Top
Image Alt

التعريف اللغوي والاصطلاحي، والصلة بينهما

  /  التعريف اللغوي والاصطلاحي، والصلة بينهما

التعريف اللغوي والاصطلاحي، والصلة بينهما

الحمد رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، وعمل بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:

مادة النقد الأدبي من المواد التي تخدم اللغة العربية، وهذه المادة تقوم على دراسة الأعمال الأدبية وتفسيرها وشرحها، وبيان ما فيها من محاسن وعيوب، وبيان درجة أصحابها إذا كان الأديب شاعرًا أو خطيبًا أو قصّاصًا، أو ما إلى ذلك من أنماط الأدب وأنواعه.

وأول ما يجب أن نتعرف عليه في هذا الدرس، وأن نفهمه: تعريف النقد الأدبي، ولنعرف تعريف النقد الأدبي لا بد أن نعلم معنى كلمة نقد في كلام العرب؛ لأن كل مصطلح من مصطلحات العلوم له تعريف لغوي، وتعريف اصطلاحي.

فالتعريف اللغوي يبدأ بالبحث عن المعنى الأصلي لهذه الكلمة في لغة العرب، فكلمة النقد في لغة العرب من مادة: نقد؛ والنون، والقاف، والدال في لغة العرب لها معانٍ كثيرة وردت في معاجم اللغة، ووردت شواهد عليها من كلام العرب.

فمن هذه المعاني: التعرف على العيوب، والحرص على إذاعتها، والشاهد على ذلك أنه ورد في حديث أبي الدرداء: “إن نقدتَ الناس نقدوك، وإن تركتَهم تركوك”، أي: إن بحثتَ عن عيوب الناس، وحرصتَ على إذاعتها؛ فعل الناس بك ذلك.

ومن المعاني أيضًا التي وردت في كلام العرب لمادة نقد: مناقشة الآراء للتثبت من صحتها؛ قال الإمام الشعبي يمدح أناسًا بالحرص على المناقشة والفهم: “وما شهدت مثلهم أشد تناقدًا في مجلس، ولا أحسن فهمًا عن محدث”، فالتناقد هنا معناه: مناقشة الآراء وفحصها.

وجاءت كلمة نقد في كلام العرب؛ لتدل على تمييز الجيد من الدراهم من الرديء منها، فيقولون: نقدت الدراهم وانتقدتها، بمعنى: ميّزت جيدها من رديئها، وعلى هذا المعنى جاء قول الشاعر يصف ناقته بسرعة السير في الهاجرة، فيقول:

تنفي يداها الحصا في كل هاجرة

* نفي الدراهم تنقاد الصياريف
 

فأضاف كلمة تنقاد للصياريف، والصياريف: هم المعنيّون بنقد الدراهم؛ أي: تمييز جيدها من رديئها، فالنقد هنا يجري في المحسوسات على أنه تمييز الجيد من الرديء.

ومن معاني النقد التي وردت في كلام العرب أيضًا: اختلاس النظر إلى الشيء، جاء في المعاجم: وهو ينقد بعينيه إلى الشيء، أي: يديم النظر إليه باختلاس؛ حتى لا يفطن له.

هذه هي المعاني التي وردت لكلمة النقد في لغة العرب، ونحن هنا معنيون بمصطلح النقد الأدبي، وبطبيعة الأحوال لا بد أن يكون بين المعنى اللغوي، والمعنى الاصطلاحي صلة.

والنقد الأدبي في الاصطلاح: هو النظر في النصوص الأدبية وتفسيرها وشرحها؛ لمعرفة عيوبها ومعرفة حسناتها، والحكم عليها بالجودة أو الرداءة. فمعاني النظر، والمناقشة، والتعرف على العيوب، وتمييز الجيد من الرديء، كل هذه المعاني اللغوية موجودة في التعريف الاصطلاحي.

لكن في النقد الأدبي لا ننظر إلى أي شيء، أو نفسر أي شيء، أو نحكم على أي شيء، وإنما النظر والتفسير، وبيان العيوب، والحكم بالجودة والرداءة محصور في مجال الأدب؛ ولذلك يسمى النقد الأدبي.

والأدب هو: ما يُبدعه أصحاب الموهبة من كلام بليغ مؤثِّر في القارئ، وفي السامع، يعبّر عن آرائهم، ويحمل أفكارهم، ويصوّر عواطفهم.

والأعمال الإبداعية، في الشعر وفي الخطابة، وفي القصة وفي الرواية والمسرحية، كلها تنتمي إلى الأدب، وهذه الأعمال هي مجال النقد الأدبي.

إذًا: النقد الأدبي مجاله الأدب، والناقد الأدبي يدرس الأعمال الأدبية دراسة متأنية فاحصة؛ ليصل إلى ما فيها من عيوب، وما فيها من محاسن؛ ليقدمها إلى القراء شارحًا إياها، ومفسرًا ومبينًا رأيه فيها، ويمكن أن يحكم عليها بأنها جيدة أو رديئة، ويمكن أن يحكم على صاحبها ويبين منزلته في المجال الذي اختاره أو الذي يبدع فيه، شعرًا كان أو قصة، أو رواية أو مسرحًا، أو غير ذلك من الألوان الإبداعية التي يسميها أدبًا.

error: النص محمي !!