التجمل للعيد، وصلاة العيدين
باب: التجمل للعيد وكراهية حمل السلاح فيه:
أ. معنى العيد:
العيد: مشتق من العود؛ فكل عيد يعود بالسرور، وإنما جمع على أعياد بالياء للفرق بينه وبين أعاود الخشب. وقيل غير ذلك. وقيل: أصله عِوْد، بكسر العين وسكون الواو، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، مثل: ميعاد، وميقات، وميزان.
قال الخليل: وكل يوم مجمع كأنهم عادوا إليه. وقال ابن الأنباري: يسمى عيدا للعود في الفرح والمرح. وقيل: سمي عيدا لأن كل إنسان يعود فيه إلى قدر منزلته؛ فهذا يضيف، وهذا يضاف، وهذا يعطي، وهذا يأخذ، وهذا يَرحم، وهذا يُرحم. وقيل: سمي عيداً لشرفه من العيد، وهو محل كريم مشهور في العرب، تنسب إليه الإبل العيدية.
ب. أحاديث الباب:
الحديث الأول:
عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: ((وجد عمر حلة من إستبرق تباع في السوق، فأخذها، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ابتع هذه فتجمل بها للعيد والوفد؟ فقال: إنما هذه لباس من لا خلاق له)) متفق عليه.
الحديث الثاني:
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس برد حبرة في كل عيد)) رواه الشافعي.
الحديث الثالث:
عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: ((كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه، فَلَزَقَتْ قَدَمُه بالركاب، فنزلت فنزعتها -وذلك بمنى- فبلغ الحجاج، فجاء يعوده، فقال الحجاج: لو نعلم من أصابك؟ فقال ابن عمر: أنت أصبتني. قال: وكيف؟! قال: حملتَ السلاحَ في يومٍ لم يكن يُحْمَلُ فيه، وأدخلت السلاح الحرم، ولم يكن السلاح يدخل الحرم)). رواه البخاري وقال: قال الحسن: “نهوا أن يحملوا السلاح يوم عيد إلا أن يخافوا عدوًا”.
جـ0مفردات حديث عبد الله بن عمر والدروس المستفادة منه:
قوله: ((من إستبرق)) في رواية للبخاري: ((رأى حلة سيراء)) و الإستبرق: ما غلظ من الديباج. والديباج: الثياب المتخذة من الإبريسم -فارسي معرب- وقد تفتح داله. والسيراء: قال الحافظ ابن حجر: قال أبو عبيد: ((حلة سيراء)) الحلل: ورود اليمن. و “الحلة” إزار ورداء.
و”السِّيَراء” بكسر المهملة، وفتح التحتانية والراء مع المد، قال الخليل: ليس في الكلام “فِعلاء” بكسر أوله مع المد، سوى “سيراء” و “حولاء” وهو الماء الذي يخرج على رأس الولد، و”عنباء” لغة في العنب.
قوله: ((ابتع هذا فتجمل)) في رواية للبخاري: ((ابتع هذه تجمل بها)) وفي رواية: ((ابتع هذه وتجمل)). قوله: ((للعيد والوفد)) في لفظ للبخاري: ((للجمعة)) مكان: ((العيد)) قال الحافظ: وكلاهما صحيح، وكأن ابن عمر ذكرهما معًا؛ فاقتصر كل راو على أحدهما.
قوله: ((إنما هذه لباس من لا خلاق له)) “الخلاق” النصيب. وفيه دليل على تحريم لبس الحرير.
وهذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب اللباس باب: الحرير للنساء: قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثني جويرية عن نافع، عن عبد الله بن عمر: ((أن عمر رضي الله عنه رأى حلة سيراء، أو حلة سيراء تباع فقال: يا رسول الله، لو ابتعتها تلبسها للوفد إذا أتوك والجمعة؟ قال: إنما يلبس هذه من لا خلاق له)). ((وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعد ذلك إلى عمر حلة سيراء -أو حلة سيراء- حريرًا كساها إياه، فقال عمر: كسوتنيها وقد سمعتك تقول فيها ما قلت؟! فقال: إنما بعثت بها إليك لتبيعها أو تكسوها)).
