Top
Image Alt

الأصول الشرعية في دعوة الكفار والمنافقين

  /  الأصول الشرعية في دعوة الكفار والمنافقين

الأصول الشرعية في دعوة الكفار والمنافقين

أما الأصول الشرعية في دعوة الكفار إلى الإسلام فمنها:

أولًا: الأصل أن يُدعوا إلى الإسلام، وأن يبدأ الداعية دعوته إلى توحيد الله -عز وجل-؛ تأسيًا بالنبي -صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله -تبارك وتعالى- أول ما بعثه أمره بدعوة الناس إلى التوحيد، فلبث فيهم عشر سنين ليس معه شيء إلا ((قولوا: لا إله إلا الله، تفلحوا)) وبعد عشر سنين كلَّفه الله -تبارك وتعالى- ومن آمن معه بالصلاة كما هو معلوم، فعلى دعاة المسلمين أن يبدءوا دعوتهم بالدعوة إلى توحيد الله -عز وجل-؛ فإن هذا هو أصل الأصول، وعليهم أن يبلغوا هذه الدعوة على وجهها الصحيح بلاغًا يقطع العذر كما جاء في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم، ولا تقوم الحجة على الناس إلا بهذه الدعوة الصحيحة البينة الظاهرة، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}  [المائدة: 67]، ويقول سبحانه: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِين}  [النور: 54]، ولا يكون البلاغ مبينًا قاطعًا للعذر إلا إذا فهمه المدعوُّون بأن يبلغهم بلغتهم التي يفهمونها أو يكونوا قادرين على فهم اللغة العربية “لغة القرآن”، فإن الله -تبارك وتعالى- قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4] فالواجب على أمة الإسلام الذين أخرجهم الله تعالى للناس أن يبلغوهم دين الله باللسان الذي يفهمونه ثم يعلموهم العربية ليفهموا عن الله ورسوله، وفي ذلك يقول العلامة ابن باز -رحمه الله-: “أما بالنسبة إلى ولاة الأمور ومن لهم القدرة الواسعة فعليه من الواجب أكثر، وعليهم أن يبلغوا الدعوة إلى ما استطاعوا من الأقطار حسب الإمكان بالطرق الممكنة وباللغات الحية التي ينطق بها الناس، يجب أن يبلغوا أمر الله بتلك اللغات، حتى يصل دين الله إلى كل أحد باللغة التي يعرفها، باللغة العربية وبغيرها”.

ثانيًا: ويجب على دعاة المسلمين -وقد بلّغوا الكفار الدعوة على وجهها الصحيح- يجب عليهم أن يدحضوا كل حجج الكفار وشبهاتهم حول دينهم الباطل، وكل دين غير الإسلام فهو باطل، قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}  [الأنبياء: 18] وقال: {قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ}  [الأنعام: 149] وقال: {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33] ومن أجل ذلك أبطل الله تعالى في القرآن كل ما احتجَّ به الكفار على اختلاف عقائدهم في احتجاجهم لدينهم الباطل، فقد ردَّ الله على اليهود مزاعمهم وعلى النصارى ضلالهم وشبههم وعلى مشركي العرب في جميع ما عارضوا به الإسلام، وعلى ما احتجوا به على ما هم عليه من الشرك والضلال في مثل الآيات التي ذكرناها ونحن نتحدث عن أصناف الناس.

ومن الأصول التي يجب على الداعية اتباعها في دعوة الكفار: عرض الدعوة عليهم باللّين والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالحسنى، ففي مقام عرض الدعوة على الكفار وإن كانوا من المجرمين العُتاة والجبابرة الطغاة، يجب على الداعية اتخاذ اللين والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالحسنى سبيلًا إلى عرض دعوته، والدليل على هذا ما وصَّى الله به -عز وجل- موسى وهارون -عليهما السلام- إذ قال لهما: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43، 44]، فمع طغيانه وقتله لذكور بني إسرائيل واستحيائه لنسائهم وسومهم سوء العذاب، إلا أن الله أمر الرسول -عليه السلام- أن يكون لينًا في عرض الدعوة عليه؛ لعلَّ اللين أن ينفعه فيتذكر ما ينفعه فيقبله ويخشى مغبة تكذيبه فلا يُكذب، وقد اختلف العلماء في تفسير القول الليّن الذي أمر الله تعالى به موسى وهارون عليهما السلام: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا} ما هو القول اللين؟ فضرب بعض المفسرين أمثلة للقول اللين، ولكن الراجح أن القول اللين الذي أُبهم هنا فُسّر في سورة النازعات في قول الله تعالى لموسى عليه السلام: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات: 17- 19] فآيات النازعات مفسّرة للقول اللين المبهم في سورة طه، فإن أحسن ما يفسر به القرآن هو القرآن.

