Top
Image Alt

التعريف بالتخطيط اللغوي، وعلاقته بميادين البحث العلمي الأخرى

  /  التعريف بالتخطيط اللغوي، وعلاقته بميادين البحث العلمي الأخرى

التعريف بالتخطيط اللغوي، وعلاقته بميادين البحث العلمي الأخرى

التخطيط اللغوي مصطلح جديد، يهدف إلى العديد من الغايات، ويشتمل على العديد من الوسائل، فلا ينشأ مجمع لغوي مثلًا إلا بتخطيط لغوي، ولا يقصد إلى إحياء لغة من مواتها إلا بتخطيط، ولا يقصد إلى تغيير نمط لغوي إلا بتخطيط، ولا تمحو ولا تستطيع أن تمحو أمية شعب إلا بتخطيط.

التخطيط اللغوي مصطلح حديث، وكان مصطلح الهندسة اللغوية، أول تعبير تم استخدامه، للدلالة على الأنشطة التي يمارسها المخططون اللغويون، ويدل عليه أيضًا مصطلح آخر، هو مصطلح السياسة اللغوية.

ويدل عليه مصطلح ثالث، وهو مصطلح التنظيم اللغوي، وكلها مترادفات لمصطلح التخطيط اللغوي، وإن كان بعض العلماء اقترح مصطلحًا آخر، يدل على كل هذه المصطلحات، ألا وهو مصطلح إدارة اللغة.

ونظرًا لحداثة هذا المصطلح، فإننا لا نستطيع أن نحكم عليه، من ناحية القبول أو الرفض، لكن المصطلح الأكثر شهرة، هو مصطلح التخطيط اللغوي.

فهو مصطلح شائع، ظاهر في عناوين الصحف الأخبارية المتخصصة، وفي عناوين الدوريات المتخصصة، وفي عناوين المقالات المتخصصة أيضًا.

وكان العالم هنراخ أول من استخدم هذا المصطلح، في حلقة دراسية في جامعة كولومبيا، عام (سبع وخمسين وتسع مائة وألف) من الميلاد، كما يرجع الفضل إلى العالم هوجن، في إدخال هذا المصطلح إلى أدبيات علم اللغة الاجتماعي.

فما تعريف التخطيط اللغوي؟

لقد تعددت التعريفات بصورة واسعة، ونذكر الآن ثلاثة عشر تعريفًا، منها خمسة تعريفات متقاربة جدًّا.

فقد عرف “بأنه تغيير في بنية اللغة وأصواتها ووظائفها، وإيجاد حلول للمشكلات اللغوية”، كما عرف “بأنه الأنشطة السياسية والإدارية الهادفة، إلى حل المشكلات اللغوية في المجتمع”، كما عرف “بالمتابعة المنظمة الهادفة، إلى إيجاد حلول لمشكلات اللغة، وخاصة على المستوى القومي”، كما عرف “بإيجاد بأنه إيجاد حلول لمشكلات لغة ما، على المستوى القومي، ويخص بإيجاد حلول للمشكلات المتصلة، بقواعد اللغة وبنيتها ووظائفها”.

كما عرف “بأنه الجهود المستمرة الطويلة الأجل، التي تخولها الدولة بهدف تغيير لغة ما، أو بهدف تغيير وظائف تلك اللغة في المجتمع، من أجل إيجاد حلول للمشكلات، المتعلقة بالاتصال والتفاهم بين أفراد هذا المجتمع”، هذه تعريفات خمسة كأنها تعريف واحد.

أما التعريف السادس لهذا التخطيط اللغوي: فيخص التخطيط اللغوي بكافة الأنشطة اللغوية، التي تؤديها المجامع اللغوية، واللجان المختصة بتطوير اللغة؛ لجعلها أداةً معيارية تعمل على تنمية اللغة وإصلاحها، كما عرف بأنه استغلال المرء معارفه باللغة؛ لتغيير السلوك اللغوي لمجموعة من الأفراد الناطقين بتلك اللغة، وهذا هو التعريف السابع.

