في مصر:
من أهم هذه الأسباب: غياب والي مصر في تلك المرحلة، وهو عبد الله بن سعد بن أبي السرح؛ لأنَّ عبد الله -في هذه المرحلة- كان مشغولًا بالحروب مع الروم وأهل النوبة، وقد يكون معاملة عبد الله لأهل مصر في الخراج وخلافه سببًا في نفور المصريين من عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وقبولهم لمثل هذه الأفكار كراهية في عبد الله بن سعد بن أبي السرح.
كذلك من بين الأسباب: استعانة عبد الله بن سبأ بشخصين مهمين من قريش انضما إليه، ألا وهما: ابن أبي حذيفة، ومحمد بن أبي بكر، بالنسبة لابن أبي حذيفة كان حانقًا على عثمان؛ لأنه لم يسند إليه ولاية بعض أمور المسلمين على الرغم من أن عثمان هو الذي تكفل بتربيته بعد وفاة أبيه -أبي حذيفة- وهنا تقول الروايات: إن الخليفة عثمان رفض تعيينه في أحد هذه المناصب؛ لأنه لم يكن أهلًا للولاية -في نظر الخليفة- الذي علم أن ربيبه هذا قد شرب الخمر، وعثمان صارحه بهذه الفكر مواجهةً، وقال له: “لو كنت رضًا لوليتك؛ ولكنك لست أهلًا لذلك”، هذا بالنسبة لشخصية ابن أبي حذيفة.
أما بالنسبة لشخصية محمد بن أبي بكر؛ فمن المعروف أن عليًّا بن أبي طالب تزوج أمه أسماء بعد وفاة أبي بكر، فتربى محمد في بيت علي زوج أمه، ومن ثم كان له حماس في تأييد ابن سبأ.
نشاط الخارجين وعلى رأسهم ابن سبأ في تأليب الناس في الأمصار على الخليفة:
اتسعت الجبهة المناوئة للخليفة، واستمر ذلك النشاط عام أربعة وثلاثين هجرية، وتمثل هذا في مكاتبات ومبادلات بين الناقمين هنا وهناك، وتضمنت هذه المكاتبات نقدًا للخليفة، وعماله في سائر الأمصار.
عندما كثرت هذه الأمور وتردد صداها بين الناس؛ وصل هذا إلى أسماع الخليفة؛ فانتدب أربعة من كبار هذه الصحابة لبحث هذه المسائل والتحري عن الشكوى، والوقوف على حقائق الأمور؛ فأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة ومحمد بن مسلمة إلى الكوفة، كذلك أرسل عبد الله بن عمر إلى الشام، وعمار بن ياسر إلى مصر؛ فعاد الثلاثة الأولون إلى العاصمة دون أن يجدوا أي مبررات تبرر هذه الشكايات، أما عمار فقد بقي في مصر، وبعث واليها ابن أبي السرح إلى عثمان أن عمارًا استماله قوم بمصر، وانقطعوا إليه منهم عبد الله بن السوداء.
وحقيقةً عثمان رضي الله عنه وزع منشورًا على الأمصار، وطلب من كل ذي حق وكل صاحب شكوى أن يقدم في موسم الحج لتقديم شكواه إلى الخليفة بنفسه، وليقتص ممن ظلمه وينتصف له.
توافد الناس على الخليفة في مكة عام أربعة وثلاثين للهجرة، وانتهى الناس من المناسك، وأخذوا يعودون إلى أمصارهم دون أن يتقدم أحد بشكوى أو مظلمة؛ ولكن الأمور لم تكن تقف عند حد شكوى فردية أو مشكلة شخصية؛ الأمر كان أخطر من ذلك بكثير جدًّا؛ فقد وصل إلى المدينة فريق من الحاقدين على عثمان من الكوفة والبصرة ومصر، وأجمعوا أمرًا بيتوا له بليل، وشرحوا هذا الأمر وبينوا خطتهم فيه وقالوا: نريد أن نذكر للخليفة أشياء قد زرعناها في قلوب الناس، ثم نرجع إليهم فنزعم لهم -أي: للناس- أننا قررناه بها فلم يخرج منها ولم يتب، ثم نخرج مرة أخرى كأننا حجاج؛ حتى نأتي المدينة؛ فنحيط بالخليفة ونخلعه، فإن أبى قتلناه… وكانت إياها.
