Top
Image Alt

التحمل والأداء، وبعض طرق التحمل

  /  التحمل والأداء، وبعض طرق التحمل

التحمل والأداء، وبعض طرق التحمل

تعريف التحمل اصطلاحًا:

أخذ الحديث ممن أضيف إليه مباشرة أو بواسطة طريق من طرق التحمل الثمانية؛ فأخذ الحديث مباشرة مثل: أخذ الصحابة الحديث المرفوع عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذ التابعين الحديث الموقوف عن الصحابة، وأخذ أتباع التابعين الحديث المقطوع من التابعين  رضي الله عنهم  أما أخذ الحديث بواسطة؛ فينطبق على كل محدث تلقى عن شيخه ما تحمله عن شيخه، وهكذا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المرفوع، أو إلى الصحابي في الحديث الموقوف، أو إلى التابعي في الحديث المقطوع.

تعريف الأداء اصطلاحًا:

أن يؤدي الشيخ الأحاديث إلى طلابه بطريق من طرق الأداء، إما أن يحدثهم أو يقرأ الطالب عليه، أو يقرأ طالب عليه وهم يستمعون أو غير ذلك.

طرق تحمل الحديث: للتحمل طرق ثمانية. نذكرها مرتبة كما يأتي إن شاء الله تعالى.

الطريق الأول من طرق التحمل: سماع لفظ الشيخ:

ويكون بالإملاء، وبغير إملاء، وسواء كان الشيخ يحدث من حفظه، أو من كتاب له، وهذا الطريق أعلى طرق التحمل عند الجماهير من علماء الحديث.

طريق الأداء لمن تحمل بهذه الطريقة: اجمع العلماء على أنه يجوز للسامع عن الشيخ بهذه الطريقة أن يقول عند الأداء: سمعت، أو حدثنا، أو حدثني، أو أخبرنا، أو أخبرني، أو أنبأنا، أو أنبأني، أو قال لنا فلان. قال لي، إلى غير ذلك.

الطريق الثاني من طرق التحمل: القراءة على الشيخ “العرْض”:

ويسميها أكثر المحدثين عرضًا؛ من حيث أن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرأه، كما يعرض القرآن على المقرئ. القراءة على الشيخ طريق من طرق تحمل الحديث؛ سواء قرأت على الشيخ بنفسك، أو قرأ غيرك عليه وأنت تسمع، وسواء كانت القراءة منك، أو من غيرك من كتاب أو حفظ، وسواء حفظ الشيخ ما قرأ عليه، أم لا إذا أمسك كتابه، هو أو ثقة غيره، وكذلك إذا كان ثقة من السامعين، يحفظ ما قرئ وهو مستمع غير غافل، كما قال العراقي.

شروط الرواية بطريق القراءة حتى تكون صحيحة:

الشرط الأول: يشترط في الشيخ أن يكون يقظًا، بحيث لو وقع من القارئ تصحيف، أو تحريف لرده الشيخ.

الشرط الثاني: يشترط في القارئ أن يكون ممن يعرف، ويفهم إذا لم يتحقق هذان الشرطان؛ فلا يصح التحمل بالقراءة.

صيغة الأداء بالقراءة:

للمحدث الذي تحمل الحديث بطريق القراءة، أن يقول عند الأداء، والرواية بها: قرأت على فلان. إن قرأ بنفسه، أو قرئ على فلان وأنا أسمع فأقر به. يلي ذلك عبارات السماع مقيدة بالقراءة لا مطلقة: كحدثني بقراءتي عليه، أو حدثني قراءة عليه وأنا أسمع، وهكذا بقية صيغ السماع، والذي منع إطلاق حدثنا، وأخبرنا عبد الله بن المبارك، والنسائي، وغيرهم والذي جوز إطلاق حدثنا، وأخبرنا. طائفة من العلماء منهم الزهري، والبخاري، وأبو حنيفة، وغيرهم. والذي منع إطلاق حدثنا، وأجاز إطلاق أخبرنا، جماعة من العلماء منهم الشافعي، ومسلم ابن الحجاج، وغيرهما من المحدثين، ذلك لأن قوله: “أخبرنا” معناه علم يقوم مقام قائله، أنا قرأته عليه لا أنه لفظ لي به.

قال ابن الصلاح: إن أول من أحدث الفرق بين اللفظين -أي: حدثنا وأخبرنا- هو محمد بن الحسن التميمي بمصر، وصار الفرق بينهما هو الشائع الغالب عند أهل الحديث، وهي اصطلاح منهم، أرادوا به التمييز بين النوعين.

