الاحتجاج بالسنة، وموقف أهل الزندقة وأصحاب الأهواء منها
مقدمة: سبق أنْ ذكرنا نصوصًا كثيرة تدلّ على مكانة السّنّة في الإسلام، ووجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وعناية السّلف بالسّنّة النَّبويَّة، فظهر بذلك كله أنّ السّنّة الصحيحة حُجّة يجب العمل بها، وأنها الأصل الثاني بعْد القرآن مباشرة، ومَن أنكر حُجِّيّتها كان خارجًا عن الإسلام.
قال ابن حزم -رحمه الله-: “ولو أنّ امرأً، قال: “لا نأخذ إلاّ ما وجدْنا في القرآن”، لكان كافرًا بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلاّ ركعة ما بيْن دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر؛ لأنّ ذلك هو أقلّ ما يقع عليه اسم: “الصلاة”، ولا حدّ للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك، حلال الدم والمال”.
ومع بيان ذلك وظهوره، فقد شذّت طائفة ممّن ينتسبون إلى الإسلام، وهي التي تنبّأَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بظهورِهَا، وأنكرت حُجِّيّة السّنّة، وقالوا: “حَسْبنا كتاب الله! فما وجدْنا فيه مِن حلال أحللناه، وما وجدنا فيه مِن حرام حرّمناه”. وذهبت طائفة أخرى إلى القول: بأنّ السّنّة لا تُقبل إلاّ إذا وافقت القرآن؛ وهو في معنى قول الطائفة السابقة؛ لأنها إذا وافقتْه يكون الدليل على الحقيقة هو القرآن، فالعمل بها عمَلٌ بالقرآن؛ فيلزم عليه إهدارُ السّنّة كلِّها، ولكنّ هذا إهدار مُقنَّع، خبيث النّيّة، سيِّئ الطّويّة.
وانطلقت فئات أخرى مُغْرضة تُشكِّك في صدْق بعض الصحابة، وتطعن بهم الطعن الفاحش. وممّن استُهدف منهم: الصحابي الجليل، راوية الإسلام: أبو هريرة رضي الله عنه.
كما أنّ الحركات الهدّامة المعادية للإسلام استهْدفت السُّنّة، تُحاربها وتُشكِّك فيها؛ وقد اتخذت ذلك سلاحًا من أسحلتها المتعدِّدة التي تريد بها القضاء على الإسلام، أو تحريفه وتشويهه, وسبب هذه الحملة الشرسة على السنة دون القرآن هو: أنّ هذه الحركات الهدّامة ما كان لها أن تنال من القرآن، ولا أن تُثير حوله الشكوك، فلقد كان إعجازه وتواتره وحفْظ الله له يقف سدًّا منيعًا أمام أهوائهم ورغباتهم؛ لذلك فقد ظنّت هذه الحركات أنها تستطيع أنْ تجِد بُغيتَها في هدْم الدِّين عن طريق التشكيك في السّنّة، فانطلقت حملاتها المسعورة بهذه الدعاوى الزائفة التي لا تقف على قدميْها أمام الحُجّة الساطعة، والنِّقاش العلميّ السليم.
فزعم بعضهم: أنّ الكتاب المجيد شمل كلّ ما يحتاج إليه المسلمون جملةً وتفصيلًا، فلا مجالَ لإقحام السُّنّة في مصدرية التشريع، وأخْذ الأحكام، وأنها لم تكن وحيًا منزلًا، ولا يَسَع المسلم إلاّ اتباع ما أنزله الله، وأنّ التحاكم إلى السّنّة والقضاء بوفقِها يؤدِّي إلى الاشتراك في الحُكم، وقد نهى الله عنه: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57].
وأنها لم تكن شرعًا عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد فهمها الصحابة على هذا الأساس؛ لذا نُهُوا عن كتابتها.