وعلى الرغم من أن الخليفة قد تمكن من معرفة نوايا هؤلاء الثائرين عليه، والوقوف على حقيقة أمرهم بوساطة رجلين مخلصين له… على الرغم من أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشاروا عليه بأن يقتلهم، ويريح الأمة من خطرهم ويدفن الفتنة في مهدها… هكذا أشار صحابة رسول الله على عثمان بن عفان رضي الله عنه واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن دعا إلى نفسه أو إلى أحد وعلى الناس إمام؛ فعليه لعنة الله؛ فاقتلوه)).
على الرغم من كل ذلك لان عثمان رضي الله عنه كعادته، ولم يطع القوم ويحزم أمره في شأنهم؛ بل قال: بل نعفو ونقبل، ولا نحاد أحدًا حتى يركب حدًّا أو يبدي كفرًا.
أما هذه الأشياء التي زرعوها في قلوب الناس، والتي اعتقدوا أن الخليفة لن يستطيع الجواب عنها فيلزموه بها؛ فقد حاورهم بشأنها وأقنعهم بسلامة تصرفاته فيها؛ فرضوا عن أكثرها وسكتوا عن القليل منها. وكانت أهم هذه النقاط في الآتي:
قالوا: أتم الصلاة في السفر، وكانت لا تتم في عهد النبي؛ فقال -ردًّا على ذلك-: إني قدمت بلدًا فيه أهلي فأقمت وأتممت.
وقالوا: إنه عين أرضًا محددة ترعى فيها إبل الصدقة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لم يفعلوا ذلك. فقال: حتى لا تختلط بها إبل الناس؛ فلا تزاحمها في مرعاها، وهو شخصيًّا -بالرغم مما عنده من الإبل الكثيرة- ليس له من هذه الإبل إلا راحلتان، وهما لحجه.
وقالوا: جعل القرآن في مصحف واحد وأمر بتحريق ما عداه، فقال: ألا وإن القرآن واحد، جاء من عند واحد، وهو في ذلك تابع وليس مبتدعًا، ولا يخفى علينا ذلك المصحف الذي جمع في عصر الصديق.
وقالوا: إنه رد الحكم ابن أبي العاص عم الخليفة إلى مكة، وكان النبي قد أبعده إلى الطائف؛ لأنه كان من أقسى المشركين على الرسول في مكة قبل الهجرة، واستمر مبعدًا في خلافتي أبي عمر وعمر، فكيف يعيده عثمان؟!
فرد عليهم قائلًا: إنما تشفعت لدى رسول الله في شأن الحكم فقبل شفاعتي؛ لكنه صلى الله عليه وسلم انتقل إلى الرفيق إلى الأعلى قبل عودة الحكم، وأبى الصديق والفاروق أن يأخذا بخبر الواحد -يعني: هو خبر عثمان رضي الله عنه أنه استسمح رسول الله فرضي عنه- فلما وليت أعدته… فرضوا بهذا الجواب.
كذلك عرضوا عليه موضوع تولية صغار السن من أهله؛ فذكرهم كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّر زيد بن حارثة، ثم من بعده أمر ابنه أسامة بن زيد على جيش فيه كبار الصحابة.
كذلك تحدثوا عن عبد الله بن سعد بن أبي السرح، -وكان أخًا لعثمان من الرضاعة- وأنه أعطاه خمس الخمس الخاص ببيت المال… ورد على ذلك بقوله: إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فعلا ذلك؛ علمًا بأنه رد هذه الأموال من عبد الله بن سعد بن أبي السرح عندما علم بكراهة الجند لذلك.
كذلك قالوا له: إنَّ الخليفة يحب أهله ويعطيهم المال الجزيل، فقال: إني أحبهم؛ ولكني لا أميل معهم على جور، وأحمل عليهم الحقوق، كما أني لا أعطيهم إلا من مالي، ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس.