الطريق الثالث من طرق التحمل: الإجازة:

تعريف الإجازة لغة: العبور والانتقال، والإباحة القسيمة للوجوب والامتناع.

تعريف الإجازة اصطلاحًا: هي إذن في الرواية لفظًا، أو خطًّا يفيد الإخبار الإجمالي عرفًا. أركان الإجازة: مجيز، مجاز به، مجاز له، لفظ الإجازة.

شروط الإجازة: أن نُعلم المجيز ما يُجيزه، وأن يكون ثقة في دينه وروايته، معروفًا بالعلم.

الشرط الثاني: أن يكون المجاز له من أهل العلم؛ لأنها توسع وترخيص يتأهل له أهل العلم لمسيس حاجتهم إليه، حتى لا يوضع العلم عند غير أهله.

الشرط الثالث: إذا كانت الإجازة كتابة، على المجيز أن يتلفظ بها؛ فإن اقتصر على الكتابة مع قصد الإجازة صحت، وتكون حينئذ دون الملفوظ بها في الرتبة.

الشرط الرابع: أن يكون المجاز به معارضًا بالأصل، هكذا قال الإمام مالك. واشترط ابن عبد البر لصحة الإجازة أن يكون المجاز له ماهرًا بصناعة الحديث، وأن يكون المجاز به معينًا لا يشكل إسناده، ولا يشترط في الإجازة القبول وهذا هو الظاهر.

الطريق الرابع من طرق التحمل: المناولة:

تعريف المناولة لغة: العطية.

تعريف المناولة اصطلاحًا: هي إعطاء الشيخ الطالب مروياته مع إجازته به صريحًا أو كناية.

الدليل على صحة المناولة: قال البخاري في صحيحه في كتاب العلم معلقًا: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لأمير السرية كتابًا، وقال: لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا؛ فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس، وأخبرهم بأمر النبي  صلى الله عليه وسلم » فلقد احتج البخاري على هذا الحديث بصحة المناولة، فكذلك العالم إذا ناول التلميذ كتابًا جاز له أن يروي عنه ما فيه، إلى غير ذلك من الأدلة التي استدل بها هؤلاء العلماء.

أخرج الحاكم، عن ابن عباس   رضي الله عنه  : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله ابن حذافة السهمي؛ فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى».

وعن يزيد الرقاشي قال: كنا إذا أكثرنا على أنس بن مالك، أتانا بمخال له؛ فألقاها إلينا، وقال: هذه أحاديث سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبتها وعرضتها.

تقسيم المناولة: أقسام المناولة: تنقسم المناولة إلى قسمين:

القسم الأول: مناولة مقرونة بالإجازة.

القسم الثاني: مناولة مجردة عن الإجازة.

القسم الأول: المناولة المقرونة بالإجازة: أعلى أنواع المناولة مطلقًا، ونقل القاضي عياض الاتفاق على صحتها، وهذه المناولة المقرونة بالإجازة لها ثلاث صور:

الصورة الأولى: أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو فرعًا مقابلًا به ويقول هذا سماعي أو روايتي عن فلان فأروه عني، أو أجزت لك روايته عني ثم يبقيه معه تمليكًا أو لينسخه ويقابل به ويرده.

صيغ المناولة: الصحيح الذي عليه الجمهور: تخصيصها بعبارة مشعرة بها، كـ”حدثنا إجازة” أو “حدثنا مناولة” أو “أخبرنا إجازة” أو “مناولة وإجازة” أو “إذنًا في إذنه” أو “في ما أذن لي فيه” أو “فيما أطلق به روايته”. إلى غير ذلك، وجوز الزهري ومالك وغيرهما من البصرة إطلاق حدثنا، وأخبرنا في الرواية للمناولة.

الصورة الثانية: أن يدفع الطالب إلى الشيخ سماعه منه؛ فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ، ثم يعيده إليهم مناولة، ويقول له: هو حديثي، أو روايتي عن فلان فأروه عني، أو أجزت لك روايته.

حكم المناولة في الصورة الأولى والثانية:

اختلف العلماء في حكم المناولة في الصورة الأولى والثانية: فقال قوم: إن المناولة بهذه الطريقة كالسماع في القوة والرتبة، من هؤلاء: الزهري، وربيعة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومجاهد، ومالك؛ وغيرهم كثير.

