Top
Image Alt

التخريج عند المتأخرين: تعريفه، ضوابطه، موضوعه، منزلته، فائدته

  /  التخريج عند المتأخرين: تعريفه، ضوابطه، موضوعه، منزلته، فائدته

التخريج عند المتأخرين: تعريفه، ضوابطه، موضوعه، منزلته، فائدته

التخريج عند المتأخرين، تعريفه وضوابطه: بدأ إطلاق التخريج على إيراد الحديث بإسناده ينحسر بدءًا من المتأخرين من المحدثين وبخاصة بعد أن بدأ طور التهذيب في السنة خلال الربع الأخير من القرن الرابع الهجري وظهور المراجع التي تعني بجمع بعض المصادر أو التقاء الأحاديث وعزوها إلى مصادرها الأصلية، ووجدت تبعًا لذلك حدود وضوابط لم تكن عند المتقدمين منهم نتيجة اكتمال تدوين السنة وارتقائها من درجات الكمال.

فتعريف التخريج عند المتأخرين: هو عزو الحديث بعد التفتيش عن حاله إلى مخرجيه من المصادر المعتبرة عند أئمة الحديث، والتي تُروى فيها الأحاديث بالأسانيد مستقلةً بمؤلفيها، ثم تطور ذلك التعريف في القرن الأخير إلى ذكر الكتاب والباب ورقم الجزء ورقم الصفحة.

موضوع علم التخريج: موضوع علم التخريج -أي: الموضوع الذي يبحث فيه-: هو موضوع الحديث الشريف نفسه ضرورة أن الوسيلة للتعرف على مواطنه من شتى مصادره، والمراد به ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه  وسلم أي: بالحديث- من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية في الحركات وفي السكنات وفي اليقظة وفي المنام، وما أضيف إلى الصحابي أو التابعي من قول أو فعل ليس للاجتهاد فيه نصيب، ودراسة أسانيدها ومتونها وتحرير ألفاظها، كل هذا موضوع علم التخريج.

أما منزلة علم التخريج: فقد تكلمنا عنها وبينا في مقدمة الكلام الفائدة من هذا العلم، وأنه لا يستغني عنه محدث ولا مفسر ولا فقيه ولا لغوي؛ إذ الكل يعتمدون على الحديث؛ فلا بد أن يعرف موطنه -أي: مكانه- في كتب الحديث حتى نصل للحكم عليه ونأخذ منه قاعدة فقهية أو تفسيرًا لآية قرآنية؛ فلا بد أن نعلم حال ذلك الحديث، ولا يكون ذلك إلا بتخريج الحديث؛ فهو من أشرف العلوم؛ إذ يُتوصل به إلى معرفة الأحاديث ودرجتها، تلك الأحاديثُ التي هي الأصل الثاني للتشريع ومناط الأحكام، وبها يعرف الحلال من الحرام، وهي التي تفجرت منها بحار العلوم الفقهية، وتزينت بجواهرها التفاسير القرآنية والشواهد النحوية، والدقائق الوعظية والعقيدة الإيمانية، وهي التي تسلك بصاحبها نهجَ السلامة، وتكون سببًا في إحلاله دار الكرامة، وهي مرجع للأصولي وإن برز في فنه ومرجع للفقيه.

فائدة علم التخريج: والفائدة ترجع إلى نفس المنزلة، ففائدته هي وضع يد الباحث على الحديث الذي يريده بسرعة ويسر من مواقعه في مصادره المعتبرة والمتنوعة عند أئمة الحديث، مع معرفة درجته التي قررها له العلماء؛ كما يساعده على الإحاطة بكثير من الأحاديث، وهي ذخيرة المحدث في هذه المصادر المختلفة، وبمعرفة مذاهب العلماء ومناهجهم فيها من حيث التأليف والحكم على الأحاديث بما يقتضيه من صحة أو حسن أو ضعف أو وضع، بعد معرفة أحكامهم على الرجال وغير ذلك من الأمور.

وبالجملة: فهو العلم الذي ينمي مدارك المحدث ويوسع آفاقه، ويجعله على معرفة قوية بكل ما يتصل بجوانب الحديث عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم من علوم ومعارف.

هذا؛ وإن من تمام تخريج الحديث ذكر راويه الأعلى عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم عند تعدد رواته؛ لأنه إذا علمنا أن الحديث أتى من أكثر من راوٍ وتعددت روايته ينتقل الحديث من كونه آحادًا إلى كونه متواترًا، ثم بيان درجة الحديث، وهذه وإن كانت زائدة على التخريج إلا أنها هي الثمرة المرجوة من تخريج أحاديث رسول الله صلى الله عليه  وسلم.

سؤال: هل العزو إلى الكتب التي جمعت بعض الأحاديث لا من طريق التلقي عن الشيوخ -يعني: لم تروَ في هذه الكتب بأسانيد المؤلف وإنما جمعها أخذًا من المصنفات السابقة دون ذكر سلسلة له لهذه المصنفات- هل هذا يعتبر تخريجًا أم لا؟:

أقول: هذا لا يعتبر تخريجًا؛ وإنما هو مجرد عزو لمصدر من المصادر؛ إنما التخريج -كما قلت- وأؤكد لا بد أن يكون الحديث بالسند المتصل من المؤلف إلى رسول الله صلى الله عليه  وسلم.

أقول: وأما العزو إلى الكتب التي جمعت بعض الأحاديث لا عن طريق التلقي من الشيوخ وإنما من المصنفات السابقة؛ فلا يعتبر العزو إليها تخريجًا على الاصطلاح في فن التخريج؛ وإنما هو مجرد تعريف القارئ بأن هذا الحديث مذكور في كتاب كذا، وهذا النوع من العزو يُلجأ إليه عند العجز عن معرفة مصدر الحديث الأصلي؛ فينزل في عزوه نزولًا غير مستحسن، وهو غير لائق بأهل العلم؛ لا سيما أهل الحديث.

ومن هذه الكتب التي لا تعتبر مصدرًا أصليًّا من كتب السنة:

1. الكتب التي جمعت أحاديث الأحكام مثل كتاب (بلوغ المرام من أدلة الأحكام) للحافظ ابن حجر، وكذلك الكتب التي جمعت الأحاديث على ترتيب أحرف المعجم ككتاب (الجامع الصغير) للسيوطي، وكتاب (الجامع الكبير) له، ثم باقي الكتب الأخرى التي جمعت الأحاديث من كتب السنن المتقدمة على أي شكل كان، مثل (الأربعين النووية) و(رياض الصالحين) كلاهما للنووي وغيرهم.

2. أقول: هذه الكتب تعتبر مفاتيحَ للتخريج يُستعان بها على موطن الحديث في كتب الحديث.

error: النص محمي !!