هذه الملاحظات أو الاعتراضات على سياسة عثمان رضي الله عنه وأسلوبه في الإدارة، وعلى الأخص ما يتعلق بتولية مناصب الدولة ذوي قرباه ومنحهم الأعطيات كانت تمثل -من غير شك- أسبابًا للضيق بخلافته، وقد اتخذها الثائرون عليه مادة لتأليب الناس ضده وأغروا بها صدورهم.
وإذا كانت هذه المحاورة قد انتهت -شكلًا- بسكوت الناس؛ فقد أدرك الخليفة أنها مواقف لها ما بعدها، وينبغي له أن يعمل على تدارك الأمر قبل أن يستفحل؛ ولذلك بعث إلى عماله على الأقاليم أن يوافوه في الحج؛ ليتدارس معهم الموقف.
وحقيقة نريد مناقشة مراسلة الخليفة لأمراء الأمصار في الأقاليم، وأخذ رأيهم، والتعرف على هذه الآراء، وتكوين رأي عام من خلال هذا الاجتماع، ولكن الذي حدث أن الخليفة لم يرغب في تطبيق هذا الرأي العام الذي ذهبت إليه آراء المجتمعين؛ بل على العكس من ذلك أخذ قرارًا آخرَ يميل مع طبيعته اللينة الهادئة.
تقول الروايات: إنَّ الخليفة بعث إلى عمال الأمصار فقدموا عليه، منهم: عبد الله بن عامر، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، وأدخل معهم في المشورة سعيد بن العاص وعمرو بن العاص، وسألهم الخليفة: ما هذه الشكايات؟ وأنا أخشى أن تكون هذه الأمور صادقة. فقالوا له: ألم تبعث رسلك إليهم؟ وألم ترجع إليك الأخبار عنهم -عن القوم-؟ وأقسموا له أن هذه الشكايات ليست صادقة وليس لها أصل، فهنا قال الخليفة: أشيروا علي. فقال سعيد بن العاص: هذا أمر مصنوع يصنع في السر، ومطلوب من هذا الأمر أن ينتشر وأن تذيعه الناس في مجالسها، قال: فما دواء ذلك؟ قال سعيد: طلب هؤلاء القوم، ثم قتل هؤلاء الذين يخرج هذا الكلام من عندهم. وقال عبد الله بن سعد بن أبي السرح: خذ من الناس الذي عليهم بعد أن أعطيتهم الذي لهم. وقال معاوية: قد وليتني فوليت قومًا لا يأتيك عنهم إلا الخير. فقال عثمان: ما ترى يا عمرو؟ قال أرى: أنك قد لنت لهم وتراخيت عنهم؛ فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك؛ فتشتد في موضع الشدة وتلين في موضع اللين. وهكذا أجمع المتكلمون على المبادرة بأخذ هؤلاء المحركين للفتنة المحرضين عليها بالشدة، والضرب على أيديهم قبل استفحال خطرهم.
والحقيقة أن الخليفة كان من الواجب أن يأخذ بهذا الرأي ويعمل بما أشاروا به عليه؛ ولكن طبيعة عثمان رضي الله عنه كانت تختلف عن ذلك؛ فهو لا ينتقم لنفسه، وسجيته أبدًا كما هي حتى وهو يواجه مثل هذا الخطر العظيم الذي يهدده، ويهدد نفسه؛ بل ويهدد الأمة؛ فلم يستجب لتلك المشورة التي طلبها منهم، وإنما اكتفى بوصايتهم، قال لهم: كفكفوا الناس، وهبوا لهم حقوقهم، واغتفروا لهم، وإذا تعوطيت حقوق الله -أي: مست- فلا تداهنوا فيها.
