Top
Image Alt

الأسس التي ينبغي مراعاتها لبناء المنهج وتطويره

  /  الأسس التي ينبغي مراعاتها لبناء المنهج وتطويره

الأسس التي ينبغي مراعاتها لبناء المنهج وتطويره

غير أننا ينبغي أن نشير أيضًا إلى أن هناك أسسًا لبناء المنهج وتطويره ينبغي مراعاتها، ومن هذه الأسس ما يلي:

أولًا: فلسفة التربية: حيث تُعد فلسفة التربية من أهم أسس بناء المناهج وتطويرها، حيث تطلق الأدبيات على هذا الجانب: الأسس الفلسفية لبناء المناهج. والمتتبع لتاريخ علم التربية وتطوره يلمس ظهور العديد من الفلسفات التي عبرت عنها مدارس فكرية وجهت مسار التربية في المجتمعات التي تبنت توجهات تلك المدارس، وفي هذا الإطار يمكن أن نشير إلى عدة فلسفات تناولت ذلك، منها: الفلسفة الموسوعية، والفلسفة الأساسية، والفلسفة التقدمية، والفلسفة البوليتكنيكية. ويُعد الأساس الثاني من أسس بناء المناهج وتطويرها: العقيدة الدينية؛ حيث تأتي العقيدة الدينية كأساس آخر من أهم أسس بناء المناهج وتطويرها، حيث تطلق الأدبيات على هذا الجانب الأسس الدينية أو العقدية لبناء المناهج.

ثانيًا: انعكاسات العقيدة الدينية على بناء مناهج التعليم: يمكن إجمال انعكاسات العقيدة الدينية على بناء مناهج التعليم وتطويرها في أربعة أسس فرعية، وهي:

لأساس الفرعي الأول: التصور العقائدي أو العقدي لحقيقة الإلوهية؛ حيث يختلف التصور العقائدي لحقيقة الألوهية من ديانة لأخرى، فمن هذه التصورات: من يؤمن بالله وحده لا شريك له خالق كل شيء، وهنا يكون الوحي هو أول مصدر من مصادر المعرفة التي يجب بناء المنهج وفقًا لها، والعقيدة الإسلامية مثال على ذلك. ومن هذه التصورات: من يؤمن بوجود الله فقط في ملكوت السماء، ولا يجعل لله وجودًا في تصريف ملكوت الأرض. وهنا يكون الوحي مجرد مصدر من مصادر المعرفة التي تتم بإرادة الإنسان وحده، والعلمانية مثال واضح على ذلك، ومن تلك التصورات من لا يؤمن بوجود الله أصلًا، ويرى أن الحياة مادة فقط، تلك المادة التي تكون هي المصدر الأوحد للمعرفة، والماركسية أبرز مثال على ذلك.

الأساس الفرعي الثاني: التصور العقائدي أو العقدي لحقيقة الكون؛ فهناك من يعتقد أن الكون مخلوق ومسير بإرادة الله، ومن ثم يصبح الكون مصدرًا ثانيًا للمعرفة، التي لا تتم إلا بإرادة الخالق عز وجل وهذه هي عقيدة الإسلام. وهناك من يعتقد بأن الكون يسير بحتمية علمية دون إرادة من الله عز وجل ومن ثم، فإن الكون يصبح هو المصدر الأوحد للمعرفة، وهذه هي العقيدة العلمانية. ومن الناس من يعتقد بأن الكون مادة محسوسة وملموسة، وأن الكون المُغيب ابتداءً من الروح وانتهاءً بمفردات الملأ الأعلى لا وجود له ومن ثم، فإن المادة بصورها المختلفة هي أصل المعرفة، وهي العقيدة الماركسية. التصور العقائدي، أو العقدي لحقيقة الإنسان: تختلف التصورات العقدية حول حقيقة الإنسان من حيث مصدره، ومركزه في الكون، وخصائصه، واحتياجاته، ووظيفته في الحياة، وغايته. الأمر الذي يكون له انعكاساته الواضحة على تحديد كيف يعرف الإنسان؟ وكيف يتعلم؟ وهي أسس حتمية، ومنطلقات ضرورية لبناء مناهج التعليم وتطويرها.

الأساس الفرعي الرابع: التصور العقائدي أو العقدي لحقيقة الحياة؛ تختلف التصورات العقدية حول حقيقة الحياة من حيث طبيعة المجتمع، والمعايير التي تحكم سلوك الأفراد فيه، وتحكم نوعيات الروابط والصلات والنظم الاجتماعية، والعادات، والقيم، والتقاليد، ونوعية الموجهات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والتربوية، والإعلامية، إلى آخر ذلك. الأمر الذي يكون له انعكاساته الواضحة على تحديد لماذا يجب على الإنسان أن يعرف؟ وما هي مهمة العلم والمعرفة لكل من الإنسان والمجتمع والحياة؟ وهي أسس حتمية ومنطلقات ضرورية لبناء مناهج التعليم وتطويرها.

