الانتماء المعجمي لمدرسة القافية
هذه المدرسة تضم: (تاج اللغة وصحاح العربية) للجوهري، و (لسان العرب) لابن منظور، و(القاموس المحيط) لمجد الدين الفيروزآبادي الشيرازي، و (تاج العروس من جواهر القاموس) لمرتضى الزبيدي.
كما تأثر بها أيضًا الصغاني في (العُباب الزاخر واللباب الفاخر)، كما تأثر بها أيضًا ميرزا محمد علي الشيرازي في (المعيار).
فهذه الكتب الستة تنتمي إلى هذه المدرسة المسماة بمدرسة القافية أو بمدرسة التقفية؛ فإذا كانت المعاجم التي تنتمي إلى المدرستين -التقليبات الصوتية، والتقليبات الهجائية- قد اعتمد بعضُها في ترتيبه على نظام معين؛ حيث جاء كتاب (العين) وما تأثر به، جاء ترتيبه وتقسيمه على النظام الصوتي بالإضافة إلى ما لها من خصائصَ أخرى، وإذا كان معجم ابن دريد -أعني: (جمهرة اللغة)- قد سار على النظام الألفبائي أو الهجائي مع مراعاة أمور أخرى كذلك؛ فقد رأى بعض اللغويين أن هناك حاجةً قصوى إلى تنظيم آخر للمعاجم اللفظية، يعتمد على ترتيب المواد اللغوية تبعًا لحرفها الأخير، مع مراعاة الحرف الأول وما يليه أيضًا في ترتيب أصول أو جذور المادة اللغوية.
فالمادة أولًا ويترجم لها بآخر حروفها، مع ترتيب تلك الحروف الترتيب الهجائي: ألف، باء، تاء، ثاء، جيم، حاء، خاء، دال، ذال… إلى آخره، ثم تأتي الجذور باعتبار الحرف الأول منها؛ فمثلًا: في حرف الحاء يكون الترتيبُ لكل ما آخره حاءً؛ تبعًا لترتيب أوله، فما أوله همزة يأتي قبل ما أوله باء، ثم ما أوله تاء، ثم ما أوله ثاء، ثم ما أوله جيم… وهكذا.
وفيما أوله همزة أو باء أو تاء أو ثاء أو جيم… إلى آخره، يراعى الحرفُ الثاني؛ فمثلًا: فيما أوله همزة يكون الترتيب هكذا: ما ثانيه همزة، ثم ما ثانيه باء، ثم ما ثانيه تاء، ثم ما ثانيه ثاء… وهكذا.
كما يراعى الحرف الثالث أيضًا فما ثانيه -مثلًا. همزة يكون الترتيب هكذا: ما ثالثه همزة، فما ثالثه باء، فما ثالثه تاء، فما ثالثه ثاء، فما ثالثه جيم… إلى آخره؛ وكذلك عندما يوجد حرف رابع…
تلك هي الفكرة العامةُ في هذا النوع من المعاجم التي أخرجها أولئك اللغويون، ورأوا أنها أكثر فائدةً للباحث والمستعمل.
إذًا، إن (تاج اللغة) للجوهري، و(لسان العرب) لابن منظور، و(القاموس المحيط) للفيروزآبادي، و(تاج العروس) للزبيدي، و(العُباب) للصاغاني، و(المعيار) للشيرازي، هي معاجم لفظية مجنسة تنتهج نظامَ القافية.
وقد نسب أصل هذه الفكرة، التي سميت بطريقة أو مدرسة القافية؛ لاعتمادها على الحرف الأخير إلى الفارابي اللغوي عند بعض الدارسين؛ بينما يرى آخرون: أن صاحب الفضل في فكرة القافية هو أبو بشر اليمان بن أبي اليمان البندنيجي، الذي وُلِدَ سنة مائتين وتوفي سنة أربع وثمانين ومائتين في مؤلفه (التقفية في اللغة)؛ لذلك يرى باحثون أن البندنيجي -صاحب (التقفية في اللغة)- هو السابق إلى هذا المنهج، وقد احتذته المعجمات التي اختارت فكرة التقفية في ترتيب مفرداتها؛ بينما يعارض باحثون آخرون هذا الرأيَ، ويرون أن الفارابي هو الرائد لهذه النظرية.
والمتأمل في حجج كل من الفريقين يرى أن كلًّا من البندنيجي والفارابي، قد أسهم في الوصول إلى تلك النظرية الجديدة في الترتيب المعجمي؛ لكن التنفيذ الحقيقي لتلك الفكرة وبلوغها حد الواقعية إنما تم -في الواقع- على يد الجوهري صاحب (الصحاح)، ويعد هذا النوع من المعاجم وما دار حوله من مؤلفات مدرسةً معجميةً مستقلةً لها خصائصها ومآخذها.