وأنّ الحديث تكيَّف بظروف البعثة، فكان إرشادًا لِمَن شاهد الرسول وعاينه، وأنّ الأحاديث قد انتُقدت سندًا ومتنًا، وأنّ المحدِّثين قدحوا في رجالها ومتونها؛ وما كان كذلك، ودخله آراء الرجال، لا يصلح دِينًا. كما أنّ السّنّة تزرع الفُرْقة بين المسلمين، وتنزع الوفاق من صفوفهم، والقرآن يحضّ على الوحدة وجمْع شمل الأمّة. فما عاق دون تحقيق آمْرِ القرآنِ يَجب نفْيُه… إلى آخر هذه المزاعم الباطلة.
كما لجأ بعض أولئك الأعداء إلى التّظاهر بالإٍسلام وإبطان خلافه، ثم أخذوا يثيرون الشّبُهات، ويبثُّون الشكوك بين المسلمين عن طريق الطعن في السّنّة أو بعضها.
وكان مِن بين أولئك الذين تظاهروا بالإسلام، وكان لهم أثر كبير في إثارة الشكوك والشبُهات حول السنة المطهرة ورواتها:
- عبد الله بن سبإ اليهودي، وأمْره معروف مشهور.
- سوسن النّصرانيّ: الذي تلقى عنه معبد الجهني بدْعة القدَر.
- إبراهيم النّظّام المعتزليّ: ذكر الإمام الذهبي عن بعض علماء الإسلام: أنه كان يُخفي برهمِيّته بالاعتزال ليُفسد دِين الإسلام.
- بشر المريسي: ذكَر الخطيب البغدادي في ترجمته: أنه ابن يهوديّ من الكوفة. وكان يُخفي زندقته بالاعتزال.
- الجهم بن صفوان: الذي أخذ آراءه عن الهنود، وقد أفسد هذا الرجل في دين الإسلام ما لم يُفسده غيره.
وغير هؤلاء كثير مِن أولئك الذين كانوا يُخفون زندقتهم، ففضح الله أمرَهم على أيدي جهابذة علماء الحديث من أهل السنة والجماعة.
أُُتي الخليفة هارون الرشيد بأحد الزّنادقة ليقتله، فقال الزنديق: أين أنت مِن ألْف حديث وضعْتُها؟ فقال الرشيد: فأين أنت يا عدو الله مِن أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك، ينخلانها ويُخرجانها حرفًا حرفًا.
وبحسب التّتبّع، فقد وجدتُ أن جهود هؤلاء الأعداء في مجابهة السّنّة يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- رفض السّنّة وإنكارها كلّها.
- إنكار أخبار الآحاد منها.
- الطّعن في طائفة مِن الأحاديث ذات موضوع معيَّن، كأحاديث الرؤية، وأحاديث الصّفات، ونحوها…
- الطّعن في حديث من الأحاديث الصحيحة، كحديث الذّباب، أو حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك….
- الطّعن في مصدر من مصادر السنة، كصحيح البخاري مثلًا.
- الطّعن في راوٍ أو أكثر مِن رواة السّنة، لا سيما الصحابة.
- وضْع أحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلصاقها بالسّنّة؛ وهذه الأحاديث إما أنها تناقض السّنّة نفسها، أو تناقض العقل الصريح، أو الحسّ المعلوم بالضرورة؛ وذلك ليُعاد باللاّئمة على السّنّة أو على رواتها.