الرأي الثاني: ذهب بعض أصحاب الحديث إلى أن المناولة بهذه الطريقة أرفع من السماع؛ لأن الثقة بكتاب الشيخ مع إذنه فوق الثقة بالسماع منه وأثبت؛ لما يدخل من الوهم على السامع والمسموع، وذهب قوم من العلماء إلى أن المناولة بهذه الطريقة أقل من السماع والقراءة. وهذا هو الصحيح الذي عليه الأئمة، وهو قول الثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم.

الصورة الثالثة: أن يناول الشيخ الطالب سماعه ويجيزه، ثم يمسكه الشيخ عنده، ولا يبقيه عند الطالب: حكم هذه الصورة: هذه الصورة دون الصورتين السابقتين؛ لعدم احتواء الطالب على ما يحمله، وغيبته عنه، وتجوز روايته عن الشيخ إذا وجد الطالب ذلك الكتاب المناول له من غلبة ظنه بسلامته من التغيير، أو وجد فرعًا مقابلًا به، موثوقًا بما فيه.

القسم الثاني: المناولة المجردة عن الإجازة:

مثال ذلك: أن يناول الشيخ الطالب الكتاب مقتصرًا على قوله: “هذا سماعي”، أو “من حديثي”، ولا يقل له: “أروه عني”، ولا “أجزت لك روايته”.

حكم الرواية بهذه الطريقة:

اختلف العلماء في حكم الرواية بهذه الطريقة، أي: المناولة المجردة عن الإجازة. قال قوم: لا تجوز الرواية بهذه الطريقة، وهذا هو الصحيح الذي قاله الفقهاء، وأصحاب الأصول، وعابوا المحدثين المجوزين له، قال قوم: إن الرواية بهذه الطريقة صحيحة، وقال ابن الصلاح: إن الرواية بهذه الطريقة تترجح على الرواية بمجرد إعلام الشيخ لما فيه من المناولة؛ فإنها لا تخلو من إشعار بالإذن بالرواية.

الطريق الخامس من طرق التحمل: الكتابة أو المكاتبة:

وهي أن يكتب الشيخ مسموعه أو شيئًا من حديثه لحاضر عنده، أو غائب عنه، سواء كتب بخطه أو بأمره.

أقسام الكتابة: تنقسم الكتابة إلى قسمين:

القسم الأول: كتابة مقرونة بالإجازة: كأجزت ما كتبت لك، أو ما كتبت إليك، أو ما كتبت به إليك، ونحو ذلك من عبارات الإجازة، وهذه في الصحة والقوة كالمناولة المقرونة بالإجازة، وقال قوم: هي أقوى من الإجازة، وأقوى من أكثر صور المناولة.

القسم الثاني: كتابة مجردة عن الإجازة، وهذه منع الرواية بها قوم؛ منهم: الماوردي، الشافعي، والآمدي، وابن القطان، وغيرهم. وقد أجاز كثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين الرواية بهذه الطريقة.

الدليل على صحة الرواية بطريق الكتابة أو المكاتبة:

الدليل الأول: لقد كتب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عماله بالأحكام، والفرائض، وأنصبة الزكاة.

الدليل الثاني: هذا هو الرأي الصحيح المعمول به بين أهل الحديث، حتى الذين صنفوا في الصحيح المجرد، كالإمامين الجليلين البخاري ومسلم، ويوجد في مصنفاتهم بكثرة كتب إلي فلان، قال: حدثني أو حدثنا فلان. وهو معمول به عندهم معدود في الموصول من الحديث دون المنقطع؛ لإشعاره بمعنى الإجازة.

صيغ الأداء في المكاتبة: الصحيح للراوي بطريق المكاتبة، أن يقول عند الأداء بها: كتب إلي فلان، أو أخبرني فلان مكاتبة أو كتابة، إلى غير ذلك، ولا يجوز إطلاق حدثنا أو أخبرنا، وجوز هذا بعض العلماء منهم: الليث؛ وغيره. وجوز آخرون أخبرنا دون حدثنا، إن كان الكاتب غير الشيخ فلا بد أن يكون ثقة.

الطريق السادس من طرق التحمل: الإعلام:

وهو إعلام الشيخ الطالب أن هذا الحديث أو الكتاب سمعه من فلان مقتصرًا عليه، دون أن يأذن في روايته عنه.

حكم الرواية بهذه الطريقة:

المذهب الأول: ذهب كثير من العلماء إلى أن الرواية بهذه الطريقة جائزة.