وهذه الآيات التي فسرت القول اللين فيها دلالة على أن على الدعاة أن يعلموا أن الدعوة عرضٌ لا فرض {هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} فعلى الداعية أن يحسن عرض دعوته وسيقبلها الناس إن شاء الله تعالى، وليس له أن يفرض دعوته على الناس، أو أن يفرض رأيه أو يفرض مذهبه أو يفرض فكرته، ويلزم الناس بها، ليس للداعية إلا أن يحسن العرض وليس له الفرض، والناس بعد ذلك أحرار يختارون ما يشاءون لأنفسهم وحسابهم على الله، كما قال الله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]، وقال: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِين} [يونس: 99]، وقال -عز وجل-: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]، ثم جزاء الجميع عند رب العالمين يوم الدين: -رضي الله عنه-  {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف: 29، 30]. وعلى الدعاة إلى الله-عز وجل- أن يلتزموا الرفق واللين مع عُصاة المسلمين فإذا كانوا مأمورين بالرفق واللين مع الكفار فمع العصاة أولى، وقال تعالى في بيان حسن عرض الدعوة: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، وقال تعالى: {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [العنكبوت: 46].

ومن الأصول التي يجب على الداعية اتباعها في دعوة الكافرين: ردّ إساءتهم وعدم السكوت على طعنهم في الدين، فلا يجوز للداعية إلى الله الذي يعرض دعوته باللين والحكمة على الكفار- أن يأخذ جانب اللين مع الذين يردون ردًّا سيئا ويطعنون في الدين الحق ويسبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم أو يعيبون شريعة الله، بل يجب الرد المناسب عليهم والانتصار منهم؛ لقول ربنا سبحانه: {إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا}، فالظالمون منهم يجب الرد بما يتناسب مع هجومهم وتهجمهم على الإسلام وطعنهم فيه، قال تعالى في مدح عباده المؤمنين: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُون} [الشورى: 39]، ولذلك جاء في كثير من آيات القرآن الرد والزجر الشديد على المعاندين كبيان فضائحهم، وكشف مخازيهم، ووصفهم بفقدان العقل والفهم والاستهزاء بحالهم ومآلهم، وتحقير آلهتهم وتهديدهم بعذاب الدنيا والآخرة.

ومن الأصول التي يجب على الداعية اتباعها في دعوة الكافرين: أن يقبل الكافر إذا أسلم، ويعتبره أخًا له في الدين، فإذا عرضت الدعوة على الكافر فقبلها ودخل في دين الله -عز وجل- فقد انتقل من الكفر إلى الإسلام، فلا يُعيّر بدينه السابق ولا يعير بما كان عليه من الكفر والشرك، ولا يذكّر بماضيه إلا أن يكون على وجه حمد الله وشكره وفضله عليه، كما قال تعالى عن المشركين: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون} [التوبة: 11].

