التعريف بالنوازل والقضايا الفقهية المعاصرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فنتناول بالتعريف كلًّا من: النوازل، والقضايا، والفقهية، والمعاصرة؛ ماذا تعني كل كلمة من هذه الكلمات وكل مصطلح من هذه المصطلحات؟
النقطة الأولى: النوازل:
النوازل جمع نازلة، وهي كما تقول المعاجم اللغوية: المصيبة الشديدة، والجمع نازلات ونوازل، ومن المعلوم أنه إذا نزلت مصيبة شديدة واجتاحت الناس في صحتهم، أو في طعامهم، أو في شرابهم، أو في زراعتهم، أو في حيواناتهم وممتلكاتهم فإنها تحتاج إلى حكم شرعي يبين للناس كيف يتعاملون مع هذه النازلة؟
والنوازل شرعًا:
هي الأمور المستجدة التي لم يسبق فيها نص ولا حكم شرعي؛ مسائل جديدة، قضايا جديدة، أمور مستجدة تعم كثيرًا من الناس؛ ولذلك تسمى نازلة لا تخص شخصًا بمفرده، ولكن تشمل مجتمعًا أو حيًّا كاملًا فيحتاج المسلمون في هذه الأمور المستجدة إلى اجتهاد فردي أو جماعي، والاجتهاد الفردي لعالم من كبار العلماء المشهود لهم بالتقدم العلمي الشرعي، أو اجتهاد جماعي يجمع ويضم جماعة من كبار العلماء من سائر البلاد العربية أو الإسلامية أو علماء الجاليات في البلاد غير الإسلامية؛ فيقوم هؤلاء جميعًا -سواء كان الاجتهاد فرديًّا أو جماعيًّا- ببيان الحكم الشرعي لهذه النازلة; ولذا تعرض الفقهاء لهذا الموضوع أو أشباهه عند الجوائح، جمع جائحة، وهي التي تجتاح الأرض والناس والحيوانات، فتأكل الأخضر واليابس من الزرع والضرع.
وتناولها أيضًا الفقهاء في مواطن أخرى عند الحديث عن القنوت في الصلاة للدعاء لرفع هذه النازلة، هذا القنوت قد يكون في صلاة الصبح أو في سائر الصلوات لمدة معينة حتى يرفع الله هذا البلاء وهذه النازلة، أو يستمر إلى ما يشاء الله، ولقد جاء ما يدل على تناول الفقهاء لهذه النوازل في هذين الموضوعين الجوائح والقنوت، وقد جاء في (الموسوعة الفقهية) ما نصه: “اختلف الفقهاء في حكم القنوت عند النوازل على أربعة أقوال”.
فالشاهد هنا هو أن الفقهاء اختلفوا في حكم القنوت عند النوازل. هناك من يجيز ذلك وهناك من لا يجيزه، وسوف نفسح له القول لاحقًا إن شاء الله.
قال الشافعية أيضًا: “إذا نزلت بالسلمون نازلة كوباء وقحط أو المطر الذي يضر بالعمران أو الزرع أو خوف عدو أو أسر عالم، قنتوا في جميع الصلوات”؛ فقد مثلوا في هذا القول بالوباء والقحط والمطر الذي يضر بالعمران والزرع أو خوف عدو أو أسر عالم؛ عند ذلك يقول العلماء بجواز القنوت في جميع الصلوات.
والشاهد هنا قول الشافعية: “إذا نزلت بالمسلمين نازلة”، وقال الحنابلة: “ويجهر -أي: الإمام- بالقنوت للنازلة في صلاة جهرية، ولو قنت في النازلة كل إمام جماعة أو كل مصلٍّ لم تبطل صلاته”.
إذًا الحنابلة أيضًا تناولوا الكلام عن النازلة وعن القنوت في الصلوات بسببها، وعن الجهر بالقنوت في الصلاة الجهرية.
النقطة الثانية: القضايا:
ما معنى القضايا؟ لأن هناك شبها بين النوازل والقضايا، فالنوازل هي الأمور الحسية التي تنزل بالناس وتمثل هذه النازلة قضية بين الناس، فالقضايا: جمع قضية، وهي المسائل التي يبحثها الفقهاء للقضاء فيها بحكم شرعي مناسب لمصادر الشريعة لما جاء في القرآن الكريم أو جاء في السنة النبوية، أو جاء في أقوال الصحابة والتابعين، أو أقوال الأئمة الفقهاء السابقين.
النقطة الثالثة: المعاصرة:
النوازل والقضايا المعاصرة، والمعاصرة اسم فاعل من الفعل عاصر؛ أي اجتمع في زمن واحد مع غيره، نقول: العلماء المعاصرين، ونقول: الأدباء المعاصرين والفقهاء المعاصرين؛ أي الذين يعيشون معنا في هذا العصر الحاضر.
إذًا تكون القضايا المعاصرة هي القضايا التي نزلت بالمسلمين في العصر الحاضر ويقوم الفقهاء بالبحث عن الأحكام الشرعية لها، فالقضايا المعاصرة هي النوازل التي نزلت بالمسلمين في العصر الحاضر وبحث الفقهاء عن أحكام شرعية لها.
النقطة الرابعة: الفقهية:
الفقهية نسبة إلى الفقه، والفقه لغة هو: الفهم، وشرعًا: هو فهم ومعرفة الأحكام الشرعية العملية من الأدلة التفصيلية؛ فلكل قضية حكمها الشرعي الذي يستدل به من القرآن الكريم أو السنة النبوية أو أقوال الصحابة أو إجماع المسلمين أو الأئمة الأربعة أو غيرهم؛ هذا يسمى الفقه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)). فهذا من خير العلوم وأنفعها للإسلام وللمسلمين؛ لأنه يختص بمعرفة الحلال والحرام.