هل صدق هؤلاء الأمراء في الاستماع لتوجيهات الخليفة وتنفيذها كما طلب منهم، وكما أمرهم؟
لا أظن أن الجواب بنعم؛ يكفي أن نقول: إنهم لم يمنعوا الناس من الخروج على الخليفة؛ وذلك لسوء تصرفهم؛ كما أنهم لم يؤدوا إليهم حقوقهم، حين لم يبصروهم بعاقبة جنوحهم واتباعهم لزعماء السوء والفتنة؛ كما أنهم تهاونوا في صيانة حقوق الله؛ إذ تركوا لهؤلاء الخارجين على الخليفة مجال الحركة فسيحًا، ولم يحزموا أمرهم معهم؛ فاستشرى الفساد وكان من أمرهم ما كان.
حقيقة: هذه النقاط مهمة؛ لأن إذا كان الخليفة اتخذ هذا القرار في عاصمة الدولة؛ فكان من الطبيعي على ولاة الأمصار أن يكون لهم موقف، وهذا الموقف لن يخرج عن موقف الخليفة؛ فإن نصائح الخليفة واضحة المعالم؛ فلو أنهم ضيقوا على هؤلاء الخارجين، ولو أنهم بينوا للعامة والخاصة خطورة ما يحدث، ولو أنهم أعطوا للناس حقوقهم في التبصير بما يحدث، والخطر الداهم على الإسلام وعلى المسلمين، وما يمكن أن تتطور إليه الأمور؛ لكان من الممكن أن تكون هناك عواقب أخرى غير التي حدثت، وعلى أية حال؛ قدر الله وما شاء فعل.
أقول: عاد كل أمير إلى ولايته، وأدرك معاوية حرج موقف الخليفة ودقة هذا الموقف في المدينة خاصة لانصراف كثيرين من أهلها عنه؛ فعادا -أي: الخليفة ومعاوية، إلى العاصمة، وهنا عرض معاوية على الخليفة عثمان بن عفان أكثر من رأي، وحقيقة: شاءت إرادة الله أن يرفض الخليفة أي من هذه الأمور.
عرض معاوية على عثمان أن يذهب معه إلى الشام فيقيم بين أهلها، ومن المعروف سماع أهل الشام لمعاوية وكلمة معاوية على أهل الشام، وأخبره أنه لا خطر عليه هناك، أبى الخليفة هذا الاقتراح، وأبى أن يبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي ثمن، ومن ثم عرض عليه معاوية عرضًا آخر… عرض عليه أن يرسل إليه جندًا من أهل الشام يقيمون معه في المدينة للدفاع عنه، وحمايته من أي خطر محتمل… ومرة أخرى أبى الخليفة أن يضايق أهل المدينة بسكنى غيرهم معهم.
وحقيقة يحق لنا أن نتساءل -وهذا الكلام منقول عن الأستاذ الدكتور محمد جبر أبو سعدة، والأستاذ الدكتور عبد الشافي عبد اللطيف-: ألم يكن من الحكمة السياسية، وبعد النظر قبول أحد هذين العرضين تفاديًا للخطر؛ وسدًّا لباب الفتنة وقضاء على الشر في مهده؟
حقيقةً: الخليفة له عذر في كل ما حدث، وخلقه الرقيق، ولينه، وإيثاره العافية، ونفوره من المجابهة والعنف؛ كذلك إيمانه، وطهارة نفسه، وعزوفه عن الدنيا… كل ذلك هيأ له أن المسلمين لن يبلغ بهم الأمر حد العدوان على خليفتهم، الذي بايعوه وهم مختارين غير مكروهين؛ فكانت ثقته فوق الاحتمالات التي أبصر معاوية نُذُرها في الأفق، وهكذا تهيأت الظروف وتمهدت الأمور ليحل بالأمة ما حل من هول عظيم، وليقع بالخليفة ما وقع من تجاوز لحرمته وعدوان عليه.