قوله: ((تباع)) في رواية جرير بن حازم عن نافع عند مسلم: رأى عمر عطارد التميمي يقيم حلة بالسوق، وكان رجل يغشى الملوك ويصيب منهم. وأخرج الطبراني عن حفصة بنت عمر: أن عطارد بن حاجب جاء بثوب من ديباج كساه إياه كسرى، فقال عمر: ((ألا أشتريه لك يا رسول الله)) ومن طريق عبد الرحمن بن عمرو بن معاذ عن عطارد نفسه: ((أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب ديباج كساه إياه كسرى)). والجمع بينهما: أن عطارد لما أقامه في السوق ليباع لم يتفق له بيعه، فأهداه للنبي صلى الله عليه وسلم.
وعطارد هذا هو ابن حاجب بن زرارة بن عدس، بمهملات، الدارمي، يكنى: أبا عكرشة، بشين معجمة. كان من جملة وفد بني تميم أصحاب الحجرات، وقد أسلم وحسن إسلامه، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه، وكان أبوه من رؤساء بني تميم في الجاهلية، وقصته مع كسرى في رهنه قوسه عوضًا عن جمع كثير من العرب عند كسرى مشهورة، حتى ضرب المثل بقوس حاجب.
قوله: ((لو ابتعتها فلبستها)) في رواية سالم عن ابن عمر: ((ابتع هذه فتجمل بها)) وكان عمر أشار بشرائها وتمناه. قوله: ((بالوفد إذا أتوك)) في رواية جرير بن حازم: ((لوفود العرب)) وكأنه خصه بالعرب؛ لأنهم كانوا إذ ذاك الوفود في الغالب؛ لأن مكة لما فتحت بادر العرب بإسلامهم، فكانوا يأتون وفودًا وفودًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت كل قبيلة ترسل كبراءها؛ ليسلموا، ويتعلموا، ويرجعوا إلى قومهم فيدعوهم إلى الإسلام ويعلموهم.
قوله: ((والجمعة)) في رواية سالم: ((العيد)) بدل ((الجمعة)) وجمع ابن إسحاق عن نافع ما تضمنته الروايتان. أخرجه النسائي بلفظ ((فتجمل بها لوفود العرب إذا أتوك، وإذا خطبت الناس في يوم عيد وغيره…)) وقد سبق الجمع بين هذه الروايات.
قوله: ((إنما يلبس هذه)) في رواية جرير بن حازم ((إنما يلبس الحرير)).
قوله: ((من لا خلاق له)) زاد مالك في روايته: ((في الآخرة)) والخلاق: النصيب. وقيل: الحظ، وهو المراد هنا. ويطلق أيضًا على الحرمة، وعلى الدين. ويحتمل أن يراد: من لا نصيب له في الآخرة، أي: من لبس الحرير، قاله الطيب. قال ابن حجر: وقد تقدم في حديث أبي عثمان عن عمر، في أول حديث من باب لبس الحرير، ما يؤيده، ولفظه: ((لا يلبس الحرير إلا من ليس له في الآخرة منه شيء)).
قوله: ((وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعد ذلك إلى عمر حلة سيراء)) زاد الإسماعيلي من هذا الوجه: ((بحلة سيراء من حرير)) و”من” بيانية؛ وهو يقتضي أن “السيراء” قد تكون من غير حرير.
قوله: ((كساها إياه)) كذا أطلق، وهي باعتبار ما فهم عمر من ذلك، وإلا فقد ظهر من بقية الحديث أنه لم يبعث إليه بها ليلبسها، أو المراد بقوله: ((كساه)): أعطاه ما يصلح أن يكون كسوة.
وفي رواية مالك الماضية في الجمعة: ((أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلل سيراء، فبعث إلى عمر بحلة، وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة، وأعطى علي بن أبي طالب حلة)) قوله: فقال عمر: ((كسوتنيها وقد سمعتك تقول فيها ما قلت!)) في رواية جرير بن حازم: ((فجاء عمر بحلته يحملها، فقال: بعثت إليّ بهذه وقد قلت بالأمس في حلة عطارد ما قلت)) والمراد بالأمس هنا يحتمل الليلة الماضية، أو ما قبلها، بحسب ما اتفق من وصول الحلل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد قصة حلة عطارد.