أما التعريف الثامن: فيستخدم التخطيط اللغوي، للدلالة على إجراءات مرتبة، من أجل اختيار لغة ما وإثرائها، وتدقيق الجوانب الإملائية والنحوية والمعجمية والدلالية فيها، من أجل إشاعة الاستعمالات، والوظائف المتفق عليها لتلك اللغة.

وأما التعريف التاسع: فهو أن التخطيط يدل على مجموعة من الأنشطة المتعمدة، المعدة بشكل منظم؛ لترقية وتطوير مصادر اللغة في المجتمع، ضمن إطار جدول زمني منظم.

وأما التعريف العاشر: فإنه يوسع من مفهوم التخطيط اللغوي؛ ليشمل الأنشطة المنهجية الهادفة، إلى تنظيم وتطوير اللغات الموجودة، أو إيجاد لغات جديدة محلية، أو إقليمية، أو دولية مشتركة.

وأما التعريف الحادي عشر: فهو أن التخطيط اللغوي، يدل على عملية عقلية منظمة، مبنية على فرضيات نظرية، كما يدل على اهتمام المجتمع المنهجي المتعقل.

وأما التعريف الثاني عشر: فهو أن التخطيط اللغوي، بما يشتمل على عملية رسم السياسة اللغوية، فهو اتخاذ قرارات تتعلق بتعليم واستعمال اللغة، قد يقوم المختصون المخولون بهذا العمل، بصياغة دقيقة للقرارات اللغوية، من أجل إرشاد الآخرين.

أما التعريف الثالث عشر: فهو للعالم روبرت لادوا كوبر، فهو أن التخطيط اللغوي، يدل على السلوك المعتمد الهادف، إلى التأثير على سلوك الآخرين، فيما يخص اكتسابهم للغة.

ويخص بنيتها وتحديد وظائفها، وقد تحمس لهذا التعريف، وفضله على بقية التعريفات الأخرى التي ذكرناها؛ حيث رأى من مزايا، أنه لا يقصر التخطيط اللغوي، على أعمال المنظمات الرسمية، ومن مزاياه أيضًا، أنه لا يحدد نوع الجماعات المستهدفة بالتخطيط، كما لا يحدد نمطًا مثاليًّا للتخطيط اللغوي.

 ومن مزاياه أيضًا، أنه يركز على السلوك اللغوي للآخرين، بدلًا من التركيز على حل مشكلات اللغة، كما يستخدم هذا التعريف مصطلح التأثير، بدلًا من مصطلح تغيير السلوك اللغوي؛ حيث إن التأثير يحافظ على السلوك اللغوي القائم، وهو هدف مهم من أهداف التخطيط اللغوي، كما لا يستبعد تغييره.

بعد التعرض لتعريف التخطيط اللغوي، نقف على من الذي يقوم بالتخطيط اللغوي؟ وما الذي يخطط له؟.إن بعض تعريفات التخطيط اللغوي، التي قدمناها الآن، تحصر هذا التخطيط في أجهزة الدولة أو المجامع اللغوية، أو المنظمات التي لديها تخويل عام بتنظيم اللغة، ويرى آخرون أن حصر مفهوم التخطيط اللغوي.

في الأنشطة التي تقوم بها المؤسسات التي تخولها الدولة، هو تحديد ضيق لمفهوم التخطيط اللغوي، فهناك جهود فردية أو جهود أخرى، ليست على المستوى الرئيس في الدولة، تستطيع أن تقوم بتخطيط لغوي.

ويدللون على ذلك، بتلك الأنشطة التي قام بها المنادون، بمبدأ عدم التحيز لصالح الرجال ضد النساء في الاستعمال اللغوي، التي ظهرت تلقائيًّا على المستوى الشعبي في أمريكا، قبل تدخل الدولة في هذه المسألة.

كما يشيرون إلى الجهود الفردية في التخطيط اللغوي، الذي أثمر إحياء اللغة العبرية في فلسطين المحتلة، وينسبون هذا الجهد إلى ابن يهودا.

أما الإجابة عن السؤال الآخر، وهو ما الذي يخطط له؟ أو بأي شيء يهتم المخططون اللغويون.