حصار الخليفة عثمان بن عفان واستشهاده رضي الله عنه:
في منتصف العام الخامس والثلاثين كاتب أهل الأمصار بعضهم بعضًا -والمقصود بالأمصار الثلاثة: مصر، والكوفة، والبصرة- ومعروف أن هؤلاء الثوار تواعدوا على الخروج إلى المدينة على أن يكون الهدف من هذا الخروج -الهدف المعلن- هو الحج…
في شوال من العام ذاته خرج من المصريين يقال: ألف رجل بقيادة الغافقي بن حرب العكي، وكان بينهم ابن السوداء، ومن المعروف أنه قطب هذه الفتنة والسبب الحقيقي والرئيسي الذي حرك حركات الأمصار في تلك المرحلة، وهذا أمر لا أشك فيه؛ بل أميل إليه وأعتبره هو السبب الأول والأخير في هذه الأثناء، وما ذكر بخلاف ذلك تعد أمور ثانوية: لو لم يكن ابن السوداء موجودًا في هذه التصرفات لعبرت كما عبر غيرها، ولمرت دون أن يكون لها ذلك الأثر الذي حدث بعد ذلك، والمتمثل في مقتل الخليفة وحدوث هذه الصراعات.
تحرك المصريون بقيادة الغافقي بن حرب العكي ومعهم ابن السوداء -كما ذكرنا- كما خرج أهل البصرة في مثل هذا العدد، وعليهم أمير يسمى حرقوص بن زهير السعدي؛ كذلك خرج من الكوفيين أيضًا عدد يقارب مثل هذا العدد ويقودهم عمرو بن الأصم، وكانت الخطة التي اتفقوا عليها هي مطالبة الخليفة بتغيير ولاة بلادهم، ومن ثم إن رفض طالبوه بعزل نفسه من منصبه؛ ولكنهم لم يتفقوا على اسم الخليفة الجديد الذي يريدون الاتفاق على شخصه، وأضمر كل فريق في نفسه اسم الخليفة الذي يرغب فيه، ومن المعروف: المصريون كانوا يريدون استخلاف علي، والبصريون يريدون خلافة طلحة، وأهل الكوفة يريدون تولية الزبير بن العوام.
تقدم أهل مصر إلى الخليفة بهذا الطلب، وهو: تغيير خليفتهم، وهو عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وتلافيًا لخطر الفتنة استجاب عثمان رضي الله عنه لطلبهم وعين بناء على طلبهم محمد بن أبي بكر وجعله أميرًا على مصر.
وهنا تذكر المصادر: أنه بينما كان وفد مصر عائدًا إليها -وعلى رأسهم محمد بن أبي بكر- رأوا راكبًا يقترب منهم ويبتعد عنهم، أثار انتباههم وشكوكهم ومن ثم حاصروه، وأسرعوا خلفه حتى استطاعوا بالإمساك به وحققوا معه، خاصة وأنه بدا عليه الاضطراب، اشتدوا عليه فظهرت حقيقةُ أمره عندما فتشوه؛ فإذا هو يحمل كتابًا مختومًا بخاتم الخليفة عثمان بن عفان، وهذا الكتاب موجه إلى والي مصر الموجود في هذه المرحلة، ألا وهو: عبد الله بن سعد بين أبي السرح يأمره فيه الخليفة بالقبض على رجال هذا الوفد حين عودتهم إلى مصر والتنكيل بهم وقتلهم. هذه كانت مفاجأة كافية لإثارة الغيظ والحقد وخيبة الأمل في النفوس، وإعادة الثوار، وحركات الخروج مرة أخرى إلى المدينة.
في هذه الأثناء، لم يكن العراقيون قد تحركوا بعد من المدينة -ومعنى ذلك: أن هذا الأمر لم ينتهِ بعد وتفصيلاته تدل على أن هناك نية مبيتة؛ بدليل عدم عودة رفاقهم من أهل العراق- دخل المصريون على الخليفة وأطلعوه على الكتاب؛ فماذا كان رد الخليفة رضي الله عنه؟
قال لهم: إنما هما اثنتان: أن تقيموا علي رجلين من المسلمين يشهدان علي بذلك: إنني كتبت هذا الكتاب وختمته وأرسلته، أو يميني أحلفه بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا أمليت ولا علمت. كما يقال: إما البينة وإما اليمين، إما أن يأتي بالبينة والشهود، وإما اليمين يحلفه بالله أنه ما كتب ولا أملى ولا علم.
