الاختلاف في أمر الفيء
كان أمر الفيء والنفل الذي مَنَّ اللهُ به على هؤلاء المؤمنين بعد أن مَنَّ عليهم بنصره سبحانه- من الأمور التي ثار حولها الخلاف بين المسلمين، فقد اهتمت جماعة من المسلمين بجمع ما في المعسكر من السَلب والنفل والغنائم، فقد كان معروفًا أن من قتل قتيلًا فله سلبه، ومن أسر أسيرًا فهو له، أما هذه الأشياء التي جمعها بعض المسلمين ممن شغلوا بهذا الأمر، ظن هؤلاء أن ما جمعوه إنما هو لهم، ولم يكونوا كل من في المعسكر، ولا كل من باشر المعركة، فلقد كان هناك من تابع العدو يقتل ويأسر وينفي العدو عن ميدان المعركة.
وكان هناك أيضًا جماعة تولوا أمرًا كان في غاية الأهمية، وهو حراسة النبي صلى الله عليه وسلم في عريشه الذي كان يدير منه المعركة حذر أن يكر العدو على العريش، فيصيبون النبي صلى الله عليه وسلم بأذى.
ودب الخلاف بين هؤلاء وأولئك، فالذين جمعوا هذا السلب وهذا النفل قالوا: هو لنا قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل كل امرئ ما أصاب، وقال الذين كانوا يقاتلون العدو ويتبعونه: لولا نحن ما أصبتموه، نحن شغلنا القوم عنكم حتى أصبتم ما أصبتم، وقال الذين كانوا يحرسون النبي صلى الله عليه وسلم مخافة أن يخالف إليه العدو، والله ما أنتم بأحق به منا، لقد رأينا أن نقتل العدو إذ ولانا الله ومنحنا أكتافهم، ولقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه، ولكنا خفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرة العدو فقمنا دونه، فما أنتم بأحق به منا، وهكذا تعددت الآراء حول هذا الأمر، ونزل قول الله عز وجل يَفصل في القضية لقوله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين} [الأنفال: 1].
وقد سَأل أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن الأنفال؟ فقال: نزلت فينا -معشر أصحاب بدر- حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من بين أيدينا، فجعله إلى الله ورسوله فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء -أي: على السواء- فكان في ذلك تقوى الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وصلاح ذات البين.
ثم ارتحل صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنئونه، قال سلمة بن سلامة بن وقش: وما الذي تهنئون به، فوالله إن لقينا إلا عجائز صلعًا كالبدن المعقرة فنحرناها، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((يا بن أخي أولئك الملأ لو أنك رأيتهم لهبتهم)).
وواصل النبي صلى الله عليه وسلم مسيره إلى المدينة التي دخلها من ثنية الوداع، وكان دخوله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء، الثاني والعشرين من رمضان قبل مجيء الأسارى بيوم.