ومن الركائز التي توجه إليها العقيدة الإسلامية السمحة، كعقيدة خاتمة للعقائد والأديان في بناء مناهج التعليم وتطويرها: ضرورة أن تركز المناهج على الاهتمام بالإنسان في جميع جوانبه الجسدية، والعقلية، والروحية، وأن تتوازن المناهج في تقديم خبرات النمو للجوانب الثلاث: العقل والروح العقل والروح والجسد، بحيث لا يطغى جانب على جانب آخر، وأن تترابط المناهج فيما بينها بما يحقق التكامل في الخبرات بين جوانب الإنسان المختلفة، وأن تراعي المناهج تدرج الخبرة من السهل إلى الصعب، وتتسم بالوسطية والاعتدال بما يتناسب ومستوى المتعلم العمري والعقلي، وأن تتكامل خبرات المنهج أفقيًّا ورأسيًّا، بحيث تقدم للمتعلم خبرات متنوعة مستمرة، ترقى به من مرحلة تعليمية لأخرى، وأخيرًا، أن تركز المناهج الدراسية باختلاف موادها الدراسية المتنوعة على تأكيد أسس العقيدة الإسلامية، وتأصيل مبادئها في نفوس المتعلمين، وتأكيد انتماءاتهم لها واعتزازهم بها.

ثالثًا: طبيعة العلم وخصائصه: تمثل طبيعة العلم بميادينه وفروعه المختلفة أحد الأسس التي ترتكز عليها عمليتا بناء المنهج وتطوير المنهج، فإذا كان بناء المناهج يقوم على طبيعة المعرفة العلمية وخصائصها، فإن تطوير المنهج أيضًا لا يقوم إلا على التغير الذي طرأ على طبيعة تلك المعرفة العلمية وخصائصها، ولا يمكن لنا تصور إمكانية القيام بعملية البناء أو التطوير للمناهج الدراسية دون الوقوف وبدقة على طبيعة العلم وخصائصه، وذلك كما يلي: طبيعة العلم؛ تتحدد طبيعة العلم في ثلاث وجهات نظر، وهي:

1. النظرة الإستاتيكية للعلم: حيث ينظر بعض العلماء والمربين إلى العلم على أنه ذلك البناء المعرفي الذي يتضمن حقائق العلم المختلفة، وما توصل إليه العلماء من مفاهيم، وتعميمات، وقوانين، ونظريات علمية. وتلك النظرة إلى العلم أسماها “جيمس كونارد”: النظرة الإستاتيكية للعلم. والعلم وفقًا لهذه النظرة هو وسيلة لتفسير ظواهر الكون الذي نعيش في جزء منه، الأمر الذي جعل مؤيدو هذه النظرة متأثرين بأهمية العلم كعامل مفسر وشارح لظواهر الكون المختلفة. وهم يرون أن ذلك الكم الهائل الذي توصل إليه الإنسان يمكن أن يؤدي خدمات علمية وثقافية للإنسان. ويُعد “هيربارت سبنسر” واحدًا من مؤيدي هذه النظرة؛ حيث يرى أن العلم ما هو إلا معرفة منتظمة، ولا شك في أن النظر لطبيعة العلم على أنه فقط كم من المعارف والمعلومات كان له انعكاساته الواضحة في بناء المناهج الدراسية؛ حيث كانت هذه المناهج تتخذ من المعارف والمعلومات محورًا ترتكز عليه، وأساسًا لبنيتها، وكانت النتيجة هي حدوث تخمة في محتوى هذه المناهج، واهتمامًا كبيرًا بحشو عقول المتعلمين بهذا الكم الهائل من المعلومات.

2. النظرة الديناميكية للعلم: وينظر أصحاب هذا الاتجاه للعلم على أنه طريقة البحث والتفكير، بمعنى: أن هذا التصور الديناميكي ينظر إلى العلم على أنه نشاط لا على أنه مجرد كم من المعارف، إلا مِن حيث كونها تمثل نقاط انطلاق لعمليات بحث وتنقيب علمية؛ تستهدف الوصول لمزيد من الكشوف والمعارف، وهذا التصور يولي معامل البحث وأساليبه أهمية كبيرة، ويرجع لها الفضل في استمرار تطوير المعرفة.