وبرأ نفسه من هذا الكتاب تمامًا، وقال لهم: تعلمون أن الكتاب يكتب على لسان الرجل وقد ينقش الخاتم على الخاتم، هنا طلب منه الثوار أن يسلمهم مروان بن الحكم؛ لأنه قام عندهم الدليل على أنه كاتب هذه الرسالة؛ لكي يحققوا معه الأمر، فأبى الخليفة الاستجابة لطلبهم خوفًا من الفتنة، بناء على ذلك تطورت الأمور، وتفاقمت الأزمة وحدث الحصار حول بيت عثمان، ومنعه من الخروج حتى للصلاة.
وتقول الروايات: إنَّه أرسل رسالة مستفيضة إلى جماهير المسلمين يطلب منهم -الولاة بالأخص منهم- اللحاق بالخليفة في المدينة، وكتب في نهاية هذا الكتاب: “فمن قدر على اللحاق بنا فليلحق”.
وما إن وصلت هذه الرسالة حتى أسرعت النجدات إلى العاصمة لتفك أسر الخليفة المحصور؛ فبعث معاوية جيشًا على رأسه حبيب بن مسلمة الفهري، وبعث ابن أبي سرح فرقة بقيادة معاوية بن حديج… إلى آخر كل ذلك.
في المدينة: خف أهل المدينة للدفاع عن الخليفة ومنع الثوار من الوصول إليه وإلى أهل بيته.
وكان من هؤلاء خيرة الشباب من الصحابة وأبناء الصحابة أمثال الحسن والحسين -ابني علي- وعبد الله بن الزبير، وغيرهم من الرجال، وأخذت المؤن تتسرب إلى بيت الخليفة داخل الدار، وطال الحصار حتى تجاوز العشرين يومًا، وزاد التوتر في المدينة، وأحكم الثوار قبضتهم عليها.
انتهى موسم الحج، واقتربت النجدات المدينة، وأصبح الموقف بهذه الصورة صعبًا على هؤلاء الخارجين، ورأوا أنه لا بد لهم من التعجيل بتنفيذ أمرهم ومؤامرتهم قبل أن يفلت الزمام من بين أيديهم، وتباغتهم الجيوش القادمة لنجدة الخليفة؛ فأرادوا أن يقتحموا دار الخليفة؛ ولكنهم فشلوا بسبب المقاومة الباسلة من أبناء المهاجرين والأنصار؛ فعمدوا إلى إحراقها، وتسور بعض هؤلاء دارًا مجاورة، وانقض عليه الثائرون وهو يقرأ في كتاب الله هادئًا ساكنًا.
تقول المصادر: إنَّ محمد بن أبي بكر أحجم عن مس الخليفة بأذى، خاصة أنه استحيا منه عندما أمسك بلحيته؛ فأخبره عثمان رضي الله عنه أن والده كان يقدر هذا الشخص وهذه اللحية، فاستحى وخرج، لكن الغافقي بن حرب أسرع؛ فضرب الخليفة عثمان بحديدة كانت معه.
ثم انقض عليه أحدهم بسيفه، فأرادت زوجته نائلة أن تحميه بنفسها فقطع السيف أصبعها، ثم ضربه مجرم آخر؛ فأجهز عليه رضي الله عنه ثم نهب هؤلاء القتلة بيت الخليفة وبيت المال، واحتجوا بأنهم إذا كانوا قد أجازوا دمه؛ فكيف لا يجيزون ماله.
ومن المعروف أن هذا فكر فاسد ولا يمكن أن يؤيده أي دليل فقهي أو شرعي.
على أية حال؛ وقعت تلك المأساة في يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة عام خمسة وثلاثين هجرية.
ولم يصرح أولئك القتلة الظالمون بدفن أمير المؤمنين عثمان إلا خلسة؛ فحمل جسده الطاهر إلى مثواه الأخير ليلًا، ولم يشترك في جنازته إلا نفر قليل، ومن المعروف أن دفن عثمان كان في البقيع، رضي الله عنه.
هذا، وبالله التوفيق.