وفي رواية محمد بن إسحاق: ((فخرجت فزعًا فقلت: يا رسول الله، ترسل بها إلي وقد قلت فيها ما قلت!)) قوله: ((إنما بعثت بها إليك لتبعها أو تكسوها)) في رواية جرير: ((لتصيب بها)) وفي رواية الزهري عن سالم: ((تبيعها وتصيب بها حاجتك)) وفي رواية يحيى بن إسحاق عن سالم: ((لتصيب بها مالًا)) وزاد مالك في آخر الحديث: ((فكساها عمر أخًا له بمكة مشركًا)) زاد في رواية عبيد الله بن عمر عند النسائي: ((أخًا له من أمه)).
وفي حديث جابر الذي أوله: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في قباء حرير، ثم نزعه، فقال: نهاني عنه جبريل)) كما تقدم التنبيه عليه في أوائل كتاب الصلاة زيادة عند النسائي، وهي: ((فأعطاه لعمر، فقال: لم أعطكه لتلبسه بل لتبيعه؛ فباعه عمر)) وسنده قوي، وأصله في مسلم: فإن كان محفوظًا أمكن أن يكون عمر باعه بإذن أخيه بعد أن أهداه له -والله أعلم.
قال ابن حجر: وجه إدخال هذا الحديث في باب الحرير للنساء يؤخذ من قوله لعمر: ((لتبيعها أو تكسوها)) لأن الحرير إذا كان لبسه محرمًا على الرجال فلا فرق بين عمر وغيره من الرجال في ذلك؛ فينحصر الإذن في النساء. وأما كون عمر كساها أخاه، فلا يشكل على ذلك عند من يرى: أن الكافر مخاطب بالفروض، ويكون أهدى عمر الحلة لأخيه ليبيعها أو يكسوها امرأة. ويمكن من يرى أن الكافر غير مخاطب أن ينفصل عن هذا الإشكال بالتمسك في دخول النساء، في عموم قوله: ((أو يكسوها)) أي: إما للمرأة، أو للكافر بقرينة قوله: ((إنما يلبس هذا من لا خلاق له)) أي: من الرجال.
د. مفردات حديث جعفر بن محمد، والدروس المستفادة منه:
الحديث الثاني، وهو حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده رضي الله عنهم-: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس برد حبرة في كل عيد)) هذا الحديث رواه الشافعي.
قوله في الحديث: ((كان يلبس برد حبرة)) هي ثوب له أعلام، وهو من ضروب اليمن، كان يلبسه النبي صلى الله عليه وسلم في العيدين تجملًا. والظاهر أنه كان يلبسه في عيد الأضحى وعيد الفطر، أو في أي مناسبة لا بد وأن يظهر فيها الإنسان بأحسن ثيابه، كالجمعة وغيرها.
هـ . مفردات حديث سعيد بن جبير، والدروس المستفادة منه:
قوله: “في أخمص قدمه” الأخمص، بإسكان الخاء المعجمة، وفتح الميم بعدها صاد مهملة: باطن القدم، وما رق من أسفلها. وقيل: هو ما لا تصيبه الأرض عند المشي من باطنها.
قوله: “بالركاب” أي: وهي في راحلته. قوله: “فنزعتها” ذكر الضمير مؤنثًا مع أنه أعاده على السنان وهو مذكر؛ لأنه أراد الحديد، ويحتمل أنه أراد القدم.
“فبلغ الحجاج” أي: ابن يوسف الثقفي، وكان إذ ذاك أميرًا على الحجاز، وذلك بعد قتل عبد الله بن الزبير سنة ثلاث وسبعين. قوله: “فجاء يعوده” في رواية للبخاري: “فجعل يعوده” وفي رواية الإسماعيلي: “فأتاه” قوله: “لو نعلم” “لو” للتمني، ويحتمل أن تكون شرطية والجواب محذوف لدلالة السياق عليه؛ ويرجح ذلك ما أخرجه ابن سعد بلفظ “لو نعلم من أصابك عاقبناه” وله من وجه آخر: “لو أعلم الذي أصابك لضربت عنقه”.