وسوف أتحدث فيما يلي عن كل نقطة من هذه النقاط:
رفْض السّنة وإنكارها كلِّها:
وخلاصة قول أهل هذا الرأي: أنّ القرآن وحْده يكفي، وهو الإسلام وحْده، ولا حاجة إلى السُّنّة، إلاّ أنّ بعض القائلين بهذا يستثنون السّنّة العمليّة، كتفاصيل الصلاة والزكاة، ونحوهما…
العصور الماضية:
وقد بدأت بذور هذا الرأي في أواخر عصْر الصحابة، وذلك مِن خلال مواقف بعض الأفراد، كما تدلّ على ذلك النصوص التالية:
- عن الحسن البصري: “أنّ عمران بن حصين رضي الله عنه كان جالسًا ومعه أصحابه، فقال رجل مِن القوم: لا تحدِّثونا إلا بالقرآن! قال: فقال له: ادْنُهْ! فدنا، فقال: أرأيت لو وُكِلْت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعًا، وصلاة العصر أربعًا، والمغرب ثلاثًا، تقرأ في اثنتيْن؟ أرأيت لو وُكِلْت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجِد الطواف سبعًا، والطواف بالصّفا والمروة؟ ثم قال: أيْ قوم! خذوا عنّا! فإنكم والله إنْ لا تفعلوا لَتَضلّنّ”.
- وعن أيوب السختياني: “أنّ رجلًا قال لمطرف بن عبد الله بن الشخير: لا تحدِّثونا إلاّ بما في القرآن! فقال له مطرف: إنا والله لا نريد بالقرآن بدَلًا، ولكن نُريد مَن هو أعلَم بالقرآن منّا”.
- وعن أبي عمرو الأوزاعيّ، قال: “قال أيوب السختياني: إذا حدثتَ الرّجل بالسُّنّة، فقال: دعْنا من هذا، وحدِّثنا بالقرآن! فاعلَمْ أنه ضالّ مُضِلّ”.
ويبدو أنّ هذه حالات فرديّة، لم تتّخذ طابعًا جماعيًّا إلاّ أواخر القرن الثاني؛ لكننا لم نقف على معلومات كافية عن هذه الطائفة، إلا ما ورد في كتاب “جامع العلْم” مِن كتاب (الأم) للإمام الشافعي، حيث قال: باب حكاية قول الطائفة التي رَدّت الأخبار كلّها. ثم شرَع في الرّدّ عليهم -رحمه الله-.
وتُعتبَر الرافضة مِمّن رَدّ السنة مُطلقًا؛ لأن مِن مُعتقَدهم: الحُكم بالرِّدّة على الصحابة, إلاّ نفر يسير؛ وعلى ذلك فكل ما جاء مِن طريقِهم مِن السّنّة فهو مردود؛ لاسيما وهم يتّهمونهم أيضًا بالكذب والخيانة في تبليغ الرسالة، وأنهم كتَموا تسعة أعشار القرآن. وأمّا ما يعملون به ممّا يُسمّونه حديثًا أو سُنّة، فهو في الحقيقة دِين جديد، اختلقه عبد الله بن سبإ اليهوديّ، ولفّقَهُ مِن اليهودية والإسلام، ثم وضعوا له فيما بعد أسانيد مِن طريق آل البيت، وهي كذِب وزور، وآل البيت منهم ومِن دينهم براء.
والإسلام كلّه -كتابًا وسُنّة- ليس للأمّة طريق لمعرفته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ الصحابة؛ فمَن ردّ ما جاء من طريقهم، فمِن أين له طريق يعرف به ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولمزيد تفصيل عن موقف الرافضة مِن السّنّة المُطهرة، فليراجع: (منهاج السنة النبوية)، للإمام شيخ الإسلام ابن تيمية، أو مختصَره للشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان، وما كتبه الحافظ السيوطي في كتابه: (مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسُّنّة)، و(الروض الباسم في الذب عن سُنّة أبي القاسم) للحافظ ابن الوزير اليمني، المتوفى سنة “840هـ”.
العصر الحاضر:
لم يكد ينتهي الاستعمار الغربي من إتمام وإحكام سيطرته على بلاد المسلمين، حتى شرع -وذلك عبر طلائعه مِن المُبشِّرين والمستشرقين- في إحياء ما اندثر من البدع والآراء المنحرفة والفِرق والطوائف المعادية للإسلام التي كان قد غرسها من قبلهم أسلافهم من أعداء الإسلام مِن: يهود ونصارى ومجوس وصابئة.