فإن اهتمامات المخططين اللغويين، لا تقتصر على شيء محدد، ولكنها تشمل السلوك اللغوي بوجه عام، وتتناول مستوى رسم السياسة اللغوية، ومستوى تنفيذها، فالسياسة اللغوية على مستوى التنفيذ تشمل أنشطة عدة، منها صك المصطلحات الجديدة، وإصلاح نظام التهجئة، والعمل على وضع أبجدية جديدة لرسم الكلمات، أي: باختصار خلق نظام لغوي جديد، أو تعديل نظام لغوي موجود، أو اختيار بدائل أخرى من لغة مكتوبة أو محكية.

ويدخل في كل ما ذكرت، العمل على تنمية اللغة وإصلاحها، وجعلها معيارية؛ بل إن تعليم اللغة أحد أهداف السياسة اللغوية؛ حيث يقوم المخططون اللغويون ببذل جهود كبيرة، نحو نشر اللغة وإشاعتها، لزيادة أعداد الناطقين بها.

وتشير الدراسات المتصلة بالتخطيط اللغوي، إلى أن رسم السياسة اللغوية لا يسير في اتجاه واحد، فليس بالضرورة أن قرارات رسم السياسة، يتم اتخاذها دائمًا على المستوى القومي، بينما تقتصر قرارات الأفراد والجماعات الصغرى، على تنفيذ تلك السياسة؛ لأن السياسة اللغوية المقترحة، على مستوى الأفراد والجماعات الصغرى، يمكن أن تصعد إلى أعلى، ويدللون على ذلك بحملة تحرير المرأة، والدعوة إلى الاستعمال اللغوي غير المنحاز للرجال في أمريكا، جاء من مستو أدنى، جاء من مستو أدنى، ، ثم تم تبنيه على المستوى القومي، فمستويات التخطيط اللغوي يمكن أن تسير من أعلى إلى أسفل،وتسير أيضًا من أسفل إلى أعلى.

وأن التفاعل على مستوى الحلقات الأدنى، يمكن أن ينفذ قرارات مقترحة من سلطات عليا، أو يقترح سياسات يتم تبنيها على المستوى القومي.

فمن الخطأ قصر التخطيط اللغوي، على الأنشطة المتعلقة باللغة على المستوى القومي فقط؛ لذلك يتسع التخطيط اللغوي، للجهود ذات الصبغة العالمية والدولية، ويدللون على ذلك، بالجهود التي بذلتها الكنيسة الكاثوليكية، عندما استبدلت اللغة اللاتينية باللهجات المحلية، لإدارة القداس في الكنائس الكاثوليكية في كافة أنحاء العالم.

ويدللون أيضًا بالجهود التي تم بذلها، لابتكار لغة عالمية، مثل اللغة المعروفة باسبرنتو، وأيضًا جهود توحيد المصطلحات الفنية عالميًّا، التي تبذلها المنظمات العالمية المختصة بتنظيم التجارة، وتطوير البحث العلمي، كما يشيرون إلى الجهود، التي بذلتها الجماعات اليهودية غير المستقلة سياسيًّا، في إحياء اللغة العبرية في فلسطين، في القرن التاسع عشر الميلادي، ويشيرون كذلك إلى تحديث نصوص الطقوس الدينية، التي قامت بها مجموعات وطوائف مسيحية في أمريكا.

ويشيرون أيضًا إلى الجهود التي بذلت، في ترسيم لهجات الأقليات وتحويلها إلى لغة مكتوبة، مثل جهود الإرساليات التبشيرية في أنحاء متفرقة من العالم، من أجل تطوير لهجات محكية، وتحويلها إلى لغات مكتوبة.

بل يوسع آخرون من دائرة التخطيط اللغوي، ولا يقصرونه على الأنشطة المحددة، على المستوى القومي لدولة ما، ولا على الأنشطة، التي تتجاوز حدود الدولة الواحدة إلى مستو عالمي.

ويدعو إلى توسعة التخطيط اللغوي؛ ليشمل الأنشطة التي تستهدف التجمعات الصغيرة، مثل: الأقليات العرقية والدينية، أو أصحاب المهنة، أو الحرفة الواحدة.