قوله: “أنت أصبتني” نسبة الفعل إلى الحجاج؛ لكونه سببًا فيه. وحكى الزبير في (الأنساب): أن عبد الملك بن مروان لمّا كتب إلى الحجاج ألا يخالف ابن عمر شق عليه، وأمر رجل معه حربه -يقال: إنها كانت مسمومة- فلصق ذلك الرجل به، فأمرّ الحربة على قدمه؛ فمرض منها أيامًا، ثم مات، وذلك في سنة أربع وسبعين. وقد ساق الحافظ ابن حجر هذه القصة في (فتح الباري) ولم يعقب عليها. وصدور مثلها غير بعيد من الحجاج؛ فإنه صاحب الأفاعيل التي تبكي لها عيون الإسلام وأهله.
قوله: “حملت السلاح” أي: فتبعك أصحابك في حمله. قوله: “في يوم لم يكن يحمل فيه” هذا محل الدليل على كراهة حمل السلاح يوم العيد.
فأما الحرم: فروى مسلم عن جابر قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمل السلاح بمكة)) وعن البراء قال: ((اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة، فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة، حتى قاضاهم لا يدخل مكة سلاحًا إلا في القراب)) وعن ابن عمر: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرًا، فحال كفار قريش بينه وبين البيت، فنحر هديه، وحلق رأسه بالحديبية، وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل، ولا يحمل سلاحًا عليهم إلا سيوفًا، ولا يقيم إلا ما أحبوا، فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم، فلما أن قام بها ثلاثة أيام أمروه أن يخرج، فخرج)).
ومعنى: ((إلا في القِراب)) بكسر القاف: هو وعاء يجعل فيه راكب البعير سيفه مغمدًا، ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته، ويعلقه في الرحل.
باب: وقت صلاة العيد:
عن عبد الله بن بسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنه خرج مع الناس يوم عيد فطر أو أضحى، فأنكر إبطاء الإمام، وقال: إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين التسبيح)) رواه أبو داود، وابن ماجه.
شرح حديث الباب:
قال الشوكاني: وفي الباب عن جندب عند أحمد بن حسن، في كتاب الأضاحي، قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا يوم الفطر والشمس على قيد رمحين، والأضحى على قيد رمح)) أورده الحافظ ابن حجر في (تلخيص الحبيب) ولم يتكلم عليه.
وقوله: ((حين التسبيح)) يشبه أن يكون شاهدًا على جواز حذف اسمين مضافين، والتقدير: وذلك حين وقت صلاة التسبيح، كقوله تعالى: {وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللّهِ فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] أي: فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب. وقوله: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مّنْ أَثَرِ الرّسُولِ فَنَبَذْتُهَا} [طه: 96] أي: من أثر حافر فرس الرسول.
وقوله: ((حين التسبيح)) يعني ذلك الحين حين وقت صلاة العيد؛ فدل ذلك على أن صلاة العيد سبحة ذلك اليوم.
وحديث عبد الله بن بسر يدل على مشروعية التعجيل لصلاة العيد، وكراهة تأخيرها تأخيرًا زائدًا على الميعاد. وحديث عمرو بن حزم يدل على مشروعية تعجيل الأضحى وتأخير الفطر؛ ولعل الحكمة في ذلك ما تقدم من استحباب الإمساك في صلاة الأضحى حتى يفرغ من الصلاة؛ فإنه ربما كان ترك التعجيل لصلاة الأضحى مما يتأذى به منتظر الصلاة لذلك؛ وأيضًا فإنه يعود إلى الاشتغال بالذبح لأضحيته، بخلاف عيد الفطر فإنه لا إمساك ولا ذبيحة. وأحسن ما ورد من الأحاديث في تعيين وقت صلاة العيدين حديث جندب المتقدم، قال في (البحر): وهي من بعد انبساط الشمس إلى الزوال. قال الشوكاني: ولا أعرف فيه خلافًا.