وكان مِن تلك البِدع والآراء المنحرفة التي أحياها الاستعمار عن طريق مَن باعوا ذمَمَهم من جهلة المسلمين للاستعمار نظير حفنة من الجنيهات، تلك المقولة التي تنادي برفض السّنّة والاكتفاء بالقرآن وحده، فهو كافٍ بزعمهم، وهم في الحقيقة يقصدون ردَّ الدين كله كتابًا وسنة.
ففي شبه القارّة الهنديّة: استطاع الإنجليز أن يشتروا مجموعة مَن يزعمون أنفسهم مِن علماء المسلمين، ثم اتّخذوهم مطيّةً لإنكار الجهاد ،بالسيف وإقناع المسلمين بذلك؛ وكان ذلك بعد أن عانى الإنجليز الأَمَرَّيْنِ على يد الحركات الجهادية التي كانت تخرج ضدهم في أنحاء الهند.
وكان مِن أبرز المنادين بإبطال الجهاد: جراغ علي، وميرزا غلام أحمد القادياني.
ثم تطوّر الأمر إلى إيجاد مجموعة أخرى تنادي بردّ السّنّة مُطلقًا والاقتصار على القرآن. وكان على رأس هذه المدرسة: سيد أحمد خان، وعبد الله جكر الوي، وأحمد الدين الآمرتسري، وآخرون… ثم جاء غلام أحمد برويز فأسّس جمعية باسم: (أهل القرآن)، كما أصدر مجلة شهرية، ونشر عدّة كتب في هذا الصدد. وقد كتب في الرد على هذه الجمعية كتبًا كثيرة وأغلبها باللغة الأردية. ومن أجود ما كتب في الرد على هذه الطائفة -فيما وقفت عليه- (القرآنيون وشبهاتهم حول السُّنّة) رسالة ماجستير تقدم بها د. حازم حسين بخش إلى قسم العقيدة في جامعة أمّ القرى.
أما في بلاد العرب، فقد تولّى كبْر الدعوة إلى ردّ السّنّة والاقتصار على القرآن وحده طائفتان:
الطائفة الأولى:
مَن يزعمون أنفسهم مِن أتباع المدرسة الإصلاحية التي نشأت وترعرعت في أرض الكنانة مصر على يد كلّ من محمد عبده وشيخه المتسمَّى: بجمال الدين الأفغاني؛ وقد انتشرت آراء هذه المدرسة مِن خلال وسيلتيْن:
الوسيلة الأولى:
مجلّة المنار التي كان يرأسها مؤسّسها الشيخ محمد رشيد رضا، أحد أقطاب المدرسة الإصلاحية؛ فقد نشرت هذه المجلة سلسلة من المقالات بعنوان: (الإسلام هو القرآن وحده)، بقلم الدكتور توفيق صدقي. وقد أيّد الشيخ رشيد رضا هذه المقالات، إلاّ أنه زاد الطِّين بلّة حين قسم السُّنّة إلى دين عامّ -السنة العمليّة- يجب قبوله، ودين خاص -وهو ما عدا ذلك- لسنا مُلزَمين بالأخذ به.
لكن الشيخ رشيد رضا قد تراجع بعد ذلك عن هذا الرأي الخطير وغيَّره، وأصبح فيما بعْدُ أحدَ المنافحين عن السّنّة والمدافعين عنها.