ومن الجدير بالذكر أنه لا يجوز لنا نحن الدعاة الحكم على مسلم بالردة عن الإسلام إلا إذا أعلن بنفسه هو أنه راجعٌ عن الإسلام، أو أن يكون قوله أو فعله كفرًا مخرجًا من الملة، ولا يُحكم عليه بالردة إلا من عالم فقيه ضليع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم شدَّد الوعيد في تكفير المسلمين فقال: ((من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهم إن كان كما قال وإلا رجعت عليه)) إن كان من قيل له: يا كافر كافرًا؛ فهو كافر، وإن لم يكن كافرًا فالكافر هو الذي رماه بالكفر. وفي هذا تحذيرٌ لشباب المسلمين من التسرع في التكفير؛ فإنه باب عظيم الخطر عظيم الضرر، فلا يجوز لنا أن نحكم على مسلم صدر منه قولٌ يحتمل الكفر أو فعلٌ يحتمل الكفر ويحتمل الإسلام- لا يجوز لنا أن نحكم عليه بالكفر، فقد نُسب إلى الإمام مالك -رضي الله عنه-قال: “إن صدر عن مسلم قول يحتمل كفرًا من تسعة وتسعين وجهًا، ويحتمل الإسلام من وجه واحد حملته على الإسلام”، والله -عز وجل- قد اشترط في ردة المسلم ورجوعه عن الدين أن يشرح صدره بذلك، فقال: {وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا}وانشراح الصدر هذا غيبٌ لا يعلمه إلا الله، فلا يجوز إذًا لأحد من الدعاة أن يكفر مسلمًا إلا إذا صرّح هو بانشراح الصدر بالكفر، واختار الكفر على الإسلام، وأثاره وأعلن بذلك، فحينئذٍ يرفع أمره إلى القضاء فيستتاب فإن تاب، وإلا قُتل ردة.

ومن الجدير بالذكر أيضًا: أنه يجب التفريق بين مقالة الكفر والكافر، فليس كل من وقع في الكفر يكون كافرًا، ليس كل من قال كلمة كفر يكفر بها، وليس كل من فعل فعل كفر يكفر به، لماذا؟

أولًا: ربما قال هذه الكلمة جاهلًا بأنها كفر، أو فعل هذا الفعل جاهلًا بأنه كفر، أو ربما كان متأوّلًا، ولذلك يجب الرد على المخالف وإقامة الحجة بالمقالة الخاطئة دون الحكم على قائلها بأنه كافر حتى يتبين أنه قد اختار الكفر أو أقيمت عليه الحجة البالغة التي تقطع عذره، فيا شباب المسلمين باب التكفير باب عظيم أمسَكَ عن ولوجه الكبار فسلموا، وخاض فيه الصغار فضلّوا، فكونوا على حذر من ذلك.

أما المنافق فله أيضًا في دعوته أصول يجب على الداعية أن يتبعها، فالمنافق -وهو الذي يُظهر الإسلام ويبطن الكفر- له أصول يجب اتباعها في دعوته منها:

أولًا: لا يُحكم على شخص أنه منافق نفاقًا اعتقاديًّا إلا ببرهان لا يقبل النقض، أنه يبطن الكفر ويظهر الإسلام كذبًا؛ لا يجوز أن تقول: فلان منافق، تعني به نفاق الاعتقاد؛ يعني: ليس مسلمًا يقول بلسانه ما ليس بقلبه، لا يجوز أن تقول ذلك إلا ببرهان أوضح من شمس الضحى، فكلمة ((هلَّا شققت عن قلبه؟!)) مشهورة عن النبي -صلى الله عليه وسلم، قالها لحبِّه وابن حبِّه أسامة بن زيد، لما قتل ذلك الرجل الذي كان في غزوة لا يريد أن يصل إلى أحدٍ من المسلمين إلا وصل إليه، فغضب أسامة لإخوانه المسلمين لما كثر القتل فيهم، فأراد أن يثأر لهم، فتوارى وراء الشجرة، ينتظر من ذلك الكافر غفلة، فلما دنا منه ورآه الرجل قال: لا إله إلا الله، فقتله أسامة، فلما أُخبر -صلى الله عليه وسلم قال: ((أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟! قال: يا رسول الله قالها مخافة السيف. قال: هلا شققت عن قلبه؟!)) فلنا الظاهر والله يتولى السرائر.ثانيًا: المنافق يُدعى إلى الإسلام ويوعظ ويُذكّر بالله، وتجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة، ويغلّظ عليه عند مخالفته للشرع، قال الله تعالى للنبي -صلى الله عليه وسلم: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا} [النساء: 63]، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73] قال ابن كثير -رحمه الله- في قوله تعالى: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ}: “هذا الضرب من الناس هم المنافقون، والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك؛ فإنه لا تخفى عليه خافية، فاكتفِ به يا نبينا فيهم، فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم، ولهذا قال له: { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} أي: لا تعنفهم على ما في قلوبهم، {وَعِظْهُمْ}  أي: وانههم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر {وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا} أي: وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلامٍ بليغ رادعٍ لهم”.

error: النص محمي !!