صلاة العيد قبل الخطبة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة)) رواه الجماعة إلا أبا داود.
قال الشوكاني: وفي الباب عن جابر عند البخاري، ومسلم، وأبي داود قال: ((خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر فصلى قبل الخطبة)) وعن ابن عباس عند الجماعة إلا الترمذي قال: ((شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان؛ فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة)) وفي لفظ: ((أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الخطبة)) وعن أنس عند البخاري ومسلم: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم النحر، ثم خطب)) وعن البراء عند البخاري ومسلم وأبي داود قال: ((خطب النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الأضحى بعد الصلاة)) وعن جندب عند البخاري ومسلم: ((صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، ثم خطب، ثم ذبح)) وعن أبي سعيد عند البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أضحى أو فطر إلى المصلى، فصلى، ثم انصرف، فقام فوعظ الناس)).
وأحاديث الباب تدل على أن المشروع في صلاة العيد تقديم الصلاة على الخطبة:
باب: عدد التكبيرات في صلاة العيد ومحلها:
حديثا الباب:
الحديث الأول:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة، سبعًا في الأولى وخمسًا في الآخرة، ولم يصل قبلها ولا بعدها)) رواه أحمد وابن ماجه، وقال أحمد: أنا أذهب إلى هذا.
وفي رواية قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة والقراءة بعدهما كلتيهما)) رواه أبو داود والدارقطني.
الحديث الثاني
عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعًا قبل القراءة وفي الثانية خمسًا قبل القراءة)) رواه الترمذي، وقال: هو أحسن شيء في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه ابن ماجه ولم يذكر القراءة، لكنه رواه وفيه القراءة كما سبق من حديث سعد المؤذن، وحديث عمرو بن شعيب قال العراقي: إسناده صالح ونقل الترمذي في (العلل المفردة) عن البخاري أنه قال: إنه حديث صحيح.
باب خطبة العيد وأحكامها، وباب حكم الهلال إذا غم:
أ. خطبة العيد وأحكامها:
الحديث الأول:
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، وأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، وإن كان يريد أن يقطع بعثًا أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف)) متفق عليه.
وقوله: ((إلى المصلى)) المصلى: موضع معروف بالمدينة، قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) بينه وبين باب المسجد ألف ذراع، والسنة أن تصلى صلاة العيد في المصلى بعيدًا عن المسجد.
قال الشيرازي: والسنة أن تصلى صلاة العيد في المصلى إذا كان في مسجد البلد ضيقًا؛ لما روي أن: ((النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى المصلى)) ولأن الناس يكثرون في صلاة العيد، فإن كان المسجد ضيقًا تأذوا، فإن كان في الناس ضعفاء استخلف في مسجد البلد من يصلي بهم؛ لما روي أن عليًّا رضي الله عنه استخلف أبا مسعود الأنصاري رضي الله عنه ليصلي بضعفة الناس في المسجد، وإن كان يوم مطر صلى في المسجد؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: ((أصابنا مطر في يوم عيد؛ فصلَّى بِنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في المسجد)) وروي أن عمر وعثمان رضي الله عنهما صليا في المسجد في المطر، وإن كان المسجد واسعًا فالمسجد أفضل من المصلى؛ لأن الأئمة لم يزالوا يصلون صلاة العيد بمكة في المسجد، ولأن المسجد أشرف وأنظف، قال الشافعي رحمه الله: فإن كان المسجد واسعًا فصلى في الصحراء فلا بأس، وإن كان ضيقًا فصلى فيه ولم يخرج إلى الصحراء كرهت؛ لأنه إذا ترك المسجد وصلى في الصحراء لم يكن عليهم ضرر، وإذا ترك الصحراء وصلى في المسجد الضيق تأذوا بالزحام، وربما فات بعضهم الصلاة فكره لذلك.