المذهب الثاني: ذهب بعض أهل الحديث، وغيرهم إلى أنه لا تجوز الرواية بهذه الطريقة؛ لكن يجب العمل بما أخبره الشيخ أنه سمعه إن صح سنده، وادعى عياض الاتفاق على ذلك.

الطريق السابع من طرق التحمل: الوصية:

وهو أن يوصي الشيخ عند موته، أو سفره لشخص بكتاب يرويه ذلك الشيخ.

حكم العمل بالوصية: قال ابن الصلاح: لا يجوز للموصى له روايته عن ذلك الشيخ الذي أوصى له. وقد أنكر بعض العلماء على ابن الصلاح قوله، وقالوا: الوصية أرفع من الوجادة بلا خلاف، والوجادة معمول بها عند الشافعي وغيره. فالوصية أولى.

قال القاضي عياض: يجوز العمل بالوصية؛ لأن دفع الوصية للطالب فيه إذن، وشبه من العرض والمناولة، والوصية قسم من أقسام التحمل قريب من الإعلام، وقد جوز بعض السلف روايته عنه، وهذا غلط، والصواب أنه لا يجوز.

الطريق الثامن من طرق التحمل: الوجادة:

تعريف الوجادة لغة: مصدر لوجد غير مسموع من العرب.

تعريف الوجادة اصطلاحًا: هي أن يقف المحدث على أحاديث بخط راويها، غير المعاصر له، أو المعاصر له ولم يسمع منه، أو سمع منه لكن هذه الأحاديث الخاصة لم يروها بسماع ولا إجازة.

طريقة الأداء لمن تحمل بهذه الطريقة: يجوز لمن تحمل بهذه الطريقة أن يقول عند الأداء أو عند روايته لهذه الأحاديث: وجدت، أو قرأت بخط فلان، أو وجدت في كتابه بخطه، حدثنا فلان، ثم يسوق الإسناد والمتن، والرواية بالوجادة بهذه الطريقة من باب المنقطع، ولكن فيه شبه اتصال بقوله: وجدت بخط فلان، أو قرأت بخط فلان عن فلان، وهذا هو الذي استمر عليه العمل قريبًا وحديثًا.

إذا وجد شخص حديثًا في تأليف شخص وليس بخطه، عليه أن يقول عند الأداء: ذكر فلان، أو قال فلان: أخبرنا فلان. وهذا إذا وثق بأن الكتاب الذي يحدث منه من تأليفه؛ فإذا لم يوثق بأن الكتاب من تأليف هذا الشخص الذي ينسب إليه الكتاب، عليه أن يقول عند الأداء: بلغني عن فلان، أو وجدت عنه، أو قرأت في كتاب أخبرني فلان أنه بخط فلان، أو ظننت أنه بخطه، أو قيل: إنه بخط فلان. ونحو ذلك من صيغ التمريض، وهذا الحديث بهذه الطريقة منقطع ليس فيه شبه اتصال.

إذا نقل المحدث شيئًا من تصنيف شخص فلا يقل فيه عند الأداء: قال فلان، أو ذكر بصيغة الجزم، إلا إذا وثق بصحة النسخة؛ فإذا لم يثق بصحة النسخة فعليه أن يقول: بلغني عن فلان، أو وجدت في نسخة من كتابه، وقد تستعمل الوجادة مع الإجازة؛ فيقال: وجدت بخط فلان إجازة لي. حكم العمل بالوجادة: اختلف العلماء في حكم العمل بالوجادة، ذهب معظم المحدثين والفقهاء والمتكلمين وغيرهم إلى منع العمل بالوجادة. ذهب الشافعي وبعض أصحابه إلى جواز العمل بالوجادة، ذهب المحققون من الشافعية إلى وجوب العمل بالوجادة عند حصول الثقة به، وهذا هو الصحيح الذي لا يتجه في هذه الأزمان غيره.

وقد وجد في (صحيح مسلم) أحاديث مروية من وجادة، وانتقدت بأنها من باب المنقطع، وأجاب الشيخ رشيد العطار عن ذلك؛ بأن الإمام مسلم روى هذه الأحاديث الثلاثة من طرق أخرى موصولة، وقد وجد في مسند الإمام أحمد كثيرًا من الأحاديث المروية للوجادة من رواية ابنه عبد الله عنه بالوجادة. هذا والله أعلم.

error: النص محمي !!