3. النظرة التكاملية للعلم: فأصحاب هذه النظرة يجمعون بين كلتا النظرتين الإستاتيكية والديناميكية، حيث يرون أن العلم ما هو إلا سلسلة مترابطة من المفاهيم والمخططات المفاهيمية، والمعارف والمعلومات التي جاءت نتيجة لعمليات البحث والتجريب التي من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من المعارف والمعلومات، ومزيد من البحث والتنقيب. وتلك النظرة التكاملية للعلم توضح: أن العلم لا نهائي، وأنه عملية مستمرة تهدف إلى اكتشاف معرفة جديدة، وتفسيرات جديدة، والتوصل إلى فهم أعمق لظواهر الكون الذي نعيش فيه. كما توضح أيضًا أن الاكتشافات الجديدة تطرح أسئلة جديدة، تحتاج بدورها إلى القيام بعمليات ملاحظة، وتجريب جديدة، حتى تتم الإجابة عن تلك الأسئلة. وهناك خصائص للعلم، منها: موضوعية العلم، وكمية العلم، ونسبية العلم، ومدى تراكمية العلم، وتكاملية العلم، وكذلك اجتماعية العلم. وجميعها من المحددات، والعوامل الخاصة، والأسس الرئيسة لتطوير المنهج.

رابعًا: حاجات المجتمع، وخصائص العصر: حيث يُعد من أسس تطوير، وبناء المناهج، وإعدادها حاجات المجتمع وخصائص العصر، فالتربية تمثل نظامًا من أهم أنظمة المجتمع، وتمثل العملية التعليمية جانبًا أساسيًا من هذا النظام، ولا شك أن هذا النظام يؤثر ويتأثر بغيره من أنظمة المجتمع. ويمثل المجتمع الذي تخدمه التربية بأوضاعه مصدرًا هامًا؛ لاشتقاق غايات التربية وأهداف التعليم. ولا عجب في ذلك؛ لأن التربية كأحد أنظمة المجتمع هي المسئولة عن تحقيق أهداف هذا المجتمع في أبنائه. ومن أهم أوضاع المجتمع التي تؤثر بشكل أو بآخر على نظام التربية، والعملية التعليمية بمناهجها: تاريخ المجتمع والتطورات التي مر بها، وثقافة هذا المجتمع، وأساليب العيش والحياة فيه، وقيم هذا المجتمع، وفلسفته، ومقوماته، وموارده، ومشكلاته، ومتطلباته، وآماله، وتطلعاته.

ومن المؤكد، أن حاجات أي مجتمع ومتطلباته غير ثابتة، فهي في تغير مستمر. ومما لا شك فيه، أن التغير الذي يطرأ على أي جانب من جوانب الحياة في المجتمع يؤدي إلى تغيير في جوانب الحياة الأخرى. ومن أهم خصائص المجتمعات في عصرنا الحالي: سيادة الاتجاه المادي والإيقاع والتطوير السريع في الحياة، وانتشار القلق والتوتر النفسي، كل هذه الأمور تحتاج إلى مراعاة كاملة وتامة لها أثناء إعداد المنهج.

الأساس الخامس: هو خصائص المتعلم وحاجاته: حيث لا يمكن أن نتصور بناء أي منهج دراسي بعيدًا، وبمعزل عن خصائص المتعلم وحاجاته، ولا يمكن تجاهل هذا الجانب الجوهري عند محاولات تطوير المناهج، ولا عجب في ذلك؛ فالمنهج الدراسي يُقدم للمتعلم، ويستهدف تحقيق أهدافه في هذا المتعلم. لذا؛ ينبغي الاهتمام التام والكامل بكافة الخصائص والجوانب والعمليات والقدرات الخاصة بالمتعلم، كما ينبغي أيضًا مراعاة حاجات هذا المتعلم.

الأساس السادس: مراعاة ما يحدث من تطور في علوم، وفنون، وفروع التربية:

حيث تمثل علوم التربية أحد الأعمدة واللبنات الأساسية لبناء المناهج وتطويرها، وبالتالي، فإن أي تطوير لتلك المناهج ينبغي أن ينطلق من التغييرات والتطويرات التي تحدث في نظريات التربية، وعلم النفس، والمناهج، وطرق التدريس، وأصول التربية، والإدارة التعليمية، وتكنولوجيا التعليم، والصحة النفسية، وغيرها من التخصصات ذات الصلة بمجال التربية بصفة عامة. ومنذ أن أصبحت التربية علمًا قائمًا بذاته حدثت وتحدث دائمًا إضافات، وتغييرات، وتطويرات في فروع هذا العلم، وما توصلت إليه هذه الفروع من نظريات ومبادئ، ويجب الاستفادة مما توصل إليه العلماء في مجال علم النفس التربوي، والتعليمي، والاجتماعي، وعلم نفس النمو، والصحة النفسية المدرسية، وكذلك المجالات الأخرى: كالمناهج، وطرق التدريس، والمداخل، والعمليات المختلفة الخاصة بذلك.

وأيضًا، يجب الاستفادة والتضمين لعمليات، وأجهزة ومستحدثات، ونظريات، ومبادئ، ووسائل تكنولوجيا التعليم والمعلومات؛ باعتبارها أنها من الأدوات، والحوامل، والوسائط، والنواقل التي يمكن أن تستخدم في تنفيذ المنهج، وتساعد بالطبع في تطوير هذا المنهج.

error: النص محمي !!