قال النووي: حديث خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى في العيدين صحيح، رواه البخاري ومسلم من رواية أبي سعيد، وروياه بمعناه من رواية جماعة آخرين من الصحابة، وحديث استخلاف علي أبا مسعود رواه الشافعي بإسناد صحيح، وحديث أبي هريرة رواه أبو داود بإسناد جيد، ورواه الحاكم وقال هو صحيح.
و”الضَعَفة”: -بفتح الضاد والعين- بمعنى الضفعاء وكلاهما جمع ضعيف، قال النووي قال أصحابنا: تجوز صلاة العيد في الصحراء، وتجوز في المسجد فإن كان بمكة فالمسجد الحرام أفضل بلا خلاف، وقد ذكره الشيرازي بدليله، وإن كان بغير مكة نظر، إن كان بيت المقدس قال بعضهم: الصلاة في مسجد الأقصى أفضل، ولم يتعرض الجمهور للأقصى، وظاهر إطلاقهم أن بيت المقدس كغيره، وإن كان في غير ذلك من البلاد، فإن كان لهم عذر في ترك الخروج إلى الصحراء والمصلى للعيد؛ فلا خلاف أنهم مأمورون بالصلاة في المسجد.
ومن الأعذار: المطر، والوحل، والخوف، والبرد، ونحو ذلك، وإن لم يكن عذر وضاق المسجد فلا خلاف أن الخروج إلى الصحراء أفضل، وإن اتسع المسجد ولم يكن عذر فوجهان: أصحهما وهو المنصوص في (الأم) وبه قطع الشيرازي وجمهور العراقيين والبغوي وغيرهم: أن صلاتها في المسجد أفضل، والثاني وهو الأصح عند جماعة من الخراسانيين، وقطع به جماعة منهم: أن صلاتها في الصحراء أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها في الصحراء، وأجاب الأولون عن هذا: بأن المسجد كان يضيق عنهم لكثرة الخارجين إليها؛ فالأصح ترجيحها في المسجد لما ذكره الشيرازي -رحمه الله-.
وله: ((وأول شيء يبدأ به الصلاة)) فيه أن السنة أن تقدم الصلاة على الخطبة، يعني: يصلي العيد أولًا ثم يخطب الإمام بعد ذلك، قال الشوكاني: المشروع في صلاة العيد تقديم الصلاة على الخطبة، قال القاضي عياض: هذا هو المتفق عليه بين علماء الأمصار وأئمة الفتوى، ولا خلاف بين أئمتهم فيه، وهو فعل النبيصلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده إلا ما روي أن عمر في شطر خلافته الآخر قدم الخطبة؛ لأنه رأى من الناس من تفوته وليس بصحيح.
وقوله في الحديث ((ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس)) في رواية ابن حبان فينصرف إلى الناس قائمًا في مصلاه، ولابن خزيمة في رواية: ((خطب يوم عيد على رجليه)).
قوله: ((فيعظهم ويوصيهم)) فيه استحباب الوعظ والتوصية في خطبة العيد، وهذا كان من سنته صلى الله عليه وسلم وكان يعظ النساء خاصة ويأمرهن بالصدقة.
قوله: ((وإن كن يريد أن يقطع بعثًا)) أي: يريد أن يخرج طائفة من الجيش إلى جهة من الجهات.
ب. باب: حكم الهلال إذا غم:
عن عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار رضي الله عنهم قالوا: ((غم علينا هلال شوال فأصبحنا صيامًا، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر الناس أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد)) رواه الخمسة إلا الترمذي، والحديث أخرجه أيضًا ابن حبان في صحيحه، وصححه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم والخطابي وابن حجر في (بلوغ المرام) وعلق الشافعي القول به على صحته، وقال ابن عبد البر: أبو عمير مجهول، قال الحافظ: كذا قال، وقد عرفه من صحح له.
وقول المصنف “عن عمير” لعله من سقط القلم، وهو أبو عمير كما في سائر كتب هذا الفن.