الوسيلة الثانية:
كتاب (أضواء على السّنّة المحمدية)، للمدعو: محمود أبو ريّة، وهو أخبث كتاب أُلِّف في حرب السّنة، والتشكيك فيها، وفي رواتها في مِصر. ولقد انبرى له علماء السُّنّة فردّوا عليه ردودًا كثيرة، منهم: الدكتور مصطفى السباعي، والشيخ عبد الرحمن المعلمي، والشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، وغيرهم… وكان ممّا قاله السباعي عن هذا الكتاب: “لمّا اطّلعتُ على كتابه، هالَني ما رأيت فيه مِن تحريف للحقائق، وتلاعب بالنصوص، وجهْلٍ بتاريخ السّنّة، وشتْم وتحامُل على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن كبارهم كأبي بكر وعمر وعثمان، إلى صغارهم كأنس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو, وقد امتلأ قلبه بالحقد على أكبر صحابيّ حفِظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نقَلَها لأهل العلْم مِن صحابة وتابعين، حتى بلَغوا -كما قال الشافعي-رحمه الله- ثمانمائة، كل واحد منهم جبَل من جبال العلْم والفهْم والهداية؛ ذلك هو: أبو هريرة رضي الله عنه فخلصتُ مِن قراءتي لذلك الكتاب، إلى أنّ صاحبه متآمر مع أعداء الإسلام الذين ما برِحُوا يعملون على هدْم كِيان السّنّة النبوية، وعلى تشويه سمعة صحابة رسول الله الذين حملوا إلينا علْمه وهدايته، وبذلوا في سبيل ذلك أوقاتهم وجهودهم ودماءهم وأموالهم، وأنّ الرجل جاهل مغرور كذاب، وجريء على تحريف النصوص التي يَنقلها جرأةً لمْ يصِلْ إلى قلّة الحياء فيها كبار المستشرقين اللاّهوتيين المتعصِّبين، وأنه مع ذلك قليل الأدب، بذيء اللسان، يسعى إلى الشهرة عن هذا الطريق، كما سعى إليها ذلك الأعرابي الذي بال في بئر زمزم في موسم الحجّ، فلما سئل عن سبب جريمته، أفاد بأنه فعَل ذلك ليتحدّث الناس عنه، ولو باللعنات!. فحملتْني أمانةُ العلْم على أنْ أتعرّض بلمحة خاطفة له ولكِتابه، بيّنتُ فيها: جهْلَه، وافتراءَه على الله وعلى رسوله، وعلى العلْم والعلماء، وتحريفَه لنصوصهم وأقوالهم, كما بيّنتُ أنه ليس لكتابه أيّ قيمة علْميّة، وكيف، وهو مملوء بالأكاذيب والمفترَيات؟ وكشفتُ عن مدى غروره في زعْمه أنّ كتابه لمْ يسبق له مثيل، وأنه كان يجب أنْ يُؤلَّف مثْله قبل ألْف سنة! ولكن حملَة العلْم مِن التابعين والأئمة المجتهدين وعلماء الفقه ورجال الحديث، خلال ألْف سَنَة، لم يُوهَبوا ذكاءً كذكائه الذي ادّخره الله له وحده دونهم منذ الأزل، ليكون له شرف هذا البحث العلميّ الذي سيُغيِّر وجه التاريخ، ويقلب الدراسات الإسلامية رأسًا على عقِب، ويجعل المستشرقين، ورواد الثقافة الحديثة يتّجهون إليه كمُجدِّدٍ مصلح للإسلام في آخر الزمان!…
الطائفة الثانية:
بعض الكُتّاب والأدباء، وهم من أبناء الكنانة أيضًا -ممّن نشأ وترعرع على أيدي أعداء الإسلام مِن يهود ونصارى من المستشرقين في جامعات فرنسا وألمانيا وبريطانيا، فتغذّت عقولهم وران على قلوبهم شُبُهات وشكوك مشايخهم مِن المستشرقين، فعادوا إلى بلاد المسلمين ليكونوا رسلًا لأعداء الله ورسوله، فيبثّوا تلك الشّبُهات ويُثيروا تلك الشكوك بيْن المسلمين. وعلى رأس هؤلاء الأدباء الذين كانت كتُبهم تنضح بالطعن على السُّنّة ورواتها، ويُنادون بِردِّها: كلّ مِن: طه حسين، وأحمد أمين، وغيرهما…