إن التخطيط اللغوي يتناول التأثير اللغوي، والمشكلات اللغوية على مستوى أية أمة متطورة أو أقل تطورًا، ومن الممكن أن تنطلق مبادرات هذا التخطيط، من أي مستوًى من مستويات الهرم الاجتماعي، إن التخطيط اللغوي له أهمية كبرى؛ لأنه يسهم في التغير الاجتماعي، كما يسهم في التغير اللغوي إلى حد كبير، كما يسهم في زيادة فرص تعلم اللغة، كما يمكن أن يكون سببًا قويًّا، في نجاح التنمية الاقتصادية لأي بلد.

أما علاقة التخطيط اللغوي بميادين البحث العلمي الأخرى، فنقول:

إن لهذا التخطيط اللغوي جانبين، تطبيقيًّا ونظريًّا، ويتمثل الجانب التطبيقي في الأنشطة، التي يقوم بها الممارسون للتخطيط اللغوي، أما الجانب الآخر: فيتمثل في الموضوعات النظرية في ميدان البحث، ويسعى الدارسون للتخطيط اللغوي، إلى فهم نظرياته وتطبيقاته، ونتائج تلك التطبيقات؛ حيث ترتبط هذه الأمور الثلاثة بعضها ببعض، وبالسياق الاجتماعي الذي تحدث فيه.

والتخطيط اللغوي لا يعد ميدانًا مختلفًا، من ميادين البحث العلمي، فالموضوعات الذي يدرسها هذا العلم، أو هذا الفرع أعني التخطيط اللغوي، تتصل اتصالًا وثيقًا بموضوعات ميادين المعرفة التي تفرع منها، وهي علم اللغة التطبيقي، وعلم الاجتماع اللغوي، ويعد التخطيط اللغوي تخصصًا فرعيًّا مشتقًّا من هذين العلمين، ويكفي أن نعلم، أن أبحاث التخطيط اللغوي، تعد واحدة من جملة أبحاث علم اللغة التطبيقي، فإذا كان علم اللغة التطبيقي، يهتم بتعليم اللغات وتعلمها، ويهتم بثنائية اللغة، ويهتم بالتعليم الثنائي اللغة، ويهتم بتحليل النصوص والترجمة، واختبارات اللغة، وطرق تدريس اللغات، والدراسات المقارنة والأسلوبية والمعجمية، فإنه يهتم أيضًا بالتخطيط اللغوي.

أما بالنسبة لعلاقة التخطيط اللغوي بعلم الاجتماع اللغوي، فيكفي أن تعلم أن التخطيط اللغوي، هو أحد محاور اهتمامات علم الاجتماع اللغوي، فموضوع التخطيط متداخل بين علم اللغة التطبيقي، وعلم الاجتماع اللغوي؛ بل إن بعض العلماء يقصر علم اللغة التطبيقي على التخطيط اللغوي، ويعطيهما دلالة واحدة، وهي إيجاد حلول المشكلات اللغوية، ولكن الأمر بخلاف ذلك، كما اتضح ذلك أثناء حديثنا عن تعريفات التخطيط اللغوي، وتعريف علم اللغة التطبيقي في أثناء الدرس الذي خصص له، وتعريف علم اللغة الاجتماعي، في أثناء الدرس الذي خصص له أيضًا.

فعلم اللغة التطبيقي يهتم بتطبيق علوم اللغة على مشكلاتها، وعلوم اللغة تعني فروع اللغة بصفة عامة، أو فروع علم اللغة بصفة عامة، كعلم النفس اللغوي، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم اللغة الرياضي، وبعض الباحثين يتمادى أكثر في هذه النظرة، فيجعل التخطيط اللغوي أوسع من علم اللغة التطبيقي، لكن المؤكد أن دراسة التخطيط اللغوي، تقع في صميم مجال دراسة علم الاجتماع اللغوي؛ حيث يهتم علم الاجتماع اللغوي بمظاهر السلوك الإنساني، فيهتم بكافة الموضوعات المتعلقة بالترتيب الاجتماعي لهذا السلوك، واللغة جزء من السلوك الإنساني.

error: النص محمي !!