والحديث دليل لمن قال: إن صلاة العيد تصلى في اليوم الثاني إذا لم يتبين العيد إلا بعد خروج وقت صلاته، وإلى ذلك ذهب الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، وهو قول للشافعي، ومن أهل البيت الهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله، وأبو طالب وقيد ذلك أبو طالب بشرط أن يكون ترك الصلاة في اليوم الأول للبس كما في الحديث، ورد بأن كون الترك للبس إنما هو للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه لا للركب؛ لأنهم تركوا الصلاة في يوم العيد عمدًا بعد رؤيتهم للهلال بالأمس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم كما في رواية أبي داود يدل على عدم الفرق بين عذر اللبس وغيره كما ذهب إلى ذلك الباقون، فإنهم لا يفرقون بين اللبس وغيره من الأعذار، إما لذلك وإما قياسًا لها عليه.
وظاهر الحديث: أن الصلاة في اليوم الثاني أداءً لا قضاءً، وروى الخطابي عن الشافعي: أنهم إن علموا بالعيد قبل الزوال صلوا، وإلا لم يصلوا يومهم ولا من الغد؛ لأنه عمل في وقت فلا يعمل في غيره.
قال: وكذا قال مالك وأبو ثور، قال الخطابي: سنة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع، وحديث أبي عمير صحيح فالمصير إليه واجب، وحكي عن الحنفية: إذا لم يصلوها في اليوم الثاني حتى زالت الشمس صلوها في اليوم الثالث، فإن لم يصلوها فيه حتى زالت الشمس سقطت سواء كان لعذر أو لغير عذر.
والحديث وارد في عيد الفطر فمن قال بالقياس ألحق به عيد الأضحى وقد استدلوا بأمره صلى الله عليه وسلم للركب أن يخرجوا إلى المصلى لصلاة العيد الهادي والقاسم وأبو حنيفة على أن صلاة العيد من فرائض الأعيان وخالفهم في ذلك الشافعي وجمهور أصحابه قال النووي وجماهير العلماء فقالوا: إنها سنة، وبه قال زيد بن علي والناصر والإمام يحيى وقال أبو سعيد الإصطخري من الشافعية: إنها فرض كفاية، وحكاه المهدي في (البحر) عن الكرخي وأحمد بن حنبل وأبي طالب وأحد قولي الشافعي، واستدل القائلون بأنها سنة بحديث ضمام بن ثعلبة الذي أخرجه مسلم عن أنس بن مالك: ((نهينا عن السؤال، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من البادية فيسأل ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسأل: أيكم محمد؟…)) الحديث وفيه: ((ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع)).
واستدل القائلون: إنها فرض كفاية بأنها شعار كالغسل والدفن، وبالقياس على صلاة الجنازة بجامع التكبيرات، قال الشوكاني: والظاهر ما قاله الأولون؛ لأنه قد انضم إلى ملازمته صلى الله عليه وسلم لصلاة العيد على جهة الاستمرار، وعدم إخلاله بها الأمر بالخروج إليها، بل ثبت أمره صلى الله عليه وسلم بالخروج للعواتق والحيض وذوات الخدور، وبالغ في ذلك حتى أمر من لها جلباب أن تلبس من لا جلباب لها، ولم يأمر بذلك في الجمعة، ولا في غيرها من الفرائض، بل ثبت الأمر بصلاة العيد في القرآن كما صرح بذلك أئمة التفسير في تفسير قول الله تعالى: {فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ} [سورة الكوثر :2] فقالوا: المراد صلاة العيد ونحر الأضحية، ومن مقويات القول بأنها فرض: إسقاطها لصلاة الجمعة، وذلك إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد، والنوافل لا تسقط الفرائض في الغالب.
والحق ما قاله الجمهور من أنها سنة، وأقوى دليل على ذلك ما سبق من حديث ضمام بن ثعلبة: ((ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة قال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع)) قال الشيرازي: صلاة العيد سنة، وقال أبو سعيد الإصطخري: هي فرض على الكفاية، والمذهب الأول لما روى طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: ((أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام فقال: خمس صلوات كتبهن الله على عباده، فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع)).